الجمعة، 24 فبراير 2017

مباحث في الاستخبارات (12) ( ادارة المجتمع الاستخباري )







مباحث في الاستخبارات (12) ( ادارة المجتمع الاستخباري ) 

 

 


مباحث في الاستخبارات (12)

( ادارة المجتمع الاستخباري )

بشير الوندي

=========
مدخل
=========
تعمد اغلب الدول الى تشكيل لجان عليا لتنسيق الجهد والاداء بين الاجهزة ذات الواجب المتشابه والمتقارب , فتجتمع عادة في الدولة مجموعة مؤسسات حكومية مختصة بقطاع معين ضمن لجنة تنسيق عليا .
ففي البنك المركزي مثلا تتشكل هيئة للاشراف وادارة المصارف وفي السياسة التربوية تتشكل الهيئة العليا لسياسات التعليم ( وزارات التربية واالتعليم العالي والثقافة وغيرها.. ) وكذا مجلس اعلى للثقافة وغيرها
وبما ان الاستخبارات تمثل احد أوجه الامن والشوون العسكرية وتلعب دوراً مهماً ومصيرياً في علاقات البلد مع دول الجوار والاقليم والعالم , لذا من الضروري جداً ان تكون هناك لجنة او هيئة او دائرة تجمع المؤسسات الاستخبارية لتنظيم الاعمال وتنسيقها وهي مانعني بها بادارة المجتمع الاستخباري او الادارة الوطنية للاستخبارات او ادارة وتنظيم الجهد الاستخباري.
==================
رئاسة المجتمع الاستخباري
==================
ان اجهزة الاستخبارات في الغالب اما ان تكون بدائرة مستقلة كجهاز المخابرات او ضمن وزارات امنية وعسكرية كاستخبارات الداخلية والدفاع والبعض منها بمستوى وزاره كوزارة الامن الوطني في بعض الدول(والتي كانت عندنا ثم تم حلها وتحويلها لجهاز الامن الوطني ).
وبالطبع فان الدول تعمل على انتاج الصنف الاستخباري وتوحيد المدفوعات والرواتب لهذه الاجهزة وتنظم الهياكل التنظيمية لكل جهاز بحسب اهدافه , وتذهب الى تنظيم الجهد والتطوير البشري في الاجهزة وتوفر كل ماتحتاجه من اجهزه فنية والتكنلوجيا ,كما تعمد الى اصدار التشريعات والقوانين اللازمة للعمل الاستخباري.
وتختلف الدول في ادارتها للمجتمع الاستخباري , فبعض الدول تجعل نائب القائد العام مشرفاً على ادارتها ومرتبطاً بالقائد العام للقوات المسلحة , وفي بعض الاحيان تسند ادارتها للدائرة التي يكون رئيسها بمنصب وزير , او ان يكون مستشار للامن الوطني (القومي) هو المدير للمجتمع الاستخباري او ان تمنح الادارة للشخص الاعلى رتبة بين مجموع الاجهزة, فان كان رئيس احد الاجهزة برتبة فريق والباقي من هم برتبة لواء فيكون الفريق هو المشرف على اداره المجتمع الاستخباري. ======================
المجتمع الاستخباري ..الاهداف والادارة
======================
ان الغرض الاساس من تشكيل ادارة للمجتمع الاستخباري يتمثل في التنسيق ومنع التداخل بين الاجهزة الاستخبارية ومنع تكرار المهام من خلال تحديد واضح لمساحات العمل لكل جهاز وتقسيم الاعمال وتركيز الجهود من خلال تحديد الاولويات والاهداف ووضع الخطط وفق تحديد واضح للمتطلبات والنواقص وفي ذات الوقت فان ادارة المجتمع الاستخباري تختصر الكثير من الخطوات الادارية البيروقراطية وتحدد الموازنات المالية اللازمة وفق الخطط الموضوعة ناهيك عن التنظيم وتنسيق التدريب ورفع المهارات وتبادل الخدمات الفنية والخبرات ودراسة المخاطر والتهديدات وكل ذلك يتم وفق خطط سنوية واضحة ومحددة وملزمة لكل جهاز من اجهزة المجتمع الاستخباري
وتتيح الادارة الناجحة للمجتمع الاستخباري وتوزيع الادوار لمنع الاحتكاك والتداخل والعمل بروح الفريق الواحد وتحديد المرجعيات والتوقيتات وحتى الوفود الاستخبارية الخارجة من البلد وتنظيم كراسة التدريب السنوي بين الاجهزة وتزويد الحكومة بالدراسات والبحوث اللازمة حول ملفات المخاطر والتهدبيات والشان الامني الداخلي والخارجي وبحث الخروقات الحاصلة والمحتملة , وتحديد برامج جادة ضمن الخطط السنوية لاختراق تنظيمات العدو.
ويحتاج مركز ادارة المجتمع الاستخباري الى تشكيلات في امانته العامة تتيح له تنفيذ مهامه اهمها :
1- معهد او كلية للاستخبارات . 2- خبراء ومستشارين في القانون والقانون الدولي .3- مركز للدراسات 4- دائره للموازنات. 5 - دائرة للتطوير الفني . 6- دائرة للموارد البشرية. 7- دائرة لمراقبة الاداء. 8- دائره لاعداد الخطط والبرامج .9- ادارة الحرب النفسية.
وتنسق الادارة بين المجتمع الاستخباري بكل اعضاءه من جهة , وبين الدولة والبرلمان والمجتمع والسلطة القضائية, وهو حلقه الوصل بين الجهد الاستخباري والقرار السياسي والبناء الاستراتيجي للبلد
وتقوم ادارة المجتمع الاستخباري ايضا بتمثيل الاجهزة الاستخبارية خارج البلاد في بعض الاحيان , لمنع كشف رجالات الاستخبارات الحقيقيين , اي انه يقوم بادوار الاستخبارات في عالم الدبلوماسية.وتكون للمجتمع الاستخباري امانة عامة ورئاسة واعضاء اساسيين هم رؤساء الاجهزة الاستخبارية وهناك اعضاء يحضرون عند الحاجة وهم
1- رئيس لجنة الامن والدفاع البرلمانية , 2- وكيل وزير الخارجية للشؤون الدولية والقنصلية , 3- وكيل وزارة العدل او المدعي العام , 4- مدير مكتب مكافحة غسيل الاموال في البنك المركزي , 5- مدير عام السفر والجنسية والاقامة , 6- مدير عام مكافحة الجريمة الاقتصادية.
كما يحضر القائد العام والوزراء الامنيين وحتى بعض الوزراء بحسب الحاجة كوزير النفط او النقل.
==================
مهام المجتمع الاستخباري
==================
تنحصر مهام المجتمع الاستخباري في مستويات التفكير الاستراتيجي , وليس من مهامه الخوض في التفاصيل لعمل كل جهاز , فكل جهاز يخوض مهامه وفق الخطط السنوية الموضوعة في المجتمع الاستخباري بخطوطها العريضة , اما مهام المجتمع الاستخباري فتنحصر في الاستراتيجيات ومنها :
1- التحذير من الحرب والاعمال العدائية .2- تقييم المعلومات لصياغة وانتاج اطار السياسات الامنية . 3- تشخيص الاضرار الاجتماعية. 4- تحديد مواطن الخلل الامني. 5- التحضير للحرب .6- رسم الاطار العام واعداد الخطط لمكافحة التهديدات والمخاطر الداخلية والخارجية . 7- انتاج الحرب النفسية ومواجهة الحرب النفسية المضادة . 8- تطوير قواعد البيانات وحمايتها . 9- دراسة وتقييم مؤثرات الدول ودول الجوار والعدو الداخلي . 10- بناء وتطوير الاجهزة الاستخبارية المحترفة . 11- التعاون الاستخباري مع الدول . ==================
المجتمع الاستخباري العراقي
==================
من المؤسف ان نعترف ان التوصيف الامثل للمجتمع الاستخباري العراقي يتلخص بالفوضى العارمة , وفي حالة العراق لدينا خمسة اجهزة هي العمود الفقري للمجتمع الاستخباري الذي نفترضه وهي :
1- جهاز المخابرات الوطني
2- جهاز الامن الوطني
3- وكالة المعلومات في وزارة الداخلية
4- المديرية العامة للامن والاستخبارات في وزاره الدفاع
5- مديرية الاستخبارات العسكرية في وزاره الدفاع
فكان لابد من ان يكون هنالك تنسيق مرن بين تلك الاجهزة لايعيق تبعيتها الادارية وفي ذات الوقت يتيح لها ان تكون هنالك تخطيط وتنسيق ونظرة استخبارية عالية الاداء والحيوية .
ولكن للاسف , كانت ولازالت ادارة المجتمع الاستخباري العراقي تدار بفشل مريع من قبل مستشارية الامن الوطني العراقي من خلال اشخاص لايفقهون شيئاً عن الامن والاستخبارات , فكان تراكماً للفشل الذي تعانيه الاجهزة الاستخبارية ذاتها .
ولايحتاج الامر الى دليل على ماقلناه من اتهام بالفشل بأكثر من النظر فيما تعانيه اجهزتنا الاستخبارية بعد ثلاثة عشر عام من الادارة المتدنية الكسولة , من تفشٍّ للتضخم والترهل والتغول وفقدان البوصلة و التخصص وعدم وضوح الواجبات وتداخلها وتكرارها وعدم توزيع الملفات وفق نوع المهام او نوع العدو, والنقص الحاد في التكنلوجيا رغم توفر الميزانيات الضخمة المهدرة في السنوات الماضية ,عدا عن انعدام الكفاءة العلمية وفقدان التطوير والتدريب والفشل في اسلوب توزيع المعلومات وفقدان الخطط والبرامج وضعف البناء الاداري وعدم وجود تشريعات برلمانية و قانونية للاجهزة الاستخبارية وعدم وجود تقييمات دورية حقيقية للاداء , وغياب اي دور او تاثيرللاجهزة الاستخبارية في القرار السياسي او في فلترة الترشيح للمناصب المهمة ( في الدولة والقوات المسلحة ), ونتجت عن ذلك مخرجات هزيلة من معلومات استخبارية عمومية لاقيمة لها, وافتقار للدراسات والبحوث.
ان اهم وابرز اخفاق في الجهد الاستخباري هو ما حصل في التعامل مع داعش وريثة القاعدة, التي تأسست عام 2004 وقاتلت الحكومة والاجهزة الامنية بضراوة , وقتلت قيادات كثيرة.
وكانت الحاضنة عراقية والمقاتلون في الغالب عراقيون اصبحوا بعد 2007 قادة القاعدة وداعش, وبرغم ذلك فشلت اجهزة الاستخبارات العراقية طيلة عشرة سنوات من اختراق التنظيم الارهابي
وكان الاخفاق الاخطر في نجاح التنظيم الارهابي من مسك ارض واعلان دولة وهو بقيادات واركان عراقية, ففيما كانت اكبر اولوية لكل اجهزه استخبارات العالم كله اثناء العمل على داعش ان تعرف اولاً مواطنيها الملتحقين بالتنظيم , كانت اجهزتنا ومؤسسة ادارة المجتمع الاستخباري نائمه ولا تتحسس المخاطر والتهديد برغم انتصارات الارهابيين المبكرة في سوريا قبل الموصل والتي تمت بتنظيم عراقي وقيادة عراقية في دولة مجاورة يكبر ويتوسع لسنتين دون ان نشعر بالخطر, مايعني ان ادارة المجتمع الاستخباري لم تتجاوز حد الصفر طيلة اكثر من عقد من الزمان . ==================
بين الارتباط الاداري والفني
==================
لقد اضعنا ثلاثة عشر سنة كان بالامكان ان تبنى بها اجهزة استخبارية قوية ومتخصصة من خلال الدورات وتأسيس كلية أو معهد للاستخبارات والزام جميع صنف الاستخبارات بالحصول على دبلوم عالي في مجال علم الاستخبارات.
وكان بالامكان ان تكون لدينا مؤسسة فاعلة لادارة المجتمع الاستخباري بقيادات كفوءة ترسخ لهيكلية تتمتع بالمرونة التي تفرق بين ماهو اداري وماهو تخصصي , بحيث يكون كل جهاز استخباري مرتبط ادارياً بوزارته , لكنه مرتبط في مجالات التخصص الفني بادارة المجتمع الاستخباري من خلال التنسيق بين الاجهزة .
فعندما ترفع استخبارات الداخلية إلى وزير الداخلية معلومات تحصلت عليها وليست من واجباتها فهذا يعني اننا اربكنا عمل الوزير واخّرنا وصول المعلومة وتبادلها مع جهازها الاستخباري المختص والذي قد يكون مرتبطاً بوزارة اخرى , بينما لو كان الارتباط الاداري منفصلاً عن الارتباط الفني , حينها سترفع استخبارات الداخلية معلوماتها من خلال ادارة المجتمع الاستخباري الى الجهاز المعني بالمعلومة دون المرور الاداري البيروقراطي بالوزير .
ان مااشرنا اليه في مثالنا يختلف عن عشوائية تبادل المعلومات بين الاجهزة , ونعني به موضوع تقاطع المعلومات بين الاجهزة الاستخبارية
فكما قلنا , غالباً ماتتمتع مؤسسات الاستخبار في كل بلد بتعاون وثيق وتنسيق بمستوى عال وتبادل مستمر للمعلومات بحسب الملفات والحاجة , وحتى تبادل للمصادر حسب الأعمال وايضا التدريب والدروس المستخلصة ويكون التنسيق بينها أيضا في الفروع والمحافظات وكذالك تبادل الخبرات والافراد والعمل بروح الفريق الواحد , وأغلب هذه الإجراءات تأتي من إدارة موفقه للمجتمع الاستخباري.
اما تقاطع المعلومات الذي كان يعمل به المجتمع الاستخباري العراقي فكان عشوائياً بحيث يطلع الجميع على معلومات ومعطيات ومصادر الجميع وهذا هو التخبط ويدل على عدم تقسيم المهام من الاساس وكأن الاجهزة الاستخبارية عندنا بمثابة صيادي سمك يصطادون في نهر واحد وفي بركة واحدة .
فلو كان هنالك تقسيم للمهام لاختلفت المعلومات المتحصلة لكل جهاز ولكان بالتالي تقاطع المعلومات في حده الادنى وفي حالات محددة
اما عندما تعلن الاجهزة انها تقاطع المعلومات فهذا يعني انها بلا مصادر وتستند على اخبار وليست متيقنة وتفتقد للمعلومة الصحيحة وان تلك الاجهزة لم تقسم المهام وقد اعفت نفسها من تحديد المسؤولية .
وقد كان المرض القاتل الاخر في اجهزتنا الاستخبارية كل على حدة وفي ادارة المجتمع الاستخباري هو عدم التخصص الذي أربك القيادات الأمنية ايضا , وهو امر لايحتاج الى توضيح لانه معروف للجميع . =========
خلاصة
=========
ان ادارة المجتمع الاستخباري مشابهة لدور وزارة النفط فيها مجموعة شركات للاستكشاف والتنقيب واستخراج وتكرير وتصدير وتوزيع ودوائر فنية وبحثية وتخطيط وبرمجة ودراسات , فيكون اهم واجب للوزير والوزاره هو تنسيق وتنظيم وتطوير هذا الجهد ومعالجه العقد والتقاطعات وانسيابية الواجبات والتعليمات واصدار القوانين والتشريعات حتى تستطيع هذا الشركات القيام بادوارها بشكل صحيح , وهذا هو مشابه لدور رئيس المجتمع الاستخباري .
فهناك ارتباطان للأجهزة الاستخبارية , الأول: ارتباط إداري وامرة وقيادة وهو حسب التسلسل الهيكلي , اي ان استخبارات الداخلية مرتبطة بالداخلية مثلا واستخبارات الدفاع بوزارة الدفاع , والثاني : ارتباط فني مهني يكون مع إدارة المجتمع الاستخباري , وهذا الأسلوب الصحيح عالمياً.
لقد اضعنا لسنوات عديدة فرصة ذهبية لبناء المجتمع الاستخباري وفق الاسس العلمية المعمول بها , وعلينا التدارك بجمع الاجهزة بعلمية ويمكن ان نضيف لها استخبارات الحشد واستخبارات الاقليم لبناء بيت استخباري متين ومتخصص من خلال قيادات واعية متخصصة وتطبيق لعلم الادارة والله الموفق.

 

0 التعليقات:

إرسال تعليق