الجمعة، 24 فبراير 2017

مباحث في الاستخبارات (28) الارهاب السري








مباحث في الاستخبارات (28) الارهاب السري 

 

مباحث في الاستخبارات (28)

الارهاب السري

بشير الوندي
========
مدخل
========
مع نهاية القرن العشرين أصبح الإرهاب مشكلة عالمية متجذرة وتهدد جميع أنحاء العالم وتضرب في كل مكان.
وتكمن المشكلة في الفوارق في العمل الاستخباري مع العدو الذي يعمل تحت الارض من خلال تنظيمات سرية , عن العدو الذي يعمل في العلن كدولة العدو او التنظيمات التي تحتل علنا منطقة جغرافية محددة .
وهي تجربة جديدة في العمل الاستخباري لدى اغلب الدول, ولكن الجميع وخاصة الدول المتقدمة استخبارياً تبذل جهوداً كبيرة لتطوير قابلياتها أمام العمل السري من خلال تغيير اساليبها المعتادة التي اعتمدتها طيلة عقود مابعد الحرب العالمية الثانية وفترة الحرب الباردة حين تركزت حرب الاستخبارات بين الدول المتصارعة.
فعندما يكون العمل الاستخباري على دول وأنظمة فهو معلوم الحال وكل شيء يكون واضحاً في المهمة الاستخبارية بملفات الدولة العدو , فهنالك جيش العدو وشعب العدو وحكومة العدو واقتصاد العدو واعلام العدو وكلها ضمن دولة العدو وحدود العدو الجغرافية .
اما في مجال الصراع الاستخباري مع الإرهاب , فلا دولة أو أرض أو جغرافيا ثابتة ولاجيش أو اتصالات أو شيء معلوم وواضح .
لابد من القول إن جميع أجهزة العالم المتقدمة تعاني من صعوبة كبيرة في مواجهة الإرهاب الصامت فكلما صغرت الخلية الارهابية ,كان العمل عليها أصعب ويصعب اكثر في حالة الذئاب المنفردة والعمل الارهابي الفردي .
===========
الارهاب السري
===========
ينقسم الإرهاب في العصر الحديث إلى نوعين : إرهاب سري وإرهاب علني , فالارهاب السري يكون تحت الارض فيما يكون الارهاب العلني فوق الارض.
فمن مظاهر الإرهاب السري كانت القاعدة وجماعة الزرقاوي و المنظمات الارهابية الاخرى التي تعمل بالخفاء ولكن حين حكمت طالبان افغانستان , وحين حكمت داعش الموصل والفلوجة فهنا اصبحتا ضمن تصنيف الارهاب العلني .
مع الاخذ بالاعتبار ان من الممكن ان تكون لدى التنظيمات العلنية اذرع سرية , كخلايا داعش السرية في بغداد , تعمل بالتوازي مع العمل العلني للتنظيم الام .
فداعش اصبح ظاهراً على الارض منذ اعلان دولته المزعومة في اجزاء من العراق وسوريا ولكن له اذرعاً سرية تعمل في الخفاء بعيداً عن تشكيلاتة العسكرية الارهابية العلنية.
وتكمن الصعوبة في التعامل مع التنظيمات الارهابية انها بمجرد أن يتشكل التنظيم ويعمل سرا , سيصعب استهدافه واختراقه , ولكن عندما يخرج فوق الأرض ويحاول مسك الأرض فهو يخطو باتجاه تدمير نفسه وبسط يد الاستخبارات لاختراقه لأنه سيفقد الكثير من مرونة ومميزات العمل السري.
فحين يخرج داعش للعلن ويمسك الأرض ويفرض قوانينه ويتشبه في بناءه بالحكومات الدكتاتورية في العالم , سيصبح علنياً أمامنا نراه ويرانا في الجبهة , فيكون العمل الاستخباري عليه اسهل .فالإرهاب العلني يمكن القضاء عليه وتدميره وانكماشه عسكريا , كما حصل في جميع التجارب السابقة للإرهاب العلني , ولكن مكمن الخطر هو الإرهاب السري, فالجيش الأمريكي استطاع القضاء على طالبان حين كانت دولة في ايام , ولكن عندما عادت طالبان تحت الأرض اصبح من الصعب القضاء عليها بالعمليات العسكرية لسنوات.
====================
بين الارهابين السري والعلني
====================
ويمكن تلخيص الفوارق بين الارهاب السري والعلني بعدة فوارق يتبين منها خطورة الارهاب السري وصعوبته قياساً بالارهاب العلني ومن ابرز الفوارق مايلي:
1- في الارهاب السري لايستخدم التنظيم تقنيات الاتصال ويحذر منها بينما يضطر لاستخدامها في حال بروزه للعلن , مما يسهِّل استهدافه.
2- الارهاب السري يستفيد من الحواضن التي تأويه لاسيما في المجالات اللوجستية ويحاول استمالتها ويحتفظ بطاقته للعمل الارهابي فقط دون عبء, ولكن في الارهاب العلني يكون التنظيم الارهابي هو المسؤول عن الحواضن ويضطر الى تلبية احتياجات سكانها مما يشكل عبئاً عليه ويستنزف الكثير من طاقاته لإدارة الأرض ويستعدي السكان للسيطرة عليهم وينشغل بحكمهم بحزم .
3- يفقد الارهاب العلني زمام المبادرات والمباغتات الهجومية , بينما يمتاز الارهاب السري بأنه المبادر دوماً بسبب مرونته الشديدة.
4- بطبيعة الحال فان الارهاب السري يستفيد من السرية المطلقة كدرع لاعماله , بينما لايستطيع الارهاب العلني ممارسة السرية المطلقة بحكم تحديده بجغرافيا وابنية ومعسكرات علنية يسهل رصدها وبحكم اضطراره للتعامل العلني مع السكان .
5- الارهاب العلني يتعرض لجميع أنواع الاسلحة البرية والجوية والمدفعية مما يكبده خسائر كبيرة , بينما لاينفع مع الارهاب السري سوى الجهد الاستخباري الدقيق.
6- الارهاب العلني يستنزف الاموال والافراد والإمكانيات بحكم تكاليف مسك المدن وادارة المعارك العسكرية , بينما يمتلك الارهاب السري مرونة التحكم بالموارد.
7-ويفترض ان الارهاب العلني يتعرض للخرق الاستخباري بشكل اسهل بينما يصعب اختراق الارهاب السري.
وكما لاحظنا من الفوارق التي ذكرناها فإن العمل استخبارياً على الإرهاب السري صعب جدا ويحتاج إلى منظومة استخبارية واعية ومدربة وذكية ومنضبطة بشكل كبير و تتمتع بحجم كبير من السرية والمهارة , وبمركزية جهاز مكافح واحد يختص بالتنظيم الارهابي ليكون مرجعية واحدة لمكافحة الإرهاب ومستودع كل النشاط الاستخباري.
فمثلا في امريكا أكثر من 15 جهاز استخباري كل واحد يعرف واجبه وأهدافه ولكن المكافحة تختص بجهاز واحد فقط وهو ال ف بي أي.
وعلينا التنبيه هنا انه في حالة الارهاب الصارخ والعلني يتم تفعيل الجهد الاستخباري في الجانب العسكري وتعطى الادوار والمرجعية الاستخبارية للاستخبارات العسكرية لكونها قادرة على المعالجة السريعة من خلال الطيران والمدفعية وصنوف القوات المسلحة المتنوعة, وعلى جميع أجهزة الاستخبارات أن ترسل كل معلوماتها إلى الاستخبارات العسكرية.
اما في حالة الارهاب الصامت أو السري فتكون المرجعية للاستخبارات الداخلية وعلى جميع أجهزة الاستخبارات أن ترسل معلوماتها إلى الإستخبارات الداخلية
================
معالجة الارهاب السري
================
تعتبر الخدمة السرية العمود الفقري والطريقة الأمثل للعمل على التنظيم الارهابي السري من خلال خرقه بمجموعة كبيرة من المصادر والمخبرين .
ويختلف زرع المصادر في العمل الاستخباري ضد الدول عنه في العمل الاستخباري ضد التنظيمات الارهابية .
ففي الاولى قد يكفي عميل رفيع المنصب او الرتبة العسكرية ليعوض عن جيش من العملاء السريين لانه في قلب القرار السياسي او العسكري .
اما في العمل الاستخباري ضد التشكيل الارهابي فالامر مختلف , فأنت بحاجة الى جيش من المصادر فكل خلية ارهابية تعمل بشكل منفصل وتخطط بشكل منفصل وتنفذ بشكل منفصل , وحتى لو سألت الخليفة فهو لا يحفظ شي ولا توجد بيانات وأحصاء آت لكي تحصل عليها بحكم العمل السري.
لذا علينا زج أكبر عدد ممكن من المصادر والمخبرين في التنظيم وبشكل عشوائي وزيادة العدد باستمرار للسيطرة شيئاً فشيئاً على نشاط التنظيم ومحاولة إيصال بعض المصادر إلى المستوى القيادي بشكل متسلسل.
كما ان للمراقبة الفنية و التنصت والاستهداف والاستماع والكاميرات الذكية دور كبير في ملاحقة التنظيمات السرية , كما لابد من تفعيل تبادل المعلومات مع دول الجوار للحصول على اية معلومات حول التنظيم .
وعلينا ان لاننسى اهمية المعلومات التي تتيحها التحقيقات التي تجرى مع المعتقلين وامكانية تجنيد اعداد منهم وتوثيق أقوالهم وتكوين خارطة تنظيمية لهم من خلال الاعترافات.
كما ان علينا الانتفاع من المعلومات المتحصلة من المهجرين ومن المحررين من المناطق التي خرجت من سيطرة داعش , فحين سيندحر التنظيم الارهابي من الاراضي المحررة بإذن الله سينكمش الى العمل السري وحينها سوف نخسر هذا المعلومات ويصبح من الصعب الحصول عليها لأنه سيختفي عن الانظار.
لكن تخزين جميع المعلومات واستنطاق أهالي المناطق المحررة وتثبيت كل التفاصيل وبروية وصبر وتثبيت كل مايقصه الناس من أعمال وأسماء وتوصيف وصور يجعل لدينا خزين كبير من المعلومات ضد العدوا مستقبلاً.
كما تلجأ بعض دوائر الاستخبارات الى اسلوب التجنيد الايهامي من خلال تنظيم شبكة ارهابية وهمية على شبكات التواصل لتجنيد الشباب وايهامهم بأنها تجنيد لصالح التنظيم وهو نوع من الحرب النفسية وخلق جو من عدم الثقة وعدم التواصل مع التنظيم والسيطرة على حجم التجنيد من خلال الشبكة الوهمية والسيطرة على الشباب قبل وقوعهم في شباك داعش.
وبالتأكيد , فان تطبيق العقوبات الرادعة والسريعة بحق الارهابيين المدانين كعقوبة الإعدام تعد من الوسائل الهامة لادخال الرعب لدى الارهابيين ويتم ذلك بالتوازي مع مكافحة الفكر التكفيري ومطاردة كل من ينشر الكراهية بشكل سريع وحاسم.
==================
توزيع الادوار الاستخبارية
==================
لابد من تفكيك المهام الاستخبارية وتوزيعها وتحديد المرجعيات حتى يكون كل جهاز مسوول عن أحد المفاصل المهمة , فعلى الحكومة وادارة المجتمع الاستخباري تقسيم العمل على داعش في ثلاثة محاور :
1- ففي المحور العسكري وجبهات القتال لابد ان تدار استخبارياً من الاستخبارات العسكرية وتكون هي المرجع لكل الجهد الاستخباري.
2- اما بالنسبة للخلايا السرية الارهابية فيجب ان يتم العمل عليها من قبل استخبارات الداخلية وتكون هي المرجع الاستخباري.
3- اما مايخص المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة وامتداداتها كالموصل وسوريا فتكون ضمن واجب جهاز المخابرات.
=============
مخاوف مشروعة
=============
علينا ان نعترف ان اجهزتنا الاستخبارية قد فشلت في اختراق التنظيمات الارهابية حينما كانت تلك التنظيمات تعمل تحت الارض , وبرز الاخفاق الاستخباري من خلال الاعمال الارهابية في العاصمة بغداد والمحافظات .
ولعل تنظيم داعش قد انشغل في الفترة السابقة باحتلال المدن مما خفف من العمليات الارهابية ضد المدنيين نسبياً بالرغم من ان لداعش اذرع سرية منفصلة .
ومع انتصارات قواتنا المسلحة على داعش في المعارك الاخيرة وخسارة داعش لأهم قلاعها في الفلوجة والانبار واطراف الموصل في القيارة , وبيان تباشير النصر لتحرير الموصل , فحينها سوف تضطر داعش وكما هو الحال في كل إرهاب علني إلى تقبل الخسارة والانكماش والاختفاء وتغيير اسلوبها إلى العمل السري.
فمن المتوقع أن تنتهج داعش , بعد تحرير اراضينا من براثنها , طريقة العمل السري وحرب العصابات , فتذهب للعمل السري ضمن خلايا صغيرة في مناطقنا الامنة وتضرب في كل مكان بالاغتيالات والعبوات والعجلات والاحزمة الناسفة, وتذهب للعمل السري بشكل حرب عصابات ومعارك كر وفر في مناطق الحواضن
وهنا يكمن التهديد وضرورة التهيؤ , فجهازنا الاستخباري ضعيف وغير قادر على العمل على الإرهاب في المستوى السري وتنقصه الكثير من المستلزمات والضوابط الداعمة والبنى التحتية, كما ان جيشنا وأجهزتنا الامنية وكل مؤسساتنا الاستخبارية لا تجيد مواجهة هذا الأسلوب السري من الاعمال الارهابية
والاخطر من ذلك أن من النتائج المتوقعة لخسارة داعش للأرض والمركزية التنظيمية يجعلنا أمام احتمال انشقاقات في صفوف داعش وينتج عنها خلايا متنافسة وقد تكون متقاتلة للسيطرة على قيادة التنظيم وإبراز قدراتها والسعي لكسب انتباه الداعمين لها , ولذا تكون هذه الخلايا أعنف وأخطر وتحاول تنفيذ واجبات نوعية كبيرة لإثبات وجودها والتنافس في الشراسة بقتل المدنيين , مما يستوجب التهيؤ السريع والحازم في اجراء تغييرات جوهرية في القيادات الاستخبارية والتخلص من الترهل وتحضير الخطط لمواجهة الفشل الاستخباري والحد منه قبل الاستفحال فالوقت ليس في صالحنا.
=======
خلاصة
=======
لايختلف اثنان من ان العراق هو البلد الأول الذي يواجه الإرهاب ولهذا علينا اولا تطوير قدراتنا الاستخبارية لأن الإرهاب السري لايُكافح عسكرياً ولاتستطيع اية دولة القضاء عليه عسكريا , بل يجب مواجهة الإرهاب السري أمنياً ومن خلال تطوير الجهد الاستخباري فقط.
ان العلاج الوحيد لمواجهة الفشل هو بالأمن المعلوماتي , ولكن في ظل اجهزة استخبارية مترهلة ولاتعرف واجباتها , ويقودها أشخاص لا يفهمون الفرق بين الأمن والاستخبارات ولا يعرفون معنى انتاج الاستخبارات ويعملون بلا أهداف اوخطط اوبرامج , وبلا تكنولوجيا ولا رقابة او هيئة وطنية تشرف وتنسق عمل الاستخبارات , بدون ذلك سيكون من الصعب مواجهة تحديات المستقبل القريب , والله الموفق. 

0 التعليقات:

إرسال تعليق