الجمعة، 24 فبراير 2017

مباحث في الاستخبارات (6) الاستخبارات الدفاعية







مباحث في الاستخبارات (6) الاستخبارات الدفاعية 

 

مباحث في الاستخبارات (6)

الاستخبارات الدفاعية

بشير الوندي
==========
مدخل
==========
تحدثنا في حلقة سابقة ان الاستخبارات تعمل بثلاثة انماط ومجالات تحددها جغرافيا الجريمة وامتداداتها , وحددناها باصناف ثلاثة , اولها الاستخبارات الوقائية التي تعنى بالجريمة التي يدور فلكها داخل الوطن , والاستخبارات الدفاعية والاستخبارات الهجومية .
والنوع الثاني الذي سنتناوله هنا هو الاستخبارات الدفاعية التي تكون معنية بالجرائم التي لاتقف عند حدود البلد ولكنها تتعداه الى خارجه , ولكنها تختلف عن الاستخبارات الهجومية , بانها تعنى بالجرائم من زاوية درء خطرها عن الوطن , فيما تكون للهجومية واجب الاختراقات من اجل مهاجمة العدو .
وكما ذكرنا في مقال سابق , نحن لانتحدث عن هياكل تنظيمية ولكننا نتحدث في اطار الاصطلاح المعرفي النظري الذي يوضح الاهداف والواجبات , والذي تتم على اساسه الهيكلة الادارية .
================
مجالات عمل الاستخبارات الدفاعية
================
ان من ابرز اعمال الاستخبارات الدفاعية هو منع وقوع الجرائم العابرة للحدود , فاذا كانت القوات المسلحة سور الوطن , فإن الاستخبارات الدفاعية تكون درع السور.
وتسمى تلك الاستخبارات بالدفاعية , لانها اول من يدافع عن البلد حتى وان كان ذلك في عمق ارض العدو او الخصم , فهي تعمل على مبدأ (اعرف عدوك), ومن اهم واجباتها هو التنبه للخطر في دور تكوينه الاول وتحذير القيادة والدولة من ذلك والاصرار المستمر حتى تجبر القيادة السياسية للاستماع واتخاذ القرارات, ومن هنا نستنتج ان من اهم مشاكل الاستخبارات صعوبة التنبه في المراحل الاولى للعمل الارهابي والجرائم الدولية.
فالاستخبارات هي المعني الاول بجمع وتقييم وتحليل وايضاح وتفسير كل مايمكن الحصول عليه من معلومات عن العدو, والعدو المحتمل, وتمنع وصول العدو الى استخلاص المعلومات من بلدنا ولهذا تسمى ايضا استخبارات مكافحة , ومن ثم الخروج بخلاصة ترفع للجهات المعنية لكي تتخذ القرار.
فاذا كان غلق المنافذ والثغرات من واجب الحكومة , فان تشخيص الثغرات التي يستغلها العدو هي من واجب الاستخبارات الدفاعية. كوقاية المزروعات, فلافائدة من وجود الادوية الكيميائية لمكافحة الحشرات التي تصيب الاشجار ,مالم يتم تحديد اماكن الاصابة جغرافياً كي تتم معالجتها, وكذا الامر في الاستخبارات الدفاعية لانها عيون الدولة في مكافحه نشاط العدو.
ومن هنا تعمل الاستخبارات الدفاعية قريباً من وزارة الخارجية ويتنقل ضباط هذا النوع من العمل الاستخباري في سفر دبلوماسي الى دول العالم والوفود الرسمية, وفي اغلب دول العالم , ترسل عناصر الاستخبارات الدفاعية لمرافقة كل وفود الدولة الخارجة , وتضع عناصر استخبارية في دوائر الضيافة والتشريفات لمرافقة كل الوفود الواصلة من اجل رصد الحركة الدبلوماسية التي هي شكل مهذب من الاعمال الاستخبارية والتجسسية.
وذهبت الحكومات , بعد الحرب العالمية الثانية , الى تاسيس مراكز دراسات مستقلة عن العمل الحكومي تهتم للجهد الاستخباري العام وتقييم الاخطار والمستقبل , وتحاول ان تدخل الجهد الاستخباري ضمن رؤى مستقبلية.
وتهيء الدول للاستخبارات الدفاعية امكانيات التنسيق مع مثيلاتها في دول الجوار والعالم, وتبادل المعلومات بين استخبارات الدول . ====================
واجبات الاستخبارات الدفاعية
====================
للاستخبارات الدفاعية وفق مابيناه نطاقاً واسعاً للعمل , وجرائم متعددة خطيرة عليه ان يحصرها ويمنع تأثيرها ويبين خطواتها التالية ,تشترك كلها في عنصر الامتداد خارج الوطن, فهي معنية بمراقبة الاجانب والوافدين, و قطع العمل الاستخباري الموجه ضد البلد ومراقبة الممثليات السياسية ( السفارات ) ونشاطها الاستخباري , وكافة اشكال الجرائم الدولية والابادة الجماعية و تجارة المخدرات و غسيل الاموال و الارهاب والتجسس و الحرب النفسية , ومتابعة المطلوبين دولياً,وجرائم الاتجار بالبشر
كما ان الاستخبارت الدفاعية معنية بالضرورة بمكتب الشرطة الدولية ( الانتربول ) في البلد و دوائر الاقامة و الاجانب ومراقبة البعثات الدبلوماسية في البلد والشركات الاجنبية والمؤسسات الدولية والوفود الداخله والخارجة من والى البلد , ومراقبة بعثاتنا الدبلوماسية في العالم و التنظيمات الارهابية والعصابية الدولية ومراكز القيادة والسيطرة والاتصالات وحركة الاموال , والتحرك على اي عمل معني بمكافحة التجسس , فالاستخبارات الدفاعية تبحث عن طبيعة العدو واهدافه و مستوى انتشاره وامكانياته واساليبه واستخباراته. ====================
الاستخبارات الدفاعية في المؤسسة العسكرية
====================
من اولويات عمل الاستخبارات الدفاعية , درء الخطر عن المؤسسة العسكرية باعتبارها المطمع الاول للعدو , وهدفه الاول للاختراق , لذا يجب ان يكون هناك رابط كبير وقريب بين الاستخبارات الدفاعية والمؤسسة المعنية بالأمن العسكري لصيانة أمن الافراد والمنشآت والاتصالات والنظم و العمليات
فالمؤسسة العسكرية كبيرة ومتشعبة وتعمل في الحرب بتماس مع العدو , ولابد من تحصينها لما تحتويه من اسرار واسلحة , يتوجب معها سد كافة الثغرات المحتملة , و المسح الدوري المشترك على الدوائر الامنية المهمة ومراقبة برامج الحماية العامة والالكترونية. ==================
اساليب الاستخبارات الدفاعية
==================
لايقف عمل الاستخبارات على المراقبة وجمع المعلومات , بل يتعداه بالضرورة للتحليل الاستخباري الدفاعي لمعرفة واستنتاج خطوات العدو المقبلة ومكامن نفاذه وخطره , فعدم وجود محللين اكفاء واذكياء في المؤسسة الاستخبارية لفهم الاشارات الاولية منذ بداياتها وربط الاحداث الصغيرة وعدم فهم العدو , يسبب ضياع فرص عظيمة في درء خطر العدو وهو امر موجود لدينا (للاسف) بسبب فقدان عنصر التخصص وتحديد المسوولية بين اجهزة الاستخبار , مما يضعف حالة التنبه الاولي لوقوع الجرائم او تكوين التنظيمات .
وتعتمد الاستخبارات الدفاعية على عدة اساليب متنوعة ضد شبكات العدو, منها التصفية و الاعتقال والتحقيق و تجنيد العملاء المزدوجين و الطرد والترحيل للاجانب والتفريغ المعلوماتي ( جعل العميل او الشبكة تتوهم انها توصل المعلومات الى الاعلى وهي بالاساس توصلها الى الاستخبارات الدفاعية) والتشويش ( قطع خطوط التواصل وارباك الشبكة)
====================
جهاز مكافحة الارهاب
====================
من نماذج اجهزتنا الاستخبارية الدفاعية , جهاز مكافحه الارهاب , فقد تأسس قبل 10 سنوات , كان المفروض ان ياخذ طابعا استخبارياً في مجال الاستخبارات الدفاعية ضد الارهاب لكن ذهب ليصبح تشكيل عسكري شبه بالقوات الخاصة .
وبعد سنين من الميزانيات الضخمة والرتب العالية والتفريط بالامكانيات انتهينا بان يكبر ويستفحل الارهاب ويقتطع اجزاء من البلد, فيما تحول الجهاز الدفاعي الاول المضاد للارهاب الى جيش مختص بالمهمات القتالية .
كان على الجهاز ان يقوم بمهام استخبارية ويجعل لنفسه اذرع في القاعدة وداعش حتى يتمكن من المكافحة الصحيحة لكن للاسف ذهب باتجاه العسكرة والهمرات والمدرعات واصبح جزء من المؤسسة العسكرية وانسلخ من مهماته الاستخبارية , مما جعل العراق بلا مرجعية تتكفل مكافحة الارهاب
وهاهو الجهاز الان قوة عسكرية تقاتل الارهاب في الجبهات , وهذا يعني انه اضحى بعيدا جدا عن الدور الملقى عليه في مجال الاستخبارات الدفاعية. ===================
داعش العراقية مسؤولية من ؟
===================
لم يعد سراً ان نقول ان داعش هو تنظيم عراقي بامتياز , وان الحديث عن نسب المقاتلين العرب والاجانب هو كلام غير دقيق , فقد بات واضحاً ان قيادات داعش وحواضنها ومقاتليها هم عراقيون مع نسبة ضئيلة من العرب والاجانب لاسيما من فئة الانتحاريين , اما السيطرة والقيادة فهي عراقية , فخلال 12 عام , لم نعتقل سوى 200 اجنبي وعربي فقط اعتقلوا وحوكموا في العراق , في حال ان الالاف من العراقيين تمت محاكمتهم للانتماء للقاعدة ومن ثم داعش .
لقد كانت اجهزتنا الاستخبارية على تنوعها وكثرتها في غفلة تامة عن نوايا التنظيم الارهابي وهيكليته وقادته وزعيمه ,وحتى عندما انتقل التنظيم للقتال في سوريا , كانت لدى استخبارات الدولة العراقيه فرص ذهبية اضاعتها هباءاً.
كان راس الحكومة يكرر ويقول ان أمن سوريا متداخل مع امن العراق ولكن عمليا , كانت الاجهزة الاستخبارية نائمة عن ما يجري في سوريا, فقد كان على الاستخبارات ان تنتشر منذ 2012 في الاراضي السورية وتزرع المصادر في داعش , الا ان الصمت الاستخباري استمر رغم ان داعش اخذت تتعرض لقوات الحدود السورية وتسقط مفارزها واحدا تلو الاخر , دون ان تتنبه استخباراتنا الى ان الخطوة والقفزة القادمة هي اراضينا ومحافظاتنا.
كانت ولازالت لدينا اجهزة استخبارات عديدة بشكل ملفت في وزاره الدفاع و الداخلية , وفي كل قيادة عمليات بالاضافة الى المخابرات و جهاز مكافحة الارهاب , عدا عن كل فرقه او لواء وعدا عن جهاز الامن الوطني ولاحقاً الحشد الشعبي , فكان تعداد عناصر الاستخبارات المتنوعة عندنا يفوق عدد مقاتلي داعش مجتمعين!!!!دون ان يتنبه احد الى خطر داعش على العراق واراضيه, بل لم يتنبه احد الى دور الفساد المالي العراقي في دعم داعش وهو فشل استخباري بامتياز.
وبدلا عن بذل الحكومة واجهزتها الجهود اللازمة لتوقي خطر داعش , كنا نتلهى بمفاوضة فصائل مسلحة لاقيمة لها ولاخطر لها على الارض .
كان على اجهزة الاستخبارات ان تعمل مبكراً على زرع عملاء ومصادر لها في داعش في العمق السوري ليكونوا مجسّات لنوايا داعش وهذا هو التصرف الطبيعي لاجهزة الاستخبار لكي تعرف اكثر وهذا لم يحصل ايضا.
بل ان الاستشعار كان يمكن التوصل اليه ببساطة دونما جهد استخباري كبير , فيكفي وجود تنظيم عراقي في سوريا يبتلع الارض ورجال سياسة عراقيين يربطون يوميا امن سوريا بامن العراق , ومناطق سنيه فيها فوران طائفي , واجهزه امنية فاسدة , كانت تكفي لاستشراف المستقبل لكن انتكاستنا الاستخبارية الاولى كانت في عدم تحسسنا الخطر .
===========
خلاصة
===========
ان قصة داعش واخفاق استخباراتنا بالتجنيد المبكر للعملاء فيها , والاخفاق في التهيؤ للقادم واستشرافه , لهو درس عميق بعمق جرح احتلال داعش لاراضينا وارهاب مواطنينا , ومثل صارخ على ضرورة هيكلة تلك الاجهزة باسلوب علمي يحدد المسؤوليات والواجبات , والتنبه لاهمية الاستخبارات الدفاعية . والله الموفق

 

0 التعليقات:

إرسال تعليق