الخميس، 23 فبراير 2017

مباحث في الاستخبارات (43) الاستخبارات وعلم النفس







مباحث في الاستخبارات (43) الاستخبارات وعلم النفس 

 

 


مباحث في الاستخبارات (43)

الاستخبارات وعلم النفس

بشير الوندي
=======
مدخل
=======
تتوجه اية اجهزة استخبارية في العالم الى اختراق العدو والاستعلام عنه وعن خططه وخطواته , وينتج عن ذلك بالضرورة كم من المعلومات والمعطيات والمؤشرات تحتاج الى تحليل لفهمها والاستنتاج منها الى ماورائها وماتخفيه .
الا ان هنالك معطىً لابد من توافره كي تكون تلك المعلومات والمؤشرات مفيدة وقابلة للتفكيك والاستنتاج الامثل , وذلك المعطى هو فهم طبيعة العدو ودراسة اتجاهاته وطبيعة مجتمعه وكيف يفكر ,وهنا يأتي دور علم النفس كدور بارز في التحليل الاستخباري .
ولايقف استخدام علم النفس عند التحليل فقط وانما يتعداه الى جوانب متعددة كفهم نفسية العميل ودوافعه ونقاط قوته وضعفه , وكذا فان لعلم النفس استخدامات ونتائج مذهلة في مجالات التحقيق مع افراد العدو .
بالاضافة الى ماذكرناه سابقاً من استخدام الدراسات النفسية في الحرب النفسية ضد العدو كأجهزة وكمجتمع كحرب الاشاعات وغيرها والتي لها الدور الفاعل احياناً في تحقيق انتصارات مذهلة , حتى قيل :ان اعظم الانتصارات هي تلك التي تتم دون قتال .
ولسنا هنا بصدد بحث الحرب النفسية واساليبها فقط رغم انها احد الاستخدامات الرئيسية في علاقة الاستخبارات بعلم النفس ,وانما بصدد كيفية تقييم وتشخيص الاستخبارات لفكر وتصرفات العدو من خلال اذرعها وتحليل شخصية العدو مستندة على علم النفس.
===========
اعرف عدوك
===========
يعرف علم النفس بانه دراسة علمية للسلوك والعقل والتفكير والشخصية بهدف التوصل الى فهم وتفسير السلوك والتنبؤ به , ومن ثم التحكم به.
وما يهمنا هو كيف نعرف العدو وكيف نتعرف على فكره وهو واجب الاستخبارات حتماً,فعالم الاستخبارات السري هو عالم حرب الافكار وعلم النفس هو الاداة الفاعلة لذلك , فالاستخبارات الحديثة قائمة على تحليل نفسي للعدو واعتماد مناهج وتطبيقات علم النفس.ويجب ان تعضد اذرع الجمع من خلال الافادة من التكنولوجيا والرصد والمعلومات , لمعرفة وتقييم حالة العدو النفسية للوصول الى تقدير علمي وصحيح لامكانيات العدو النفسية ومعرفه نقاط ضعفه وقوته وكيف يفكر ويقرر .
فجزء كبير من مركز التحليل يجب ان ياخذ على عاتقه بحث نفسية العدو وتفكيره من خلال المعلومات الواصلة ومحاورها المتعددة وبأدق التفاصيل (كيف يفكر ,وكيف ينظر ,وكيف يقرر ,وكيف يعمل ,وكيف نتوقع تصرفاته وافعاله واعماله وكيف يعيش وكيف يثقف وكيف يبرمج وكيف يحشد وكيف يخطط وكيف يعمل).
فهذه المعلومات كلها مهمة جدا لتقييم كل مايصل عن العدو ومعرفة نفسية العدو , لينتج عنها السيطرة عليه ومعرفة سلوك العدو وتصرفاته وخطواته وافعاله المستقبلية وردات فعله وكيف نثيره وكيف نؤثر عليه وماذا نعمل ونحتاج لمحاربته نفسياً.
وهنالك جملة معلومات ومنابع اساسية لابد من توافرها لاستحصال وتكوين فكرة عن العدو وهي:
1- عقيدة وافكار العدو.
2- اعلام العدو.
3- قادة العدو.
4-المناوئين للعدو .
5- اهداف العدو.
6- جفرافيا العدو والدول المجاورة .
7- اسرى العدو.
8- الوثائق المستحصلة من العدو.
9- تقارير المعارك.
10- اتصالات العدو .
11- سلوك العدو.
======================
اهمية فهم العدو ..داعش مثالاً
======================
هنالك نقطة ضعف كبيرة لدى تنظيم داعش والتنظيمات التكفيرية المشابهة وهو انها تهدف الى ثلاثة اهداف في وقت واحد وهي :
تدمير السلطة و تدمير الشعب وتدمير المعتقد او الدين , اي انها تستعدي الثلاثة في وقت واحد ولا تجزيء اعداءها وهو امر افاد الشعب نفسياً في التفافه مع السلطة برغم التفجيرات وانعدام الخدمات والفشل لان داعش وضع الجميع في خندق واحد .
فعندما جائت امريكا الى العراق شخصت 55 اسما من الحكم كاعداء ولم ترفع شعار المساس بالشعب او المعتقد وكانت تستهدف الحكم البائد فقط وضمن حلقة صغيرة .
ومن هنا جائت صعوبة مواجهتها لانها لا تستعدي الجميع , لكن الارهاب يستعدي الجميع اي انه يفكر في تدمير الحكم وانتزاعه واذلال الشعب وتغيير المعتقد بكل اشكاله (مسلم , مسيحي ,ايزيدي وبكل طوائفهم) اي ان الجميع اعداء, لذا من السهل مواجهه هكذا عدو لا يمييز بين الاديان والحكومات والشعوب
كما يعمل الفكر الداعشي على انتاج الخوف المطلق ويذهب الى القتل العشوائي والبشع وحرق الناس للتأسيس الى التأثير النفسي على الناس بالخوف والوصول الى الفوبيا او الرهاب.
فكانت داعش تخيف اعدائها وتخيف افرادها وتخيف من يقع من الناس تحت سلطتها وتخيف الاطفال والكبار والصغار
واذا تعرفنا جيدا على سلاح التخويف هذا ودرسناه نفسياً فان بالامكان ان نستغله لصالحنا في هزيمة داعش من خلال معرفة اسلوب وسلوك العدو.
فالخوف الذي ينتجه داعش يمكن ان يكون عامل ايجابي يجعل من يقاتل داعش مستبسلاً بطلاً لان خياره الوحيد ان يقاتل حتى الموت ولايفكر بالاستسلام , لان نتيجة استسلامه الذبح او الحرق .
وهنا تكون داعش قد انتجت عدوا شرسا لنفسها من خلال اسلوب التخويف الذي زرعته بين الناس .
فالانسان الذي يواجه داعش سيعرف انه ليس امامه الا النصر او الاستشهاد , وان الاستشهاد ارحم من الاسر على يد الوحوش الكاسرة التي لاتقيم وزناً لأية اعراف دولية
وعلى انتاجنا الاستخباري ان يوصل التحليل النفسي عن شخصية داعش بدقة بأنها مؤسسة رعب يجب ارعابها حتى نتمكن من تدميرها.
======================
فروع علم النفس الخادمة للاستخبارات
======================
يتنوع علم النفس بكثير من التفرعات , ومايهم الاستخبارات عن العدو هو:
1- علم النفس العام .
2- علم النفس الاجتماعي ( تاثير الجماعة في الفرد) .
3- علم النفس السياسي ( الحكم ).
4- علم النفس الجنائي ( الدوافع ).
5- علم النفس الحربي ( والتي تشكل الحرب النفسية) .
6- علم النفس الامني ( كيف يشعر بالامان).
7- علم النفس الديني ( كيف ينتج تاثيرا عقائديا ).
8- علم النفس العقابي( كيف يحاسب ويعاقب).
9- علم النفس البيئي ( تأثير البيئة والجغرافيا).
فمن خلال كل هذه الفروع يتم انتاج تحليل علمي عن حالة العدو النفسية وسلوكه وافعاله
============
الحرب النفسية
============
الحرب النفسية وهي من ابرز تطبيقات علم النفس في العمل الاستخباري , وهي اساليب تتبنى ضرب مقومات العدو الفكرية والنفسية وتحبط معنوياته وتؤثر على تفكيره في حالة الهجوم والدفاع .
فبالنسبة للهجوم. نحن بحاجة الى معطيات ومعلومات عن العدو في كل المجالات لكي نعرف نقاط القوة والضعف كي نبني مشروعاً للحرب النفسية على اساس الخارطة النفسية للعدو .
اما بالنسبه للحرب النفسية الدفاعية فنحن نحتاج لمجسات الاستخبارات الداخلية لتتحسس نشاط العدو النفسي لكي نضع برنامج تصدي وتحصين ضدها.
ان احد اساليب الدوائر الاستخبارية العالمية هو انتاج افلام السينما عن بطولات اجهزتها الاستخبارية وتصويرها على انها لا تقهر وعيونها مفتوحة ترى كل شيء , وقد التقيت احد المثقفين العراقيين الذي يقطن في الخارج وكان يعتقد بان الاعاصير التي تصيب البلدان هي من انتاج المخابرات ...!!
وتصنف الاستخبارات دعاياتها الى ثلاث انواع : بيضاء (لرفع المعنويات ) ..ورمادية ( للتاثير على العدو بشكل غير مباشر) ..وسوداء (تستهدف العدو اثناء الحرب الشاملة).
ولعل التجربة العراقية خير شاهد ففي عام 2014 كانت هزيمتنا من داعش نفسية فيما نلاحظ دور الحرب النفسية المضادة لداعش وتأثيرها الفعال لهزيمة داعش في معارك 2016 خلال عامين فقط.
======================
التحقيق والتجنيد في علم النفس
======================
من التطبيقات المهمة لعلم النفس في العمل الاستخباري هي التحقيق مع العدو , وتعد اساليب التحقيق مع المجرمين متعددة ومختلفة بحسب تأثيرها في كل شخص بحسب حالته النفسية والعقلية .
ومن تلك الاساليب النفسية : اسلوب التحقيق الافتراضي ( بالايحاء لشخص ما بانه سوف يخضع للتحقيق قريبا ) فبرغم عدم توافر اية معلومة عنه فقد يبادر للاعتراف.
وكذا اسلوب التضخيم( مواجهةالمتهم بتهم مضخمة مما يضطره للاعتراف باعماله التي قام بها وهي اقل من التهمة المضخمة لاختيار خير الشرين ).
بالضافة الى اسلوب الاعتراف التلقائي (الايحاء ضمن مجموعة معتقلين بأن احدهم قد اعترف عليهم ) . وكذا الافراج (اطلاق سراح شخص بلا شروط قد يؤدي لتعاونه واعترافه او تحفيز الاخرين للاعتراف) .
ومن الاساليب ايضاً التعذيب النفسي , كأحد ابرز اساليب التحقيق (ويتطور في اغلب الدول الى تعذيب جسدي للاسف).
وكذا التحقيق الايجابي (باستخدام اسلوب المحقق الطيب والمحب والاخر الشرس الذي يرعد ويزبد) . بالاضافة الى ادعاء المعرفة (ادعاء المحقق انه يعرف الكثير وان اعترافات او معلومات المتهم غير مهمة وانها لمصلحته هو).
وكذا اسلوب الازمة الفجائية (من خلال صدم المتهم بخبر او بقرار او بموضوع كصوره او تسجيل صوتي او تسجيل مصور). وكذا تشتيت الافكار (من خلال التناوب في استجواب المتهم من قبل عده محققين) . عدا عن الاغواء و استدراج المتهم واثارة مشاعره القومية او الدينية او الطائفية وغيرها الكثير من الاساليب التي تؤثر على الفرد والمجموعة والتنظيم او في الدعاية والحرب النفسية او التأثير في السلوك واسلوب التفكير هي من ابرز صفات علم النفس الاستخباري.
ولاشك ان نفس هذه الاساليب المختلفة تستخدم للتجنيد ايضاً , فتجنيد المصادر بحاجة الى علم نفس ومعرفة المستهدف للتجنيد .
فهناك فرق كبير بين تجنيد شخص من دولة ما او مجرم من عصابة ما فهو بالنتيجة يريد ان يعيش وتجنيده يختلف عن تجنيد ارهابي تطوع ليفجر نفسه .
اي ان علم النفس الاستخباري او علم النفس في العقل التكفيري صعب , فهو مستعد ليقتل نفسه, وهي احد حالات الفشل التي اصابت الاجهزة العالمية والعراق والمنطقة من تجنيد العملاء ضمن التنظيمات الارهابية السرية.
فالتجنيد فن قوامه السيطرة على العميل من خلال دراسة مستفيضة لنفسيته ودوافعه ونقاط ضعفه وقوته وعن افضل السبل للتجنيد سواء بالاجبار او بالاغراء , لان التجنيد الخاطيء قد يؤدي الى نتائج وخيمة اقلها توافر كم من المعلومات الكاذبة والموجهة من قبل العدو لاسيما في العمالة المزدوجة.
ولايقتصر علم النفس الامني على التعامل مع العدو وانما يتعداه للسيطرة على عناصر الاستخبارات ذاتهم لمعرفة الخلل في السلوك خوفاً من وقوعهم في شباك العدو.
===============
التعامل مع المعلومات
===============
نحتاج علم النفس في توزيع المعلومات المتحصلة من العدو وحجم المعلومات المهمة والخطيره التي قد تؤثر سلباً على عناصرنا وحجم المعلومات المضللة التي تخترق معلوماتنا والتي تولد احياناً مناخاً من عدم الثقة بين الاستخبارات والعسكر او الاستخبارات والامن او الاستخبارات والدولة .
فكثيراً مانقرأ ان جهاز الاستخبارات قد حذر من هجوم محتمل على جهة ما , وان الاجهزة العسكرية والامنية لم تستمع له , ونرى نقمة الشارع على اهمال مثل هذه المعلومات القيمة .
ولكن للحقيقة وجه آخر , فعندما تتكرر تحذيرات الاستخبارات بشكل عشوائي ومبالغ به ولاتتحقق توقعاتها فانها تنتج حالة من عدم الثقة حتى بالصحيح القليل منها , فحتى لو كان الجهاز الاستخباري مصيباً في احدها , لكن الاجهزة الامنية تهمل تحذيراته اعتماداً على سوابق لاتحصى من التحذيرات غير الدقيقة والمربكة والمتعبة لنفسية المقاتلين.
===================
العقل الجمعي وبناء الثقة
===================
عندما تتعرف على مزاج الشعوب يسهل عليك التلاعب بها , فباستخدام علم النفس تقوم الاجهزة الاستخبارية بالتوجه لشعوبها لتشخيص المؤثرات والحاجات النفسية والعقل الجمعي والفردي .
فمثلاً بعد الفوضى في العراق والربيع العربي الذي انتج فوضى في ليبيا ومصر , تبين بوضوح ان المواطن العربي في عقله الجمعي (نتيجة تراكمات تاريخية) يميل للحاكم الاوحد والدولة البوليسية العنيفة والقوة ولا يستطيع الانسجام مع الحكم الديمقراطي والحرية.
ان من واجب الاستخبارات وصف الناس داخليا وخارجيا فهي تصف ابناء المنطقة الفلانية (قريبة او بعيدة )وميولهم وسلوكهم وتقاليدهم من ابناء الوطن او العدو , وتذهب للتعرف على مناهج تفكيرهم وتصرفاتهم لتعرف كيف تؤثر فيهم وكيف تثيرهم وكيف تمتص غضبهم واين يتم ارضائهم واين يمكن تحريك مشاعرهم.
كما ان من الواجب دراسة الاستخبارات لشعوبها كي تتمكن من بناء جسور الثقة بينها وبينهم , في الغرب الناس تحترم الاجهزة الاستخبارية لمصداقيتها ودقتها.
اما في العراق فالمواطن يسخر من الاجهزه الامنية والاستخبارية لانه لايراها تحميه ولايرى منها افعالاً استباقية حقيقية ضد الارهابيين , وهو غير متعاون معها , فالمواطن يرى عجزاً في الامساك بالرهابيين وفي ذات الوقت يرى خنقاً وتضييقاً لحريته .
لذا نحتاج اتباع منهج علمي صحيح للتاثير النفسي في تأهيل الاجهزة الامنية في عقل المواطن لا بتغيير الهياكل والشخوص
ان جدار عدم الثقه صعب جدا وعلى اداره المجتمع الاستخباري البحث في كيف يتم تاهيل واعادة الثقة بين المواطن والجهاز الامني بشكل عام والاستخباري بشكل خاص,وهو امر لايتم الا بالعمل الجاد الحقيقي في خرق التنظيمات الارهابية وشل حركتها وكذا بالفهم لنفسية الجمهور وتطلعاته.
=======
خلاصة
=======
ان اساس العمل الاستخباري هو في المعلومات , والمعلومات هي الغاز لايحلها سوى التحليل القائم على الخبرة اللائقة في علم النفس بكافة جوانبه , وهو امر نفتقده في اجهزتنا التي لاتقوم لها قائمة مالم نعتمد العلم اساساً وفي مقدمته علم النفس , والله الموفق.

 

2 التعليقات:

  1. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  2. أخي شكرا على المجهود....معك أخوك كمال من المغرب مهتم بدراسة الثرات والشؤون الإستخبارية العربية/ الإسرائيلية ....نتمنى تعاونكم معنا والسلام ....kamalayoub2012@gmail.com

    ردحذف