أساليب التحقيق في سجون العدو الصهيوني وطرق مواجهته
مقدمة
دفعنا إلى كتابة
هذه الدراسة هدفان، نعتقد انهما على قدر من الأهمية بالنسبة للمجاهد :
أولهما : معرفي،
بغية إلقاء الضوء على طبيعة وأساليب عمل الأجهزة القمعية الصهيونية
والطرق الخبيثة التي يلجأون إليها للإيقاع بالمجاهد.
وثانيهما : تعليمي،
بقصد تحذير المجاهد من هذه الأساليب، وتقديم نصائح وإرشادات لما ينبغي
عليه أن يقوم به لتجنب الوقوع في الشراك الخبيثة التي تنشئها هذه
الأجهزة، وكيفية التصرف في حال وقوعه في الأسر، وهو أمر واقع الحصول .
إن أهم ما
تتناوله هذه الدراسة هو الصفات التي يجب على المجاهد أن ينميها في
نفسه وهي أن تحققت في روح المجاهد وعزيمته فلن يكون من السهل أبداً
على جهاز القمع الصهيوني أن يوقعه في شرك الانهيار îمهما استخدم من أساليب البطش والتعذيب المدروسة حسب احدث
المناهج ويبقى أن أشير إلى حقيقة باتت معروفة وهي أن عدونا إنما يسخر
العلم والدراسة المستفيضة والبحث المتأني في طرائقه لغزو الأرض والجسد
والعقل العربي ولذلك فإن المواجهة المقابلة تفترض وعياً بهذه الطرائق
وإيجاد وسائل مضادة مدروسة أيضاً بعناية تعين على الحد من مردودية
الأسلوب الصهيوني إن أساليب التعذيب وانتزاع الاعترافات أصبحت مع تقدم
وسائل العلم والاتصال متشابهة في معظم دول العالم وهي تكاد تكون ذات
الأساليب التي تستخدمها أجهزة قمع متعددة في كم أفواه المجاهدين وملاحقتهم،
وتأخير نهوض المشروع الإسلامي ولذلك فإن محتوى هذه الدراسة صالح
للاسترشاد به في اكثر من موقع ومكان .
أخيراً : إنها
دراسة وقائية، بمعنى إنها تستهدف شرح سبل الوقاية، لذلك لا تتوسع في
شرح تكوين جهاز الاستخبارات الصهيونية وكيفية عمله.
الباب الاول
النمط الغريزي في السلوك الإنساني
كانت
شركة سوليل بونييه في فترة الانتداب البريطاني تعمل على تشييد مجموعة من
المباني الحكومية على مقربة من الساحل الفلسطيني، في غزة، وعسقلان،
واللد، والرملة ولم يكن أحد يعرف بالضبط سر هذه البنايات، وسر تصميمها
وما بين بنت عصابات شتيرن، والبالماخ، وزفاي لئومي شبكاتها الإرهابية
والتجسسية في طول البلاد وعرضها وكان أعضاؤها المنتقون من خيرة أبناء
العائلات اليهودية وكانوا يرسلون إلى أوروبا كي يتعلموا احدث أساليب
التحقيق والاستجواب، وبذلك نقلوا ثمرة الخبرة الأوروبية ومعين تجربتها
الغنية والمتعددة المستويات وما كادت شمس حزيران توشك على المغيب
وأصبحت القدس في قبضة المحتل، حتى رفع الستار كاملاً فإذا المباني
الحكومية تسفر عن سجون ومعتقلات شديدة التحصين، مكينة الحراسة طالما
ضمت أقبيتها أبناء شعبنا الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال منذ عام وأمام
عالم صم أذنيه وأغمض عينيه عن حقيقة الفاجعة الفلسطينية، وبعد عام،
وانفتاح المشهد على سعته، برز أفراد العصابات الصهيونية الذين تعلموا في
أوروبا حرفة الاستجواب، ليتصدروا قيادة جهاز قمع صهيوني، موظفين أحدث
الأساليب تقنيةً وأشدها وحشيةً، بينما وقف الفلسطيني وحيداً أعزل في
مواجهة النازية الصهيونية الحديثة ووسائلها المدارة بأيدي ماهرة، ليهود
عاشوا أغلب فترات عمرهم في الدول العربية فأجادوا اللغة العربية الفصحى
واللهجات المحلية، والأمثال الشعبية، وخاصة المحبطة منها والمتوارثة عن
عهود القهر والسقوط، واستخدموها في محاولة كسر نفسية المعتقل وصموده .
لقد
كانت هزيمة يونيو حزيران نقطة البداية في تحويل بقايا جيش التحرير
الفلسطيني في قطاع غزة إلى فصيل حرب عصابات عرف باسم قوات التحرير
الشعبية وتبني حرب التحرير الشعبية طويلة الأمد لمواجهة الكيان الصهيوني
كما شهدت الهزيمة بداية تحول حركة القوميين العرب إلى تنظيم عسكري باسم
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، في الوقت الذي كانت فيه حركة التحرير
الوطني الفلسطيني فتح قد ظهرت قبل ذلك بعامين كحركة تتبنى الكفاح
المسلح، وتحولت الأراضي المحتلة من صيف 67 إلى صيف 72 إلى جحيم في وجه
الاحتلال، كما عبر عن ذلك موشيه ديان حين وصف المأزق الصهيوني في
غزة قائلا : نحن نحتلها في النهار، وهم يسيطرون عليها في الليل..
وفي مقابل تصاعد
العمل العسكري في الأراضي المحتلة، وانتشار الخلايا الثورية، وظهور
المطاردين المسلحين في الأحياء والمخيمات والحقول، نشطت أجهزة "الشين
بيت" وأجنحة المخابرات الإسرائيلية الأخرى في التصدي لهذه الظاهرة
والعمل لأجل القضاء عليها ولقد لجأ العدو الصهيوني لسياسة الاعتقال
المكثف، بحيث وصل عدد المعتقلين إلى عشرات الآلاف، استجوبوا وعذبوا في
مختلف السجون وكان لهذا الاحتكاك الحاد بين المناضلين الفلسطينيين
والمخابرات الصهيونية آثار ونتائج في اختبار كل طرف للآخر، ومعرفة نقاط
ضعفه وقوته، وأساليب عمله وطرائقها، ونهج تفكيره .
لقد كانت تجربة
العمل الفلسطيني بين67 _72 تجربة غنية بالعبر والدروس، وهي تحتاج إلى
تقييم منهجي واعٍ ومتوازٍ كي نتمكن من الإفادة من أحوالها المختلفة
وتاريخية مسيرتها مستخلصين إيجابياتها وسلبياتها بحصر نقاط الضعف، ومكمن
الخطر، وجوهر الخلل في المسائل التنظيمية والأمنية والفكرية والعسكرية.
لم تربط
الدراسات الكثيرة التي تحدثت عن نقاط الضعف في تجربة الفلسطيني الآنفة
الذكر، بين الأمراض والأخطاء وبين جذورها ومقدماتها في تكوين الفرد
المناضل والتنظيم، بل أخذها الدارسون وتوصلوا إلى مقولاتهم وتحليلاتهم
بطريقة أظهرتها مقطوعة الجذور ومخفية العوامل والأسباب، مما حدّ من
القدرة على الاستفادة من التجربة وتصحيح الأخطاء وتفادي الوقوع فيها
نفسها في تجارب مقبلة ولم تسعف النصائح والمواعظ التي ألقيت على مسامع
المناضلين في ساعات الشدة عندما تعرضوا للحظات الاستجواب والاعتقال. وقد
كثر الحديث لديهم عن لحظات الانهيار وسرعة الاعتراف وسيطرة الخوف
وفقدان التماسك والجهل باستشفاف طريقة المحقق في التفكير وعالجوا هذه
الظواهر نظرياً بنصائح ووصايا مجردة تلقى على ذهن المناضل وبشكل
استظهاري مثل شد حيلك، اصمد، لا تعترف، اصبر لا تسمح لنفسك بالانهيار كن
جريئاً تسلح بالشجاعة لا تجبن اقرأ فلسفة المجابهة خلف القضبان، تعلم أساليب
التحقيق".. الخ ولكن هذه النصائح تظل مجرد كلام لا ينغرس في نفس
المناضل ليكوِن روحاً وصفات نضالية تعصمه ساعة الخطر، فما أن يتعرض
للتجربة ويساق إلى أقبية التحقيق حتى تتبخر من ذهنه كل تلك النصائح
والكلمات ولطالما جرى الحديث، أيضاً كما سمي بالإرادة الثورية التي
يفترض أن يتسلح بها المناضل وعن مفاهيم أمنية كالسرية والجدية والانضباط
والأمن والالتزام وهي مفاهيم لا تلقن بالكلام، وإنما تبنى كصفات لازمة
في المناضل وترسخ جذورها في الإيمان الذي يكتنف الروح والقلب، وحتى
مفاهيم السرية والجدية والانضباط كانت تغيب وتختفي مع غياب الرقابة
الخارجية بسبب بسيط هو أنها لم تنبع من داخل الفرد، ولا رقيب داخلياً
عليها، لذلك يسهل أن تسقط أمام أول مأزق بين يدي رجال المخابرات في
أقبية التحقيق.
إن أجهزة
المخابرات إنما تنتصر علينا بضعفنا وجهلنا بمنافذ قوتها وأساليبها.
وتلك الأمراض
والأخطار شخصت كعلة أساسية، ولم تشخص على حقيقتها كأخطاء في بناء
الشخصية ولان التشخيص لم يكن صحيحاً فلم يكن العلاج ناجحاً
ولذلكاستشرت الأخطاء والأمراض وتراكمت وصار علاجها أشد صعوبة.
وفي المقابل
يستمر المحقق الصهيوني في تطوير أدواته مستفيداً من تنوع الخبرات التي
تعرض له أثناء ممارسته مهمته وتعدد الحالات المتنوعة التي يدرسها مع
استمرار عمليات الاعتقال والتعذيب الممارسة يومياً ضد شعبنا وحتى نحرز
النصر لابد لنا حسب تعاليم الإسلام أن نحوز على عدة النصر وأولى عدة
النصر هي عناصر القوة بكل أشكالها. وبما أن المسلمين مستضعفون في الأرض،
ومتخلفون في مجال التقدم العلمي والتكنولوجي، فإن علينا أن نعمل على
حيازة أساليب التقدم واستغلال كل ما يتيسر لنا من سلاح لإيقاع الخسائر في
صفوف الأعداء. وللسلاح وجهان، الأول: مادي وهو المعدات والآلات من مسدسات
وبنادق وقنابل وسائر أنواع الأسلحة المعروفة، والثاني معنوي وهو طريقة
استعمال السلاح أي التدريب عليه والمهارة في استخدامه، والظروف المحيطة
بالعمل المسلح ومن أجل إنجاح ألعمل العسكري لا بد من، إنشاء التنظيم
الذي يكفل للاخوة العاملين بالسلاح أن يحققوا إنجازاتهم الملموسة فالمجاهد
بالسلاح يحتاج إلى دعم مادي يتحصل بواسطته على السلاح، ويحتاج إلى بيئة
جماهيرية تفرز المجاهدين وتربيهم وتؤويهم وتحميهم من كيد الأعداء،
ومحاولات كشفهم، وتقدم لذويهم المعونة إذانا لهم قدر الله بالشهادة أو
الأسر، ولابد من جهاز أمني يجمع المعلومات ويحدد الأهداف من حيث إمكان
الوصول إليها ويساعد على تجنب المصائد الأمنية، ولابد من جهاز إعلامي
يشرح للناس مقاصد المجاهدين ويقوي في الجماهير نزعة المشاركة في العمل
الجهادي، ولابد على رأس ذلك من قيادة توجه وتخطط وتحدد المهام،
وتستخلص العبر من مجريات الأحداث ومن النجاحات التي يحرزها المجاهدون،
ومن العثرات التي يقعون فيها.
باختصار فان
العملية الجهادية كل متكامل تصنعه مجموعة من العناصر والوسائل التي
نتعلمها كما نتعلم أي علم آخر، لذلك علينا أن ندرس تجارب الآخرين،
ونطلع على أساليب الشعوب المختلفة التي عاشت وضعاً يشبه وضع شعبنا تحت
الاحتلال، وعلينا أن ندرس نظريات الأمن وأساليب التحقيق ووسائل أجهزة
المخابرات، وأن نرصد التجارب التي استفدناها من خبراتنا الشخصية ومن
خبرات التنظيمات التي نشطت على الساحة الفلسطينية في العقود الأخيرة، ثم
علينا أن ندرس واقع الصهاينة وأساليب تفكيرهم، وتركيبتهم العسكرية
والأمنية.
وفي الأبواب
التالية سنعرض لأساليب المخابرات الصهيونية في الإيقاع بالمجاهدين،
والأساليب التي يتبعها المحقق الصهيوني، وسنحاول تقديم نصائح حسب تجربتنا
لتفادي هذه الأساليب وإفشالها.
أسباب الانهيار في التحقيق من أخطاء تجربة العمل الفلسطيني (
1967_ 1987) :
إن تحليلاً أعمق
لجملة المعطيات والحيثيات التي تحكم السلوك البشري، وفهم نمط العلاقة
التي تربط المناضلين فيما بينهم وبتنظيماتهم، وإدراك الطبيعة الوظيفية لمهماتهم،
يساعد في تشخيص تلك العلل والأخطاء واستخلاص أساليب علاجها .
ولذلك فإننا
سنتحدث هنا بالتفصيل عن ثلاثة أخطاء جوهرية واكبت العمل التنظيمي طوال
عشرين عاماً من67 حتى 1987 م وكان لها دور أساسي في إنهيار المناضلين في تجربة
التحقيق وبالتالي في إضعاف قدرة التنظيمات على تحقيق أهدافها :
اولاً
النمط
الغريزي في السلوك الإنساني
لقد شكل الإسلام
كعقيدة وشريعة ومنهج حياة، مدرسة تربوية سعت إلى صياغة الشخصية المسلمة
وفق قيم روحية وأخلاقية سامية، أهم ما قصدته التربية الإسلامية هو ضبط
سلوك الإنسان ولكن بعد أن حكمت المجتمعات الإسلامية قوى غريبة على الإسلام
وأزاحته عن تصدر وقيادة حياة المجتمع، وبعد أن طفت على سطح الحياة
اليومية فئات تدعي الوصاية على الإسلام والمسلمين وعملت على إفراغه من
قيمه التربوية الرفيعة، وتغييب فاعليته في بناء الفرد والمجتمع، فان
هذه الفئات فصلت الإنسان المسلم عن قيمه الروحية وتراثه ومعتقداته
السامية، وأفرغته من الداخل فصار هشاً سهل الانكسار أمام الأعداء، خاضعاً
لغرائزه.
وفي فلسطين
أيضاً جرد الشعب المسلم إلى حد كبير من تواصله الحضاري مع عقيدته
الإسلامية، وبينما كان أعداؤنا يعيدون تشكيل الشخصية اليهودية حسب أساطير
التوراة ونصوص التلمود، كان الشعب الفلسطيني يتعرض إلى ثقافات أثرت سلباً
في شخصيته وأوقعت تخبطاً سياسياً وثقافياً في المجتمع، مما سهل على
العدو اختراق الواقع الفلسطيني.
وكانت النتيجة
واضحة في المجال العسكري أيضاً، وقبل ذلك على خطوط النار العربية وفي
المجال الأمني، وفي أقبية التحقيق كثيراً ما بدا المستجوَبُ ضعيفاً أمام المستجوِب،
متأثراً ومبهوراً بقوة الخصم وسعة معلوماته ومنهجية تفكيره وفي جانب
آخر كانت حسابات "المناضل" تظهر غير دقيقة وغير مدروسة، في
تصور قوة العدو وأساليب عمله.
من هنا فان
النمط الغريزي في الشخصية الإنسانية هو ذلك النمط الذي يمثل حالة الضعف
القصوى، وضمور المحفزات النضالية والأخلاقية، حيث أن الفرد صاحب السلوك
الغريزي يخضع للخوف حفاظاً على نفسه، ويقدم منافعه الشخصية على الأهداف
العليا، وحتى حين يؤمن بالفكرة فهو أضعف في الدفاع عنها لأنه لا يملك
الإرادة ولا الروح المؤمنة التي تساهم في رفع الإنسان فوق المستويات
العادية من السلوك الإنساني، والتي تخول الفرد حمل اسم "مجاهد"
حقيقي.
هذا تعريف عام
للنمط الغريزي، الذي شكل ويشكل أهم الأمراض الرئيسية في جدار المواجهة
مع المحقق الصهيوني.
وسنتعرض فيما يلي لأهم صفات هذا النمط:
خصائص النمط
الغريزي :
أ - ضعف الدافع:
إذا أراد إنسان ما
أن يصل إلى هدف معين فإنه أولاً يحتاج إلى دافع يكبر في قلبه ويشد من
عزيمته ويدفعه لتحمل الآلام والمشقات والسير في الصعاب للوصول إلى الهدف
ويكون الدافع عادة أسمى من الحفاظ على الذات، فيندفع المرء لتحقيق هدفه
السامي منشغلاً كل الانشغال عن حاجات جسده وغير عابئ بما يعتريه من
جراح ونكبات ومن جوع وآلام وغير منتظر مكافأة ، وغير مدفوع بترهيب
وترغيب. إن الدافع هو الإيمان وهو العقيدة لأنها تغرس المحرك في النفس
البشرية وكما قال تعالى (يا آيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم
من عذاب اليم ، تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم
وأنفسكم، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون)
ب - السلوك الغريزي :
ينحصر تفكير
الانسان ذي النمط الغريزي في إشباع حاجاته من أكل وشرب ونوم ولباس وأشباع حاجته
الجنسية . وهو يستجيب للأحداث استجابة تلبي إشباع هذه الحاجات . بحيث أن كل فعل
يصدر عنه ينتظر مردوداً يكافئ فيه هذا الفعل بما يتحقق مع هذه الحاجات . ولذلك فإن
استجابته لا تنبع من عملية عقلية وبمعنى آخر فهو منفعل بالأحداث لا فاعل فيها إذ
تكون ردود أفعاله عاطفية ومتأثرة إلى أبعد الحدود ويكون سريع التوتر، سريع
الهدوء، ويكاد لا يصلح لمواجهة الأحداث الجسام والمآزق الخطرة.
ج - حب البروز
:
إحدى الصفات
الأساسية لصاحب النمط الغريزي هي اهتمامه بأن يعرف الآخرون بأنه إنسان ذو
شأن ومكانة عالية تميزه عن غيره لذلك فإننا نراه يميل إلى نسج واختراع
حكايات كاذبة يبدو فيها بطلاً كأن يدعي أنه قاتل في المكان الفلاني
وألقي زجاجة حارقة في اليوم الفلاني وأطلق الرصاص في المظاهرة الفلانية
وأن له موعداً الليلة - مثلاً - مع مجاهدين لتدبير عملية مقاومة،
..الخ وهو حتى إذا شارك فعلياً في المقاومة فلن يتورع عن إفشاء أسرارها
حباً بإظهار ذاته غير حاسب للعواقب الوخيمة وراء ذلك.
إن هذا السلوك
يعبر عن ضعف ومركب نقص نفسي لدى صاحب النمط الغريزي الذي تنعدم عنده
أدنى حدود السرية، ومعروف أن السرية هي أهم عناصر العمل الجهادي ولا
يمكنها أن تعيش في قلب واحد يملأه حب البروز.
د -
الانتماء العفوي :
كون صاحب النمط
الغريزي يتفاعل بدافع العاطفة لا العقل، فإن انتماءه للمقاومة لا يكون
إلا انتماء عفوياً، بمعنى أنه انتماء غير خاضع لدراسة العقل والتمحيص وإيمان
الروح، فتكون نفسيته قلقة وشخصيته متقلبة وانتماؤه التنظيمي غير ثابت حيث
قد يعرض لموقف عاطفي (من صداقة وميل نفسي ونحوه) شبيه بالموقف الذي
جعله ينتمي لتنظيم معين وسرعان ما يغير موقعه وينتمي لتنظيم آخر، وهذا
عنصر غاية في الإرباك للعمل السري ومقومات التنظيم، ويعرض التنظيمات
للانكشاف واضطراب الخطط.
هـ - الجبن
وعدم الثبات :
صاحب النمط
الغريزي عُرضةٌ للتأثير الشديد بالانفعالات والأحداث المفاجئة وهو لا
يتقن التصرف في الكثير من الأحوال ويميز الخوف الشديد سلوكه وتصرفاته،
فإن رأى في الحراسة ظل الأشجار ظنها أشباحاً تتحرك، وربما أطلق الرصاص،
وربما أصاب أخاً له خارجاً لقضاء حاجة.
إنه شخص مرتجف
وضعيف مستلب لخيالات الخطر وأوهامه النابعة من داخله. إنه إنسان تبعي
منقاد لغرائزه نراه سلساً متجاوباً مع ضابط المخابرات أثناء التحقيق،
ضعيفاً مرتعداً أمام التعذيب وليس بوسعه أن يخفي شيئاً مهما صغر. إن
الإنسان الغريزي يتصف باليأس والانفلاش، وهو مظهري السلوك متقلب عديم
المبادرة، يتقدم الناس في مواطن الراحة ويتراجع في مواطن الخطر ومؤكد
بعد ذلك أن هذه الصفات إن وجدت في شخص ما فإنها تحكم عليه بالتفكك
والميوعة وان ظهرت في مجموعة فإنها تحكم عليها بالفناء، وإذا تفشت في
المجتمع صار ملعباً للذل والهوان والخسران. والإسلام وحده القادر على
تربية الشخصية وغسلها من احتمالات وجود بعض صفات النمط الغريزي.
( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم)
ثانياً
هشاشة
البناء التنظيمي
برز في تجربة
العمل النضالي الفلسطيني بعد حزيران الكثير من الأخطاء النابعة من عدم
أهلية وضعف كفاءة الفدائي من جهة، ومن ضعف البنية التنظيمية التي عمل
من خلالها من جهة أخرى وتعاظمت الإشكالية في هذا الخصوص حيث لم يعالج
الخلل التنظيمي ولم يداو الضعف الذاتي فتشكلت ثغرة واسعة نفذت
المخابرات الصهيونية من خلالها وتمكنت في كثير من الأحيان من ضرب
الخلايا التنظيمية. وإفشال المهمات العسكرية في مهدها بالكامل وفي فترة
زمنية قصيرة وفي بعض الأحيان اعتقل أفراد تنظيم ما وكشفت جميع خلاياه
من عنصر ونصير ومساعد في ليلة واحدة.
إن معالجة هذه
الظاهرة تستدعي معرفةً بالأشكال التنظيمية التي طبقت، وكيف نفكر في
بناء الخلايا التنظيمية من جهتنا.
أولاً - التنظيم العفوي :
يقتضي العمل
الفدائي ضد الاحتلال وجود شكل راقٍ من أشكال التنظيم السري المحكم الذي
من شأنه الصمود في وجه العدو وأمام أذرعته الأخطبوطية الأمنية، غير أن
التنظيم العفوي يبدو في هذا السياق أضعف أشكال التنظيم فهو لا يعتمد
على عقلية تأسيسية واعية، ولا يبحث عن كفاءات، ولا ينتخب كوادره
بعناية، ولا يراعي القيام بعمليات إعداد مستفيض أو مرحلة تأهيلية. إنه
بكلمة أخرى تنظيم قائم باعتباره شبكة علاقات اجتماعية لأشخاص معينين، وهو
تنظيم يفتقر للأطر والقنوات ووجود هيئات محددة تتواصل بطرق تنظيمية
ثابتة ومدروسة لا بل إنه تجمع مكشوف بوسع أي واحد أن ينتسب إليه ببساطة
وغالباً ما يكون إطاره مقتصراً على الأصدقاء والأقارب والمعارف وأبناء
المنطقة الواحدة وقد لا يتعداها بالإضافة إلى أنه رابطة لا ينتظمها فكر
يجمع أعضاءً هو من الأمثلة البارزة على هكذا تنظيم التجمعات الأسرية
وروابط القرى والمدن والعائلات.
إننا نتحدث هنا
عن شكل تنظيمي لا يمكنه أن يتحمل متطلبات العمل النضالي وجانبه السري
خاصة.
لكن الانفلاش
التنظيمي الذي حصل في واقع الساحة الفلسطينية أدى إلى انفراط بعض الأشكال
التنظيمية الأخرى - والتي سنعرض لها لاحقاً - وتحولها إلى شكل عفوي من
التنظيم. ولعله من نافل القول أن أسوأ الميزات كالثرثرة وانعدام السرية
والوصولية والانتهازية واستغلال التنظيم لمآرب خاصة ستنخر عظم أي تنظيم
مهما بلغت درجة قوته وشعبيته، حين يسمح لهذا الشكل التنظيمي أن يحتوي
مجمل نشاطاته.
وفيما يلي أحد الأمثلة المأخوذة من واقع النضال
الفلسطيني وتدل على مخاطر التنظيم العفوي: -
في بداية عام1985 كانت مجموعة من الشباب
تعمل تحت اسم تنظيم ما في أحد مخيمات فلسطين، وكانت هذه المجموعة
تقوم بمهمات إعلامية وتحريضية وسياسية وعسكرية وكان أغلب سكان المخيم
يتحسسون وجود هذه المجموعة وفي منتصف شهرحزيران1985، في ساعة متأخرة من
الليل، تقدم رجل ملثم بكوفية وطرق باب أحد هؤلاء الفتية وناداه باسمه
- خالد؟
- نعم أنا خالد
ماذا تريد؟
- أريد الحديث
معك لخمسة دقائق قال الرجل الملثم وتابع: - أنت لا تعرفني يا خالد.. أنا
المسؤول العسكري عن تنظيمكم في كامل قطاع غزة وقد سمعنا عن نشاطاتكم
وسعدنا بهذه النشاطات لذلك قررت قيادة الحركة الاتصال بكم مباشرة
لمعرفة حاجياتكم من الأسلحة وتبديل الأسلحة القديمة ومساعدتكم بأموال من
أجل العمل.
- فأجابه خالد :
لايوجد عندنا أسلحة
- قال الغريب:
إذن سوف نحضر لكم أسلحة جديدة، وسأل خالداً عن أفضل الشباب من أصدقائه
في المجموعة الذين يعتمد عليهم في التنظيم.
- فأجابه خالد
على الفور: فلان وفلان وفلان وسأله الرجل الملثم عن أسماء المشكوك فيهم
من قبل المجموعة.
ورتب معه لقاء
آخر وبعدها أبلغ خالد أصدقاءه بما حدث وكان الجميع سعداء لأن علاقتهم مع
القيادة ستكون مباشرة منذ تلك اللحظة ولكن وبعد عدة أسابيع حصل ما لم
يكن متوقعاً ففي إحدى ليالي شهر نوفمبر "تشرين ثاني" كان جميع
أعضاء المجموعة في أقبية التعذيب الصهيونية ... !
لقد كان الرجل الملثم ضابط مخابرات والبقية
معروفة.
ويجدر أن نوضح
أنه حتى لو لم تجر حادثة مشابهة لمثالنا السابق فإنه يكفي ضابط
المخابرات الصهيوني أن يسأل من هم أصدقاء فلان؟ومن هم المقربون له؟
ومن هم أقرباؤه؟ وبقليل من التحري يستطيع ختراق التنظيم العفوي.
ب - التنظيم الهرمي :
يعتبر التنظيم
الهرمي أكثر الأشكال التنظيمية شيوعاً وقدماً وهو شكل أفضل وأكثر تطوراً
من التنظيم العفوي.
يتألف التنظيم
الهرمي من مجموعات من الخلايا وتتكون الخلية الواحدة من ثلاثة إلى خمسة
أشخاص يقودها أمين سر. ويؤلف أمناء سر الخلايا خلية أعلى قد تسمى لجنة
منطقة ويؤلف أمناء سر المناطق خلية أعلى قد تشكل قيادة للإقليم وقيادات
الأقاليم المختلفة تؤلف القيادة العليا للتنظيم وهذا الشكل هو أبسط أشكال
التنظيم الهرمي وإنما سمي بالهرمي كونه يشبه شكل الهرم في التراتب
التنظيمي.
إن نظرة إلى
تجارب العمل بهذا الشكل من التنظيم تظهر إن الكثير منها قد لاقى الفشل
والكشف السريع من جانب المخابرات وهذا يرجع إلى عدة سلبيات لعل أهمها.
1 - إن شروط السرية للعمل التنظيمي
والوقاية من سهولة الوقوع في يد المخابرات تقتضي إن يعرف عضو التنظيم
اقل قدر من الأعضاء. ولكن في التنظيم الهرمي فإن أمين سر الخلية أو
المنطقة يعرف جميع الأعضاء الأدنى منه مرتبة تنظيمية ويعرف أمناء سر
الخلايا أو المناطق الأخرى بالإضافة لمعرفته بالشخص الأعلى منه تنظيمياً
(عنصر الاتصال) فماذا لو اعتقل هذا الشخص؟أو ماذا يحدث لو اعتقل أحد
القيادات العليا في التنظيم؟
2 - المركزية في التنظيم الهرمي طاغية
على العلاقات بين الهيئات والأفراد حيث أن الأوامر تعطى من الأعلى إلى
الأسفل ولا مجال لأفراد التنظيم العاديين أن يؤثروا في عمل التنظيم
بمبادراتهم واقتراحاتهم وهذا يحد من فاعلية عمل التنظيم ، خاصة إذا
تعرضت قيادة التنظيم للاعتقال، أو حيل بينها وبين الاتصال بالمراتب التنظيمية
الدنيا حيث لا مجال للمبادرة والمبادهة بين أفراد التنظيم في هذه الحالة.
3 - يصعب على التنظيم الهرمي في حال
وقوع خطر ما أو تعرضه لمأزق أمني أن يغير شكله، أو أن يبدل مخططاته بشكل
سريع وذلك لثلاثة أسباب -
أ - رسوخ واقع
الاتصال الثابت (عدم وجود قنوات تبادلية وأشخاص مؤهلين لذلك) .
ب - ثبات شكل
العلاقة التنظيمية والرتبة التنظيمية واعتمادها بشكل مطلق على مبادرات
الهيئات العليا.
ج - اعتماد هذا
التنظيم على خطة تنظيمية وبرنامج يضبط العمل في فترات طويلة نسبية،
وخضوعه لأوقات اتصال محددة ومتباعدة بين القيادات والكوادر التنظيمية
الأدنى.
4 - إمكانية كشف
التنظيم بسهولة نسبية، فيما لو حاولت المخابرات تقمص دور القيادة أو
مبعوثها كما حدث في مثال (خالد) .
5 - عدم قدرة
قيادة التنظيم على الحصول على تقارير دقيقة تتعلق بالوضع التنظيمي، حيث
لا مجال لاتصال أعضاء الخلايا مثلاً مع القيادات العليا وعدم قدرتها على
استطلاع أوضاع التنظيم الدقيقة واعتمادها لذلك على الكوادر المتصلة بها
مباشرة مما يقوي عنصر الشللية والفساد والنزعة العشائرية والمناطقية .
6 - إمكانية قيام
العدو بزرع عميل يتدرج تنظيمياً حتى يصل مواقع حساسة في جسم التنظيم.
ثالثاً
- التنظيم الحلقي الشريطي
أُعتُمد هذا
الشكل التنظيمي في مجال محدود وضيق في الأرض المحتلة، ويعتبر أرقى من
الشكل الهرمي وأكثر نجاعة منه في العمل الجهادي السري ولكنه ليس
النموذج الأمثل.
يظهر من اسم التنظيم أنه يقوم على
مجموعة حلقات متصلة ببعضها بشكل سلسلة، وكل حلقة تتصل بحلقتين اثنتين
فقط ونوضحها كما يلي يقوم الشخص أ بالاتصال بالشخص ب وهذا بدوره
يتصل بالشخص ج وهكذا دواليك ويلاحظ أن الشخص أ لا يعرف الشخص ج والشخص ب
يعرف الشخصين أ و ج ولكنه لا يعرف الشخص د... وهكذا.
إن أهم ميزة إيجابية لهذا الشكل التنظيمي
هو أنه غير معرض للاعتقالات ذات الطابع الجماعي على عكس الأشكال السابق
ذكرها. فإذا اعتقل عنصر ينتمي إلى تنظيم حلقي فان الاستجواب يركز على
معرفة جوابين من هو مسؤولك؟- من هو العنصر الذي تتصل به؟ولذلك فإن
عنصر الوقت لا يكون في صالح العدو وإنما في صالح التنظيم الذي سوف
يتنبه قبل فوات الأوان وسيكون لديه الوقت الكافي لاتخاذ الاحتياطات
الوقائية اللازمة.
ومما لا شك فيه
أن صمود المعتقل في التحقيق أمام التعذيب لا يكسب التنظيم الحلقي الوقت
للتصرف فحسب، بل يقطع خيط محاولة التوصل إلى معرفة أعضاء التنظيم كله
منذ البداية وبذلك لا يتحقق سوى اعتقال شخص واحد إننا إذ نرى فشل هذه
النماذج في الأشكال التنظيمية السابقة فإننا باحتياج إلى تطوير شكل تنظيمي
جديد وهي الحلقة المفقودة بما ينسجم مع متطلبات المرحلة .
ثالثاً
الجهل بأساليب
التحقيق وكيفية الرد عليها
تقول الحكمة:
"اعرف عدوك، واعرف نفسك، فبذلك تستطيع أن تخوض مائة معركة بأقل
الخسائر".
إن معرفة كل
مقومات وإمكانيات العدو وطرائقه وخططه ومنهجيته تحقق شرطاً هاماً في
إحراز الانتصار في مواجهة المحقق لعل الفكرة الساذجة التي يحملها بعض
المناضلين عن مجريات الاعتقال والتحقيق ، كثيراً ما توقعه في مطب
استسهال الصمود أثناء التحقيق فالبعض يعتقد أن التحقيق لا يعدو عن كونه
لقاءً مع ضابط مخابرات يحمل في يده عصا، سيضربه بها ضرباً مبرحاً
وهو يصرخ بصوت عال اعترف اعترف مكيلاً أبشع الشتائم وما على المناضل
إلا الصراخ بصوت عال أيضاً أو اللجوء إلى الصمت حتى يتعب المحقق ثم
يلقي عصاه ويرفس المناضل بقدمه يائساً وصارخاً في وجهه خذوه إلى
الزنزانة حتى يموت إلا أن التحقيق غيرُ ذلك وليس هناك من يستطيع أن يؤكد
أن التحقيق لا يتجاوز سوى جولة وغنيٌ عن القول أن الصهاينة أكثر خبرة
من بعض أجهزة القمع العربية، وحتى هذه الأجهزة تخلت عن الأساليب التقليدية
المعروفة وأصبحت تستفيد من الخبرة الصهيونية التي تقدم لها عبر القنوات الخلفية
لإطالة عمر هذه الأنظمة.
إن التحقيق
المتبع في أقبية الاحتلال الصهيوني وقبل كل شيء، هو برنامج له أبعاده
النفسية والجسدية القائمة على معارف طبية وسيكولوجية واجتماعية،
وما أكثر الأساليب التي يمكن ابتداعها وتطويرها انطلاقاً من معرفة العدو
بالبيئة والمجتمع العربيين وخاصة القضايا ذات الحساسية الخاصة لدى
العربي مثل الشرف والعرض والدين ومفاهيم الرجولة والصدق... الخ وسنعرض
لاحقاً للبحث في كل هذا.
هناك فكرة أخرى عن التعذيب تضخمه إلى حد
يصبح فيه الهاجس نفسه مخيفاً أكثر من الواقع، وكثيراً ما نسمع من
يقول: إن المحقق يعرف كل شيء أولاً وهو شخص غير عادي وان التعذيب هو
كهرباء وكي وتحطيم أعضاء وتعليق وأساليب أخرى لا حصر لها هنا ولكن في
النهاية يدخل المعتقل الذي يحمل هذا التصور كي يواجه التحقيق وفي
داخله استعداد وقابلية مسبقان للانهيار والاعتراف خوفاً.
إن وصايا جاهزة يسمعها المناضل، وينصح
بتطبيقها حال تعرضه للاعتقال، قد لا تفي وحدها بغرض الصمود فحين يعاهد
المعتقل نفسه على أن يردد العبارات التالية - "لم اسمع لم أر،
لا اعرف" فانه يعتقد أنها ستحصنه وتدعم
موقفه في التحقيق، ولكن غالباً ما يحدث أن تسقط هذه العبارات حين
ترتطم بواقع وأجواء التحقيق.
ولأن تلك الوصايا نابعة من الفهم الساذج
لعملية التحقيق، فإن المناضل سيكتشف أن ضابط المخابرات لا يحمل عصا فقط،
بل يستخدم طرقاً علمية وأساليب حديثة فيتزعزع ثباته يقف المناضل
ضعيفاً، مقطوعاً، عارياً أمام ضابط التحقيق حين تكون حالته تلك التي
سبق ذكرها ويصبح مدفوعاً برغبة الخلاص، حين تضعه أساليب التحقيق في
مناخ نفسي قاس وتخيره بين أمر كبير وأمر صغير فضابط المخابرات الذي
يطلب من المعتقل أن يخلع ملابسه يدرك أن التربية والعادات الاجتماعية
المختزنة تقيم حاجزاً من الحياء ذي الطابع الديني خاصة، يمنعه من
التعري، ولكن إذا توغلنا في التصور أكثر وافترضنا أنه أمام ثبات المناضل
ضد هذا الأسلوب، قام المحقق باستدعاء أخته أو زوجته وهدده بالاعتداء
عليها، فإن الأمر سيتغير فما أن يرفع المحقق سماعة الهاتف ويقول: إحضر
فلانة الآن فإنه يتوقع في نفس الوقت أن تهتز أوتار توازن شخصية المعتقل
اهتزازاً عنيفاً، ويجعل ضميره يصرخ داخله شرفك، عرضك، الناس، مجنون
ويصل توتره إلى مداه ويصبح عاجزاً عن التفكير أن هذا التوتر العالي يجد
له متسعاً للتفريغ عبر بوابة واحدة وهي أن يدلي بأية معلومات، أية
معلومات يمكنها أن تلغي إحضار أخته أو زوجته أو ابنته للمعتقل إنه هنا
عرضة لصراع مدمر بين الكرامة والشرف الشخصيين، وبين القضية والمبدأ
اللذين من أجلهما زج به في المعتقل إنه يسأل: أيهما المقدس والثابت في
النفس اكثر؟ أيهما المتغير؟ ... أيهما يمكن التضحية به لحساب الآخر؟ ... وأيهما
لا مجال للتفريط به على الإطلاق؟ إن شريط التخيل الذي يعبر ذهنه كمشهد
حاضر، منذ رحلة جنود الاحتلال وتوقف السيارات أمام منزله ثم اقتحامهم
الباب، وكيف سيأخذون ابنته أو زوجته كيف سيجرونها إلى السيارة وعيون
الناس الشاخصة إلى ذلك المنظر واختفاء المرأة بين الجنود وأسئلة أخرى -
هل سيترك هؤلاء الجنود شرفه دون أن يمس؟.. ألن يفهم الناس ما يجري
بطريقة مختلفة؟ وماذا ستقول الأخت أو الزوجة؟ ثم ماذا يقول ضميره؟... ،
شرفك يا مجنون هؤلاء يهود "طز" على كل العالم لا تضح بشرفك
هذا الشريط، عندما يدور في ذهن المناضل، وهو يعيش اللحظات العصيبة،
وينتظر الساعات المرة، يجعله ينهار، وربما قد يصرخ أريد أن اعترف... أريد
أن اعترف... قد حصلت حالات مشابهة، وعندما سئل رجل معروف بصلابته،
لماذا اعترفت؟ تنهد وقال (عندما عجزوا أن يأخذوا مني اعترافاً هددوني
بأنهم سيحضرون بناتي في الليل) وبعد ساعة كان وحيداً في الزنزانة
يصرخ، "أريد أن اعترف أريد أن اعترف" .
والحقيقة أن
الصهاينة غالباً ما يتوقفون في هذه الأمور عند حدود التهديد فقط غير
أننا لا نستطيع أن نتجاهل إمكانية حدوثها والمناضل الذي يجهل أساليب وطرق
التحقيق سيكون عرضة للانهيار وكم من المناضلين الأشداء وقعوا في شرك
الاستجواب وانهاروا لجهلهم بأساليب المخابرات.
التحقيق يعتمد في أول خطواته على البحث
عن ثغرة في نفسية المناضل كي يدخل منها ويجعلها منطلقاً لمواصلة هجوم
المحقق ويلبس المحقق أقنعة مختلفة ويحاول أن يبدو بمظاهر مصطنعة مظهر
تمثيلي لكي يدخل إلى عمق هواجس المعتقل وطريقة تفكيره ويبدو كل شيء
مدروساً في حركات المحقق وتصرفاته فالنظرة، والابتسامة، والحركة،
والإغراء، والغضب، والضرب، والحماية (من محقق يمثل دور الشرس) ، والصراخ
والشفقة، والتهديد، والعدو، والصديق، والعطف، جميعها مظاهر تمثيلية
مصطنعة وليس لها جذور في نفس المحقق وإنما يراد من ورائها أن يختبر أي
الأشكال يجدي نفعاً مع نموذج المعتقل الواقف أمامه.
إن المعرفة الكاملة بهذه الأساليب وبهذه
الأدوار وبهذا الإعداد المسرحي لجو التحقيق، إن توفرت لدى المجاهد المعتقل
فإنه لن يشعر بالوجل أو التخاذل وليكن إيمانه بالله وإسلامه وبقضيته
ومهمته الجهادية، قوياً بحيث يجعله أكثر صموداً وأصلب عزيمة في مواجهة
الأساليب الخبيثة للمحقق الصهيوني.
وليس جديداً القول إن إنسان العقيدة الذي
يعتمد على بنية تنظيمية قوية (وهي الحلقة المفقودة في هذه الأيام)،
ويعرف أساليب المحققين معرفة كاملة هو المؤهل لان يكون جداراً ساتراً
لعمل اخوته المجاهدين مهما نصبت له من الشراك ومهما تعرض له من
التعذيب وشراسة الاعتقال.
الباب الثاني
الصراع بين الحق والباطل
بسم الله الرحمن الرحيم
( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت
الأرض)
صدق الله العظيم
فكرتا الخير
والشر متأصلتان في الأرض منذ وجود الخليقة وقد استمر الصراع بينهما
بأشكال مختلفة عبر مسيرة التاريخ ومهما قويت عدة الشر، وسادت دولته في
مراحل مختلفة، فإن الخير يظل الهدف الأسمى للإنسان، والطموح الذي يقود
خطاه.
إن القدس اليوم هي مركز الصراع الكوني
بين الخير والشر وهي خط التماس الأول بينهما وإذ يستمر تضخم الكيان
الصهيوني ديمغرافياً، ويحلم بالتوسع الجغرافي، وتتسع دائرة النفوذ
الغربي والوصاية الأمريكية على مقدرات الدول والحكومات العربية، وتتسع
السجون وتتكاثر المعتقلات ويشتد القمع ضد شعبنا البطل وثورته العارمة،
فان حركة التحرر الإسلامي والعالمي تنمو وتتعاظم، وفي طليعتها حركة
الجهاد الإسلامي في فلسطين لتؤسس لسابقة حضارية أصيلة الجذور وراسخة
المعاني الإنسانية، معبرة عن نفسها بالانتفاضة الإسلامية المباركة التي
أشرقت في نهر الدم الإسلامي على بوابات غزة والقدس وجنين وكل جزء في
ثرى فلسطين الحبيبة.
والصراع بمعناه الأخلاقي يدور على مستويين :
أ - الصراع بين
الحق والباطل«والنصر فيه ولو طالت مدته يكون لصالح الحق بعون الله.
ب - الصراع بين
باطلين، والغلبة فيه لصالح الباطل الأقوى.
ونحن نعتقد
اعتقاداً يقينياً جازماً أن صراعنا مع الصهاينة هو من المستوى الأول،
صراع الحق والباطل.
ومن هنا تتأتى
قناعتنا بالنصر. ولكن الله سبحانه وتعالى عندما بسط لنا أسس حياتنا،
ونظام وجودنا في تعاليمه التي لا يأتيها الباطل حسبما وردت في القرآن
الكريم وفي سنة رسولنا العظيم عليه أتم الصلاة والسلام، أمدنا بتوجيهات
وأشار لنا بوسائل لابد من اتباعها حتى نبلغ النصر بل إن مرضاة الله لا
تستقيم إلا إذا سعينا إلى إحراز النصر وتحقيق الغلبة لدين الله على أعداء
دينه وأمته.
وكما أسلفنا فإن
صراعنا في فلسطين هو لب الجهاد اليوم، ورأس معارك الإسلام لأن احتلال
فلسطين - يهدف على رأس ما يهدف - إلى تشتيت المسلمين، وإضعافهم، ووضعهم
في موضع الهزيمة، بحيث لا يستطيعون إحراز منهج يلبي حاجة الإسلام إلى
التفوق في الأرض والتمكين.
التنظيم
لماذا التنظيم؟
تشهد الفترة
المعاصرة وجود قوى سياسية وتنظيمات تنبثق من المفاهيم الإسلامية، في
مواجهة الأنظمة المتسلطة التي تحاول تشويه قيم الإسلام.
ومهمة القوى
السياسية أو التنظيم الإسلامي أن يحشد الطاقات ويجمعها في إطار واحد، بحيث
تصبح قوة جماعية قادرة على التغيير.
والأنظمة التي تحارب الإسلام، وتخشى قدرته
على تغيير واقع الأمة السيئ، تسمح للمسلمين أن يقيموا شعائر الإسلام
ويمارسوا العبادات، وان يتفقهوا ويتحدثوا بالإسلام وان يمارسوا الأعمال
الاجتماعية والنشاطات الفكرية التي لا تؤدي بشكل مباشر إلى تغيير الواقع
والتأثير على الأنظمة.
ولكنها تستخدم
جميع الأساليب لمنع المسلمين من تأطير عملهم الفكري والسياسي في تنظيم
لأنها تعرف أن أي تنظيم إسلامي يهدد وجودها بشكل مباشر.
إن هذه الأنظمة
تحارب الجهاد فالجهاد هو أساس عمل أي تنظيم إسلامي.
والجهاد هو وحده
الكفيل بتغيير واقع الفساد والاستضعاف الذي يعاني منه المسلمون وتغيير
هذا الواقع غير الإسلامي يعني الإطاحة بالأنظمة التي تحكم فيه.
إن الإسلام حتى يقود الحياة من جديد لابد
له أن يتمثل في تجمع عضوي حركي جديد، يستمد قيمه وتصوراته وموازينه
من الإسلام، ولابد لهذا التنظيم من النضج على المستويات التالية.
أ - النضج العقائدي :
لا يمكن لمن
يحمل رسالة للناس، أن يؤديها وهو يجهلها، ولا يمكن للإنسان أن يكون
مسلماً رسالياً كونه مسلماً حسب شهادة الميلاد.
والنضوج العقائدي
يستوجب على المسلم الرسالي الوعي بالإسلام عقيدة وفقهاً وتاريخاً وحفظاً
للقرآن الكريم ومعرفة بسنة الرسول علية الصلاة والسلام.
ب - النضج السياسي :
أن تنظيماً
ناشئاً يحمل أيديولوجية ثورية تغييرية، هو تنظيم معرض للصدام المباشر
مع القوى السائدة محلياً وإقليمياً ودولياً وهذا يتطلب من التنظيم
الإحاطة بالوضع السياسي، كي يحدد بدقة أسلوب عمله، وأدوات الصراع، ونقاط
قوة الخصم، وبنيته الداخلية، وطبيعة تحالفاته، والتناقضات المركزية
والثانوية.
وعلى التنظيم
الإسلامي خاصة أن ينطلق في فهمه للمتغيرات من فهمه للتفسير الإسلامي
للتاريخ، ومن وعيه الشمولي بالحقائق القرآنية، وان يقرأ معطيات التاريخ
الحديث قراءة مختلفة عن السائد ليستخلص منها الدروس والعبر.
ج - النضج التنظيمي :
تحدد بنية أي
تنظيم مدى قدرته على الاستمرار، وعلى تحقيق إنجازات ملموسة فإذا كانت
بنيته الداخلية تمتاز بحيوية وارتباط عضوي بين أفراده، وتقدم للأعضاء
إمكان العمل بروح الفريق أو بتضامن الجماعة بواسطة علاقة مرنة أخوية،
وبواسطة نظام اتصال داخلي يتيح توزيعاً سليماً للمعلومات، ومتابعة
جيدة لأداء الخلايا والأفراد، وإذا كانت هذه التركيبة ترتبط بالمحيط
الجماهيري بشكل شمولي وتبادلي بحيث لا تحصل لدى التنظيم عزلة نخبوية
عن شعبه، وبحيث تحقق للتنظيم القدرة على تمثل هموم الناس وتوظيفها في
خدمة العنوان العريض أو الهدف الأسمى الذي ينشط من أجله، وإذا وفرت
البنية الداخلية شرط دقة العمل والانضباط والالتزام وتأثير الأفراد في
اتخاذ القرار بحيث تنمى القدرات ويتعزز عنصر المبادرة في العضو، إذا توفرت
هذه الشروط في بنية التنظيم كان قادراً على الاستمرار، وتخطي المعوقات
والضربات التي لا بد وأن يتعرض لها، وكان مرشحاً لتحقيق غايته
والانتصار مهما قست الظروف أو طال به الزمن.
د
- النضج الأمني:
الأمن يعني
الطمأنينة بشكل عام، ويعني المحافظة على التنظيم من اختراقات المخابرات
وعدم تسرب المعلومات السرية التي تتعلق بالتنظيم ومخططاته خارج الأطر
الخاصة بها، ويعني الحفاظ على سلامة أفراد التنظيم على اختلاف مواقعهم -
والحفاظ على السلامة لا يعني الخوف على الحياة .
وقد علمنا
الرسول الكريم أن المؤمن كيَس فطن، وأن كلاً منا على ثغرة من ثغر
الإسلام فلا يؤتين من قبله، وهذا يعني الحرص واليقظة وعدم التعامل مع
الأمور بسذاجة. فالمحيط الذي يعمل فيه التنظيم محيط غير متجانس وغير نقي،
لأن الأعداء والأنظمة القائمة تسعى بأكثر من أسلوب وبإمكانات عريضة
لاختراق التنظيم والتشويش عليه بالمعلومات المضللة، وتصفية عناصر قوته
دون اللجوء إلى الصدام المباشر.
لذلك على التنظيم أن يغرس في أعضائه الحس
الأمني، والصلابة معتمداً على التربية الإسلامية الرائدة في هذا المجال.
هـ - النضج العسكري :
أن الجهاز
العسكري للحركة الجهادية هو الذراع القوية التي تحمي التنظيم، وهو
الدرع الواقي، والقوة الرادعة للأعداء أن يتجرؤوا على ضرب الحركة
التنظيمية، وهو الأداة الضاربة التي تنفذ العمل الثوري من أجل إيقاع
الخسائر بالعدو، وزعزعة استقراره وأمنه، وإضعاف قوته، وبالتالي تمكين
التنظيم من الاستمرار بين الجماهير باكتساب تعاطفها وتأييدها المتزايدين.
على أفراد الجهاز
العسكري التحلي بلياقة بدنية خاصة، وهدوء نفسي، وقدرات عقلية، وقبل
ذلك كله بالإرادة القوية فهم عرضة لظروف صعبة وتحديات قاسية تضغط على
الجسد والأعصاب. والمعلومات التي يمكنهم الاعتراف بها للعدو إذا ما
تعرضوا للتعذيب القاسي هي من أنفس المعلومات قيمة وأخطرها أثراً على
التنظيم.
لذلك لابد من إعداد متواصل وتدريب خاص،
وتربية شاملة لعناصر العمل العسكري.
إن عليهم أن يدركوا أسس العمل العسكري وأن
يحيطوا بأساليب القتال، ولكن عليهم أيضاً أن يكونوا عباداً لله
روحانيين، يحملون في نفوسهم شعوراً عظيماً بالرسالة التي أنيطت بهم،
وهذا يعطيهم ثقة عالية بالنفس تكون لهم خير عون على أداء مهامهم،
وأشد درع يقيهم قسوة الامتحان أمام الأعداء إذا تعرضوا للأسر والتعذيب.
وعليهم أن يتعلموا كل ما يلزمهم في عملهم
العسكري، حسب توزيعه عليهم من استخدام المتفجرات، والتشريك والشيفرة
والاقتحام والخطف وأساليب الهجوم والدفاع، وفنون حرب الشوارع وحرب
العصابات.. الخ .
يتعرض المجاهد إلى احتمالات ثلاثة في أدائه الجهادي
حتى يحرز النصر، وهذه الاحتمالات :
- الاعتقال
- المطاردة
- الشهادة
وهذه الدراسة
مخصصة للحالة الأولى، وهي تعرض المجاهد للاعتقال وسنتحدث عن أساليب العدو
في انتزاع الاعترافات والمعلومات من المجاهد الأسير، وعن وسائل مقاومة
الانهيار وكيفية المحافظة على الثقة بالنفس والإيمان بنصر الله والصبر
على المحنة، وعدم التفريط بالمعلومات التي يحتاجها الأعداء للقضاء على
التنظيم أو النيل منه.
إذا تعرض المجاهد
للاعتقال، فإن أول ما يسعى له الأعداء هو انتزاع المعلومات، ومرحلة
انتزاع المعلومات تسمى مرحلة التحقيق.
التحقيق
فما هو علم التحقيق؟
هو مادة تدرس
في الأكاديميات العسكرية، وخصوصاً فرع الاستخبارات، وله قوانينه وشروطه
ووظائفه، ويستند إلى علوم الفسيولوجيا العصبية، وعلم النفس.
تعريف التحقيق:
وهو صراع بين
إرادتين إرادة المحقق وإرادة المعتقل .
وهو أسلوب يعمد
من خلاله المحقق إلى الحصول على المعلومات عن المناضل، وعن التنظيم
وعن المحيط والبيئة والعلاقات التي كان المعتقل يتحرك من خلالها. وخاصة
المعلومات السرية. والتحقيق جزء من المعركة التي يخوضها المناضل أو
المجاهد ضد أعدائه، وهذا الجزء يمثل المرحلة السلبية، التي يكون فيها
المجاهد تحت ضغط العدو دون أن يمتلك من وسائل المواجهة سوى إرادته
العارية، وقدرته على ضبط نفسه والصبر حتى تمر هذه المرحلة بأقل قدر
من الخسائر، يعني بأقل قدر من المعلومات المنتزعة من جانب المحقق،
حينها يحقق المجاهد انتصاره على عدوه بدون سلاح .
طريقة التحقيق :
هي الكيفية
الثابتة المدروسة التي يستخدمها العدو للوصول إلى غايته، وتتراوح بين
الضغط النفسي والعقلي والجسدي المتواصل لتدمير أسس المقاومة الداخلية،
ليصل المناضل إلى مرحلة الانهيار والإدلاء بالمعلومات التي يريدها العدو.
أسلوب التحقيق :
هو الكيفية
المتغيرة لتحقيق غاية التحقيق، فالأسلوب ليس الطريقة، الطريقة ثابتة أما
الأسلوب فمتغير وبهذا المعنى، فليس هناك أسلوب واحد بل عدة أساليب، كل
أسلوب يعالج حالة معينة في ظروف معينة والمحقق يختار أسلوباً واحداً في
لحظة واحدة ولكنه قد يلجأ إلى استعمال عدة أساليب متداخلة في لحظة
أخرى، حسب اجتهاداته للحالة الماثلة أمامه فالمحقق يدرس الحالة ويقرر
الأسلوب المناسب من خلال دراسته لشخصية المجاهد ونفسيته والظروف التي تم
فيها اعتقاله، والظروف العامة للحالة الجهادية، ويحاول المحقق اكتشاف
نقاط ضعف المجاهد قبل بدء التحقيق ثم من خلال عملية التحقيق ليستعمل
ضده الأسلوب الملائم، فإذا نجح يكون قد حقق هدفه، وإذا لم ينجح يجرب
أسلوباً آخر حتى يصل إلى هدفه.
وسائل التحقيق :
هي الأدوات
المادية المستخدمة لتطبيق الأسلوب وهذه الوسائل غير محدودة، ويحاول
المحقق أن يبتكر باستمرار وسائل جديدة حتى ينتصر على المجاهد المعتقل
ويأخذ منه الاعترافات والمعلومات المطلوبة.
المحقق :
في الحالة
الفلسطينية الجهادية، فإن المحقق رجل صهيوني، مربى على تعاليم توراتية
عنصرية، موظف في خدمة الكيان الصهيوني، درس التحقيق كعلم بأحدث الطرق
ويعمل لتطبيقها على المجاهد المعتقل ولنجاحه في عمله يدرس الشخصية
الفلسطينية وأنماطها السلوكية ونقاط ضعفها واللغة العربية خاصة اللهجة
الفلسطينية والأمثال الشعبية والمعتقدات السائدة، وواقع التنظيمات والظرف
السياسي العام، ويحاول الإلمام بالبيئة الخاصة بكل منطقة في فلسطين
كناسها وعلاقاتها ليسهل عليه التغلغل إلى نفسية المجاهد.
المجاهد:
رجل رسالي،
صاحب تربية قرآنية. اختار الجهاد طريقاً، والشهادة وسيلة للفوز برضى
الله وجنته، ووهب نفسه وماله وحياته لنصرة الإسلام ناضج عقائدياً
وسياسياً وتنظيمياً وأمنياً وعسكرياً يدرك جوهر العدو وأسس الصراع معه .
الاعتقال
أشكال الاعتقال
1- الاستدعاء "الطلب" :
وفيه يقوم ضابط
المخابرات بإرسال تبليغ أو طلب مقابلة بواسطة شرطي أو مختار أو عميل محلي
إلى المجاهد ويسلم له مباشرة أو لأهله، ويحدد في التبليغ تاريخ المقابلة
وساعتها ومكانها الذي غالباً ما يكون مركز حكم عسكري أو ثكنة عسكرية.
والمقابلة ليست
عملاً روتينياً بل هي متابعة للوضع وجمع المعلومات، ومحاولة تضييق على
المجاهد ووضعه موضع الشبهة أو إغرائه، وهي مصيدة اعتقال أيضاً على
المجاهد في حالة استلامه طلب المقابلة أن لا يقلق ولا ينزعج، وان يبلغ
إخوانه في التنظيم أو مسؤوله حتى يتم تدارس الموضوع واتخاذ الاحتياطات
والإجراءات اللازمة في أسوأ الاحتمالات.
2 - مداهمة البيوت :
عادة ما تتم
المداهمة في الثلث الأخير من الليل قبيل ساعة الفجر، حيث تقوم قوة من
الجيش أو الشرطة أو كليهما - وقد تضم سيارات عسكرية ومصفحة أو ناقلة
للجنود ووحدة مخابرات بالذهاب إلى منزل المجاهد المراد اعتقاله وينزل
الحشد من الجنود المدججين بالسلاح ويحاصرون بيت المجاهد ويوقظون أهل
البيت، ويلقون القبض عليه ويقيدونه ويضعون عصابة على عينيه ويقتادونه
تحت الضرب والركلات أمام أنظار أهله وجيرانه إلى السيارة العسكرية التي
تنقله إلى السجن ويقصد العدو من وراء هذا الأسلوب الإرهابي في الاعتقال
غرس الخوف والرعب في نفس المجاهد قبل مثوله أمام التحقيق وأسلوب ترويع
الأسرة والجيران يهدف إلى خلق جو من الرعب حول المجاهد يوحي له أنه
مطلوب بسبب أعمال خطيرة، وأنه شخص خطر لذلك تطلب اعتقاله إجراءات غير
عادية من السيارات والجنود وكل هذه الإجراءات متعمدة ومقصودة كمرحلة
تمهيدية للتحقيق وتهدف إلى وضع المجاهد في حالة من الضعف والخوف وإظهار
القوة والجبروت الذي يتمتع به العدو والذي يعرف كل شيء ويملك كل شيء.
3- الاعتقال
أثناء أداء مهمة جهادية :
لا معنى لحياة
المسلم بدون عقيدة وجهاد. فالجهاد فرض على المسلمين إلى يوم القيامة وفي
طريق الجهاد الطويل يكلف المجاهد بمهام شتى، عمل جماهيري، مظاهرات،
إضراب، توزيع منشورات، حمل وثائق، نقل أسلحة، تخزين أسلحة، حمل رسائل
سرية، مراقبة هدف، تنفيذ مهمات عسكرية وقد يضطر للتنقل ليلاً والتخفي
عن الأنظار، والسير في الغابات والجبال، والاختفاء بعيداً عن الأنظار،
وقد يصبح مطارداً ومطلوباً لأجهزة الأمن وهذه المهمات سواء كانت خطيرة
أو بسيطة تحتاج إلى وقت بين مرحلة التخطيط إلى مرحلة التنفيذ وفي الفترات
الفاصلة بين مرحلة وأخرى قد يجد نفسه في كمين، أو في مواجهة دورية
عسكرية روتينية، أو أمام حاجز تفتيش طارئ وربما أثار شكل المجاهد وطبيعة
حركته، والمكان الذي يتواجد فيه، أو الوقت الذي يواجه فيه العدو ربما
أثار الشكوك فيتعرض للتوقيف والتفتيش فإذا اعتقل المجاهد متلبساً أثناء
قيامه بأداء مهمة جهادية، فماذا يمكن أن يفعل؟هل ينكر وقد ضبط
متلبساً؟أم يعترف طالما وقع في الفخ حيث لا فائدة من الإنكار؟
سنعرض فيما يلي لبعض الحالات :
أ - الإنكار لا يعني البراءة الإنكار يعني خطورة الوضع .
اعتقل عام1971
أحد المناضلين، وقد ضبط أثناء قيامه بعمل نضالي، وبحيازته أسلحة. حُقق
معه بشكل سريع، وعنيف، ولكنه أصر على الإنكار.
سئل عن أصدقائه
أنكر أن يكون له أصدقاء قام رجال المخابرات بجمع بعض المعلومات عنه،
واتضح لهم أن له ثلاثة أصدقاء لا يفارقونه وهذا يعني أن إنكار المعتقل
لأصدقائه يؤكد وجود علاقة تنظيمية بينهم، فاعتقل رجال الأمن الأصدقاء
الثلاثة، وحققوا مع كل منهم منفرداً، وبأسلوب المضاربة، وأوهموهم أن
مسؤولهم المعتقل اعترف بعلاقتهم معه، وبمشاركتهم في العملية، وان الأسلحة
ضبطت فانهار الثلاثة، واعترفوا بعضويتهم في التنظيم، وسردوا كل ما يهم
جهاز المخابرات عن علاقاتهم، والمهمات التي كلّفوا بها ومن خلال
اعترافاتهم استطاعت المخابرات إيهام المسؤول أنها كانت تعرف عنه كل شيء،
وواجهته بالمعلومات التي حصلت عليها من أصدقائه، وأخيراً انهار واعترف بكل
شيء.
إذاً ليس الصمود
في الإنكار المطلق، وليس الاعتراف مهارة. ولكن المسألة الأهم هي وجود أسس
للعمل التنظيمي، والقدرة على التمييز بين ما يمكن قوله وبين ما يجب
إنكاره حتى لو توفرت جميع الشواهد على المشاركة في العمل، وكذلك
القدرة على تخمين الطريقة التي يحصل بها رجال الأمن على المعلومات
والأدلة.
ب - الاعتراف لا يعني التسليم للأمر الواقع... التسليم
للأمر الواقع يعني الانهيار.
في منتصف
السبعينات اعتقل أحد المناضلين بعد تفتيش روتيني لمنزله إذ عُثر في
المنزل على مسدس، وأوراق تنظيمية ورموز شيفرة.
حاول الإنكار في البداية ولكن ضباط
المخابرات هددوه، وقالوا له لا داعي للإنكار وكل شيء واضح وأن قضيته
لا تحتاج إلى ضرب أو تعذيب وأن كل القرائن ثابتة عليه، وأنه لن يحكم
سوى بشهور قليلة فاعترف بأن المسدس له، وأنه وجد الأوراق في الطريق.
كانت أجهزة الأمن
تبحث عن مجموعة شاركت بمسدس في تنفيذ بعض العمليات ضد مستوطنين وعملاء
وأكد تقرير معهد البحث الجنائي أن المسدس الذي استخدم في كل العمليات
هو المسدس نفسه.
لقد كان المسدس
طرف الخيط الذي استخدمته أجهزة الأمن لكشف الخلية، واعتقال أفرادها.
إن اعتراف
المناضل تحت مبرر التسليم بالأمر الواقع، لم يكشف عمله وحده، ولم يؤد
إلى الكشف عن السلاح الذي لديه فقط، بل أوصله إلى الانهيار الكامل،
والكشف عن اخوته المناضلين، وهذا ما يدفعنا للحديث عن شروط ومرتكزات
العمل الأمني في التنظيم، وضرورة الحس الأمني كقاعدة أساسية على المجاهد
اتباعها قبل البدء في العمل العسكري.
ج - شروط ومبادئ عامة :
1-
عدم حمل أوراق بها أسماء أو عناوين أو صور.
2
- عدم حمل مفكرة لأرقام الهواتف.
3-
عدم حمل ميداليات تحمل شعارات حركية أو صور أو رموزاً قيادية، أو إعلام.
4
- عدم ارتداء ملابس تلفت النظر (ملابس مموهة أو عسكرية) أو أزياء يعرف
بها المجاهدون.
5
-
ألا يحتفظ في غرفته أو منزله بأية أوراق خاصة أو وثائق أو ملفات،
أو
مواد تحريضية، أو
ذخيرة،
أو
أسلحة.
6
- ألا يحضر اجتماعاً تنظيمياً في منزله أو منازل الاخوة المعروفين في
الحركة.
7
- أن يخفف من علاقاته الاجتماعية مع الاخوة النشطاء في الحركة.
8
- أن لا يتحدث مع اخوته في الحركة في الأماكن العامة.
د - القصة الإخبارية "الملفقة" :
للعمل السري
ظروف خاصة تمتاز بالتعقيد، مما يجعله بحاجة إلى أذهان متفتحة، وقدرة
متميزة على حسن التخلص من المأزق، ومن الأساليب الشائعة لدى المناضلين
في التخلص أثناء التحقيق ما يسمى بالقصة الإخبارية.
وهي قصة ملفقة
مدروسة بعناية، وموضوعة بدقة، بحيث يستطيع المجاهد أن يقنع المحقق
بحكاية لا تكشف أسرار نشاطه العسكري، ونشاطات تنظيمه، وتضلل المحقق في
نفس الوقت.
القصة الإخبارية،
ليست ثابتة، بل هي متغيرة حسب الموضوع، والظروف والأحوال، والأشخاص وهي
إبداع، وليست تقليداً، أو حفظاً عن ظهر قلب، فهي لعبة ذكاء لمواجهة
المحقق، مما يتطلب من المجاهد، أن يكون قادراً على إدخال عناصر جديدة
إلى القصة المعدة سلفاً إذا شعر بالحاجة إلى ذلك بدون أن يدخل الاضطراب،
ويخل بالحبكة القصصية، وعليه أن يراعي العفوية والتلقائية في الحديث
بحيث لا يظهر عليه ارتباك، أو تردد، أو لعثمة، أو أي ضعف يمكن أن يفضح
حقيقة القصة الملفقة، وهذا يتطلب التدريب المسبق على تأليف هذا النوع
من القصص، ليتمكن من الصمود، والعمل في الظروف المختلفة.
فالقصة الإخبارية،
ليست حكاية مرتجلة، ولكنها محبوكة، ومعدة بدقة بحيث يتقمص المجاهدون
أمام المحقق، بأداء تمثيلي ناجح، وهي تقوم على أسس ومرتكزات وأهداف.
الهدف من القصة الإخبارية:
1
- التخلص أمام المحقق من إعطاء معلومات تثبت التهمة عليه أو تكشف عن
طبيعة عمله أو عمل اخوته في الحركة.
2
- التخلص من المآزق التي قد يواجهها المجاهد أثناء تنفيذ مهماته.
3
- جمع المعلومات من المناطق الحساسة، أو المناطق المحاصرة أمنياً.
4
- اختراق مكان أو تجمع، أو جهاز أمنى، وسهولة التحرك في هذه المواقع.
أسس ومرتكزات القصة الإخبارية:
1
- أن تكون القصة قابلة للتصديق، وغير مثيرة للشك.
2
- أن تكون محبوكة، ولا توجد فيها ثغرات.
3
- أن تنسجم مع طبيعة، وظروف المجاهد، والمنطقة التي يعمل فيها.
4
- أن تنسجم مع المهمة التي يكلف المجاهد بها.
5-
أن يراعى في تركيب القصة التغطية على المصاريف المالية ومصادرها.
6-
أن يعرف المجاهد معلومات كافية عن المكان الذي يتحرك فيه من حيث
العادات الاجتماعية واللهجة والمميزات الأخرى.
7-
أن يحفظ المجاهد جميع المعلومات عن الشخصية التي تقمصها الاسم الرباعي،
المهنة، تاريخ الميلاد، مكان الميلاد... الخ.
8
- أن يراعى توفير بعض المستندات التي تؤيد القصة كالبطاقة، وجواز
السفر، وبعض الأوراق الثبوتية.
أنواع القصة الإخبارية:
1 - القصة الدائمة: وهي تمثل ساتر
التواجد الدائم في منطقة ما كأن يكون الساتر طالباً أو تاجراً، أو
مدرساً، أو عاملاً الخ.
في هذه الحالة،
يجب على المجاهد أن يحمل معه الأوراق الثبوتية المتناسبة مع القصة.
ب - القصة المؤقتة : وهي القصة التي
تبرر التواجد في مكان محدد لمدة محدودة، هي فترة القيام بالعمل السري.
إن طبيعة العمل
العسكري السري داخل الأراضي المحتلة يتطلب غالباً، استخدام القصة
الإخبارية المؤقتة، وفي هذه الحالة، يجب على الحركة أن تضع الخطة
الكاملة لهذه المهمة، وأن تؤلف القصة الإخبارية المناسبة للمجاهد المكلف
بتنفيذ المهمة على الشكل التالي:
أ
- تبدأ القصة الإخبارية من نقطة الانطلاق حتى التنفيذ، ثم العودة من
المهمة إلى القاعدة.
ب
- تقسيم العملية إلى مراحل.
ج
- التركيز في القصة على المراحل الخطيرة.
د
- وضع احتمالات الاعتقال في كل مرحلة.
ه-
- طرح سؤال مهم في كل مرحلة ... في حالة
الاعتقال ، ماذا سيجيب ، ماهو الغطاء والساتر.
و-
مناقشة القصة بين المجاهد المكلف بالتنفيذ ومسؤوله، بكافة تفاصيلها
وإعطائه الفرصة للمشاركة في صياغتها.
ز-
وضع المجاهد قبل البدء في التنفيذ تحت اختبار لقدرته على التحمل،
وعلى التمسك بالقصة المعدة بحيث يتعرض المجاهد إلى أسئلة يمكن أن تواجهه
أثناء التحقيق، أو في حالة تعرضه لمأزق كالسؤال عن شخصيته ومكان قدومه
ومكان ذهابه، والأسلحة التي يحملها، مصدرها، الهدف من حملها، اسم
مسؤوله، تنظيمه، اسمه الحركي، رقمه السري، أفراد.. خليته... الخ .
وعلى المسؤول أن
يطرح أسئلة الشَرَك التي يكون فيها السلب والإيجاب اعترافاً وعليه أن
يكون جدياً صارماً وأن يضع المجاهد في جو تحقيق، وان يسجل أجوبته،
وملاحظاته على جميع نقاط الضعف التي تظهر من المجاهد، وعلى المجاهد أن
يتقن قصته اتقاناً كاملاً وان يكون سريع البديهة، متزناً في أجوبته،
هادئ الأعصاب وان لا يستفز وإعادة هذه التجربة، إن تكرار هذا الامتحان يؤهل
المجاهد لتدارك أخطائه ومواجهة أي طارئ بهدوء وخبرة وتمرس عندما يتعرض
للتجربة الحقيقية.
على ضوء ما
تقدم نعود للسؤال من جديد إذا ضبط المجاهد متلبساً هل عليه أن يعترف
طالما وقع في الفخ؟
اعتقد أن الإجابة
واضحة بعد الاعتماد على مبادئ ومرتكزات البناء التنظيمي في العمل
العسكري والحس الأمني وإتقان القصة الإخبارية وتقمص الدور بالشكل الجيد
بحيث تكون أجوبة المجاهد غير ضارة لمسيرة العمل الجهادي.
علينا أن لا
نعبئ المجاهد بتوصيات أخلاقية مجردة قائمة على الشعارات مثل: "لا
تعترف... كن رجلاً... شد حيلك... الخ". إنما علينا أن
نسلحه بالوعي الكامل والإيمان الراسخ القائم على البناء العقائدي ثم
نربي فيه القدرة على مواجهة المحقق دون أن ينهار وأن يمتلك رصيداً من
الخبرة العملية.
وأهم درس في هذا المجال هو أن المحقق
إنسان عادي وأن جهاز التحقيق مهما امتلك من معلومات وقدرات ليس كلي
المعرفة وأن عملية التحقيق هي أشبه بالعض على الأصابع فكما يتعرض
المجاهد للإرهاق الجسدي والنفسي أثناء التحقيق فإن المحقق أيضاً يتعرض
لضغط نفسي ناجم عن طبيعة عمله ورغبته الشديدة في الحصول على معلومات،
بالإضافة إلى الروتين والأداء الوظيفي الذي تفرضه عليه مهنته، مما يعني أن
عملية التحقيق ستنتهي إذا لم يدلي بمعلومات حساسة وسيشعر حينها بالانتصار
على المحقق وهو أمر له قيمة معنوية كبيرة جداً ترفع معنويات المجاهد
وتعطيه شعوراً بالتفوق على المحقق (إن تكونوا تألمون فانهم يألمون كما
تألمون وترجون من الله ما لا يرجون)
4- الاعتقال في نقاط العبور إلى فلسطين :
ينتقل
الفلسطينيون باستمرار عبر بوابات العبور في نيؤوت سيناء وجسري الأردن
ومطار اللد باتجاه الدول العربية وباقي أنحاء العالم وذلك للدراسة أو
العمل أو الزيارة أو العلاج أو التجارة، وجهاز الأمن الإسرائيلي يعرف أن
أغلب هؤلاء سيلتقون بصورة مباشرة أو غير مباشرة مع مجاهدين وتنظيمات
خارج فلسطين في المكاتب والندوات والجامعات الخ.
لذلك فهو حريص
أن يجمع أكبر قدر من المعلومات حول هذه المكاتب وإذا لم يستفد من هذه
المعلومات بصورة مباشرة في الإيقاع بالمجاهدين، فإنها تنفع في بناء تصور
عام لدى المخابرات حول نشاطات المجاهدين، وتدفع بالإيقاع بالمجاهدين
الآخرين، وفي الكشف عن الثغرات في القصص التي يؤلفونها أمام المحقق
وكثيراً ما يتعرض الأشخاص المشكوك بهم إلى الاعتقال على إحدى نقاط العبور
وأغلب حالات الاعتقال تتم بسبب شبهة أو معلومات سابقة عندما يحمل جواز
السفر وعليه أختام دخول وخروج لدول معروفة بتواجد قواعد تنظيمية
ومعسكرات على أراضيها.
الباب الثالث
معركة التحقيق
التحقيق شكل من
أشكال الصراع بين المجاهدين والأعداء له أدواته، وخصائصه، وأساليبه وهدف
التحقيق هو إثبات التهمة من وجهة نظر العدو على المجاهد الذي يتعرض
للتحقيق أو انتزاع الاعترافات والمعلومات التي تشكل صيداً ثميناً للجهاز
الأمني وطرفا الصراع هما المجاهد الأعزل سوى من عقيدته، وإيمانه، وقدرته
على الصمود والمحقق الذي يملك آلة قمعية مجهزة بكافة وسائل التعذيب
الجسدي والنفسي، والمعلومات المسبقة،
ولكنه لا ملك العقيدة، والقدرة على الصمود أمام عناد المجاهد،
وصبره، وتضحيته إذ احتمل حتى النهاية، لذلك وصفنا التحقيق بأنه معركة،
لأنه يتصف بما للمعركة من شراسة، ومراوغة، وأساليب خداع متبادلة،
واستعمال فنون الحرب النفسية .
إن إيمان المجاهد
بالله، وتمثله بسيرة الأبطال السابقين في تاريخ الإسلام، وفي تاريخ
الجهاد المعاصر، وتمثله بالهدف العظيم الذي يحتمل المحنة من اجله، هو
سلاحه في مواجهة المحقق، وسبب صموده، بينما يعتمد المحقق على تربية
وظيفية، ورغبته في أداء عمله في نجاح، وهذا ليس دافعاً كافياً للقدرة
على الصمود في معركة التحقيق حتى النهاية، لذلك فإذا تمكن المجاهد من
اجتياز معركة التحقيق دون أن يعترف، أو أن يدلي بمعلومات، تضر إخوانه
المجاهدين فإنه هو المنتصر، والمحقق هو المهزوم.
يتبع جهاز الأمن الصهيوني عدة أساليب في
التحقيق، ولكل أسلوب وسائله وأدواته التطبيقية والتقنية، ويعمل على أن
يكون هناك تناسق وترابط بين الأساليب، لذلك لا يمكن فصل أسلوب عن آخر،
كما أن عدد الأساليب التي يستخدمها، والمدة الزمنية لاستخدام أسلوب معين
تطول حسب حالة المجاهد، أو حسب حجم القضية أو التهمة، وسنحاول في ما
يلي عرض لأساليب التحقيق قدر الإمكان.
عادة يتم تكبيل
المجاهد لحظة اعتقاله بقيود بلاستيكية، ويداه خلف ظهره ويوضع رأسه في
كيس من الشادر بحيث لا يتمكن من رؤية شيء، وينتقل تحت الضرب، والشتم،
والإهانة المختلفة إلى السجن، وهناك يسلم ما يملك من أوراق ونقود، وساعة
يد، وبطاقة هوية ويفحص طبياً لتحديد ما إذا كان به مرض أو عجز ما،
وينقل إلى الزنزانة، حيث يخلع ملابسه، ويلبس ملابس خاصة بالسجن ثم ينقله
جندي مختص إلى أقبية التحقيق، حيث يبدأ التعذيب والمعركة مع المحقق.
أساليب التحقيق
أولاً - أسلوب التحقيق الافتراضي:
وهو أسلوب قائم
على معلومات افتراضية غير مؤكدة لدى المحقق، وتستند إلى كميات كبيرة
من المعلومات العامة التي استطاع جهاز المخابرات جمعها عن حالات سابقة
شبيهة بحالة المجاهد المعرض للتحقيق، وبعض المعلومات الخاصة عن المجاهد
نفسه«ويعمد المحقق إلى تركيب صورة معينة بواسطة أجزاء متناثرة من
المعلومات الافتراضية التي يسعى إلى تجميعها وتوثيقها عن طريق الأسئلة
المباشرة وغير المباشرة التي يوجهها للمجاهد، وكل سؤال يفضي إلى السؤال
الذي يليه، وكل إجابة تؤدي إلى توضيح الصورة أكثر.
لذلك فإن الأسلوب
الافتراضي في التحقيق يقوم على إتقان لعبة ماكرة من الخداع والمراوغة والإيهام
بمعرفة كل شيء، وهنا تبرز قدرة المجاهد وذكاؤه في فهم اللعبة وتجنب
المنزلقات، فإذا استطاع التغلب على خداع المحقق نجا بجلده، وإذا وقع في
أحابيل الأسئلة الافتراضية والإيهام بأن جهاز المخابرات يعرف عنه كل شيء
أثبت على نفسه التهمة وعرض نفسه إلى السجن ومزيد من التعذيب لتقديم
أكبر قدر ممكن من المعلومات والاعترافات.
غالباً ما
يستخدم الأسلوب الافتراضي في الحالات التي لا يملك جهاز الاستخبارات
معلومات أكيدة حول موضوع معين أو التهمة التي يتعرض بسببها المجاهد
للتحقيق، ولكنه يشك فقط بسبب ظروف معينة في أن للمجاهد علاقة بتنظيم
ما أو عملية ما، والحالات القادمة من الخارج عبر نقاط العبور هي أكثر
الحالات تعرضاً لأسلوب التحقيق الافتراضي كما أن هذا الأسلوب يفيد جهاز
الأمن في تجميع أو تراكم قدر أكبر من المعلومات التي تصلح لتكوين صورة
أشمل حول التنظيمات والمجاهدين، وتفيد في حالات التحقيق مع مجاهدين
آخرين وطوال فترة الاحتلال كانت الفصائل الفلسطينية تسعى دائماً لاستغلال
حركة الدخول والخروج النشطة عبر بوابات العبور لأجل تحقيق أهدافها في
إدخال الأسلحة والمتفجرات والصواعق والرسائل وعناصر الاتصال، والأموال
والكوادر المدربة عسكرياً.
ومن جهته سعى
جهاز الأمن الصهيوني باستمرار لاستغلال نقاط العبور من أجل غرس عملاء
له في المناطق الساخنة كالمعسكرات، والقواعد الفدائية، ومكاتب التنظيمات،
وإرسال جواسيس لجلب المعلومات حول التنظيمات، وحول نشاطات الأفراد، وعن
الواقع الفلسطيني في دول الشتات.
كما سعى للحصول
على المعلومات عن طريق الاستجوابات الروتينية للمسافرين على نقاط العبور
تلك.
إن جهاز الأمن الصهيوني معني بجمع أكبر
قدر من المعلومات حتى ولو كانت ذات طبيعة عامة عن المكاتب من حيث
أسماء العاملين فيها، وطريقة العمل، وأوقات الدوام، ونوع الخدمات التي
تقدمها والمعلومات الشخصية عن كل عامل فيها اسمه عمره شكله، مكان سكنه،
رقم هاتفه، عدد أولاده، راتبه، أخلاقياته، وغير ذلك وكذلك عن المعسكرات
ومواقعها، ومساحتها، نوع التسليح، معلومات حول قادتها العسكريين، طاقمها
الإداري، نوعية التدريب وقد يهتمون بمعرفة كمية التموين، الملابس
المعروفة، عدد النشرات والمجلات الموزعة بالمعسكرات وعن طريقها يستطيعون
تحديد عدد أفراد المعسكر. إن تراكم هذه المعلومات، مهما بدت تفاصيلها
غير مهمة، تمكن الجهاز الأمني من الاقتراب جداً في فهم طبيعة عمل المناضلين
الذين يتعرضون للتحقيق، أو خداع أي مناضل بأنهم يعرفون عنه كل شيء.
إن أهم عنصر في
أسلوب التحقيق الافتراضي هو زرع الشك في نفس المجاهد، والعمل على
إفقاده الثقة باخوته وقادته، عن طريق توظيف هذه المعلومات، ليظن أن
قيادته باعته لجهاز المخابرات، .
في منتصف
السبعينات تم اعتقال مجموعة من الأشخاص على نقطة العبور عبر جسر الأردن
وبعد انتهاء التحقيق مع المجموعة، أخرجوا من الزنازين إلى أقسام السجناء
الأمنيين، وعند سؤالهم من قبل السجناء الآخرين عن قضيتهم، وملابسات
اعتقالهم قالوا لقد وجدنا كل شيء أمامنا، إنهم يعرفون كل شيء حتى أدق
المسائل التي لا يعرفها أحد، وجدناها معروفة عند المخابرات كل الذين في
الخارج عملاء وقد باعونا للموساد تُرى هل هذا استنتاج صحيح ؟ هل هذه
قصة صحيحة؟ وهل هذه المجموعة صادقة أم أنها مجرد مبررات لتغطية العجز
والانهيار والاعتراف أمام المحقق ؟أم أن هناك وجهاً آخر للمسألة؟
أن تفسير ما حدث
بسيط، وهو أن ضابط المخابرات المختص بالساحة الأردنية قد تراكمت لديه
كمية كبيرة من المعلومات العامة، وبعضها من نوع ما ينشر في الصحف،
والإذاعة والتلفزيون وبعض المعلومات الخاصة، ولكنه استطاع أن يستثمر هذه
المعلومات استثماراً جيداً للإيقاع بأولئك الأشخاص..
فقد كان ضابط
المخابرات الصهيوني يعرف أن كل فلسطيني يعبر الجسر باتجاه الأردن لا بد
أن يمر باتجاه مكتب م ت ف في عمان لسبب أو لآخر، ويسبب الروتين الإداري
والبيروقراطية أن يضطر ذلك الفلسطيني للتردد على المكتب عدة مرات، ولا
بد أنه سيتعرف أثناء تكرار زيارته للمكتب على العاملين هناك، وسيحاول بعضهم
إظهار مساعدته له أو حرصه عليه، والتودد إليه، لأجل كسبه في التنظيم ومن
المعلومات المتوافرة مسبقاً لدى رجال المخابرات يعرف المحقق، أن بعض
العاملين في المكتب يدعى أبا فراس، وأن أبا فراس يجند المراجعين لصالح
جهاز الغربي في حركة فتح، ومن خلال حالات اعتقال سابقة، واعترافات
المعتقلين، الذين كرروا عدة مرات قصة تجنيدهم من البداية إلى النهاية،
والطريقة التي تمت بها عملية التجنيد، والأماكن التي نقلوا إليها،
والبيوت الخاصة التي دخلوها والسيارات التي أقلتهم، وأرقام الهواتف
المعلنة والسرية، والأسماء الحقيقية لكل فرد من مساعدي أبي فراس، ونوعية
التدريب الذي تلقوه، وطريقة التدريب، ونوعية الأسلحة المستخدمة فيه،
واسم المدرب، والمهمات التي كلفوا بها وطريقة الاتصال والمبالغ المالية التي
أخذوها، إن هذه المعلومات التي حصل عليها المحقق إذا ما ركبت تركيباً
متكاملاً فإنها تعطي أسماء الأشخاص، وطريقة تفكيرهم، ونمط تعاملهم، بحيث
يستطيع جهاز المخابرات وضع فرضية معينة مثلاً إن حالة "س" البالغ
من العمر عاماً والذي يسكن في إحدى المخيمات الفلسطينية في الداخل والذي
سافر للأردن عبر الجسر، ومكث هناك يوماً ثم عاد سيكون صيداً ثميناً
لأبي فراس، وإنه سيجند على يديه بنفس الطريقة التي جند بها سابقاً
أ+ب+ج+د..الخ من الناس وبذلك سيرتب المحقق معلوماته، ويعد أوراقه
ومقدماته، ويواجه بها المعتقل "س" بطريقة ذكية وواعية ومدروسة،
ليثبت فيها من خلال التحقيق أن "س" جند كما جند غيره.
من جهته
"س" الذي كان يظن أن كل ما حدث معه منذ لقائه بأبي فراس،
وتجنيده، وتدريبه والمهمات التي كلف بها.. كل ذلك.. كان سراً من الأسرار
التي لا يعرفها أحد سواه وسوى أبي فراس وسوى الله.. وعندما يواجه المحقق
يعتقد أنه سيسأله بعض الأسئلة الروتينية التقليدية، ثم يُخلي سبيله،
ولكنه يفاجأ بأسئلة أخرى تجره إلى فخ منصوب بعناية وذكاء، سيسأله المحقق
"أين نمت الليلة الماضية؟.. " س" الذي نام تلك الليلة في
بيت أبي فراس وراجع معه خطة العمل، والشيفرة، وكيفية الاتصال وركز عليه
في المسائل الامنية، والتنظيمية، والعسكرية، وأوصله في الصباح إلى موقف سيارات
الجسر، سيشعر أن السؤال اخترقه كسهم، وهزه هزاً عنيفاً، ظهرعلى ملامح
وجهه، وحركة عينيه، ونبرة صوته، سيحاول استيعاب المأزق بسرعة، وامتصاص
الدهشة، والتظاهر بالعفوية وربما أجاب على السؤال بشيء من التلعثم
"نمت في الفندق" ولكن المحقق يعاجله بالسؤال الثاني، "ومن
أوصلك إلى موقف سيارات الجسر"..؟ سيحاول "س" أن يخفي الحقيقة
مرة أخرى "سواق أجرة"..!.. "ما هو لون سيارة الهوندا التي
أوصلتك ؟ وكم أعطاك أبو فراس من النقود" إن المحقق يحاول توجيه صدمات
قوية بأسئلته، ويشعر س انه يعرف عنه كل شيء وخلال ذلك يدرس ردود أفعاله،
ويفقده الثقة بالنفس، وفي اللحظة التي يصل فيها "س" إلى أقصى
درجات التوتر الداخلي يسأله المحقق هل أنا كنت معكم؟ إذاً كيف عرفت كل
هذا ؟هل فكرت جيداً أنت مسكين أنت ضحية باعك الذين في الخارج إنهم يعملون
معنا وفي هذا الجو المتوتر يروي "س" قصته من جديد عشرات
المرات، وبإسهاب كبير إذ أنه بعد أن اهتزت ثقته، وصدق أن قيادته عميلة
للموساد، سيروي كل شيء مر به، وسيعيد كل ما سمع، وشاهد، وحدث معه
وستكون قصته فصلاً جديداً ومهماً لجهاز المخابرات لمعرفة معلومات جديدة
حول التنظيم وحول عمل أبي فراس، وتطورات الوضع التنظيمي بشكل عام في
الخارج.
إن على المجاهد
أن يعلم جيداً أن هناك كماً هائلاً من المعلومات العامة، التي يمكن أن تعرفها
أجهزة المخابرات بكل سهولة، كما يمكن أن يعرفها أي إنسان عادي ومتتبع،
وهناك معلومات خاصة يستنبطها المحقق من خلال اعترافات المعتقلين، وهناك
معلومات سرية جداً لا تعرفها أجهزة المخابرات، مثل المسؤول التنظيمي،
طريقة التجنيد، اللقاءات، الدورات التدريبية، الاسم الحركي، الرقم السري
المهمات الخ ولكن جهاز المخابرات يركب المعلومات العامة والمعلومات
الخاصة في مقدمات منطقية لإيصال المعتقل إلى نتيجة منطقية، وهي أنه
مكشوف لجهاز المخابرات الذي يعرف عنه كل شيء ومن جهة أخرى، فان
المخابرات الصهيونية كانت تعرف وكما هو معروف للجميع - أن الوجود
الفلسطيني العسكري تركز فيما مضى في بيروت، ودمشق، وبغداد، والجزائر،
وطرابلس وأن وجود ختم دخول وخروج إلى تلك الدول ومنها، على وثيقة أو
جواز السفر، والمدة الزمنية التي تكشفها تلك الأختام، تشكك أن الشخص
حامل هذه الوثيقة قد دخل تلك البلاد لغرض التدريب العسكري، وهناك بعض
الطلبة بشكل خاص، وبعض الفلسطينيين الذين سافروا من فلسطين إلى الدول
العربية قد اعترفوا بتلقي تدريبات عسكرية في معسكرات التنظيمات
المتواجدة في تلك البلاد وبعد تحقيق قصير قدموا للمخابرات معلومات وافرة
حول التدريبات التي تلقوها، والطريقة التي تم بها تجنيدهم، والأشخاص
الذين أشرفوا عليهم، وغير ذلك وعندما يعود شخص ما من سفره خارج فلسطين
إليها عبر إحدى نقاط العبور، ويسلم جواز سفره على نقطة الحدود، فإن
ضابط الأمن، يقلب أوراق الجواز بحثاً عن أختام الدخول والخروج، فإذا وجد
أختام الدول المذكورة تلك، يحتجز ذلك الشخص للتحقيق، فإذا كان هذا الشخص
يدرس أو يعمل في دولة غير تلك الدول، فإنه يصبح عرضة للشك، ويبدأ
ويتعرض عندها للتحقيق المطول، يغلب عليه طابع أسلوب التحقيق الافتراضي.
في هذه الحالة
يجب على أي شخص يتعرض لهذا الموقف أن يكون موقناً يقيناً قاطعاً إن
جهاز المخابرات الصهيوني لا يعرف عنه شيئاً خاصاً أو سرياً على الإطلاق،
إلا إذا كان أثناء وجوده في الخارج متهوراً في تصرفاته، وارتكب بعض
الأخطاء، والتجاوزات، بحيث أظهر بشكل مفضوح ما يستدل فيه على انتماء
تنظيمي معين، كأن يشارك في توزيع بيانات أو نشرات أو مجلات تنظيمية أو
يشارك في ندوات تدل على عضوية في التنظيم أو المشاركة النشيطة في
مناسبات خاصة بتنظيم ما عندها يجب عليه أن يدرس أخطاءه جيداً ويتعلم
منها، وان لا يكررها أبداً وأن يحاول في لحظة التحقيق البحث عن تبريرات
لمثل هذه المشاركة، بحيث لا يدلي بأية معلومات تضره وتضر اخوته
المجاهدين.
إن معرفة المجاهد
لأسلوب التحقيق الافتراضي سيحصنه من التأثر بصدمات المحقق ويجنبه التعرض
للاهتزاز، والتوتر، ومن هنا عليه ألا يظهر ردود أفعال غير طبيعية وأن
يحافظ أمام المحقق على رباطة جأشه، وعفويته، وعندما لا يجد المحقق
نجاحاً لأسلوبه على نفسية المجاهد سيخيب ظنه، وتطيش سهامه وسيقتنع أنه
يحقق مع الشخص الخطأ.. وأن المجاهد، لا علاقة له بالتهمة المفترضة،
وسينهي التحقيق معه، بسؤاله حول قضايا عامة.
وعندما يبوء
بالفشل يسلمه أوراقه وهويته، ويتركه لحال سبيله (الله ولي الذين آمنوا
والذين كفروا لا مولى لهم).
ثانياً - أسلوب الكيس :
هو أحد أساليب
التحقيق التي تستهدف الضغط النفسي على المجاهد بواسطة تعذيبه جسدياً
باستعمال كيس عادة ما يكون من قماش الشادر الذي يكاد لا يسمح للهواء
بالدخول عبر مساماته ولا للضوء بالنفاذ منه، وعندما يوضع رأس المجاهد
في الكيس، فإنه لا يستطيع أن يرى شيئاً ولا يستطيع أن يعرف الوقت ليلاً كان
أم نهاراً، ويفقد الإحساس بالزمن الموضوعي، ويعيش في الزمن الذاتي الذي
تصبح فيه الدقيقة ساعات بالإضافة إلى فقدان الإحساس بالمكان الواقعي لعدم
معرفة المكان، وعدم رؤية أي شيء حوله، مما يحصر التفكير في الذات
والنفس.
في داخل الكيس
تتوقف كل الحواس عن العمل، وتنشط حاسة السمع حيث يسمع المعتقل في
الغالب الصراخ، وأصوات التعذيب، وأصوات الأبواب الحديدية وهي تفتح وتغلق
بضجيج عال، وأصوات الضرب، والتنهدات، وآهات المعذبين، وانين المنهكين،
وأصوات خافتة كأنها صادرة عن أشباح، وهي في غالبها مفتعلة، ولكنها تصل
إلى المعتقل بشكل مضخم جداً بسبب الكيس، ويتولد لديه إحساس قاس بالعزلة
عن العالم، أو أن العالم كله قد انكمش، واختزل في الأصوات، وفي لحظات
الترقب، "متى سيأتي دوري متى سأتلقى الرفسة من الخلف، أو الركلة في
البطن، أو الضربة على الرأس"، وهي ضربات يتلقاها المعتقل عادة من
الحارس لتصعيد توتره، ودفعه للانهيار، وللكيس رائحة كريهة رائحة العرق،
أو تقيؤ، أو دم أو رائحة غاز فهو لا يغسل مما يسبب صعوبة شديدة في
التنفس، وضيقاً في الصدر، ويستمر وضع الكيس في الرأس لأيام وأسابيع،
وربما يضاف إليه كيس آخر لذلك على المجاهد البدء فوراً بالمعركة مع
الكيس، وألا يبقى صامتاً مستسلماً ينتظر قدره عليه أن يحاول عمل ثقب في
الكيس مهما كان صغيراً، سواء بقرضه بأسنانه أو بحكه في الحائط لكي تتوسع
بعض مساماته، وتخف سماكته، ويظهر ثقب صغير وهذا الثقب مهم جداً في
المعركة إنه نافذة للروح وللنفس قبل كل شيء، ومن خلاله يستطيع المعتقل
مراقبة الجندي الحارس، ومعرفة مكانه، وفترة غيابه، ومعرفة المعتقلين
الذين بجواره وعددهم ومن ثم يستطيع معرفة أصواتهم من خلال حركة أجسامهم
ويستطيع التنقل من مكان إلى آخر في غفلة عن الحارس، والحديث مع
المعتقلين بالإشارات كالنحنحة، والضغط على الأرجل، والهمس، ويمكنه
استغلال غياب الحارس، وانشغال ضباط المخابرات لتحريض اخوته المعتقلين
على الصبر، والتحمل، والصمود، ويمكنه معرفة الأوقات من خلال شعاع
الشمس، وضوء النهار.
إن الكيس يولد
ضغطاً شديداً على المجاهد يدفعه إلى التقيؤ وثقب الكيس يخلق لديه
إحساساً بالحيوية، والنشاط مما يساعده على الصبر والصمود.
أحياناً يتظاهر
الحارس بأنه سيضع إصبعه في عين المجاهد ليتأكد من أنه لا يرى، وعلى
المجاهد في هذه الحال أن يحظر الحركة اللاإرادية، وألا يزيح رأسه، أو
يتراجع للخلف، لأن الحارس سيدرك أن المجاهد يرى، لذلك سيضربه، ويغير
الكيس بأسوأ منه، أو يضع كيساً آخر إضافياً في رأس المجاهد.
ثالثاً - أسلوب التعذيب الجسدي :
القصد من
استخدام أسلوب التعذيب الجسدي، هو التسبب بالألم الشديد لدى المجاهد،
وإرهاق جهازه العصبي ونفسيته إلى أقصى حد بحيث يضطر للانهيار والاعتراف،
ويستخدم المحقق في هذا الأسلوب الضرب على المعدة ضربات سريعة وقوية،
والضرب على الوجه، مما يحدث انتفاخاً وتورماً في العينين والضرب على
المفاصل والعظام لإحداث ألم شديد أو الضرب على مؤخرة الرأس لإحداث الإنهاك
في الجهاز العصبي، والضرب بالعصي الكهربائية التي تفرغ شحنات كهربائية
في الجسم مسببة لسعات قوية، ومولدة ارتجاجاً شديداً في الجسد واستخدام
"الفلكة" للضرب على باطن القدم، وإطفاء السجائر في الجسم مما
يحدث حروقاً بالغة، وتحميل المجاهد كرسياً على يديه لفترات طويلة،
ووضعه تحت دوش الماء البارد لساعات، ثم تعريضه لمروحة هواء سريعة،
تجعل الهواء بارداً جداً، مما يؤدي إلى الارتجاف الحاد، وارتفاع نبض
القلب، وصعوبة التنفس والتنقل من مكان بارد إلى مكان ساخن والوقوف على
القدمين فترات طويلة، مما ينهك الأعصاب، ويجعل الأقدام تنتفخ وتتورم
والشبح "التعليق" على الباب والضغط على الخصيتين بشدة، مما يحدث
قدراً كبيراً من الألم.
إن المحقق عندما
يستخدم هذه الممارسات، لا يستخدمها مرة واحدة، ولا يستخدمها بالترتيب
ولكنه يستخدم بعضها بشكل تجريبي، محاولاً العثور على نقاط الضعف عند
المجاهد ولمعرفة أثرها عليه، فإذا تأكد أنها لا تسبب أثراً عظيماً، ولم
يعثر على نقاط الضعف يعمد إلى تجربة ممارسات أخرى مصحوبة بحملة نفسية،
كتهديد المجاهد بأنه سيصاب بالعجز أو الشلل أو العقم، أو انه سيموت بسبب
التعذيب، وهكذا يتعرض المجاهد لامتحان شديد للنفس لحظة التحقيق، ولكن
المحقق لا يهدف إلى قتل المجاهد، بل إن هدفه هو الحصول على المعلومات،
وهو يلجأ للتعذيب الجسدي، إنما يقصد بوضع المجاهد في حالة من الإرهاق
والإنهاك، ولدفعه عبر الحيل النفسية للتفكير بحياته، وإنقاذ نفسه من
العجز أو الموت، لذلك على المجاهد أن لا يكون هدفه المحافظة على حياته
أو أن يضع في تفكيره الانهيار، والإدلاء بالمعلومات المطلوبة منه، إنما أن
تكون مرضاة الله هي هدفه، مما يمكنه من تحمل الألم والعذاب، والقدرة
على الصمود.
إن الإيمان الراسخ
في القلب يولد في النفس طاقة روحية هائلة، وإرادة صلبة لا تكسرها أساليب
التعذيب، وإن قانون الألم (يقول إن الضربات كلما ازدادت على الجسد يصبح
أقل شعوراً بالألم ويتخدر) والألم هو شعور داخلي يشعر الإنسان ذاته بأن
جسده يتعرض إلى الأذى إذ تنقل موجات عصبية عن طبيعة الألم إلى الجهاز
العصبي المركزي. النخاع الشوكي والدماغ ليأخذ بدوره عبر ردات الفعل
العفوية أو الإرادية موقفاً ما معظم الألياف العصبية المتخصصة بالألم منتشرة
تحت الجلد، وحول الأعضاء في الجسم والألم له صفات عديدة، ويختلف من
إنسان إلى آخر نسبياً، ويزداد الشعور بالألم أو يقل حسب الوضعية النفسية
التي يكون فيها الأسير، وتلعب الحواس والمخيلة والتجارب السابقة دوراً
في هذا الصدد، ويتحمل الإنسان الألم إلى حد معين، ثم يحصل الإغماء الذي
هو نوع من الدفاع الذاتي عن الإنسان يحمي به نفسه تلقائياً.
رابعاً - أسلوب التشكيك :
يقوم أسلوب
التشكيك على حيلة نفسية تعتمد على معلومات موجهة، مثل الحكايات
والأمثال الشعبية، والمقدمات الخاطئة التي يستخدمها المحقق من أجل تشكيك
المجاهد بعقيدته وتاريخه وانتمائه وقضيته وحركته واخوته المجاهدين، ليجره
إلى هاوية الانهيار والاعتراف.
وقد يبدأ بتضخيم
اليهود وكيف أنهم شعب الله المختار، وأن الله فضلهم على العالمين كما
يؤكد القرآن، وان الله مع اليهود وينصرهم، ويؤيدهم وأن جذور عقيدتهم
تقوم على الميثالوجية الدينية، والمحرقة "الهولوكوست" والخروج
"الايكسودوس" والشتات الديسابورا والبطولة شمشون والانتحار
الجماعي(متسادا) والوجود التاريخي لليهود في فلسطين أرض الميعاد وأن
الأنبياء كلهم من نسل اليهود، وأن المسلمين متزمتون متعصبون، يريدون
في عصر الذرة إعادة عصر العبيد، وأن اليهود أقوياء، ويتحكمون بالعالم،
وأن جميع الزعماء والقادة والحكام عملاء لهم، وأن (إسرائيل) عبر
تقدمها الحضاري والتكنولوجي أصبحت تتحدى العالم، وأن العرب لا يملكون أي
قوة وان اليهود هزموا جميع الجيوش العربية في ساعات قليلة فإذا كانت
جيوش العرب جميعاً لم تهزم (إسرائيل)، هل يستطيع مئات من المجاهدين أن
يؤثروا فيها بشيء. إن هؤلاء المجاهدين مساكين يظنون أنهم يلحقون الأذى (بإسرائيل)،
وهم في الحقيقة لا يلحقون الأذى إلا بأنفسهم وأهليهم وذويهم ومستقبلهم،
ولا مبرر لهذه التضحيات التي لا تخدم الشعب بل تخدم القادة الذين
يتاجرون بدمائهم وبحياتهم وهم يعيشون بأمان في الخارج، وأن (إسرائيل)
ترغب بالسلام مع الجميع وأن ذراع جهاز المخابرات طويلة تصل إلى كل
مكان، وأنهم يعرفون عنه كل شيء، وكانت التقارير تصلنا باستمرار فقط
نحن أمهلناكم، وانتظرنا حتى اعتقلناكم جميعاً، من الكبير حتى الصغير،
ولم يفلت من قبضتنا أحد فلا فائدة من الإنكار، وعليك أن تعترف كباقي
زملائك الذين اعترفوا، وانتهى التحقيق معهم وسواء اعترفت أم لا، فنحن لا
نريد اعترافك، المعلومات التي لدينا تحكم عليك بالسجن المؤبد لذلك عليك
أن تفكر، ساعدنا، ونحن نساعدك، ومائة أم تبكي ولا أمي تبكي، والدجاجة
إن حفرت على رأسها عفرت وأنا اقدم لك واقعة يوم:6/10 كنتم متواجدين في
المنطقة الصناعية، نفذتم العملية، وكان معكم رشاش كلاشنكوف، نحن لم
نكن، ولكننا نعرف كل شيء والآن تعال لترى المجاهدين هنا يتم اصطناع
مسرحية بحيث يتم وضع مجاهد أو اثنين في وضع مريح، وهم يشربون الشاي
وأمامهم أطباق من الفواكه وتجالسهم مجندة، ويتندر معهم ضابط آخر مجموعة
نكات لكي يضحكهم، ويفتح المحقق فتحة صغيرة من كوة، لكي يشاهد
المجاهد هذه الوضعية، وربما يكون هناك أخ تساقط أو اعترف يحضره ضابط
المخابرات ويسأله "اسمك؟".. "هل اعترفت؟" نعم.. "أي
تنظيم؟" أو يحضر عميلاً مدرباً ويدخل في رأسه كيساً لكي يقوم بهذا
الدور.
إن المحقق يستجمع
كل طاقاته، ويقدم كل أوراقه لكي يشكك المجاهد بنفسه وبدينه وباخوته،
لكي يفقده الثقة في كل شيء، ولكي يخدعه عبر ألاعيبه بأن اخوته
اعترفوا وأن المخابرات تعرف كل شيء عنه، وانه وقع، وعليه أن ينقذ نفسه
إنه يضخم العدو ويهمش المجاهدين، ويشكك بهم، ويضع للمجاهد في سلم
الأولويات مصالحه الذاتية ويحاول دفعه للتفكير بها ويحاول أن يصرفه عن
التفكير بالمثل العليا والمصلحة العامة مؤكداً أنها مجرد سراب.
على المجاهد ألا
يُخدع بهذا الأسلوب.. الذي تشترك طاقة المحقق، وعقله، ونظرته، وتقلصات
وجهه، وجديته، وحركة يديه، لكي يوجد حالة تأثير نفسي، وحالة سيطرة
على المجاهد يمرر من خلالها كل ما يريد أن يوحيه إلى المجاهد لكي يسقطه
في فخ الاعتراف. بعض المناضلين خدعوا بهذا الأسلوب، وصدموا عندما شاهدوا
قادتهم في أوضاع مريحة يحتسون القهوة بحضور مجندة ويضحكون فانهاروا
واعترفوا بكل شيء المجاهد كيّس فطن لا يُخدع، لانه يدرك ان التخيلات
التي يحاول أن يمررها ضابط المخابرات أمام أعين المجاهد هي تخيلات
خادعة، وكاذبة وإن كان لها مظهر منطقي.
المجاهد الذي
تبدأ الشهادتان عنده بحرف لا عليه ان يتعود الرفض، ويرفض الهيمنة،
والسيطرة في أقبية التحقيق كما تعودها ورفضها في الخارج على المجاهد
أن لايكترث لاسلوب المحقق، وان يحيل بصره واهتمامه عنه الى اي شيء
اخر، مثل صورة على الجدار وان يقاطع المحقق دوماً، لكي يفشل خطته،
وان ينفي اي صلة له بالحركة والعمل، وان يحاول تأكيد حقيقة
"انت غلطان، ابحث عن غيري انا برىء انا انسان عادي ليس لي في
هذه المسائل"..
اسلوب التشكيك
هو نوع من لعب الخداع التي يمارسها حاوٍ ماهر يحاول من خلال تجميعه
لمجموعة جزيئات صغيرة صحيحة أن يقدم حقيقة كاذبة، كما يخدع الساحر
الحواس، يحاول المحقق بمهارة ولكن لا ليخدع الحواس، بل ليخدع العقل،
أن المحقق الذي يتقمص شخصية الحاوي الماهر، تهتز شخصيته المزيفة كلما
وجد أن المجاهد لا يكترث له ولحديثه، وتبدأ في الفشل كلما قاطع
المجاهد حديثه، وأبدى عدم الاستجابة والتأثر به وعندما يشعر أن إسلوبه
أصبح فاشلاً وغير مُجدٍ تثور أعصابه ويتوتر، ويأخذ في الشتم والضرب
وهي علامات فشل، وعلامات ضعف، وعلامات هزيمة. لقد جرب ذلك اخوة
مجاهدون فشل الجلاد وانهار أمامهم، أمام رفضهم، وتعنتهم، ومعرفتهم بهذا
الاسلوب الذي لا ينطلي إلا على الجهلة وضعيفي الارادة .
خامساً - أسلوب إحضار الاهل :
عبر صراع
الانسان المسلم في الحياة، يكتشف بنفسه جوانب قوة وجوانب ضعف وكذلك
عدوه، الطرف الاخر في الصراع لديه نقاط قوة، وجوانب ضعف فإذا كان
العدو يسعى لمحاربة نقاط ضعفنا بجوانب قوته، فعلينا أن نحارب نقاط
ضعفه بجوانب قوتنا.. ولا نواجه نقاط قوته بجوانب ضعفنا عدونا يدرك أنه
عندما يعجز في إخضاع مجاهد، أو دفعه للاعتراف والانهيار، وفانه يهدده
بمسألة إحضار أهله الى المعتقل... زوجته، ابنته، اخته، امه،
خطيبته، وذلك لادراكه أنها تمثل أكبر نقطة ضعف عند الانسان، فهو
يستغل المشاعر الحساسة لموضوعة الشرف، والعرض، والسمعة، كورقة ضغط
وكورقة تهديد يلوح بها في وجه المجاهد، كلما أبدى معارضة، ورفض
الاعتراف أنه يضع المجاهد أمام خيار الاعتراف مقابل إنقاذ شرفه، وعرضه،
وسمعته الاعتراف خيانة لله، وللرسول، وللاسلام، وللحركة والأمة ( ياآيها
الذين آمنوا لاتخونوا الله والرسول، وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون)
والشرف.. دين وعقيدة، وحضارة وتاريخ، واخلاص، ووفاء، وتضحية الشرف مقدسات،
وأوطان ووجود وكرامة، وموقف، وحياة، وسلوك، وجهاد، فعندما أتخلى عن كل
هذه المفاهيم والقيم فانني أحيا بلا شرف.. والذي يخون ربه ويتخلى عن
دينه، ويكذب ويجبن، ويقبل بالذل، ويفر، ويهرب، ويُستعبد، هو إنسان بلا
شرف "الشرف عفة وعزة تأبى كل أشكال الذلة".
إذن هل يعترف المجاهد
من أجل المحافظة على شرفه، وعرضه، وسمعته؟ واذا اعترف المجاهد هل يمنع
ذلك الاعتداء على شرفه..؟؟ أم أن اعترافه دليل على ضعفه، وعلى جبنه،
وهذا مايزيد فرص الاعتداء على شرفه، لاجل استنزافه وامتصاصه، وشرائه،
وتحويله بالتخويف من العار الى خائن وعميل.
إن المحقق عندما
يهدد بإحضار الاخت أو الزوجة، أو الفتاة إنما يختبر المجاهد ليكتشف في
داخله ثغرة أو نقطة ضعف يستطيع أن يتسلل منها لتوجيه ضربة للاسلام
وطعنة للمسلمين فاذا وجد المجاهد خائفاً، ضعيفاً، متردداً، فإنه يجبره
على الاعتراف، ومن ثم يحضر أهله.. لكي يستنزفه أكثر وأكثر.. ويحوله إلى
ذليل، أما إذا وجد المجاهد قوياً، غير مبالٍ ولا متأثراً فإنه يستمر
بالتلويح بهذه الورقة، حتى تسقط من يده ولا يحضر الاهل ولنفترض أن
المحقق أحضر الاهل كوسيلة تهديد وضغط وهدد بالنيل منهم فإن العدو ليس
جاداً في تنفيذ هكذا تهديد ولم تسجل عليه حتى الآن أي حالة من هذا
النوع إنه فقط يمارس أقسى اشكال التهديد بالاعتداء لكي يبتز المجاهد
ولكنه أمام إصرار المجاهد، يُعلن فشله، ويترك هذا الاسلوب، ويطلق
سراح الاهل.
يقول المجاهد
"محمد" عندما عجز المحققون من أن ينتزعوا مني اعترافاً رغم أن
القضية واضحة وأكيدة ولا يوجد نقاش فيها هددوني باحضارزوجتي قلت لهم
احضروها وذلك بلهجة استهتار استشاطوا غيظاً وأحضروها، وادخلوني عليها في
غرفة مليئة بالمحققين قال الي "تعترف أو نغتصبها؟"، قلت لهم
"اعملوا ماتريدون، انا لايوجد عندي شيء".. تظاهروا بأنهم
سيهجمون عليها ليعتدوا عليها، وأخرجوني بسرعة، وضربوها لكي تصرخ،
فاعتقد انهم يحاولون الاعتداء عليها لكي أتراجع.. قلت "حسبي الله،
ونعم الوكيل أموت ليحيا ديني وينتصر الاسلام العظيم"
سادساً - اسلوب الكيس والماء الخنق :
لاتتورع العقلية
الصهيونية كعقلية شريرة، عن البحث عن أساليب شريرة لاجبار المجاهدين
على الاعتراف، ولا تكف هذه العقلية الشريرة عن اختراع واكتشاف وتطوير
أساليب جديدة، مثل اسلوب الكيس والماء..
تحدثنا أن الكيس
هو قطعة من الشادرلا يمر من خلالها الهواء ولا تسمح بالتنفس الطبيعي،
يوضع الكيس في رأس المجاهد، وتقيد يداه إلى الخلف وأحياناً قدماه من
أسفل ويلقى على الأرض على ظهره، وفوق يديه ويجلس على صدره محقق ويجلس
على قدميه محقق آخر بحيث يتحكمون بالمجاهد الأسير فلا يتحرك، ويتقدم
ثالث وفي يده إبريق مليء بالماء ويبدأ جولة التعذيب بأن يحث المجاهد
على الاعتراف لكي يوقف التعذيب عنه، ويستريح، ويطلب منه عدم الإنكار
لكي ينقذ حياته، فإذا أصر المجاهد على الإنكار.. يزيد المحقق من لهجة
التهديد، بأنه سيقتله، ويتخلص منه، فإذا أصر المجاهد على الإنكار يُلح
عليه أن يعترف من أجل زوجته، وأولاده، وأمه واخوته الذين ينتظرونه بشوق
ويقول له "حرام عليك.. فكر في أولادك ماذا سيحدث لهم بعد موتك فكر
بزوجتك كيف سيكون حالها بعد موتك أيهما أفضل أن تموت أو أن تذهب لأولادك
وعيالك".. فإذا أصر المجاهد يغضب المحقق، ويبدأ بالصراخ وبصوت عال
"سأقتلك يا كلب، ستموت الآن".. ويبدأ المحقق الذي يجلس على صدره
بشد أطراف الكيس ولفها على رقبة المجاهد لكي يمنع الهواء عنه وبينما
يتوقف الهواء عن النفاذ تقل نسبة الأكسجين ويبدأ بالتنفس بصعوبة، هنا
يبدأ المجرمون بصب الماء على الكيس لتغلق كل مساماته بالماء حتى ينعدم
كلياً دخول الهواء للجهاز التنفسي ومع ندرة الهواء ونفاذ نسبة الأكسجين
في الكيس يشعر المجاهد بالاختناق وصعوبة التنفس، وتصل الروح للحلقوم فيبدأ
جسمه بالانتفاض بقوة، المحققون يضغطون عليه بقوة والمحقق الثالث يصرخ
عليه "ستموت الآن ستموت الآن اعترف.. اعترف.. ارحم أولادك" فإذا أبدى
أي صرخة بالاعتراف يفك الكيس عن رقبته ليدخل الأكسجين للجهاز التنفسي،
وتعود له الحياة، وإن لم تبدر عنه أي صرخة للاعتراف يستمرون بإغلاق
الكيس حتى تفصل بينه وبين الموت لحظة، يدركها المحقق، فيفكوا عنه
الكيس، لكي يلتقط نفسه بعد أن شاهد الموت بعينيه... ويبدأ المحقق
الجولة الثانية "كنا نريد أن نقتلك لقد شاهدت الموت.. لا يمنعنا أحد
من قتلك.. بإمكاننا أن نقتلك الآن. ستفقد حياتك.. وتخسر أولادك.. للابد تعترف
أو تموت فإذا أصر المجاهد على عدم الاعتراف، يعيدون معه الكرة من جديد،
حتى يوصلوه إلى مرحلة الموت المحقق ثم يطلقونه عدة جولات متتابعة،
وضغط نفسي متواصل، وتهديد بالموت مباشر وإغراء بالخلاص من باب وحيد..
الاعتراف فالذي تكون الدنيا اكبر همه، ومبلغ علمه يعترف الذي يحرص على
الحياة.. ويخاف من الموت يعترف والذي أولاده أعلى عنده من الله ورسوله،
وجهاد في سبيله يعترف.. والذي يهمه ذاته ونفسه فقط يعترف وهذا ما يفسر
اعتراف العديد من المناضلين عبر هذا الأسلوب ولكن المجاهد الحق لا يعترف
لأن نصرة الإسلام هي أكبر همه، وهو أحرص على الآخرة من الدنيا.. وهو
يتمنى الشهادة، وعنده الله ورسوله وجهاد في سبيله أحب إليه من أولاده
وأمواله وأزواجه ومتاع الدنيا.. لذلك لا يعترف، ولن يعترف..
ماذا عسى رجل التحقيق المجرم أن يعمل في
حال عدم اعتراف المجاهد..؟؟ المحقق لا يريد أن يقتل المجاهد.. ولا يريد له
أن يموت.. هو يريده أن يعيش وذلك ليس لإنسانيته بل طمعاً بالمعلومات التي
يريدها منه، ولأسباب سياسية يقول الشهيد "عطية" اعتقلت على يد
المخابرات الإسرائيلية ومارسوا معي طوال(40)
يوماً تحقيقاً قذراً، وطلبوا مني أن أسلمهم(50) قنبلة يدوية من نوع F _ 1)) رفضت وأنكرت.. وهم متأكدون بأن القنابل عندي،
ومعلوماتهم صحيحة وأكيدة أقسمت بالله أن اقتل في سبيل بقاء هذه القنابل،
وصبَّرت نفسي على رفض الذل والانهيار والخضوع لأعداء الله والدين والوطن
لأن هذا عار أبدي، وذل دائم وخيانة كبيرة يئسوا مني، وأرهقوا أكثر مني
وهم يتبادلون على تعذيبي أربعاً وعشرين ساعة، هددوني بالموت، وأنهم
سيقتلونني، وسيستخدمون معي أسلوباً لم يستخدموه مع أي مجاهد وضعوا الكيس
في رأسي وقيدوني بإحكام والقوا بثقلهم فوق جسمي، وبدأ المحقق يسألني
ما إسم أبنائك، فأقول له فلان فيقول لي تذكر صورته أخر مرة رأيته فيها
ويصب الماء على الكيس، ويصرخ سأقتلك يا كلب، ستموت يا مجرم حتى إذا
ماأصبحت بيني وبين الموت لحظة، كانوا يفتحون الكيس، كنت أتمنى
الشهادة، وكانوا يتمنون لي الحياة كنت أريد أن ألقى الله شهيداً،
وكانوا يريدون أن يبقوني أسيراً حتى عجزوا مني، يئسوا مني وتركوني.
إن أسلوب الكيس
والماء رغم بشاعته لا ينجح مع المجاهدين ذوي الإرادة الحرة والصلبة والذين
نزعوا مهابة العدو من صدورهم المجاهدين الذين يريدون أن يلقوا الله وهم
شهداء..
سابعاً: أسلوب الشاهد :
أحياناً في ظروف
العمل السري، تحدث عبر الممارسة بعض الأخطاء لاخوة مجاهدين في الجهاز
العسكري، مما يوجد لدى المخابرات طرف خيط دقيق، تتمسك به بصلابة
كمفتاح، لتحل به باقي حلقات السلسلة، وأحياناً يلتحق بمسيرة الجهاد
بعض الاخوة الذين لم يتم إعدادهم إعداداً كاملاً على المستوى العقائدي،
أو التنظيمي، والأمني، والسياسي والعسكري، لذلك فهم يفتقدون للنضوج،
ويحملون في داخلهم قابلية للانهيار، أو الاعتراف.. لذلك تستخدمهم
المخابرات كرأس حربة عبر أسلوب الشاهد لتحقيق أهدافها.. ويقصد به ضرب
مجاهد بمجاهد لتدفعه إلى الاعتراف، أحياناً يتم اعتقال مجاهد وتحت وطأة
التعذيب، وضعف داخلي يعترف بأنه استلم أسلحة، أو شارك في عملية عسكرية
برشاشات على سيارة إسرائيلية ولكن اعترافه لا يتوقف عند هذا الحد،
فالأسلحة التي استلمها يجب أن يسلمها إن كان قد خزنها عنده أو عند أخ
آخر، ويدفع للاعتراف عن مجاهد آخر إن كانت الأسلحة قد سُلمت له،
والعملية شاركت فيها عدة رشاشات أي عدة مجاهدين مما يعني أنه سيعترف عن
واحد منهم في أقل تقدير وعند اعترافه عن أخ استلم منه الأسلحة، أو أخ
شارك معه في العملية العسكرية سوف تتم إجراءات اعتقاله، والتحقيق معه
وتعذيبه، تُرى ما موقف هذا الأخ المجاهد في أقبية التحقيق، والمخابرات
تواجهه بمعلومات صحيحة بأنه في يوم الخميس في الساعة (9) مساءً عند
النقطة (أ ) استلم أسلحة، وشارك مع آخرين في الهجوم على السيارة
العسكرية في اليوم التالي للاستلام..؟!
إن المخابرات
الإسرائيلية ستسعى عبر كل الحيل، وأساليب الخداع لتضليل المجاهد وخداعه،
بأنهم يراقبونه من فترة طويلة، وأنهم اخترقوا الجهاز منذ فترة طويلة،
وأن اجتماعاتهم كانت مرصودة وأن التقارير تصل يومياً عنهم، حتى نفذوا
العملية العسكرية بعد أن استلم الأسلحة يوم الخميس الساعة (9) عند النقطة
(أ)، وانهم يعرفون كل أعضاء الخلية، وكل أعضاء الجهاز وانهم جميعاً
معتقلون الآن في السجن وانه من الأفضل له بدل الضرب، والتعذيب، أن يعترف
كباقي زملائه، الذين اعترفوا عن كل شيء، وكتبوا ذلك على الورق وأنهم
ألان مرتاحون، فالمحققون يدخلون الحقيقة في قلب الإطار العام للعمل، لكي
يظهر الإطار العام كحقائق عامة تعرفها المخابرات. المجاهد سينكر، ويصر
على الإنكار، وعدم الاعتراف.. المخابرات تضغط عليه لكي يعترف بمحض
إرادته، وبنفسه، بدون إدخال الشاهد وعندما تجده مصراً تهدده: إذا أحضرنا
من يشهد عليك، وأنت تعرفه جيداً تعترف وسيصمت المجاهد في هذه اللحظة،
وسيعمد المحقق إلى إخفاء المجاهد تحت الطاولة، ويطلب منه أن لا يتحرك،
ولا يتكلم أي كلمة ويحضر محقق آخر الشاهد، ويرفع الكيس عن رأسه، حيث
لا يجد في الغرف أحداً سوى ضباط التحقيق يسأله المحقق.. "اسمك؟"
سَمير.. "انتماؤك؟"- "اسم التنظيم" "هل تعرف
أحمد؟" نعم "ما هي علاقتك به..؟" سلمته أسلحة في يوم
الخميس عند النقطة (أ) وشارك معنا في الهجوم على السيارة
العسكرية".. "شكراً".. أخرج.. المحقق يعلم أن المجاهد رغم
أنه اعترف إلا أن عوامل داخلية تدفعه إلى التراجع، مثل وخز الضمير،
وانه إذ تقابل مقابلة مباشرة مع أخيه، ربما يتردد، ويضعف، وينكر لذلك،
فهو يعمد إلى الشاهد لكي يدلي باعترافه بدون مواجهة المجاهد الذي تحت
التحقيق وجهاً لوجه ومن ثم يخرج المجاهد من تحت الطاولة، ويجبره على
الاعتراف، فإذا أصر على الإنكار، يمارس معه جولة من التعذيب الجسدي
الوحشي بمشاركة مجموعة من المحققين لإجباره تحت ضغط اعتراف الشاهد، وتحت
التعذيب، للاعتراف، أو تقديم طرف خيط جديد فإذا استمر على صموده، يحضرون
الشاهد، لكي يدلي بشهادته، بشكل مباشر وجهاً لوجه، وبشكل مكرر،
لإقناع المجاهد بالاعتراف اعترف اعترف هل يكذب عليك هل بينكم ثار، أو مشاكل
لماذا لم يشهد على غيرك ويستمر في حملة إقناع منطقية، لدفع المجاهد
للتفكير الواقعي حسبما يريد المحقق، وللاعتراف.
على المجاهد
الرسالي إذا ما وجد ثغرة في أقسام التحقيق، يمكن أن يستغلها المحقق
كمنفذ لضرب الإسلام والحركة، عليه واجب شرعي أن يسد هذه الثغرة بجسده،
ودمه، وحياته فإذا كانت هذه الثغرة انهيار أخ وسقوط مجاهد فعليه أن يفدي
إسلامه، وحركته بنفسه، ويغلق هذه الثغرة، ويوقف توسعها، عليه ألا
يفكر بذاته ولا يفكر برد الفعل، وألاَّ يبني موقفاً عاطفياً من اعتراف
أخيه، بل عليه أن يتحمل ضعف أخيه، وأن يضع نفسه في المعركة في خندقين
خندق لنفسه وخندق لأخيه ويدير معركة الصمود من خلال الخندقين الذين..
يعترفون تحت مبرر أن أخاً قدم شهادة واعترف عليهم. عليهم أن يتأكدوا أن
الشهادة ليست سبباً في الاعتراف بل الاعتراف ناجم عن الضعف أو الجبن
والاستعداد للاعتراف، فهو بدل من أن يدافع عن نفسه، وعن أخيه، خذل
نفسه وخذل أخاه، وخذل الحركة وخذل الإسلام على المجاهد في أقبية التحقيق
ألا يكون مطية في يد الكفار، بتقديمه الاعتراف وبشهادته على اخوته،
وعلى المجاهد الذي يواجه باعتراف عليه، وبشهادة ضده، عليه أن ينكر،
وعليه أن يصرخ في وجه أخيه.. "كذاب أنا لا أعرفك، أنت تتجنى علي حرام
عليك راجع ضميرك، حاذر غضب الله"..
فيعام1984 تم
اعتقال أحد الأشخاص، بسبب وصول معلومات عنه لدى المخابرات بأن في حوزته
ثلاث قطع رشاشة، حُقق معه حول القطع، فاعترف أنها كانت معه، وانه
أعطاها لأخ مجاهد أسمه عبد الله، تم اعتقال الأخ عبد الله بسرعة، وبدأ
التحقيق معه حول القطع الرشاشة، أنكر، مورس معه تعذيب شديد استخدمت ضده
أساليب شتى ولكنه أنكر القصة، احضروا هذا الشخص وفي مقابلة مباشرة مع
الأخ عبد الله سأل ضابط المخابرات هذا الشخص: ".. من هذا؟"..
قال "عبد الله".. "هل تعرفه؟".." نعم" "ما هي علاقتك
به؟" "قال أعطيته ثلاثة
رشاشات"، "هل أخذها منك؟" "نعم" "متى؟"
"يوم الثلاثاء".. "هل أنت متأكد؟" "نعم" "اخرج"..
جهاز المخابرات
متأكد بأن الرشاشات عند عبد الله.. لذلك عُذب بشدة، وأحضر هذا الشخص
ليشهد عليه عدة مرات حتى انهار واعترف بأن الرشاشات قد أخذها قالوا له
"أين هي؟" قال ليست عندي أخذها مني شخص "من هو؟"
"لا أعرفه".. وبعد تعذيب شديد قال: الأخ محمد، فأحُضر الأخ محمد،
وحقق معه قال "لا اعرف عبد الله ولم استلم الرشاشات.. أحُضر الشخص
وعبد الله عند الأخ محمد.. وبدأ التحقيق مع الشخص "من أخذ منك
الرشاشات؟".. قال: عبد الله.. فسُئل عبد الله "هل أخذت
الرشاشات؟" نعم. "من أخذها منك؟" محمد. "اخرجوا"..
وبدأ فصل مأساوي من فصول التعذيب الذي كان يداوم عليه فريق كامل (24)
ساعة ، حتى لا يستريح وأحضر الأخ عبد الله ليشهد عليه من جديد.. ولكن
الأخ محمد صرخ في وجهه.. "كذاب.. حرام عليك.. خاف الله، ربما سُرقوا
منك.. ربما ضاعت" ومع صراخه انهالوا عليه بالضرب الشديد غير الواعي،
الأخ عبد الله اهتز وصرخ ضميره وأنكر.. لا.. لا.. لم أعطه الأسلحة، لم
يأخذ مني شيئاً.. وبدأت المخابرات تعذب الأخوين المجاهدين.. عبد الله
يقول: إنه لم يسلمه.. إنه اعترف من التعذيب والأخ محمد يقول "لم
استلم".. احضروا عبد الله وما بين صمود الأخ عبد الله وثبات ورجولة
الأخ محمد يئس المحققون، وأفلسوا، وبعد فترة زمنية خرج الأخ عبد الله
والأخ محمد، وبقيت الرشاشات أمينة بانتظار مجاهد جديد، يحمل الأمانة
ويكمل مسيرة الجهاد.
ثامناً - أسلوب التبسيط :
التبسيط فخ
ينسجه اللئام للسذج الذين ينزلقون في أساليب الخداع والوهم.
قلنا سابقاً إن
أسلوب التحقيق وكيفيته ومدته، مرتبطة بنوع القضية وخطورتها وبنوعية
المقاتل وثقافته وخبرته ودرايته.. وأسلوب التبسيط.. أي تبسيط القضية، وتبسيط
الشخص، وتبسيط خطورته، هو أحد الأساليب.التي تستخدمها المخابرات
الصهيونية، وينحصر استخدامه بنوعية من المناضلين السذج والبسطاء والذين
من السهولة التأثير والسيطرة عليهم، وهم حالات قليلة وأدوارهم محدودة
يجلس ضابط المخابرات وراء طاولة وأمامه كمية هائلة من الملفات ويتظاهر
بالإرهاق والتعب، هنا يدخل عليه محقق مصحوباً بالضحية وعندما يشاهدهم
الضابط يصرخ بغضب "من هذا؟ أنا مرهق.. (48) ساعة وأنا أعمل.. أريد أن
استريح.. أريد أن أعود لأولادي وزوجتي.. خذه عني.. لا أريد أن أرى أحداً"..
هنا يتدخل المحقق سيدي، هذا شاب بسيط، وقضيته بسيطة، ولا تحتاج إلى
تعب، هنا يدقق الضابط ببصرة على الشاب.. ويتحرك من مكانه.. ويسحب ورقة
بيضاء وقلماً.. ويقول للشاب: "خذ.. اكتب قضيتك" وينظر إلى الساعة
ويتمتم" "يوجد وقت، يوجد وقت".. ويوجه حديثه للمحقق:
"بعد أن يكتب قضيته سلمه هويته وملابسه وأطلق سراحه.. لا يوجد عندنا
وقت" وفجأة، يوجه حديثه للشاب.. "اسمع، هذه أول وآخر مرة أراك
هنا.. سامع.. (دير بالك على حالك).. اخرج".
يقول الشاب (ع)
أعطاني ضابط المخابرات ورقة وقلماً وقال "لي اخرج.. اكتب كل قصتك..
وجهز حالك "للشحرور" (الحرية بالعبرية).. دخلت الغرفة وجلست على
كرسي.. وأمامي طاولة.. فكرت ماذا أكتب.. لم أجد عندي أي شيء فقلت اكتب أي
شيء حتى يفرج عني.. فكتبت: "أنني ألقيت قنبلة يدوية على سيارة إسرائيلية"..
وطرقت الباب، وقلت للمحقق لقد كتبت كل شيء.. أخذ المحقق الورقة،
وسلمها للضابط.. الذي غرق في الضحك وقال جيد.. لم يفرج عن الشاب.. بل
حكمت عليه محكمة عسكرية خمس سنوات سجن رغم انه مشلول في إحدى يديه.
وهناك شكل آخر
لأسلوب التبسيط، وهو أن يجلس المحقق مع المجاهد، ويبدأ بعملية إيحاء
للمجاهد "أنت طيب وابن ناس.. لماذا تحمل نفسك كل هذا العذاب والعناد
قضيتك.. تافهة وبسيطة، والذين معك، قضاياهم أكبر من قضيتك اعترفوا،
وأطلق سراحهم أمس وهم الآن عند أهلهم فرحون.. وأنت قضيتك أصغر من قضايا
أصحابك.. اعترف حتى تعود لأهلك وهذه غلطة أنصحك تعلم من هذه الغلطة وحافظ
على نفسك.. وأنا سأكتب تقريراً عنك أنك بريء وأنك لن تعود لهذا العمل..
عدني أن لا تعود لهذا الطريق"، فإذا تجاوب المجاهد لهذا الأسلوب، واعترف،
سيكتشف أنه خدع، وانه لن يرى لسنوات طويلة ضوء الشمس، ولا أهله وان
لم يتجاوب مع المحقق، يخلع المحقق عن وجهه قناع البراءة.. ويستخدم معه
سياسة العصا ويبدأ بشد المجاهد بين العصا والجزرة لكي يختار بين العصا
والتعذيب، أو الجزرة والاعتراف، فإذا أصر المجاهد على الإنكار وتمسك به،
ورفض الاعتراف، حتى ولو كان ثمن ذلك التعذيب هنا يجد المحقق أن أسلوبه
لم يعد له جدوى، فيبحث عن أسلوب جديد.. أسلوب افضل.
تاسعاً- أسلوب التضخيم :
التضخيم كأسلوب
للتعذيب يعتمد على استفزاز الجانب الشعوري للمجاهد لتحريك الاليات
الدفاعية اللاشعورية داخله، وجعله يعيش حاله هروب من تهمة مضخمة
كاذبة، إلى تهمة صغيرة.. وذلك للحصول على طرف خيط من الاعتراف يؤدي
من خلال مبدأ التدرج إلى انهيارالمجاهد واعترافه الكامل.
التضخيم كأسلوب
هو حيلة.. لوضع المجاهد في حالة قلق نفسي، وتوتر عصبي، وعدم التوازن
على مستوى التفكير، من خلال تضخيم المعتقل أكبر مما هو.. ووضع هالة
مضخمة حول نفسه وقضيته، وتهمته، وأعماله، بحيث تبدو أعماله الجهادية شيئاً
تافهاً وشيئاً صغيراً وتصبح مسألة الاعتراف بها شيئاً ممكناً على
المستوى المنطقي والواقعي كعامل هروب من حالة التضخيم التي يواجه بها
من قبل المحققين، وهو أسلوب يستخدم مباشرة أحياناً مع حالات من
المجاهدين الأسرى المعتقلين، وأحياناً أخرى مع المجاهدين الذين قضوا فترة
طويلة في أقبية التحقيق ولم يفلح المحققون في نزع اعتراف المتهم وهو
كأسلوب لا ينفصل عن الأساليب الأخرى وقد تستخدم معه أساليب مساعدة لتحقيق
هدف الاعتراف.
يقدم المجاهد
عبر مسيرته الجهادية خارج أسوار المعتقل من خلال التزامه بحركته مجموعة
خدمات، اتصال، نقل أسلحة، مهمات بسيطة وقد تكون عملية عسكرية، ومجموع
هذه الخدمات، هي خدمات عادية.. وواجبات طبيعية.
فعندما يعتقل الأخ المجاهد، يستقبل في
أقبية التحقيق بمسرحية مفبركة لغرس حالة الهلع في نفسه.. "أنت (تنظيم
كذا).. أهلاً وسهلاً".. وبإيماءة حقد، وغضب يقولون له.. "أنتم
متطرفون.. راديكاليون.. انتم مجرمون.. أنتم أخطر أناس على (إسرائيل).. أنتم
إرهابيون.. سنحرقكم جميعاً كما عملت النازية باليهود سنصفيكم وأنت اخطر
واحد في (تنظيم كذا) نحن نعرفك منذ زمان.. (إحنا كاشفينكم من فترة
طويلة.. أنت أبو البلاوي أنت اخطر من فلان.. فلان رميناه بره ولا يشكل
علينا أي خطر.. أما أنت.. فأنت أكبر واحد فيهم، .. وأنت أنشط واحد.. بتفكر إحنا
تاركينك.. الآن وقعت في الفخ يا قاتل.. يا مجرم.. تقارير القيادة تعلمنا
أنك خطير جداً.. شوف هذا الملف الضخم.. هذا ملفك.. سنحرقك، ونجتث الجهاد
الإسلامي من جذوره.. الذي نظمك للحركة نعرفه.. والأسلحة.. نعرف قصتها
كاملاً.. من مين أخذتوها.. ومن أعطاكم إياها.. وأين نقلتوها والعمليات نعرف
الذين عملوها بالتفصيل.. ونعرف دورك كله في هذه القصص يا مجرم.. تقتلوا
المدنيين.. والأطفال. سنذبحك بالخنجر الذي كنت تحمله، وسنأخذ ثار الذين
طعنتهم يا قاتل.. دم اليهود لا يذهب هدراً) في هذا الجو من الشحن،
والتضخيم.. تدخل مجموعة كبيرة من المحققين إلى الغرفة، وهم غاضبون
وينفذون دوراً مسرحياً.. "( وين تاع) الجهاد الإسلامي.. أين القاتل
والمجرم" ويحاولون بنظراتهم القاتلة، وتصرفاتهم المقصودة افتراس المجاهد،
ونهش لحمه.. ويصرخ أحدهم.. "أنت قاتل أخي سأقتلك"، ويحاول أن يهجم
على المجاهد، بينما جميع المحققين يمسكونه، ويسحبونه عن المجاهد بقوة
إلى الخارج، بعد أن يكون قد أصابه بعدة ضربات غاضبة، بعد هذه الجولة
من التضخيم، والتي يرى المحقق أثرها على ملامح المجاهد يتنقل إلى دور
المساومة والابتزاز "أتركك لهم حتى يأكلوك، ولا يبقى فيك عظم.. كما
تأكل الوحوش الغنم، أو تعترف، وأحميك رغم انك لا تستاهل"... إذا كان
المجاهد يجهل هذا الأسلوب... سيحدث
في داخله صراع كبير.. وسيحاول عبثاً أن يقاطع المحقق.. "كذب"..
وسيحاول أن يحلف بالله.. بالقرآن.. أنه كذب.. وسيعيش في حالة من الشعور
بأنه مظلوم.. وسيدافع عن نفسه.. وسيبرر.. غير صحيح وسيصل التوتر في داخله
إلى أقصاه.. وعندما يصل توتره إلى هذا الحد.. سيسمح له المحقق بالحديث..
حيث سيقول "أنا مظلوم.. هذا كلام كذب.. أنا لم أقتل.. صحيح أنا شاركت
معهم، ونقلت الأسلحة لكن والله العظيم أنا لم أشارك في القتل.. أنا بريء..
فقط طلبوا مني مساعدة، وأنا ساعدتهم" المجاهد الذي يجهل أسلوب
التضخيم.. سيقدم هذا الاعتراف الصغير.. كمخرج من هذا التضخيم وسيعتقد أنه
بهذا الاعتراف الصغير.. سيخرج من الأزمة، وسينهى التحقيق.. ولكنه متأخراً
سيكتشف انه خُدع، وانه قدم طرف الخيط.
عندما يعترف
المجاهد هذا الاعتراف الصغير.. سيواصل المحقق الابتزاز وسيحاول تبهيت
وتهميش هذا الاعتراف.. وسيبدأ الصراخ في وجه المجاهد.. "أنت تريد أن
تضحك علينا.. نحن نعرف هذه المسألة".
يبدأ بشكل عصبي
الضرب على الطاولة، ومحاولة قلبها بحالة عصبية شديدة.. لإيهام المجاهد
بجديته وإشعاره بقوته.. ومن ثم يجلس غاضباً.. ويقول اسمع.. "يا ولد..
نحن نعرف كل ما ذكرته، وعارفين كل شيء.. اعترف بكل شيء أفضل"..
فإذا اعترف المجاهد.. سيواصل المحقق محاولة الابتزاز، باستخدام كل
الأساليب، وان أصر على الإنكار سيجر المجاهد للاعتراف من باب التدرج..
"من الذين شاركت معهم، وأين؟ ومتى؟ وكيف؟ ومع من؟ والى أين؟
ولمن ؟ وكل سؤال من هذه الأسئلة سيفتح ثغرة كبيرة، وباباً واسعاً يدخل
به المغفلون باب الانهيار أما المجاهد الرسالي الواعي فسيدرك أن التهويل
في جوهره كذب.. وأن التضخيم في مضمونه شرك، وأن التهديد ومظاهره
مسرحية، وأن دور المحققين هو دور تمثيلي غير واقعي، وأن من يُسلم
لأعداء الدين طرف الخيط فقد هوى.
على المجاهد في
سبيل الله أن يدرك أن أسلوب التضخيم هو حيلة خداع تمارسها المخابرات على
المجاهد الأكثر مسؤولية والأكثر صبراً وصموداً وتحدياً.. وعليه أن يواجه
التحدي الصهيوني بتحد مقابل، وليس بالصبر والصمود فقط، فالتحدي لجهاز
المخابرات هو أول السبل لإفشاله (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا) فعندما
يقدم المحقق افتراءاته وتضخيمه يجب عدم الاستماع إليه والاهتمام بحديثه..
بل عليه أن يواجه المحقق وبصوت حاد.. "كذب، افتراء" وألا يجعل
المحقق يكمل فكرة من أفكار التضخيم، وعليه أن يواجه سخرية المحقق له،
"انتم جهاد إسلامي إرهابيون قتلة الآن نُريكم من انتم".. عليه أن
يواجه هذه السخرية بالسخرية منهم ومن جبنهم، وحقدهم، وضعفهم ونهايتهم
المأساوية "أن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون" وعليه أن
يواجه مصطلحات قتلة مجرمين، سفاحين، سنقتلك، سنقطعك بثبات لا يلين، (يا
أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا، واذكروا الله لعلكم تفلحون)
يقول الأخ (أ) استخدمت معي المخابرات في أقسام التحقيق أسلوب التضخيم
وعندما بدأ ضابط المخابرات بالتضخيم، تذكرت هذا الأسلوب، فابتسمت لا
إرادياً وعندما استمر المحقق به، بدأت اضحك فاستفز المحقق، وصرخ بغضب لماذا
تضحك يا قاتل؟ قلت له اضحك على ثوبك الواسع الذي تفصله لم يفهم كلامي
جيداً فخرج من طوره وسأل ماذا تقصد قلت له وأنا اضحك أقصد ما قلته،
فاستفز جداً، وانهال علي بالضرب الشديد وتركني، لقد أفشل هذا المجاهد
أسلوب التضخيم، بثبات، وثقة، وسخرية، ومقاطعة، وجرأة جسدتها ابتسامته،
وضحكه، ومقاطعته للمحقق، الذي فشل في أسلوبه، فخرج يبحث له عن أسلوب
جديد.
عاشراً- أسلوب
معرفة كل شيء :
وهو أحد أساليب
الخداع، يقوم على الإيحاء القوي والتأثير النفسي، بقصد إيهام المجاهد أن
المحقق يعرف كل شيء عنه، ويحاول السيطرة عليه نفسياً ويقوم هذا الأسلوب
على مجموعة ثوابت عامة تشكل آليات العمل ومصطلحاته النظرية، ووضعها في
إطار تطبيقي عملي يتألف من مقدمات ونتائج، للوصول إلى طرف خيط أو اعتراف.
عادة ما يكون
المحقق الذي يطبق هذا الأسلوب متخصصاً في علم النفس، ويدرس ملف
المجاهد المعتقل بشكل كامل من الناحية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية
مستنداً إلى المعلومات التي جمعها جهاز الاستخبارات ومجموع هذه المعلومات
يشكل خلفية كاملة ينطلق منها المحقق ويبدأ في دراسة نقاط القوة والضعف
لدى المجاهد، ويوظفها في آلية التحقيق فلو كانت المعلومات - مثلاً-
تدل على أن المعتقل لم ينه دراسته بينما هو شخص ذكي ولديه أرضية
تعليمية وثقافية، فهذا يؤشر على أن سبب ترك الدراسة ليس راجعاً إلى
عامل شخصي، إنما لأسباب خارجية كالعوامل المادية مثلاً أو لانشغال المجاهد
بأمر آخر غير الدراسة فإذا تبين أن الوضع المادي للمجاهد جيد، فهذا يعني
أشغالا أكبر أهمية لدى المجاهد من الدراسة منعه عنها وهذا مجرد مثال
لطريقة ربط المعلومات وتحليلها.
وغالباً ما يلجأ
المحقق لإحداث شعور بتفوقه وعلمه الغزير لدى المجاهد، فبعد أن يسأله عن
اسمه وعمره وأحواله الخاصة، يبدأ بحديث فكري وتاريخي، ويطرح على
المجاهد أسئلة تتدرج من سهلة معروفة إلى أخرى تتطلب إجابات من له إلمام أو
معرفة عميقة بالموضوع، فيسأله مثلاً عن أحداث في التاريخ الإسلامي وعن
الفرق الإسلامية، ثم يتوقف ويطرح سؤالاً عن.. المعتزلة؟ والقصد من هذا
الحوار المقصود أن يكون أعلى من المستوى الفكري للمجاهد هو لخلق حالة
فوقية ويركز المحقق خلال "الحوار" بصره بقوة وبثبات في عيني
المجاهد ليصنع حالة من التأثير المباشر والسيطرة، وليوحي أنه شخص قوي
يعرف كل شيء، وليغرس بالمقابل في نفس المعتقل إحساساً بالضعف وقلة المعرفة
وقد يتكرر هذا الأسلوب في عدة جلسات متوالية، وعندما يظن المحقق أنه
حقق قسطاً من السيطرة على المعتقل يدخل في صلب الموضوع، أي يدخل في
التحقيق الذي يهدف إلى انتزاع معلومات أو اعترافات.
يحاول المحقق
أيضاً أن يغرس في نفس المعتقل قناعات تتناقض مع رسالته النضالية التي
اعتقل من أجلها، وأن يغسل بعض القناعات الموجودة لديه من أجل تحقيق
إنجاز يدوم أثره بعد التحقيق وبعد مرحلة السجن أيضاً، إنجاز يؤثر على
محيط المناضل الاجتماعي كله فقد يكرر بشكل مباشر أو بواسطة الإيحاء
بالقوة والمعرفة والتفوق، إن الكيان الصهيوني قوي جداً، وأن العرب
ضعفاء، ولا مجال لكسب المعركة، ومن الأفضل تقبل واقع الهزيمة، والركون إلى
المصالحة مع الأمر الواقع ويحاول التأكيد على أن اليهودي بطبعه أفضل من
العربي وأنه يفكر بعقله، بينما العربي أو المسلم شخص عاطفي يفكر
بطريقة غير سليمة، وأن جهاز الموساد أقوى جهاز استخبارات في العالم..
"نحن نعرف كل شيء ألا ترى بنفسك؟" وأنهم يعرفون كل التفاصيل
وأدق الأمور عن القيادات وطبيعة العمل.
بل وكثير من
القيادات تتعامل معهم.. وقد يقطع المحقق مجرى الحديث فجأة ويوجه كلامه
مباشرة إلى المعتقل لماذا تركت دراستك، رغم أنك ذكي؟!.. أنا أقول لك
السبب.. نحن نعرف عنك كل شيء ويبدأ بسرد كل المعلومات التي يعرفها أمام
المجاهد، موحياً أن التنظيم مخترق منذ سنين، وأن اخوته ورفاقه اعترفوا
بكل شيء وان المسألة برمتها باتت مكشوفة تماماً للموساد ويقول المحقق
"..المهم، أنا أريد أن أعرف فقط هل تكذب علينا أم لا؟!" ويقوم
فجأة، ويفتح ملفاً، ويسحب ورقة ويقرأ فيها الاسم الرباعي للمجاهد،
وأنه منظم في حركة (..) ونظمه فلان الذي اسمه الحركي.. ورقمه السري..
ثم يحدق في المجاهد بشكل مركز ويقول ها أنت ترى لقد نظمك فلان نحن
نعرف كل شيء فقط نريد أن نثبت لك أن لا أحد يكذب علينا نريد منك أن
تكون فقط صادقاً معنا ثم إن اعترافك لمصلحتك حتى نستطيع إغلاق الملف
بسرعة، وإنهاء التحقيق، وفي حالة اعترافك لن ينالك منا أذى، وإنهاء
التحقيق، وفي حالة اعترافك لن ينالك منا أذى، ولن نحكم عليك بالسجن،
ربما لفترة رمزية فقط "..لكن إن أنكرت فستتعب كثيراً، وستنال حكماً
قاسياً وطويلاً ... ".
إذا استغفل
المحقق المجاهد، وخدعه بحيلته، واستطاع أن يوهمه أنه يعرف عنه كل
شيء، فسيقع المجاهد في الفخ وتبدأ الإجابات تتالى كالسلسلة.. نظمني فلان..
اسمي الحركي كذا.. رقمي السري.. ويبدأ الحديث بعدها عن اللقاءات وأماكنها،
وساعاتها وتواريخها والأشخاص الذين حضروا.. ثم يعترف بالمهمات والبرامج
والأسلحة وطريقة نقلها، ونوعية التدريب، ومكانه.. الخ.. وهكذا لا تكاد
جلسة التحقيق تنتهي إلا وقد توفرت للمحقق قصة الاعتراف كاملة أو مجموعة
اعترافات تعطي المحقق خلفية ثمينة لاستكمال التحقيق في جلسات أخرى، أو
لاستخدامها مع معتقلين آخرين بواسطة ربط عناصر الاعتراف وتركيبها على
ظروف وحالات مشابهة.
وعبر سلسلة
الإجابات قد يجد المحقق ثغرات وارتباكات في أقوال المعتقل، فيلجأ للتهديد
باستخدام القوة، أو قد يتعرض المعتقل للضرب في هذا الأسلوب ولكنه لا
يتعرض للتعذيب بشكل حقيقي في هذا الأسلوب والضرب هنا يأتي كمجرد تخويف
أو من باب إدخال أسلوب على أسلوب، أي استعمال أسلوب الارتباط الشرطي بين
الكذب "أو كشف الثغرات في الأجوبة" وبين الضرب، وهذه الطريقة
تخلق لدى الأسير استعداداً نفسياً أو ضعفاً في الموقف المتحدي للمحقق
بحيث تضعف إرادته كلما أعطى معلومات، وأصبح استعداده بالتالي أكبر لإعطاء
معلومات جديدة.
يظهر مما تقدم
أن الأساس في نجاح عمل المحقق هو استجابة المجاهد للخدعة التي يحاول
تمريرها هذا الأسلوب فإذا تغلبت إرادة المجاهد ويقظته انهزم المحقق وباء
أسلوبه بالفشل.
الحادي عشر- أسلوب
التعذيب بالتيار الكهربائي :
التعذيب بالتيار
الكهربائي تستخدمه بكثرة النظم السلطوية المرتبطة بالغرب الكافر وهناك
معلومات قليلة تشير إلى أن المخابرات الإسرائيلية تستخدمه رغم أنه عبر
تجربتي الطويلة في السجون لم أسمع بذلك وهناك أحاديث تنتشر بين كثير من
الناس عن الكهرباء في التحقيق والغرض منها تحبيطي لغرس الرعب في قلب
الإنسان المسلم ليس أكثر وسنتعرض هنا لتقنيات الأسلوب من باب المعرفة
والاطلاع عليه.
التعذيب
بالكهرباء يتم بتوصيل تيار كهربائي إلى جسم الأسير، عن طريق وضع مشابك
صغيرة مرتبطة بأسلاك دقيقة موصولة بجهاز كهربائي به فولتاج قابل للتغيير
وفي العادة توضع المشابك في الأطراف السفلى من الأذن اليمنى واليسرى -
مشبك به تيار سالب، وآخر به تيار موجب ويؤدي ذلك إلى تقلصات عضلية
مؤلمة، وارتجافات عنيفة بالجسد، وإذا زاد الفولتاج ارتفاعاً أو طالت مدة
التطبيقAPPLICATION يؤدي ذلك إلى إيقاف عمل القلب أو
حصول عطب في خلايا الدماغ أو إحداث حروق سطحية خفيفة في أماكن التوصيل
الكهربائي وفي مناطق خروج الموجات.
وتحتاج عملية
استعمال التعذيب بالكهرباء إلى :
أ
- جهاز محول كهربائي - ترانس.
ب
- خبير يعرف استعمال الجهاز.
ج
- تيار كهربائي وفولتاج قابل للتغير.
د
- أسلاك معدنية رقيقة.
هـ
- مشابك.
و-
طبيب.
ز-
قرار من قيادة الاستخبارات بالتنفيذ.
أسلوب التعذيب
بالكهرباء يعتمد على الرعب المسبق في قلب الأسير، ويعتمد على الارتباط
الشرطي وتجربة الأسير السابقة مع الكهرباء وذلك لنزع الاعترافات منه،
وليس المقصود هو قتل الأسير، وإيجاد تشويهات وحروق في جسده، والتيار
المستخدم فيه تيار ضعيف يكفي فقط لعمل ارتجاجات في الجسد.. متزامنة مع
عملية إيحاء مستمرة، بالموت، والضعف، والوفاة، والقتل، ونهاية العمر لوضع
الأسير في مناخ نفسي وجسدي سيء تدفعه للاعتراف.
يقول الأسير محمد
(وهو أسير إسلامي، عاش في بيشاور سنتين وعاد إلى بلده، عندما بدأت
الحركة الإسلامية فيها توجه ضربات عنيفة ضد النظام الغربي الفاسد)
"اعتقلت من المطار.. ونقلت إلى السجن العسكري، واعتبرت صيداً ثميناً
فإذا كان السفر إلى بيشاور تهمة، فان العيش فيها سنتين تعتبر أكبر
واخطر التهم مارسوا معي أساليب كثيرة واستجوبت لأيام وليالي طويلة
ومستمرة.. سألوني عن برنامجي ونظام حياتي طوال السنتين وطلبوا مني تقريراً
عن كل شهر وكل أسبوع وحتى كل يوم قضيته هناك أجبتهم عن برنامج حياتي
كل يوم وكل أسبوع، وكل شهر وطوال الأشهر كان كلامي مترابطاً وقوياً
ومقنعاً ولم يجدوا ثغرة في الفترة الزمنية.. التي على المجاهد أن يغطيها
كاملاً تغطية منطقية، ومقنعة.. هددوني بالقتل وبالكهرباء.. قلت لهم بثقة
المؤمن الأعمار بيد الله فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون.. لم
أكن قلقاً من الموت ولكني كنت قلقاً من التعذيب بالكهرباء.. وضعوني على
سرير وطلبوا مني الاسترخاء الكامل.. قيدوا يدي، وقدميَّ بإحكام بالسرير،
وبدءوا بحملة نفسية قوية لدفعي إلى الاعتراف وعندما كانوا يراوغون،
جاءني طيف فذكرت قول الله فاقض ما أنت قاض.. إنما تقضي هذه الحياة
الدنيا.. رفضت الاعتراف جهزوا أدواتهم، ووضعوا مشبك في أذني اليمنى،
ومشبك آخر بأذني اليسرى.. وفي لحظة خاطفة ارتج جسدي ارتجاجاً عنيفاً،
حتى شعرت أن دماغي قد توقف.. وأعادوا الكرة ثلاثة مرات أخرى وكل مرة
كانت ثواني قليلة جداً مع إيحاء نفسي للاعتراف.. كانت المرة التالية
كالأولى ولكن موقفي النفسي كان قد حكم على الأسلوب بالفشل فكرت بنفسي،
وبالضعف الذي كان بداخلي من الكهرباء فاكتشفت أن أسلوب التعذيب بالكهرباء
- أهون وأخف من أساليب التعذيب الأخرى، ولكن جهل الناس وارتباط الكهرباء
في حياتهم بالصعق.. هو الذي يوجد في داخلهم الرعب من أسلوب التعذيب
بالكهرباء.
الثاني عشر- أسلوب
غرف العار:
العنصر الأساسي
في غرف العار هو ما يسمى بـ "العصافير" ، وقبل أن نتحدث
بالتفصيل عن غرف العار سنحاول تقديم تعريف مفصل لظاهرة
"العصافير"
(العصافير) أو الصراصير: بعض الأفراد
الذين يتعرضون إلى الاعتقال بسبب ارتباط أو نشاط تنظيمي ونضالي وجهادي
يضعفون أمام جهاز التحقيق فيتحولون إلى أدوات طيعة لخدمة المخابرات بعد أن
كانوا يناضلون ضد الدولة ومخابراتها.. فبعضهم يحاول أن يهرب من الأحكام
العالية بالسجن إلى التعاون مع المخابرات، وبعضهم يحمل في داخله بذور
الانحراف والضعف فلا يتحمل ضغط الاعتقال، وهناك عملاء أساسا كانوا
مدسوسين في صفوف التنظيمات أو كانوا ينشطون بين الناس يشكل سري، وعندما
افتضح أمرهم وانكشفوا قامت أجهزة الأمن بإبداعهم في السجون حفاظا على
حياتهم وليكملوا المسيرة التي بدأوها في المجتمع والشارع ولكن داخل
السجون والزنازين وهناك من تورطه المخابرات في قضايا أخلاقية سواء في
الحياة العامة "من عامة المدنيين" أو في السجون من (الأسرى) ،
وتستعمل مستمسكات التوريط كأداة ضغط عليه ليصبح عميلا طيعا ويقوم بخدمة
المخابرات ضد المعتقلين في السجون أو أن يكون من جنوب لبنان من عناصر العميل
لحد ..
تقوم المخابرات
بدراسة ملفات كل فرد من هؤلاء بشكل مستفيض، وتخرج بتقييم لقدراته
وخبراته ونفسيته، ثم تخضعه لدورات أمنية مركزة، ودروس مكثفة حسب
استعداداته يتلقى (العصفور) على أيدي الخبراء دروسا فكرية ودينية وسياسية
وعسكرية تنسجم مع أفكار وسياسة تنظيم معين، بحيث يتأهل لتقمص شخصية من
هو في هذا التنظيم، كما يتأهل (الصرصور) عبر الدورات الأمنية لأحدث طرق
وأساليب الاستجواب والاستدراج، والتشبيط وجمع المعلومات والخداع.
ما هي غرف العار؟
في نهاية
السبعينات أخذت المخابرات الصهيونية تتحرك باتجاه استغلال مجموعات صغيرة
من المتساقطين الذين تحولوا إلى (صراصير) ، لاستدراج المناضلين المعتقلين
حديثا للحصول منهم على معلومات لم يستطع المحقق أن ينتزعها ورغم الشكل
البدائي والبسيط لهذه العملية إلا أن نتائجها وثمارها كانت جيدة، حيث أن
بعض الأسرى الذين عجزت أجهزة التحقيق عن الحصول على معلومات كاملة منهم
خلال الاستجواب وتحت أساليب التعذيب المختلفة، قد أدلوا بمعلومات
واعترافات إضافية في غرف العار وهذا النجاح دفع المخابرات الصهيونية إلى
التركيز على هذه الطريقة وإعطائها أولوية وأهمية، وتطويرها كتقنيات
وأساليب، وتأهيل (الصراصير) للقيام بدور محقق ولكن بشكل آخر وكان لهذا
التطوير في العمل أهمية كبرى في انتقال المخابرات نقلة نوعية في عملها،
مما وفر لها مناخاً للإيقاع بأعداد كبيرة من المناضلين والمجاهدين وأصبحت
غرف العار ركناً أساسياً من أركان التحقيق، يمر بها أغلب الأسرى
الفلسطينيين.
إن (غرف العار)
هي زنازين في السجن لا تختلف عن الزنازين الأخرى بشيء سوى بنوعية
ساكنيها فهم ليسوا مناضلين معتقلين ولا مجاهدين محكومين يمضون فترة
الاعتقال وإنما مجموعات من (الصراصير) يمثلون دور المناضلين والمجاهدين
وبين هؤلاء الممثلين الساقطين يتم زج المعتقل الجديد الذي لم ينه فترة
التحقيق بعد، وإن كانت المخابرات تهيئ له أنه تجاوز مرحلة التحقيق
والاستجواب والتعذيب وانتقل إلى السجن بين اخوته السجناء الذين من
المفترض أن يكونوا أعضاء في تنظيمه أو في تنظيمات وطنية مقاتلة أخرى،
ولكنه في الحقيقة يوضع بين محققين من نوع آخر يمثلون دور أبناء
التنظيمات.
ولكي نتعرف
جيداً على واقع غرف العار لا بد من إلقاء نظرة سريعة على آلية تنقل
الأسير من التحقيق إلى الأقسام -
عند اعتقال
المجاهد يتم نقله فوراً إلى قسم التحقيق (المسلخ) ، حيث تتفاوت فترة
المكوث في (المسلخ) من أسير إلى آخر وذلك راجع لحجم المعلومات المتوفرة
لدى المخابرات وخطورة القضية المتهم بها، والى موقف المجاهد من مجريات
التحقيق وفي هذه المرحلة قد يوضع المجاهد فترة أيام قليلة في الزنزانة.
يعود بعدها إلى
قسم التحقيق من جديد وبعد اكتمال عملية التحقيق وإغلاق الملف يتم إنزال
المجاهد إلى الزنازين، وهي فترة انتظار لإغلاق ملف القضية وهناك زنازين
فردية وأخرى جماعية تتسع لشخصين إلى خمسة أشخاص وعادة ما يتم توزيع أبناء
المجموعة الواحدة على عدة زنازين بغرض فصلهم عن بعضهم البعض وينتظر
المجاهد نتائج التحقيق.. فإما إفراج أو توقيف إداري وإما قضية وبالتالي
السجن وفي هذه المرحلة (مرحلة الانتظار) ترتب المخابرات فرصاً (أو فخاً)
لتشريك بعض الزنازين بعصفور أو أكثر وفي حالات أخرى يتم نقل المجاهد إلى
سجون أخرى بحجة استكمال التحقيق وقبل ترحيله يوضع في غرف انتظار لمدة
يوم أو اثنين وفي هذه الغرف فرصة لتشريكها وعند الانتقال إلى السجن
الجديد يوضع المجاهد في زنازين فردية أو جماعية، وهنا أيضاً فرصة أخرى
للتشريك.
مع اكتمال
التحقيق ينقل المجاهد من الزنزانة إلى الإدارة حيث يقابل قاضي التوقيف
الذي يسأله إن كان مقراً بالتهم الموجهة له ويمدد توقيفه.. وأحياناً
ينقل الأسير ليقابل مندوب الصليب الأحمر.
الانتقال إلى الأقسام:
بعد انتهاء
التحقيق وإقفال ملف القضية وتقديمها للنيابة، ينقل الأسرى الذين اكتمل
التحقيق معهم إلى أقسام السجن وهي أقسام الأمنيين، في انتظار المحاكمة
ويتكون كل قسم من عدة غرف وفي هذه الغرف فرصة أخرى للمصائد فينقل المجاهد
إلى (غرف العار) بدلاً من أقسام الأمنيين.
يتجمع أفراد
التنظيمات في أقسام الأمنيين وينظمون أنفسهم في أطر تنظيمية فلكل تنظيم في
كل سجن لجنته المركزية والأمنية والإعلامية والسياسية وخلاياه، ولكل فصيل
ممثل، ولكل غرفة اعتقال موجه متفق عليه من الجميع وهناك لوائح لتنظيم
حياة المعتقلين وهناك ما يسمى ب- "لجنة التخيير" ، وهي لجنة
تستقبل القادمين الجدد، ويختار أمامها كل معتقل جديد الالتزام في إطاره
التنظيمي، والذين اعتقلوا وليس لهم عضوية في تنظيم محدد، وإنما كان
اعتقالهم على خلفية نشاطات وطنية عامة نفذوها بشكل فردي، يخيرون
الالتزام بإحدى التنظيمات الموجودة في المعتقل فمن المتعارف عليه بين
التنظيمات في السجون أن لا يسمح بوجود حالات مستقلة وبعد التزام الأسير
بالتنظيم المعين فانه يتقيد بأنظمة ولوائح التنظيم، ويقدم تقريراً
كاملاً عن القضية التي اعتقل من أجلها إلى اللجنة الأمنية في التنظيم
وينخرط بذلك في حياة السجن.
إن المخابرات الصهيونية تستغل هذه الآلية
في التنقل وفي تركيبة وعمل التنظيمات فتقوم بتمثيل عملية الالتزام
وتركيبة الفصائل في عملية مسرحية متقنة مستخدمة عناصر من الممثلين
المحترفين (العصافير) قاصدة خداع المجاهد وكشف انتمائه وارتباطاته
ونشاطاته، ويطلب (الصراصير) من المجاهد أن يقدم تقريراً مكتوباً للعصفور
الذي يمثل دور مسؤول اللجنة الأمنية وبذلك تحصل المخابرات على اعترافات
سهلة بعد أن عجزت مباشرة في عملية الاستجواب والتحقيق عن الحصول على
معلومات.
سيكولوجية الأسير:
يمكث الأسير في
جو التحقيق أو في الزنازين أسابيع أو شهوراً وهذه الفترة تكون فترة ضغط
شديد على نفسيته وأعصابه وقد يكتشف في هذه المدة نقاط ضعف في بنيته
التنظيمية - عبر المراجعة التي يجريها مع نفسه -، وأن بعض رفاقه
واخوته قد يتعرضون للاعتقال فيعترفوا بمعلومات أنكرها في التحقيق، فيطلب
ثانية للتحقيق والتعذيب ففي كل صباح يحضر المحققون، ومع حضورهم تصفق
الأبواب وتفتح وتغلق، ويظهر جندي وسجان من خلف الباب وينادي المطلوبين
للتحقيق، وفي الزنزانة نفسها يكون الجو مشحوناً بالترقب والحذر والخوف
في كل لحظة يشعر الأسير أنه سيكون المطلوب وهذا القلق يضغط على الأعصاب
والخروج من هذه الأزمة يرتبط باللحظة التي يخرج منها الأسير إلى الأقسام
إنها فرصة الأسير للإفلات من حالة التوتر النفسي وفي الأقسام يتوقع الأسير
أن يلتقي مع الأسرى الآخرين وهم أخواته ورفاقه المجاهدون المناضلون.
إن هذه الميزة
السيكولوجية للأسير تجعل قدراته وطاقاته تنتقل من طور الدفاع أمام الأخطار
المتوقعة من التحقيق ومن طور الاستعداد النفسي والتحفز الشعوري لمجابهة
المحقق وألاعيبه، إلى طور الشعور بالأمان والاستقرار بين اخوته وأصدقائه
المناضلين، وإلى العمل على التكيف والانسجام مع واقعه الجديد وخاصة
عندما يصبح بعيداً عن غضب المحقق وصراخه وتعذيبه وأساليبه الأخرى.
في الأقسام
الأمنية يشرق يوم جديد في حياة الأسير فيستقبله المعتقلون استقبالاً حاراً
كبطل منتصر في معركة التحقيق والبسمة على الوجوه، والدفء في المعاملة
ويظهرون حرصهم عليه، ويوفرون له ملابس جديدة إن جميع من هم في الغرفة
الآن اخوته المستعدون لخدمته ولتقديم ما يحتاجه، وتوفير ما يريده،
ليعوض الأيام الصعبة التي عاشها.
هذا الجو النفسي الذي ينتقل فيه الأسير
من حالة إلى نقيضها، من القلق إلى الطمأنينة، ومن التعذيب إلى الراحة،
يدفعه للتكيف السريع مع الأسرى، ويدفعه للانقياد لطلباتهم وأنظمتهم، والى
الالتزام بالواقع الاعتقالي الجديد وهذه الحالة تسهل للمخابرات استغلال
هذه الاستعدادات السيكولوجية فتصطنع واقعاً اعتقالياً بنفس مواصفات الأقسام
الأمنية ولكن عناصرها من (الصراصير) بدلاً من المناضلين.
أين يتواجد العصافير؟
بدأ تنفيذ أسلوب
غرف العار في سجن عسقلان وهو سجن يضم مئات المعتقلين ذوي الأحكام
العالية، ويتوزع المعتقلون حسب مدنهم وقراهم على كافة مناطق الضفة
الغربية وقطاع غزة ثم بدأ العدو في تنفيذ هذه الفكرة في سجون نابلس
والخليل ورام الله وجنين والناصرة وعكا وقد كانت غرف العار في سجن
جنين - مثلاً- مؤلفة من ثلاث غرف، وتشكل قسماً كاملاً، وتقع في
الناحية اليسرى من السجن، والمعتقل خارج من الزنازين إلا أن هذه المواقع
تتغير حسب الحاجة (والعصافير) الذين
فيها يتغيرون، ويغيرون أسماءهم الوهمية، وتتميز غرف العصافير سواء كانت
في أقسام الزنازين أو في غرف الانتظار أو أقسام المعتقلين بأنها مفصولة
ومنعزلة عن (المعتقل) على مستوى الداخل والخارج ونقصد بالمعتقل أقسام
المعتقلين الأمنيين، وتنقسم إلى ثلاثة أقسام:
أ
- الشرك الفردي والذي يكون فيه عصفور واحد.
ب
- الشرك البسيط، ويتكون من غرفة واحدة فيها من خمسة إلى سبعة عصافير.
ج
- الشرك الجماعي ويتكون من قسم مؤلف من عدة غرف.
الخصائص العامة للعصافير:
كانت الفكرة
السابقة عن العصافير أنهم أشخاص موشومون بوشم على وجوههم كعلامة تعرضوا
لها من المناضلين الذين اكتشفوا حقيقتهم، وغالباً ما يكون هذا الوشم
أثراً لضربة بسكين حلاقة وهي علامة تبقى ظاهرة على الوجه كخطوط طويلة -
بسبب الندوب الظاهرة والغائرة في الجلد بسبب تمزق الغشاء الجلدي وفي
هذه الحالة يحاول (العصفور) إخفاء هذه العلامة الفارقة بترك اللحى تغطي
أكبر قدر من (الوشم) .
يجيد (العصفور)
تقمص شخصية ابن الحركة أو التنظيم على المستوى الفكري والسلوكي فقد
يظهر التدين ويؤدي العبادات ويحفظ القرآن الكريم يجيد سرد القصص في
مجالات متعددة بشكل جيد ولكن (العصفور) يبالغ في هذه السلوكيات وفي
إتقانه لسرد القصص، كما يتميز في ملبسه ومظهره وتوفير الكثير من
المستلزمات المفقودة في السجن وهذا مدخل جيد للشك فيه وعموماً فإن
(العصفور) يخضع في أدائه التمثيلي لتوجيهات المحقق. وتزوده المخابرات
بالمعلومات المتوفرة عن الأسير في ملفه، عن حياته وأصدقائه ونشاطاته،
وهي معلومات يستخدمها (العصفور) للإيقاع بالمجاهد ولكي يتقرب من الأسير قد
يؤدي العصفور الصلاة بخشوع شديد ويقوم الليل وقد يدرس أفكار التنظيم
المحدد ويناقش فيها أو يلقي دروساً وتوجيهات فكرية على الأسير وإضافة إلى
هذه التمثيلية يقوم عصفور أو أكثر بتمثيل دور المشبوهين والعملاء في
الغرفة ويقوم (العصافير) الآخرون بتمثيل موقف الاحتقار والنبذ حيالهم،
وهذه الحركات تدخل في ضبط وإتقان المسرحية المعدة الجيدة لتنطلي الحيلة
على الأسير. ويقع في الفخ.
أساليب العصافير :
1 - أسلوب كسب الثقة:
وهو إشعار
المجاهد بالاخوة الحقيقية، وتقديم الخدمات والملابس له، وإظهار الحرص والعطف
تجاهه، والاهتمام الزائد به، وتشجيعه على الصمود والتحمل.
2 - أسلوب التشكيك :
وهو إشعار
المجاهد أن الجلسات التنظيمية أوقفت بسبب عدم استيفاء معلومات عنه، وأنهم
يشكون فيه، وأنهم غير مرتاحين له، وأنهم يشكون إن المخابرات تريد أن
تزرعه كغرسة بينهم ليعرف بعض المعلومات ويقدمها لها.
3 - أسلوب الشرك :
حيث يوضع
(العصفور) مع الأسير فترة أسبوع أو أكثر في الزنزانة وفي التحقيق، حتى
يثق به، وبعدها يتم إخراجهما للأقسام وهناك أمام (العصافير) الآخرين يسارع هذا
العصفور إلى كتابة تقرير إلى العصافير الذين يمثلون أدوار مسؤولي التنظيم،
فإذا وقع المجاهد في المصيدة قلد العصفور وقدم تقريراً بدوره إلى
(العصافير).
4 - أسلوب الاستدراج:
يمثل (العصفور)
دور الغيور الحريص على العمل الجهادي والنضالي فيشكو مثلاً من الحالة
العامة، ومن نقص الأفراد المخلصين والشرفاء، ويبدأ في مدح الاتجاه
التنظيمي الذي يكون الأسير قريباً إليه أو منتمياً له، ويطنب في الحديث
عن صفات هذا التنظيم الجيدة، وكيف أن أفراده سريون، ومنتشرون، وأنهم
افضل الناس، وان عملياتهم نوعية، وأن الجماهير تحبهم، وتثق بهم، وأنه
كان يتمنى أن يكون عضواً في ذلك التنظيم، ولكن الاستعجال للنضال،
واندفاع الشباب جعله ينتمي لتنظيم آخر وعندما يخرج من السجن فسينضم لو
سنحت له الفرصة إلى ذلك التنظيم ثم يرمي الشبكة التي ينسجها جيداً مع
رجال التحقيق، فيقول - مثلاً - لدي سلاح مخبأ في مكان ما، وأنا أتمنى
أن أقدمه هدية إلى التنظيم، فإذا كان التنظيم مستعداً للاستفادة من السلاح
فسأكون مسروراً جداً، وسأرضي ضميري وواجبي الوطني وأشعر أنني ساهمت في
خدمة هذا التنظيم المحبوب وقد يكون هناك سلاح مخبأ فعلاً في ذلك المكان
فإذا وقع المجاهد في الفخ، فإنه يسرب للتنظيم هذه المعلومة وبذلك يقبض
رجال الأمن على عنصر جديد في التنظيم يكلف بإحضار السلاح أو قد يثق
المجاهد الأسير بهذا (العصفور) ويعطيه بناء على القصة المنصوبة للاستدراج،
بمعلومات تفيد جهاز المخابرات.
5 - أسلوب التثبيط :
في هذه الحالة
يلجأ العصفور إلى إلقاء المواعظ المحبطة، والقصص المثبطة فيتحدث عن لا
جدوى من الصمود، وعن كذب ادعاءات الذين يقولون أو يقال عنهم أنهم أبطال
صمدوا أمام المحقق، ويؤكد أن هذه الحكايات لا أساس لها، وأن الكل يعترف
وأن الأبطال هم حالات مفبركة وشخصيات مصنوعة لغرض أو لآخر ففلان الذي
يتحدث عنه الناس قد اعترف بكل شيء ويضيف (العصفور) إنه هو شخصياً
ضحية لاعترافات ذلك البطل المزعوم ويؤكد أن الاعتراف ببعض المعلومات
القليلة هو وسيلة مضمونة للإفلات من التعذيب، وأن المحققين لا يتركون
الأسير حتى يعترف ولو طالت فترة التعذيب لمدة طويلة وأن نهاية التعذيب
لابد أن تكون بالاعتراف مهما تمكن الأسير من الصمود.
6 - أسلوب تضخيم التحقيق والمحقق :
يتحدث (العصفور)
كثيراً عن قدرات المحقق، وذكائه الحاد وأن الجميع وقعوا في حبائله،
واعترفوا أمامه ولم يفلت منه أحدُ أبداً، ويضخم أساليب التعذيب، بحيث
يهزم الأسير نفسياً ويرعبه من أساليب التعذيب وهي عادة أساليب مختلفة وقصص
يقصد بها التخويف ولا حقيقة لها.
7 - أسلوب الاتهام :
تقوم مجموعة من
(العصافير) باتهام الأسير بالعمالة مع المخابرات، ويحققون معه للاعتراف
بتعاونه مع المخابرات، ويصطنعون جواً من التحقيق، فيخلعون ملابسه
ويضربونه ويربطونه ويكممونه فإذا وقع المجاهد في (الفخ)، وليثبت أنه ليس
عميلاً يلجأ إلى كل المعلومات والاعترافات التي تؤكد العكس، ويحاول إثبات
انه مناضل ومجاهد وله تاريخ نضالي مشرف.
8 - أسلوب الضرب والتهديد :
قد يشك المجاهد
في حقيقة (العصافير) أو قد يخشى جهاز التحقيق من عدم تعاون المجاهد
معهم فيلجأون إلى لعبة خبيثة حيث يضربونه ويقومون معه بدور مكشوف،
مؤكدين له بتصرفاتهم أنهم (عصافير) ، وفي هذه الحالة يحضر السجان
وينقذه منهم وينقله إلى غرفة أخرى، يرتاح المجاهد، ويحس أنه أفلت من
(العصافير)، فيجد نفسه قد وقع في غرفة عصافير جديدة وانتقل الآن إلى
اخوته فعلاً ولكن نزلاء هذه الغرفة أيضاً هم من (العصافير).
9 - أسلوب تحدي السجان :
حيث يتعمد
(العصفور) أن يظهر كبطل أمام السجان، فيتحداه ويشتمه ويتعرض للضرب والشتم
بسبب ذلك ولكنه يكسب ثقة الأسير به كبطل وصاحب موقف رجولي.
10- التمويه على (العصفور) :
بنقله من غرفة عار
إلى أخرى، وتنقله بين الغرف الفردية والبسيطة والأقسام.
11 - أسلوب غرف العار المحروقة وغير المحروقة .
12 - أسلوب تضخيم قضية العصفور وتبسيط قضية المجاهد.
13- أسلوب إرهاق المجاهد وعدم السماح له بالنوم
لتوفير أكبر فرصة للعصفور باستدراجه.
14 - أسلوب التحذير :
يقوم (عصفور)
بتحذير المجاهد عبر نافذة صغيرة - "انتبه أنت ذاهب لغرفة
عصافير"، وعندما ترفض جميع الغرف استقباله تستقبله غرفة هذا
العصفور.
15 - أسلوب المساعدة :
يُطَمْئِن
العصفور في هذه الحالة المجاهد المعتقل انه مستعد لخدمته بإرسال رسالة
إلى التنظيم خارج السجن، وأنه على اتصال مع القيادة، ويذكر له اسم
المسؤول، ويريه ورقة وقلماً استطاع حسب زعمه تهريبها إلى السجن
بطريقة ما وإخفاءها عن السجانين.
16 - أسلوب التقمص :
يقوم (العصفور)
بتقمص دور قادة المعتقل، ويبلغ المجاهد أن ممثل التنظيم في السجن
سيزوره غداً، وأنه يثمن تجربته ونضاله.
17 - أسلوب التعارف :
يستقبل (العصافير)
المجاهد أحسن استقبال ثم تبدأ حفلة التعارف فيقدم كل عصفور نفسه
ذاكراً الاسم والعضوية والمرتبة التنظيمية ومدة محكوميته ثم يأتي الدور
على المجاهد، فإذا انطلت عليه الحيلة قدم لهم معلومات ثمينة كان قد
أنكرها أمام المحقق.
18 - أسلوب الاستدراج عبر السؤال والجواب المغلوط.
19 - أسلوب شرح الواقع الاعتقالي للمجاهد :
حيث يطلب (موجه
الغرفة) من المجاهد كتابة تقرير يشرح فيه قصة اعتقاله .
20 - أسلوب حضور مسؤول مركزي من خارج الغرفة ليجلس
مع المجاهد :
حيث يأتي عصفور
وكأنه مسؤول مركزي للحركة في السجن ويجلس مع المجاهد ويطلب منه
معلومات وكتابة تقرير كامل عن نشاطه وعن الوضع في الخارج وفي التنظيم.
21 - أسلوب الرسالة المختومة :
يقوم (العصفور)
بتهريب رسالة خاصة للمجاهد، يقدمها له على أنها رسالة مبعوثة من قيادة
التنظيم في السجن وينتظر أن يرد عليها.
22 - أسلوب التهديد بالتشفير والإعدام :
إذا لم يثبت
المجاهد أنه (شريف) وغير عميل مع أجهزة التحقيق وإذا لم يقدم تقريراً
يشرح فيه وضعه ونشاطه التنظيمي ولكن العصافير لا يلجأون مطلقاً إلى
تنفيذ تهديدهم أنهم يستعملون هذا الأسلوب من اجل التخويف فقط.
يقول المناضل
(زياد) : كلفت وأنا موجود بالخارج بأن أكون ممثل جبهة النضال الشعبي في
الضفة الغربية وتم إعدادي سياسياً لهذه المهمة، عندما عدت للأرض
المحتلة، اعتقلت، وحقق معي وكانت هناك شكوك عند المخابرات بأني منظم،
ولكن لم توجد لديهم أي دلائل لإدانتي، هددوني بترحيلي إلى سجن جديد،
وبالفعل انتقلت إلى سجن جديد، لا يوجد به زنازين، ولا تعذيب وضعوني في
غرفة للمعتقلين بها أكثر من عشرين سجيناً، استقبلت استقبالاً حاراً
منهم سُئلت عن انتمائي، وتهمتي، قلت ليس لي انتماء، ولا تهمة..
وتركوني لوحدي حاولت أن انخرط في حياتهم، وان انسجم معهم، ولكن كنت
أشاهد نظرات الشك والريبة في عيونهم وجدت نفسي وحيداً بين أعين وهمسات،
تطاردني بالشك، والخيانة حتى أصبحت أشك في نفسي.
وفي إحدى الليالي جلسوا في حلقة صغيرة،
وتهامسوا كثيراً، وكان الموضوع.. أنا وعندما أطفئ النور أخذوني وأجلسوني في
الزاوية وطلبوا مني أن اكتب تقريراً كاملاً عن ارتباطي بالمخابرات،
والمهام التي كلفت بها بكيت وقلت أنا لست عميلاً قالوا إذن اثبت العكس
أنت عميل مدسوس، خلعوا ملابسي وكمموا فمي، وقيدوني بحبل، وبدأوا بتعذيبي
وشتمي، وطلبوا مني الاعتراف.. وبعد ليلة طويلة من التعذيب، قلت لهم أنا
من تنظيم جبهة النضال الشعبي، وكلفت من القيادة في الخارج بان أكون
مسؤول التنظيم في الضفة تأسفوا لما فعلوه معي، وحملوني السبب، ولكي
يتأكدوا من المعلومات طلبوا مني كتابة اعترافي وفي اليوم الثاني وجدت
ورقة الاعتراف أمام ضابط التحقيق.
ويقول المناضل
(جمال) : كلفت من أبو جهاد (خليل
الوزير) بان أكون مسؤولاً عن منطقة بيت حانون، وعندما عُدت للقطاع بدأت
بتجنيد اخوة للحركة، وبدأت بأعداد الأسلحة لتنفيذ عمليات عسكرية.. حيث
تم اعتقالنا، وعندما لم اعترف في سجن غزة تم ترحيلي إلى سجن جديد..
هناك استقبلت استقبال الأبطال، أعطوني ملابس جديدة، وأغطية جديدة، ومنشفة
جديدة.. حتى شعرت باني قد خرجت من المعتقل، أقيمت في الليل حفلة تعارف
كل واحد كان يذكر اسمه وتنظيمه، وحكمه، وذكرت اسمي.. حركة فتح.. بعد
التعارف، طلبوا مني الجلوس مع قيادة الحركة في السجون وعرفوا أنفسهم
بأنهم من قيادة الحركة، وأنهم على اتصال بالحركة في الداخل ومع (أبو
جهاد) وطلبوا مني تقريراً مستعجلاً، لإنقاذ الاخوة الذين لم يعتقلوا
وترتيب وضع الأسلحة، وتأمين الوضع المادي لأسر المعتقلين وتقريراً كاملاً
عما حدث معنا.. كتبت أنا الملازم أول جمال.. الخ وكتبت كل شيء
بالتفصيل.. في اليوم الثاني سمعت اسمي في الميكروفون وفي الطريق وجدت
المحقق.. فقال لي أهلاً بالملازم أول جمال.. صُعقت، وقلت له إعطني رشاش
عوزي لأقتل كل من هو فدائي.. وأخيراً عرفت أن هؤلاء خونة عملاء،
متساقطون.
ويقول المجاهد (أبو حسين): وهو من الأبطال
الذين صمدوا في التحقيق رغم كل الاعترافات التي عليه، هددوني بالإبعاد
إلى لبنان سلموني أماناتي، وملابسي، وأخذتنا سيارة عسكرية إلى المجدل، فتل
أبيب، وصفد، والشمال وهناك في مناطق جبلية، سُلمت إلى وفد من الصليب
الأحمر الذي أخذني إلى مناطق سعد حداد.. وعند آخر نقطة لسعد حداد.. قالوا
لي من هنا بإمكانك أن تسير لوحدك فأنت الآن في منطقة جماعتك.. سرت ما
يقرب من 2 كيلومتر فإذا بمقاتلين يخرجون من الكمائن ويتكلمون بلهجة
فلسطينية لبنانية قلت لهم أني فدائي مُرحل.. أخذوني إلى موقع عسكري،
وشاهدت صور أبو عمار وأبو جهاد، وشعارات ثورة حتى النصر، فتح ديمومة
الثورة، تحلق حولي المقاتلون، وتسامرنا طويلاً.. شعرت أنني حر.. قال لي
قائد المعسكر القيادة في بيروت تنتظرك.. وبسبب اشتباكات في الطريق
سيتأخر وصولك فاكتب تقريراً عاجلاً لاطلاع القيادة كتبت تقريراً مفصلاً
وأخذه قائد المعسكر.. وفي الليل تحركت بنا السيارات باتجاه بيروت، حيث
في الطريق وقعنا في كمين إسرائيلي وبعد ساعة وجدت نفسي أمام المحققين،
ومعهم التقرير.. قال لي المحقق (وقعت يا بطل خطفت منه التقرير ومزقته
بهستريا.. هجموا عليِّ جميعاً.. وجمعوا التقرير الممزق، وأعادوا تركيبه
ووضعوه تحت لوح زجاج..) واجتمع جميع ضباط المخابرات حولي بعد انتهاء
كل شيء تذكرت شريط الرحلة الطويل، وتيقنت بأن الرحلة كانت رحلة
مصيدة.. فاحذروا المصائد..
فعلى المجاهد
اليوم أن يحذر أسلوب المصائد.. وليعلم بأن الأشخاص الذين سيجدهم غداً في
هذه المصائد ليسوا ثواراً ولا مجاهدين فلا تثق بأحد ولا تُخدع (يحسبون
كل صيحة عليهم، هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون).
الثالث عشر- أسلوب
العدو والصديق :
عندما تحاصر
شخصاً، وتضيق عليه الخناق، وتغلق في وجهه كل منافذ الخلاص، عندها
يفقد الأمل تماماً، وسيكون من غير الممكن أن يبدي تجاوباً معك، وسيكون
أكثر عناداً فإذا فتحت له بعدها باباً صغيراً أو منفذاً للنجاة، فسيفر
بجميع حواسه وعقله إلى هذا المنفذ ويرى فيه باب الأمل المتاح.
على هذا الأساس
يقوم أسلوب العدو والصديق، وهو من أشد أساليب التحقيق خداعاً، لأن الأمل
هنا ليس سوى مصيدة، ومحاولة استدراج المجاهد ليعترف.
توزع الأدوار في
هذا الأسلوب على اثنين من رجال التحقيق يمثل الأول دور السفاح القاسي
الذي يتلذذ بضرب المعتقل وتعذيبه ويمثل الثاني دور الشخص الطيب الرقيق
الذي فيه نزعة إنسانية بالغة.
تبدأ المسرحية
بعد جولة من الإقناع والإغراء والتهديد، يمارسها رجال التحقيق مع
المعتقل، فإذا فشل التحقيق في انتزاع أي معلومات، يدخل المحقق (الشرير)
فجأة، متظاهراً أنه دخل إلى غرفة التحقيق خصيصاً من أجل انتزاع
اعتراف بأي شكل ويسأل أحد المحققين الذي يمثل دور (الطيب) بقسوة هل
اعترف؟ وهنا يجيب المحقق متظاهراً بالخوف والضعف أمام (الشرير) لا فيرد
الشرير بغضب هذا بسببكم انتم تشفقون عليهم أنتم تضيعون وقتنا اخرج من
هنا وأمام صراخ الشرير يخرج المحقق (الطيب) متظاهراً بالانكسار والضعف
هنا يخلو الجو للشرير وتغلق أمام المعتقل أبواب النجاة من التعذيب
فينهال عليه (الشرير) ضرباً وحشياً متعمداً ويصرخ المعتقل من شدة الألم
وفي هذه اللحظة، يفتح الباب بقوة، ويدخل المحقق الطيب متظاهراً
بالانفعال ومحاولاً تهدئة الشرير وتخليص المعتقل من بين يديه ثم يخرج
(الشرير) ويبقى (الطيب) الذي يقدم المساعدة للمعتقل فيرفعه عن الأرض،
ويجلسه على كرسي، ويقدم له كأس ماء، ويحضر منشفة مبللة يمسح بها وجهه
من الدماء، ويعرض عليه فنجاناً من القهوة أو الشاي ويتظاهر بالإشفاق
عليه ثم يبدأ بالحديث الودي معه، ناصحاً إياه، في تمثيل مسرحي بارع أنه
يلعب الجولة الأخيرة فيقول للمعتقل (ارحم نفسك. يكفيك هذا العذاب. لو
لم أخلصك من يدي هذا المجرم لقتلك أو تركك مشوهاً. الأفضل لك أن تعترف
قل لي في أي تنظيم أنت؟ ومتى تم تجنيدك اعطني المعلومات المطلوبة، ولن
يحصل لك عذاب بعد ذلك). فإذا أصر المعتقل على الإنكار، حاول المحقق
(الطيب) أن يستثير في نفسه الشعور بالعرفان ورد الجميل قائلاً (هل هذا
جزاء المعروف؟ أنت تعرضني لموقف محرج أمام ذلك الوحش وأنا أنقذتك)
ويستمر في هذه اللعبة، مستخدماً الضغط النفسي والتخويف من عودة
(الشرير)، وأمام إصرار المعتقل على الإنكار ينفتح الباب بعنف، يطل الشرير
برأسه صارخاً (ألم يعترف بعد، ماذا تنتظر؟)هنا يدخل المحقق الطيب (إنه
يعترف. إنه يعترف فقط اعطنا مهلة خمس دقائق) وينغلق الباب بقوة ويبدأ
(الطيب) جولة جديدة من الضغوطات، وإظهار الحرص والشفقة.. فإذا انطلت
الحيلة على المناضل، واعترف يظهر الطيب على حقيقته، وينزع عن وجهه
قناع الوداعة، وينتهي دوره في التمثيل فإذا هو أحد المحققين ولا فرق
بينه وبين (الشرير).
إن أسلوب العدو
الصديق هو فخ ماكر وعلى المعتقل أن يعي هذا الأسلوب جيداً وان يدرك
أنه لا فرق بين المحقق الشرير والطيب بل وأن ذلك الذي يمثل دور الطيب
هو أشد خطورة.
الرابع عشر-:
أسلوب الكرسي :
سعياً لانتزاع
المعلومات من المجاهد تسعى المخابرات الصهيونية إلى تطوير أساليبها،
وابتكار أساليب حديثة توفر الجهد والوقت وتكون آثارها سريعة المفعول غنية
النتائج لذلك فلقد استخدمت لسنين طويلة أسلوب الوقوف المستمر طوال 24ساعة
لفترة عدة أيام أو عدة أسابيع.. ورغم أن هذا الأسلوب له وقع قاسٍ ومؤلم،
ويحتاج إلى شجاعة فائقة، وإرادة فولاذية وإيمان صلب، إلا أن المخابرات
الصهيونية طورت هذا الأسلوب باتجاه وضع كرسي خشبي عادي، يجلس عليه
المجاهد طوال فترة التحقيق، وهو مكبل، والكيس في رأسه.
ومن المعلوم أن
لفظة الكرسي، لها وقع مريح على النفس، خاصة إذا جاءت في فترة التحقيق
ولكن الذين جربوا هذا الكرسي، يعتبرون أن آثاره السيئة أكثر وقعاً على
النفس من الوقوف المستمر.. وهذا راجع إلى مسألة أساسية، وهي أن الجلوس
المستمر لمدة ساعات يؤدي إلى تصلب وآلام في حلقات العمود الفقري ويزداد
هذا التصلب والآلام.. مع ازدياد وقت الجلوس على الكرسي حتى يصبح وسيلة
ضغط شديد على الجهاز العصبي، والنفسي لكي ينهار وبمزيد من الإيمان
القوي، المتجذر والخبرة السابقة يمكن للمجاهد.. تجاوز هذا الأسلوب،
ولكن المخابرات وجدت أن هناك نقاط ضعف في هذا الأسلوب تتمثل في قدرة
المجاهد على الاستراحة على الكرسي إذا ركز الألم على فخد واحد لفترة
محددة، ومن ثم يرتكز على الفخذ الآخر.. حتى لا يتعب كل الجسم.
وقد ابتكرت
المخابرات أسلوباً أكثر سوءاً منه وذلك باستخدام كرسي صغير، الجلوس عليه
غير مريح بتاتاً.. ارتفاعه 25 سم، وقاعدته، 20*20 سم وله مسند خلفي20*20
سم.. وقاعدة الكرسي مائلة بانحراف إلى الأمام، بحيث أن أي جسم صغير يوضع
عليه يسقط للأمام.. ويجبر المجاهد المقيد بالجلوس عليه، ولان الكرسي..
مائل للأمام فإن جسد المجاهد لا يستطيع أن يثبت عليه، ولذلك يحتاج إلى
قوة لكي يمنع عملية تساقط الجسد من الكرسي ويتكور الجسد على الكرسي
الصغير بشكل مزعج بحيث يتركز ثقل الجسد على نقطتين هما نهاية العمود
الفقري، وعقب القدم مما يؤدي إلى تخشب الظهر وتصلب العمود الفقري
وازدياد الآلام وتخدر الجسم وظهور الصمات بين المحاشم ودمامل في أطراف
الظهر والمقعدة وبين الفخدين والركب وتكبر هذه الدمامل حتى ينزل منها
الدماء والصديد وحتى لا يغفو المجاهد يقوم بعض الجنود الحراس بضرب
المجاهد أو تحريك رأسه بشدة أو ضرب الكرسي بعنف وأحياناً يجبر الجندي
المجاهدين لكي يقوموا ويجلسوا ويفضل المجاهد الذهاب إلى غرفة التحقيق
والتعرض للتعذيب بدل الجلوس على الكرسي.
إن الكرسي وإن اختلفت تصاميمه هو أداة ضغط
وابتزاز وهو وسيلة إنهاك وإضعاف لطاقة تحمل الجسم.. وهو قاعدة يعتمد
عليها مناخ التحقيق لأجل تدمير أسس المقاومة الداخلية لدى المجاهد طوال
فترة وجوده في المسلخ ودفعه لمواجهة جلسات التحقيق وهو منهك الجسد
متعب الأعصاب، ضعيف القوة. إن ضغط الألم الزائد من الجلوس على الكرسي
يدفع المجاهد على المستوى السيكولوجي إلى القبول بخيارات التحقيق هرباً
من الألم.. والقبول بالمعركة الخاسرة والاستسلام.
إن المحقق يعتمد على انهيار المجاهد أمام
ضغط الألم المتصاعد مع الجلوس المستمر على المقعد وهو يراهن على الوقت..
لكي يحضر إليه المجاهد مستسلماً. على المجاهد.. أن يدرك تماماً أن آلام
الجلوس على المقعد.. هي طريقة جديدة يعتمدها المحقق لدفع المجاهد
للاعتراف أو القبول بالهزيمة.. أو الحل الوسط وان إحداث هذه الآلام
المتصاعدة هو أسلوب خطر.. وأن المشكلة ليست بمقابلة المحقق، بل بالثبات،
والصمود، وعدم الاندفاع باتجاه المحقق إلا إذا كان هذا الاندفاع هو نوع
من المناورة لتخفيف الألم.. واكتساب مزيد من الراحة، والوقت، حتى يتمكن
المجاهد من إكمال فترة التحقيق، بدون خسائر..
إن عدم هرب
المجاهد من آلام الجلوس على المقعد، وصبره على تحمل هذا العذاب يدفع
المحقق إلى الخروج من قلعته المختبئ بها.. بانتظار الفريسة.. ويذهب
للمجاهد.. لكي يحاول الضغط عليه نفسياً وتهديده.. والإيحاء له بأنه
سيبقى جالساً على المقعد سنين طويلة.. وذلك لاستفزاز المجاهد.. ودفعه
لليأس ، والقبول بخيار المعركة الخاسرة.. والاعتراف؟؟
لقد جلس اخوة مجاهدون على هذه المقاعد
السيئة أسابيع وشهور طويلة.. تسلحوا بالصبر وأدركوا أنهم في معركة مقدسة
وأن طريقة النصر في هذه المعركة.. هو الصمود؟؟ والتحمل في سبيل الله.
الخامس عشر- أسلوب
الموسيقى الصاخبة :
الأذن هي الأداة
التي تنقل الأصوات، وللأصوات ترددات طويلة، وقصيرة.. والأذن البشرية مصممة
لاستقبال الأصوات العادية عبر السلم الصوتي.. وهناك ترددات صغيرة جداً لا
تسمعها الأذن.. وهناك ترددات عالية جداً لا تستطيع أجهزة الأذن استقبالها.
وفي السلم الصوتي الذي تستطيع الأذن
التقاطه.. هناك أصوات خافتة جداً.. يحتاج الإنسان العادي إلى جهد جهيد من
التركيز حتى يستقبلها ويفهمها وهناك أصوات صاخبة جداً تؤثر على الغشاء
الشفاف لطبلة الأذن فإما أن تخرقها مسببة أوجاعاً شديدة وصديداً ودماء وإما
تتعب هذا الغشاء وتجعله غير قادر على العمل الطبيعي، فيضطر الإنسان لا
شعورياً إلى وضع أصابعه في أذنيه اتقاء لأثر الأصوات الصاخبة كأصوات
الانفجارات وأصوات أبواق السيارات.
إن الأصوات
الصاخبة كلما ازدادت، تضرب مباشرة في الدماغ مشكلة صداعاً شديداً يشل
تفكير الإنسان ويدفعه إلى الإرهاق.. والتعب.
جهاز المخابرات
الصهيوني يضع في قسم التحقيق الصغير، مكبرين للصوت، متصلين بمسجل مفتوح
لمدة أربع وعشرين ساعة، باللغة العبرية، والأجنبية.. وما بين الوصلات
الغنائية الصاخبة هناك أصوات صراخ، وتعذيب، وبكاء، بحيث يتخيل المجاهد
القابع في المقعد.. أن هناك أخاً يعذب تعذيباً شديداً، لذلك يصرخ من
شدة الألم، ويبكي من أهوال التعذيب.
ومن وسائل
الابتزاز التي يستخدمها المحقق، وضع المجاهد الذي يحقق معه تحت مكبر
الصوت لكي يكون الضغط عليه اشد وأقسى.. حتى لا يتيح له الفرصة للراحة،
أو النوم أو التفكير السوي بكيفية التخلص من شرك التحقيق، ولكي يبقى
عقله معطلاً طوال فترة التحقيق بالصداع المستمر.. ومحاولة الخلاص من هذا
الصداع.
السادس عشر- أسلوب
تنقيط الماء على الرأس :
استخدمت
المخابرات الصهيونية أسلوب تنقيط الماء على الرأس، وذلك من خلال وضع
المجاهد في زنزانة صغيرة جداً لا تسمح للمجاهد بالتحرك فيها.. ومن فوق
رأسه صنبور ماء، يتساقط منه الماء قطرة قطرة ومع تساقط القطرات، يزداد
وزن القطرات على الجسم، حتى يشعر المجاهد.. مع إيقاع القطرات المنتظم
والمطرد.. إن وزن القطرة على رأسه أثقل من جبل، وهذا يولد انقباضاً
حاداً في صدر المجاهد.. وإحساساً بالأرق، والإرهاق والإعياء وعلى كل الأحوال
على المجاهد.. أن لا يترك قطرات الماء تتساقط في مكان واحد، وان يحاول أن
يوزعها قدر الإمكان على مناطق متعددة لإفشال الأسلوب.
السابع عشر- أسلوب
الثلاجة والفرن :
الثلاجة والفرن
هما عبارة عن زنزانة صغيرة الحجم متر* متر ونصف، وهي مظلمة، ولا
يوجد بها نور، بحيث لا يستطيع المجاهد فيها رؤية أصابع يده.. ولا يوجد
فيها أي نوع من النوافذ ولها باب صغير ومبطن فقط، يستخدم لإدخال الأسرى
في داخل الزنزانة، وإغلاقه.
في الجهة
العلوية من الزنزانة يوجد "مكيف هواء" في الشتاء القارص يشغل
المكيف فينفخ في داخل الزنزانة تياراً من الهواء البارد يغطي جميع
أرجاء الزنزانة، تنخفض درجة الحرارة جداً بحيث يحسب الإنسان نفسه في
داخل ثلاجة.
وفي الصيف يشغل
المبرد على التدفئة، فيبدأ بتوزيع الهواء الساخن المندفع بسرعة بحيث
يحس المجاهد أنه في فرن.
في الشتاء يتراكم الهواء البارد وببطء
تنخفض درجات الحرارة حتى تصل إلى ما تحت الصفر ونتيجة للانخفاض الشديد
لدرجة الحرارة يبدأ جسد الأسير بالتأثر بهذا الانخفاض الشديد في درجة
الحرارة، فيرتجف الجسم، وتهتز الأطراف، وتصطك الأسنان أو يصعب التنفس،
وتعجز الأقدام على حمل الجسد، ويصعب التحرك، ويحس الأسير بالاختناق،
وبالتجمد، وازدياد نبضات القلب، ويشعر بدنو اجله وفي الصيف يتراكم
الهواء الساخن، وبسرعة ترتفع درجة الحرارة فوق الخمسين، ونتيجة للارتفاع
الشديد في درجات الحرارة، يبدأ الجسم ينفض منه العرق، ويصعب التنفس،
ويضيق الصدر ويحس الأسير بالاختناق، والاحتراق.
عندما يعتقل
المجاهد.. ويرفض التجاوب مع المحققين، يستخدم المحقق أسلوب الثلاجة
والفرن لإخضاعه، وكسر إرادته، فيصرخ المحقق بالجندي خذ هذا المخرب.. ضعه
في الثلاجة شهرين.. فيدخل المجاهد في الثلاجة، فيجدها باردة جداً وينفخ
في داخلها تيار من الهواء البارد ويسمع في داخلها صوت موتور الثلاجة،
وعندها يمعن بصره، ويحملق في كل زوايا الثلاجة، ولا يرى إلا الظلام
الدامس، ظلام الثلاجة.
إن إحساس الإنسان
في داخل الثلاجة المغلقة يساوي إحساس الإنسان أنه في قبر حقيقي.. وسواء
كان المجاهد في الثلاجة أو في الفرن.. فإن المحقق بعد مرور وقت مدروس
بالنسبة له سيفتح كوة صغيرة جداً، لكي يدخل عبر الحيل النفسية للإيحاء
للمجاهد أنه أمام خيار التجميد، أو الاحتراق، أو أن يعترف وينقذ نفسه.. فإذا
وجد المجاهد، خائفاً ضعيفاً يزيد الضغط النفسي عليه ليدفعه للاعتراف.. أما
إذا وجده صلباً، قوياً فإنه يخرجه من الثلاجة أو الفرن.
إن الخوف من
التجميد، أو الاحتراق هو خوف غريزي، ولكن الاحتراق أو التجميد هنا ما
هي إلا وسائل ابتزاز للحصول على المعلومات..
والعلاج أن
المجاهد.. عندما يدخل الثلاجة عليه أن يبتعد عن اتجاه الهواء البارد،
وعليه أن يلعب حركات رياضية، وأن يمارس الجري الموضعي، لكي يكتسب
مزيداً من الطاقة تحميه من البرد.. وعليه أن يحذر من أن يكتشف ذلك
السجان وفي حالة الفرن عليه أن يبتعد عن مصدر تيار الهواء الساخن، وأن
يقبع في زاوية بعيدة عنه، يسبح الله، ويطلب منه الثبات.
الثامن عشر- أسلوب
التعامل :
في ظروف التحقيق
الصعبة، وتحت وطأة التعذيب الشديد، والإرهاق النفسي والجسدي، يحاول
المجاهد أن يجد مخرجاً من هذا الجحيم، الشيطان يسول له أن اعترف ولكن
ضميره يصرخ لا وألف لا ورغم كل ذلك يبحث عن الخلاص وإذا وجد المحقق أن
أساليبه قد فشلت، يبحث عن بدائل، وكمائن جديدة، ينصبها للمجاهد لكي
يفلت منه زلة لسان، أو طرف خيط تؤدي إلى حل لغز القضية، والمحقق يدرك
أن ظروف التحقيق تدفع المجاهد للبحث عن حبل نجاة لذلك يحاول أن يتلون من
جديد، وأن يقدم فخاً جديداً داخل طُعم حبل نجاة جديد.. وهو التعامل.
يجلس ضابط
المخابرات مع المجاهد، ويقول له : نريد أن نتحدث بصراحة أنا معجب
بصمودك، ورجولتك.. وأتمنى أن يكون الجيل اليهودي الجديد مثلك، وان يقتدوا
بك كرمز صلب.. ولكن صلابتك وعدم اعترافك لن يخرجك من السجن، ستوقف
إدارياً لعشرات السنين، حتى لو لم تعترف.. والمخابرات لا يوجد عندها
صعوبة في تلفيق عدة تهم خطيرة لك، وتحاكم عليها مدى الحياة،
والمخابرات هي الدولة، وهي الحكومة ولكن عندي رأي سأقدمه لك، وأنت حر،
لست مجبراً، المهم فكر فيه بعقلك جيداً، وعندما تصل إلى قرار بلغني..
والرأي هو.. أننا على استعداد أن نطلق سراحك غداً مقابل موقف منك.. أن
تتعامل معنا نحن نضحي معك بكل شيء.. وأنت عليك أن تضحي معنا بشيء صغير..
إذا شاهدت..مظاهرات أو إضرابات ..أعمال شغب فقط بلغنا عنها.. فكر في هذا
الموضوع.. ولا أريد منك رداً الآن.. مع السلامة، ويصرخ المحقق على الجندي
لكي ينزل المجاهد للزنزانة حتى يستريح.
ينزل المجاهد إلى
الزنزانة، وهناك تتزاحم في رأسه الأفكار.. لقد صمدت، ولم اعترف هل يمكن أن أوقف إدارياً عشرات
السنين، وهل ممكن أن يلفقوا لي قضية خطيرة، وأحكم مدى الحياة هل أعيش
هذه الفترة الطويلة من دون أن اعترف مستحيل.. ولو عشتها بماذا سأخدم
الإسلام والوطن في السجن سأكون مشلولاً ولن أخدم لاديني ولا وطني، هل
أقبل فكرة التعامل، مستحيل.. مستحيل.. إذا والمخرج مدى الحياة مستحيل..
تعامل، مستحيل وهنا تتوارد الأفكار في هذا الجو القاتل وتبرز فكرة الخلاص
من دون مدى الحياة ومن دون التعامل أوافق على التعامل كحيلة مرحلية،
وعندما أخرج اضحك عليهم.. وستحاول النفس تأكيد هذه الوسوسات.. عندما
أخرج.. أعيش مطارداً.. اقتل منهم كل يوم واحداً وأجعلهم يدفعون الثمن
غالياً، وأخدم قضيتي.
إن فكرة التحايل على المخابرات وقبول
التعامل، فكرة قد تقبلها بعض النفسيات في ظروف التحقيق الصعبة، ولكنها
فكرة الشيطان (إن الشيطان لكم عدوٌ فاتخذوه عدواً، إنما يدعو حزبه ليكونوا
من أصحاب السعير).
إن رفض المجاهد
لكل أضغاث الأحلام، ولكل وسوسة تأتيه من الشيطان، رفضه لفكرة التعامل
تعني فشل هذا الأسلوب ولكن إذا ترددت نفسه وحاول إقناع ذاته بالخروج
للعمل والجهاد، وسحق المحتلين، ووافق على الفكرة فهذا يعني اهتزازاً
داخلياً قد أصابه ونجح الشيطان في
الإيقاع به عندما يجد المحقق أن المجاهد قد وافق على فكرة التعامل، يُسر
بذلك ويشعر أن حيلته انطلت على المجاهد، وإن شباكه ستخرج مليئة هذه
المرة لذلك سيقول للمجاهد ممتاز جداً لقد أحسنت الخيار، وأنقذت نفسك وأنا
موافق فقط أنا لا املك قراراً سوف أعرض ذلك على اللجنة، وأنا سأويد
الفكرة وخلال يوم أو يومين، سأبلغك القرار ويترك المجاهد طوال هذين
اليومين يعيش في دوامة الحلم، والخيبة، وبعد يومين، يقول المحقق للمجاهد
مبروك لقد وافقوا.. جهز؟؟ نفسك إفراج فقط طلبوا شرطاً صغيراً جداً أن
تُبدي حسن نية، حتى يثقوا بك هنا يظهر التردد والقلق، والتراجع على
المجاهد ولكن قبل أن يتفوه بكلمة يعاجله المحقق ما بك هم لا يطلبون شيئاً
كبيراً.. أي شيء تافه، أي شيء هامشي.. لا يؤثر عليك.. وأنا سوف أباشر بعمل
إجراءات الإفراج، وغداً الساعة الحادية عشر صباحاً، ستشاهد الشمس،
وتستنشق نسيم الحرية.. عليك فقط أن تقدم أي شيء صغير، ولا تفكر فيه..
انزل الآن وبعد ساعتين سأغادر وأريد أن اقدم لهم أي شيء صغير قبل أن
أغادر.. وسألقاك بعد45 يوم، جيد.
يقول العميل محمد
عبد الحي.. اعتقلت في بداية السبعينات.. وكنت مناضلاً متميزاً بشهادة
العدو، والصديق وساومني ضابط المخابرات على التعامل والخروج بعد تردد كبير
وافقت، وقلت اخدعهم.. طلبوا مني إبداء حسن نية، اعترفت على مناضل كنت
قد جندته، ولم اعترف عليه خلال فترة التحقيق، وفي ساعة متأخرة من
الليل أخذوني بسيارة عسكرية إلى منزل المناضل ولم يعصبوا عينيه، حاولت أن
أخفي وجهي حتى لا يعرفني، ولكنهم أجبروني على الوقوف المباشر.. وما إن
خرج المناضل مع الجنود من الباب.. حتى شاهدني أمامه.. ولا يوجد أحد يعرف
انه مناضل سواي هنا صرخ المناضل، وقال عملتها!!؟ولم أدري بعدها ماذا
حدث.. كل ما اذكره أن مجموعة رشاشات فُتحت، ومزق الرصاص جسد المناضل،
وتُرك مضرجاً بدمائه على الأرض، وعادت بنا السيارات إلى المعتقل وضميري
يصرخ قتلته.. قتلته.. أنت خائن.. أنت خائن.. وبالفعل بعدها أصبحت عميلاً .
أصبحت مربوطاً
بهم.. لقد ورطوني.. وتحولت تحت ضغط تهديدهم إلى أداة طيعة في يدهم..
كلفوني أن اخترق الجهاز العسكري في التنظيم، وأن اقدم معلومات عن
المطاردين، والقيادة ومركز القيادة، وملاجئ المطاردين.. تحت ستار سمعتي
الجيدة، والماضي الجيد الذي أحمله خرجت من المعتقل، وحملت السلاح مع
المطاردين منذ أول يوم.. وخشيت أن أروي قصتي لاخوتي.. قدمت معلومات عن
ملاجئ المطاردين.. وبعد أيام سمعت عن استشهاد قائد المنطقة، وبعده استشهدت
مجموعة من المجاهدين.. بدأ الاخوة يبدون عدم ارتياح وعدم ثقة بي، وفي
أحد الأيام أخذ الاخوة مني سلاحي وحقق معي.. بعد يومين.. قررت الاعتراف فاعترفت عن قصتي كاملة..
وأن ملجأ هؤلاء الاخوة كان الهدف القادم للمخابرات.
في مكان ما في
أحد مخيمات اللاجئين حُفرت حفرة، ووضع العميل بها حياً، وهناك تم إعدامه،
وهذه نهاية كل من يفكر أن ينقذ نفسه تحت مبرر حيلة مرحلية للتخلص من
التحقيق، والخروج من براثن اليهود.
إن أسلوب التعامل،
أسلوب قذر، والتفكير به كحيلة لخداع المحققين هو نزغ من الشيطان للإنسان
الغريزي.. الذي يحمل في داخله قابلية للانهيار، والسقوط، أما إنسان الفكرة
الذي يحمل في داخله مقومات عقائدية فإنه مؤهل للصبر والصمود.
التاسع عشر- أسلوب
الإفراج :
وهو حيلة ابتزاز
يمارسها المحقق مع المجاهد بعد انقضاء فترة أسابيع أو أكثر على المجاهد
في أقبية التحقيق.. من خلال إيهامه بأنهم سيطلقون سراحه بدون مقابل سوى
وعد منه أن يترك هذه الطريق، وأن يعيش حياته الطبيعية مع الناس، وأن
لا يمس أمن الكيان الصهيوني بضرر بعد أن يخرج من المعتقل، لأجل إهاجة
مشاعر الشوق وأحاسيس الحنين في داخله لأهله، ولذويه وللدنيا، وللحرية
وللسعادة والخروج من ظلمات السجن، مقدمة لإحياء ذاته، وعواطفه الشخصية
إحياء الأنا بداخله، وتضخيمها، لتصبح مركز استقطاب، واهتمام أفكار وعقل
المجاهد لإحياء إنسان الغريزة الذي يفكر بنفسه، وبمصالحه، وينفصل عن
الموضوع والفكرة، والقضية والصراع، والتحدي، لأجل غرس ضعف مصطنع بداخله
والحصول على معلومات إضافية منه خلال تهييج هذا الضعف ومن خلال
المساومة، والابتزاز. فالمحقق الذي يشرف على قضية المجاهد، يبلغه، بأن
هناك خبيراً قادماً من تل أبيب خصيصاً له، وأنه يمكن أن يساعده فعليه أن
يكون صادقاً معه.. بعد دقائق معدودة يدخل محقق جديد وشكله وسماته توحي
بأنه خبير ويبدأ الخبير بسؤال المجاهد عن صحته، عن حياته الشخصية، عن
اخوته وعددهم وأسمائهم وزوجته وأبنائه، ووظيفته ودخله المادي، ووضع أهله
وعائلته بعد اعتقاله، من يصرف عليهم من يساعدهم، بعد الدردشة المقصودة،
يقول الخبير "نحن قررنا إطلاق سراحك..! ممتاز؟" ويمد يده إلى
جيبه، ويخرج بعض الأوراق النقدية تأكيداً على جديته، ويسأل المجاهد.. هل
أنت نادم على هذه الغلطة فان أجاب نعم.. يضيف الخبير.. وهو ينظر إلى
الساعة، الآن لا يوجد وقت لإطلاق سراحك.. ولكن غداً صباحاً سيفرجون عنك..
ولكن هل تعدني أنك لن تعيد هذا الخطأ..؟ نعم" ماذا ستعمل عندما
تخرج؟سأكمل دراستي.. سأعيل عائلتي.. إذن اهتم بدراستك ومستقبلك، اهتم
بعائلتك ولا تلتفت لمن يريد توريطك ويخرج تاركاً المجاهد في غيبوبة من
الأفكار.. أحقاً سأخرج.. وأنا يوجد علي اعتراف.. أحقاً سأخرج بدون مقابل..
وما بين الغيبوبة، وأحلام اليقظة.. والسراب الذي يحسبه طريق الإخراج يدخل
المحقق ويقول: "أترى كيف أن حكومة إسرائيل عادلة، أنت مسكين، ووقعت
ضحية، ولأنك مسكين فإن الله يرى حالتك، وحالة أولادك.. وحالة أمك، وحالة
اهلك.. لكن سنفرج عنك غداً.. وهناك بعض المسائل أنت أخفيتها عنا، وهي الآن
لا تضرك بشيء لان قرار إفراجك جاهز، وأرسلناه إلى إدارة السجن حتى يفرجوا
عنك صباحاً" ، ويظل يراوغ في هذه الدوائر..
فإذا خدع المجاهد بهذه الحيلة فإنه يعترف بأي شيء، يضاف إلى معلومات
المخابرات لضرب هذا المجاهد أولاً، ولضرب حركته وقضيته، فإن أصر المجاهد
على نفي أي علاقة تنظيمية له وأنه مواطن عادي لا علاقة له (بالمشاكل).
فان المحقق
يتظاهر بالغضب، ويقول بلهجة متوترة نحن نحب أن نساعدك، لكن أنت لا تحب
الخير لنفسك، بإمكانك أن تبقى طول عمرك في السجن.. ولن تخرج منه إلا إلى
القبر لينفعك أصحابك.. يا بطل!!" ويخرج من الغرفة، وهو مدرك أن أسلوبهم
فشل، ولم يحصلوا على أي شيء.
العشرون- أسلوب
التجويع والتعطيش :
وهو أسلوب ضغط
وابتزاز، ومساومة يقوم على الإرهاق العصبي للمجاهد، ودفعه للانهيار ويكون
مصحوباً بحملات ضغط نفسي، وإيحاء مستمر بأن التعذيب أبدي، وأن الاعتراف
حتمي.
حاجة الجسم للأكل
حاجة عضوية، وعندما يحرم الإنسان أو المجاهد، من الأكل، تحت أسلوب
التجويع، فإنه يحس بأن هناك جفافاً في الحلق، وتنبعث رائحة كريهة في
الفم، ويصاب بالدوار والدوخة بعد اليوم الثاني، ولا يستطيع النوم، ولا
يقدر أن يقف على قدميه خمسة دقائق بشكل مستمر ومتواصل بعد عدة أيام،
وينتابه شعور بثقل الرأس، وهبوط في قواه، واصفرار في وجهه، وضمور في
بطنه وارتخاء في عضلاته، وشعور بالإرهاق العصبي.
يستغل المحقق
أسلوب التجويع كأسلوب غير مباشر، حيث يكلف الجندي الحارس عندما يوزع
وجبات الأكل صباحاً وظهراً ومساءً حرم هذا المجاهد من تناول الطعام لعدة
أيام متواصلة، لكي يزيد توتره، وإرهاقه العصبي الأمر الذي يؤثر ميكانيكياً
على نفسيته، لكسر إرادته، وتحطيم صموده، والقضاء على صبره، وتحمله،
وتفتيت عضده، وشل تفكيره، ودفعه للاعتراف كمخرج وحيد.
ورغم ما يسببه
الحرمان من الأكل من تعب وإرهاق للأعصاب، وآلام للمجاهد، وخاصة عندما
توزع وجبات الأكل كل يوم، وتفوح خلالها رائحة الأكل، إلا أن الحقيقة التي
يجب ألا يغفل عنها المجاهد، وهي أن المعتقلين، قد خاضوا تجربة الإضرابات
عن الطعام لعدة أسابيع، ولم نسمع، أن الإضراب عن الأكل، أو الحرمان من
الطعام يؤدي للموت إن الإنسان معجزة، وعنده قدرة هائلة وعظيمة على
الصبر، والتحمل، خاصة إذا كان مسلماً بعقيدة مؤمنا بقضية وهدف تزوده في
ساعات المحن بشحنات روحية، يسمو بها فوق التحقيق والحقيقة الثانية، أن
المحقق عندما يستخدم أسلوب التجويع، فإنه لا يستخدمه، من أجل قتل المجاهد
إنه يستخدمه كأسلوب ضغط، كأسلوب ابتزاز لأجل أن يعترف، ويوحي له أنه سيبقى
بدون طعام حتى يموت ( فاصبر كما شئت في النهاية ستعترف، واعترافك
حتمي.. وأفضل أن تعترف اليوم من أن تعترف غداً.. ولن يفيدك صمودك..!) .
على المجاهد أن
يتذكر دوماً أن أسلوب التجويع أو الحرمان من الماء والمنع من قضاء
الحاجة، ليس منفصلاً في معركة التحقيق عن الأساليب الأخرى.. انه مرتبط
بها. فكما صمد المجاهد، وأفشل أساليب المخابرات، كلما ضغطوا عليه في
جانب الحرمان من الطعام والماء وقضاء الحاجة لكي يصل المجاهد إلى حالة
من الإنهاك والضعف لا تؤهله لمواجهة أساليب المخابرات بقوته وطاقته
العادية والطبيعية هذا من جانب ومن جانب آخر فإن المحقق يلجأ لهذا
الأسلوب حتى يضعف المجاهد، ويطلب الطعام والماء، وقضاء الحاجة، لكي
تبدأ هنا المساومة، إنهم على استعداد أن يقدموا له الأكل والماء وكل ما
يريد المهم أن يقدم لهم وعداً بأنه سيعترف، لأن هذا أول طريق السقوط، وأول
خطوات الاعتراف.. فهل يمكن أن يبيع المجاهد قضيته، ويغدر باخوته وحركته
من أجل ثمن بخس، كسرة خبز، قطرة ماء..؟!
إن الواجب الشرعي
على المجاهد أن يواجه كل الضغوط التي تمارس عليه من قبل المحقق أو
من آثار أساليبه في معركة التحقيق، بتحمل وصلابة، وقوة، وثقة بالله،
وتوكل عليه لأن أسلحته هذه هي التي تفشل أسلوب المحقق وتجعله، يغير جلده
من جديد، ويبحث له عن أسلوب آخر أكثر جدوى رغم أن أسلوب الحرمان من
الطعام والماء وعدم قضاء الحاجة يقصد منه خلق حالة من الشعور بالإرهاق
والتدهور النفسي والجسدي إلا أن المحقق رغم تظاهره بعدم الاهتمام لسوء
الحالة الصحية للمجاهد، وتجاهله بحرمان المجاهد من الأكل، والماء وعدم
قضاء الحاجة.. إلا أنه يراقب الوضع الصحي للمجاهد من بعيد من خلال جلاد آخر
في ملابس الممرضين، يحاول أن يعرف كل يوم أين وصلت درجة حرارة وضغط
المجاهد.
فإن وصلت درجة
الحرارة والضغط إلى المرحلة الخطرة.. يضطر المحقق إلى تقديم الحليب
والغذاء للمجاهد.. إذاً المحقق يريد أن يوصل المجاهد عبر صراع الإرادات إلى
الخضوع قبل أن يصل إلى هذا المستوى الصحي السيء والمجاهد قادر أن يصل إلى
هذه الحالة الصحية المتردية ولا يعترف فأيهما يكون عنده أكثر قدرة على
الصبر، والصمود والتحدي هو الذي ينتصر في نهاية المطاف.
إن المحقق عندما
يقدم الحليب والماء والطعام للمجاهد، لا يقدمه حباً به، وحرصاً عليه،
بل يقدمه لكي لا يسقط بين يديه شهيداً فيكون فاشلاً من خلال جريمة
القتل، ويكون فاشلاً بعدم حصوله على اعتراف المجاهد، والحصول على
معلومات منه، وإذا أصر المجاهد بعد هذه الجولة على عدم تناول الحليب
والطعام والماء.. سيحاول المحقق إطعامه بالقوة، حتى لو اضطر المحقق أن
يوقف التحقيق لأيام مع المجاهد حتى لو اضطر أن يقدم له تسهيلات.
وعلى المجاهد في
وسط هذه المعركة أن يتذكر دوماً.. وهو يقاسي الجوع والعطش والإرهاق..
ماذا ستكون النتيجة ؟ القتل ؟ ما هي نهاية رحلته النضالية ؟ الشهادة ؟
إن القتل في
سبيل الله خير من الحياة في معصيته، وأن أقدم شهادة لقضيتي بصمودي،
وصلابتي، وإرادتي، وتحمل للألم، والعذاب والقهر، والجوع والعطش.. خير من أن
أقدم شهادة ضد القضية، بانهياري، وخضوعي واعترافي.. وليكن "شعاره
ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون
موطئاً يغيظ الكفار، ولا ينالون من عدو نيلا.. إلا كتب لهم به عمل
صالح، إن الله لا يضيع اجر المحسنين".
الواحد والعشرون-
أسلوب إطلاق النار :
يعتمد هذا
الأسلوب على وضع المجاهد أمام معادلة لها طرفان القتل والإعدام فوراً أو
الاعتراف ويقوم المحقق بوضع المعتقل أمام خيار الموت، وإيهامه بنهايته،
واقتراب أجله، فإذا راوغ المعتقل، أو المجاهد، يتم ميدانياً صلبه على
جدار وإطلاق النار عليه بواسطة رام "ماهر".
يقول المناضل عبد الرحمن.. كنت مطارداً
ومطلوباً لجهاز المخابرات الصهيوني وفي أحد الأيام تم محاصرة المنطقة التي
كنت متواجداً فيها.. تركت سلاحي، وارتديت ملابس نسائية تقليدية وخرجت مع
بعض النساء لكي أهرب من دائرة الحصار تشكك الجنود من سيرنا، فأوقفونا،
واكتُشفت فاعتقلت ونُقلت فوراً إلى معسكر الجيش طلب مني المحقق فوراً أن
أعترف عن المنازل التي بها ملاجئ للفدائيين، قلت لا أعرف خيرني بين
الإعدام فوراً وبين الاعتراف، وأخرج مسدسه ووضع طلقة في بيت النار.. قلت
لا اعرف.. سحبوني بسرعة بجوار السور، ويداي مرفوعتان لأعلى، وبدأ بإطلاق
النار.. كان الرصاص يتطاير بجانب رأسي، ومن حولي.. شعرت بالموت، وأحسست أن
حياتي انتهت فأصبت بالانهيار وسقطت على الأرض مودعاً الدنيا.. بعد لحظات
أفقت على نفسي ولم أصدق أني مازلت على قيد الحياة كانت حياتي أعز عليهم
مني.. ولكني شاهدت الموت وعدت للحياة من جديد.. ولم اعترف على الأحياء..
ويقول أسعد عبد الرحمن في كتابه أوراق سجين: وفجأة سمعت من ينادي
الرقم219، حين جاء صوت الرقم: نعم.. سمعت صلية نارية، وصراخاً هز
كياني.. قتلوه إذن، وبهذه البساطة!!.. إنه شكل آخر من أشكال إطلاق النار،
بحيث تقوم المخابرات الصهيونية بوضع عميل مدرب في زنزانة، أو مكان
إطلاق النار، بحيث عندما يتم إطلاق النار يبدأ بالصراخ ويمثل دور
المقتول بصراخه العالي، وحشرجة صوته، وهذا للإيحاء للمجاهد في ظروف
التحقيق أن القتل حقيقة، وان الإعدام يمكن أن يستخدم، والاعتراف هو
المخرج قبل فوات الأوان.. وبعد انتهاء مسرحية الموت المزعوم، يأتي فريق
القتلة لضابط المخابرات المحقق، ويبلغونه بأنه مات.. ويسألونه إن كان عنده
واحد آخر.. وأنهم جاهزون لقتل الجميع.. في هذا الجو المثير يعمل المحقق
لابتزاز المجاهد.. أو يستريح منه ويسلمه لفريق التصفية وأحياناً يتم
ممارسة هذا الأسلوب بطريقة أخرى، حينما يصر المجاهد على الإنكار ورفض
الاعتراف يبلغ بأنه سيتم إعدامه ويرسل كتاب الإعدام إلى الجهات المختصة،
ويُلبس ملابس الإعدام، ويوضع في زنزانة الإعدام لانتظار مصيره.. حيث يوقظ
في ساعات الليل المتأخرة، ويؤخذ بسيارات عسكرية إلى جهة مجهولة، فيجد
قبراً محفوراً جاهزاً، يزيحو عن عينيه العصابة، لكي يشاهد القبر
المحفور، والقبور التي لم يمض عليها سوى أيام، ويقولون له هذا قبرك..
وهذا مصيرك.. وهذه قبور الذين سبقوك فاختر مصيرك بنفسك تعترف أم تموت،
فإن أنكر، ينتهي الجو الجنائزي، ويوضع في القبر، وتجهز الرشاشات ويبدأ
إطلاق النار للإرهاب مع صوت صارخ : "اعترف اعترف" فإن أصر يُخرج
من القبر مع الضرب والركل، ويعاد لأقبية التحقيق بعد أن يكون أسلوب
القتل، وإطلاق النار قد فشل.. على المجاهد أن يتيقن أن لحظة الموت لا
تحتاج إلى صبر، ولا تحتاج إلى شجاعة.. إنما الذي يحتاج إلى صبر، وإلى
الشجاعة، هي لحظات ما قبل الموت، وأسلوب إطلاق النار هو لحظات ما قبل الموت..
فليكن شعار المجاهد، (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله) كتاباً
مؤجلا.. لا تقدمه المخابرات ولا تستأخره.
الثاني والعشرون-
أسلوب جهاز كشف الكذب :
تعمد المخابرات
الصهيونية إلى الإيحاء للمجاهدين بأنها تملك القدرة على معرفة تفكير الإنسان،
ومعرفة الصدق من الكذب في الحديث.. وان الكذب لا يمرر عليهم، وأنهم
يملكون جهازاً يكشف الكذب، وأن هذا جهاز حديث، ومتطور جداً، بحيث أنه
يميز نقاط الكذب في حديث أي شخص، وهم يهددون كل من يتعرض للتحقيق
بأنهم سيعرضونه على جهاز إذا أصر على الإنكار، وإنه في حالة إذا ما أثبت
الجهاز أنه يكذب، فسيضطر للاعتراف وسيتعرض للعقاب.
وجهاز كشف الكذب
هو جهاز "البوليغراف" وهو يُستخدم كأي جهاز طبي في قياس
الخصائص الفيزيائية مثل ضغط الدم، الحرارة، دقات القلب، نبرات الصوت،
ارتفاعها وانخفاضها، سرعتها، وبطئها.. وقياس التنفس... وآلية عمله تقوم
على تسجيل التغيرات التي تحدث للمجاهد على مستوى النبض، والحرارة
ونبرات الصوت والتنفس خلال أسئلة الفاحص أو الخبير للمجاهد.. حيث أن
التغييرات التي تزيد عن المعدل الطبيعي، تعطي مؤشراً بأن ردود فعل
المجاهد الداخلية قد تغيرت تحت تأثير الأسئلة الخارجية التي تتعلق
بمسائل العمل العسكري، أو التنظيمي أو غيره.
بعد تهيئة
المجاهد نفسياً للجهاز، يوجه الخبير توجيهاته للمجاهد.. لكي يجلس هادئاً،
مستقراً، وعليه أن يجيب بنعم أو لا على أسئلة الخبير، ومن ثم يقوم
بتوصيل خيوط وأسلاك الجهاز في أيدي وجسم المجاهد.. ويبدأ بطرح أسئلة بسيطة
وأسئلة اجتماعية مثل كم كرسي بالغرفة.. الخ ومن ثم أسئلة عن النشاطات
الفكرية والسياسية أو الحركية، والعسكرية، مثل هل أنت متزوج؟ هل شاركت
بعمل عسكري؟هل يسرك خبر مقتل إسرائيلي؟ هل أنت عضو في الحركة؟ هل
أنت سعيد بعملك في الحركة؟.
إن طبيعة هذه
الأسئلة البسيطة، والمتداخلة، وطبيعة الردود التي تأتي لتحدد لنا أن
إفشال عمل هذا الجهاز البسيط سهل جداً.. رغم أن النتيجة عند الخبير
دائماً هي واحدة سواء صدق المجاهد أم كذب.. وهي أنه كاذب..
إن إفشال عمل هذا
الجهاز يرتبط بترديد، لا اله إلا الله في السر.. ونعم أو لا في العلن..
فلا إله إلا الله تعطي تردداً ثابتاً ومنتظماً، ومستقراً، ومن هنا فهي
تمتص جميع ردود الفعل اللاشعورية، وتضبطها في إيقاع منتظم، يظهر على
شاشة الجهاز بحركة منتظمة لا يوجد فيها انعطافات حادة..
فعندما يسأل
المجاهد هل أنت منظم لا يخرج الجواب بصورة انفعالية حادة لا، كرد فعل
شعوري لنفي المسألة، وتأكيداً للتملص.. بل يجيب المجاهد بصورة طبيعية
وهادئة وإيقاع واحد.. وترنيمة منسجمة، وجرس متوازن.. لا اله إلا الله (في
نفسه).. لا بصوت طبيعي عادي.. هل تعيش مع أسرتك نعم.
وعندما يُفشل
المجاهد عمل الجهاز من ناحية النتائج، فإنه يشعر بالانتصار.. ومجموع
الانتصارات الجزئية على مستوى الأساليب تشكل بالمحصلة النهائية الانتصار
الكبير في نهاية التحقيق، والإفراج، لمواصلة رحلة الجهاد.
إن أي أسلوب من أساليب المخابرات الصهيونية
مرتبط نجاحه بالتأثير النفسي والإيحاء لأنهما يعطيان عمقاً وبعداً
للأسلوب.. أما الجهاز نفسه فهو غير مؤثر، وان الاستقرار النفسي وقوة
شخصية المجاهد هما عدته لإفشال أي أسلوب سواء كان بسيطاً أو معقداً.. إن
أسلوب جهاز كشف الكذب، تمارسه المخابرات الصهيونية على اغلب المعتقلين
السياسيين في الأرض المحتلة، وهو أشبه بالروتين العادي الذي لا يؤثر بالسلب
أو الإيجاب على مسيرة صمود المجاهد وتحديه لهم..
الثالث والعشرون - أسلوب تنوع الأساليب وتعدد المحققين :
وهو استخدام عدة
أساليب متنوعة مع تعدد المحققين ضد حالة ما، في فترة زمنية واحدة
لإحداث مزيد من الآلام، والإرهاق التي تفوق طاقة المجاهد لدفعه مرغماً على
الاعتراف.
ويستخدم تنوع
الأساليب وتعدد المحققين في القضايا الخطيرة، وقضايا الأسلحة، ومع
المجاهدين الذين يشكلون مفتاح الجهاز العسكري، ومركز تخزين الأسلحة،
وتنفيذ العمليات ضد العدو الصهيوني ففي الحالات البسيطة، يكفي المخابرات
أن تستخدم أسلوباً واحداً.. وفي القضايا المتوسطة الخطورة تستخدم أسلوباً
أو أسلوبين، أما القضايا الخطيرة، والأشخاص المهمون الذين يشكلون أعمدة
العمل الأساسية، فيستخدم معهم عدة أساليب في فترة واحدة ومتواصلة بحيث
يشارك فيه على مدار 24ساعة من ثلاثة إلى أربعة محققين.. ويتناوب هؤلاء مع
آخرين لعدم فتح فرصة للمجاهد ليلتقط أنفاسه، أو ليأخذ قسطاً من الراحة.
كأن يستخدمون مع
المجاهد أسلوب الكيس والشبح، والوقوف، والسهر، والتجويع، والتضخيم، وإحضار
الأهل ووجود الشاهد، والتعذيب الجسدي.. والتهديد بالإبعاد لتشكل مجموعة
هذه الأساليب أداة ضغط وابتزاز وأداة إنهاك لقدرة تحمل المجاهد الداخلية،
بحيث يعجز عن مواجهة الأخطار الخارجية القادمة من العدو فيستسلم، ويصبح
إيقاع المعاناة أكبر من حجم مقومات الثبات الداخلية، فينهار المجاهد..
وهذا ضمن الحسابات المادية والوضعية..
إن الكيس مؤذ،
والشبح مؤلم، والوقوف متعب، والسهر مضن، والجوع كافر، والتضخيم مزعج،
وإحضار الأهل محطم للأعصاب، ووجود الشاهد مرهق، والتعذيب الجسدي فتاك،
إذاً فالإيذاء والألم، والتعب، والضنى، والإزعاج، والإرهاق.. كل هذه الآلام
تحاول أن تغرسها في قلب المجاهد لكي تثمر في جولات التحقيق عن اعتراف
هذا المجاهد.. وانهياره.. إنهم يضغطون بكل قواهم يضغطون بشكل متواصل
يضغطون على الجسد لكي يُنهك، ولا يبقى عنده قدرة على التحمل، يضغطون
على الأعصاب لكي تنهار ولا يبقى عندها قدرة على الفاعلية، يضغطون على
النفسية لكي تستسلم للأمر الواقع يضغطون على العقل لكي يُشل، ويتوقف عن
التفكير يضغطون على الغرائز لكي تثور، وتبحث عن البقاء، والخلاص
والاعتراف.
والمجاهد الذي
قدره أن يدخل هذه المعركة عليه أن يكون مؤهلاً لها على المستوى النفسي،
والعصبي والعقلي عليه أن يكون مؤهلاً لها على المستوى العقائدي، والوعي..
ومتانة التنظيم.. عليه أن يكون مؤهلاً لها على مستوى مقومات القوة
والثبات، وقدرات التحدي والمواجهة..
الرابع والعشرون -
أسلوب التهديد بالإبعاد :
يستخدم أسلوب
التهديد بالإبعاد عند المخابرات الصهيونية مع نفر قليل من المناضلين
والمجاهدين الذين يشكلون، بوعيهم، وإيمانهم، وإخلاصهم، وجهادهم خطراً
شديداً على الاحتلال ولا يرجى منهم أمل بالاعتراف، أو المساومة، أو الصمت،
فتلجأ أجهزة الأمن لاتخاذ قرار الإبعاد القسري بحقهم، وقبل أن تأخذ
الإجراءات الرسمية دورها، تقوم المخابرات الصهيونية باستخدام هذا الأسلوب،
كأداة ابتزاز، قبل أن يصبح قرار الإبعاد قراراً علنياً عساها تجد ضالتها
بطرف خيط.. ولكن من المؤكد أن المخابرات الصهيونية لم تفلح مع هؤلاء
حتى الآن.. ولكن رغم فشلها معهم، نتيجة لصمودهم، إلا أنها ما زالت
تستخدم هذا الأسلوب مع المناضلين المهمين، خاصة ممن لهم أبناء.. فهم
يستغلون عاطفة الأبوة نحو الأبناء، ويهددون (إن لم تعترف، فنحن لن نجبرك..
ولكننا سنعالجك علاجاً نهائياً.. سنحرمك من أبنائك.. لكي يموتوا جوعاً
ويتسولوا في الطرقات، فنكون قد ارتحنا منك وانتقمنا من أبنائك.. إننا
سنرحلك إلى جنوب لبنان ولن ترى أمك، ولا أبوك ولا اخوتك.. سنضع أسماء أهلك
جميعهم على الجسر ونمنعهم من السفر، حتى لا تراهم طوال عمرك، وتقتلك
الغربة.
إن فشل المحقق مع المجاهد في كل أساليبه،
سيجعل هذا الأسلوب الهش، أسلوباً فاشلاً.
على المجاهد
الذي عنده أطفال صغار أن يدرك أن هذا الأسلوب، لا تستخدمه المخابرات إلا
معه، ومن يكون على مثاله.. وأن هذا الأسلوب، هو أسلوب تهديد، أكثر منه
أسلوب تنفيذ، هو أسلوب ضغط وابتزاز، وأنه كمجاهد يوكل أمره إلى الله.. ولا
يخشى من الطغيان فهو يعلم أن الأمة لو اجتمعت (على أن يضروك بشيء لن
يضروك إلا بشيء قد كتبه الله لك)..
انه إنسان متحرر
طالما رسخت في قلبه، أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين.. رزقكم في
السماء.. وما توعدون، وقدوته خيرة الصحابة عندما سألته ابنته ماذا تركت
لأولادك قال: تركت لهم الله ورسوله.
الخامس والعشرون - أسلوب
استغلال الجروح والأمراض والإصابات :
تسعى المخابرات
الصهيونية في أقسام التحقيق في الحصول على اعترافات من المجاهدين، عن
طريق استخدام أقذر الأساليب لتحقيق هذه الغاية.. وقد يكون المجاهد في
فترات حياته قد أجرى عملية زائدة أو عملية كلى وربما يكون حمل مرضاً
من القرحة أو السكري أو ارتفاع ضغط الدم، وقد يكون أصيب بحادث طرق أو
عمل، فأصبح عنده بعض الكسور في عظمه، وربما أصيب في معركة عسكرية
بطلقات رصاص أو شظايا قنابل.. وربما جروحه لم تندمل بعد.
الموقف الإنساني يقتضي أن يسعف الجريح، وان
يعالج المريض ولكن في أقسام التحقيق، يقتنص المحققون هذه الجوانب،
ويعملون على استثمارها في التعذيب لانتزاع الاعتراف، لذلك أول ما يبحث
عنه ضابط المخابرات وهو يمارس دوره هو نقاط الضعف في البنية النفسية،
ويبحث عن جوانب الضعف في البنية الجسدية.. فإذا وجد جوانب ضعف في
البنية النفسية، فهو يضغط عليها بشدة، لكي ينهار المجاهد، وإذا وجد
نقاط ضعف في البنية الجسدية، فهو يضغط عليها بقسوة، ويمارس الابتزاز
بأقصى صوره فإذا كان الأخ المجاهد قد أجرى عملية جراحية في حياته.. يركز
المخابرات الضرب الشديد على مكان العملية، لكي يحدث ألماً شديداً
للمجاهد.. أما إذا كان مصاباً وجروحه لم تندمل، فهو يبدأ بمسطرة أو قلم،
يفتح الجرح من جديد ويضع المسطرة أو القلم في داخل الجرح الغائر لكي
يحدث ألماً لا يطاق ويساوم المجاهد.. بين الألم، والاعتراف، وأحياناً يقوم
برش الملح على الجرح، لكي يشتعل الجرح ناراً، فيضطر تحت وطأة الألم
الشديد أن يدلي باعترافه إن الجروح تشكل نقاط ضعف في جسد المجاهد..
ولكنها لا تشكل نقاط انهيار لروحه وإرادته والآلام التي تحدث مع نبش
الجرح والضغط عليه، لن تكون أكبر من الخيانة ولقد أسر الشهيد عبد
القادر أبو الفحم في معركة عسكرية، وكان الرصاص قد اخترق جميع أنحاء
جسمه، وكان القائد الميداني العسكري لكل الجهاز العسكري من بيت حانون
حتى شمال سيناء نُقل بطائرة هليوكوبتر.. وأحضر طاقم متخصص ومن خيرة
المحققين لكي ينزعوا منه الاعتراف كانوا أقوياء، وكان ضعيفاً.. كانوا
جمعاً وكان وحيداً.. عذبوه بجروحه، وإصابته، ضغطوا عليها نبشوها.. رشوها
بالملح.. ولكنه كان أقوى منهم ولم يعترف.. والطبيب في التحقيق، محقق في
الزي الأبيض.. إنه يسأل عن موضع الألم.. وعندما يعرفه، يُستغل في
التعذيب، وأدويته واحدة، تُصرف لكل الأسرى، ولكافة الأمراض.. وعندما قال طبيب
أسير لاخوته اطلبوا لأمراضكم أسماء هذه الأدوية تم إنزاله للزنازين وهُدد
بالصمت أو البقاء في الزنازين.. وقد يقوم الطبيب بحقن المجاهد بالأنسولين
وهو مادة هرمونية تخفض من نسبة السكر في الدم وتستعمل في علاج بعض
المصابين بالأمراض العصبية، ويوهمه بأن هذه الحقنة ستؤدي به إلى الجنون..
وأن عليه أن يحقن أخرى تبطل مفعول هذه الحقنة الأولى، فإذا اعترف سيعطى
الحقنة التي تحميه من الجنون ولكن هذه كلها ألاعيب المحققين، وهي لا
تنطلي على المناضل الواعي.
السادس والعشرون - أسلوب الزنزانة والكلاب :
عندما يجد
المحققون أن مجاهداً مارسوا معه أساليب كثيرة ولم يعترف، ولم يضعف على
مستوى الروح والإرادة فإنهم يضعونه في زنزانة حجمها صغير، لا يستطيع
المجاهد أن يقف فيها ولا يتحرك بها إلا بصعوبة لضيق حجمها، وللزنزانة
أرضية صُممت خصيصاً كممر مُعد للرصف، فهو مجموعة حجارة أقرب للمسامير
بحيث لا يتمكن المجاهد من النوم على هذه الأرضية وهي زنزانة جرداء لا
يوجد بها أي فراش، حتى ضوء الشمس لا يدخلها لذلك فنسبة رطوبتها عالية،
كما أنها على درجة عالية من القذارة، يتناوب عليها صباحاً ومساء جندي
مكلف أن يسكب بها دلواً من الماء لتصبح بُحيرة، يظهر في وسطها العديد
من الجُرز، فلا يستطيع المجاهد النوم، ولا يستطيع الوقوف، ولا يشعر بطعم
الراحة، وعليه أن يقضي بها أياماً وليالي، لكي تنهار أعصابه، ويتعب
جسده، ويضطر للاعتراف كما يتم إحضار كلاب ضخمة مدربة يطلقونها على
المجاهد في داخل الزنزانة، فتهجم عليه بشراسة تريد الفتك به، وتمزيق
ثيابه، وأحياناً يطلقون عليه أفاعي كبيرة، ولكنها لا تلدغ، ومن حين لآخر
يواصلون الطرق الشديد على باب الزنزانة حتى يخرج منها وهو منهك جاهزاً
للاعتراف، كما يظنون.
على المجاهد أن يدرك أن الزنزانة بحجمها
وشكلها وأرضيتها وإحضار الكلاب البوليسية والأفاعي والطرق على الباب كل
ذلك، أساليب يستخدمها المحقق للنيل من إرادته، ولإرهاقه، وإجباره على
الاعتراف، على المجاهد في هذه الساعات والأيام التي يقضيها في هذه
الغرفة الصغيرة أن يفكر في الله ورسوله، والصحابة.. عليه أن يقتل الوقت
بالتسبيح وذكر الله، وتلاوة القرآن.. عليه أن لا يفكر بذاته، وأهله..
وحياته الشخصية.. أن يعتمد على الله.. فاصبر لأمر ربك، ولا يستخفنك الذين
لا يوقنون.
السابع والعشرون -
أسلوب التنقل بين السجون :
يستخدم جهاز
المخابرات الصهيوني أسلوب التنقل بين السجون مع الأسرى المجاهدين الذين
يستعصون على ضباط المخابرات، وتوجد أدلة وقرائن تثبت أن لهم مسؤولية أو
دوراً أو مشاركة في العمل بالجهاز العسكري فالمحققون، وهم في العادة
طقم كامل، عندما يعجزون عن انتزاع الاعتراف بالقوة من هؤلاء الاخوة،
يلجأون إلى التهديد والتلويح بالسجن الحربي، وسجن صرفند.. وذلك لتغيير
المكان والأجواء، والمناخ والمحققين، ووضع المجاهد في جو من الرهبة،
والهلع من السجن الحربي، ولكن ما الفرق بين السجن الحربي، والسجون
العادية؟ هل بالإجراءات المظهرية التي يحاول جهاز المخابرات الصهيوني
اصطناعها لغرس الرعب في قلوب المجاهدين إن سجون العدو الصهيوني جميعها
بدون استثناء سجون حربية عسكرية وأساليب التعذيب التي تمارس فيها نسخة
مكررة لمدرسة عنصرية، إرهابية، نازية واحدة هي مدرسة المخابرات الصهيونية
إن السجن الحربي لا يختلف عن باقي سجون العدو حتى يخشاه مجاهد يتلو
(أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين) لأنتم أيها المجاهدون
بصبركم، وصلابتكم، وتحديكم أشد رهبة في صدورهم.. فعلى المجاهد.. أن يعرف
وهو يواجه هذا الأسلوب أن المحققين فشلوا وعجزوا، وأنه قطع ثلاثة أرباع
طريق الخلاص والثبات، ولم يبق أمامه إلا الربع الأخير.. والفرق بين النصر
والهزيمة صبر ساعة، فلينقلوا المجاهد إلى الحربي، والى صرفند.. والى أي
مركز تعذيب، فالأمكنة، والوجوه الجديدة لن تغير من حقيقة.. إنما ذلك
الشيطان يخوف أولياؤه، فلا تخافوهم وخافون أن كنتم مؤمنين.
الثامن والعشرون -
أسلوب الشرك :
يقوم أسلوب الشرك
على خلق جو متعمد من الانفراد لعدة دقائق أو أكثر لاثنين من المجاهدين
في مكان ما حيث يخبأ بالقرب منهم جهاز تسجيل.. للحصول على المعلومات
بصورة غير مباشرة.. عندما تتأكد المخابرات الصهيونية أن اثنين من أعضاء
الحركة، تجمعهما روابط تنظيمية، وأن هناك بعض الشك أنهما نفذا عمليات،
أو على علاقة ما بالأسلحة وأن فرصة السيطرة عليهم والحصول على معلومات
بصورة مباشرة من خلال التعذيب الجسدي غير واردة.. ماذا يمكن أن يعمل
جهاز المخابرات.. هل يستسلم، ويغلق ملف القضية، نتيجة عناد وإصرار
الاخوة، أم أنهم يبحثون عن أسلوب ما لتحقيق أهدافهم؟ هنا يتقدم جهاز
المخابرات لاستخدام أسلوب الشرك.. في أقبية التحقيق يعمد جهاز المخابرات
الصهيوني إلى عزل أعضاء القضية الواحدة.. عزلاً كاملاً.. بحيث لا تتوفر لهم
فرصة اللقاء، أو الاقتراب من بعض، والمجاهد في ظروف التحقيق، يبدأ
باكتشاف نقاط ضعفه، ونقاط ضعف اخوته، ويخشى أن تكتشف المخابرات هذه
النقاط، لذلك يكون حريصاً أن يستدل على اخوته، لتحذيرهم، وتذكيرهم لكي
لا يؤخذوا من هذه النقاط على حين غرة.
المخابرات تدرك
انه إذا ما تم ترتيب خلوة مصطنعة لاثنين من المجاهدين في جو غير
مشبوه فإنهما سيتناجيان، وسيذكٌر كل مجاهد أخاه بأن لا يعترف على الأسلحة،
أو العمليات أو إذا سألوه عن عملية معينة أن ينكرها.. وأن ينفي أي علاقة
مع (س أو ص)، وبعد استجواب روتيني، يتم استدعاء الأخ الآخر إلى
المكتب، ويتظاهر المحقق بأنه يحتاج قهوة ويحتاج ملفاً، فيبدأ بالصراخ
على الجندي أو على المحقق، حيث يتظاهرون بأنهم لا يسمعون صوته هنا
يستشيط غضباً ويخرج من المكتب لمحاسبتهم، وإحضار حاجته.. حيث يخلو الجو
للاخوة.. وهذه فرصتهما التي يتمنيا من الله أن يحققها لهما.. فان تحدثا
بأي شيء سيكون مسجلاً بجهاز تسجيل، وبناء على هذه المعلومات سيتم
اعتقال اخوة جدد. والحصول على طرف خيط جديد..
وقد يرتب هذا
الشرك في حجرات الزنازين، حيث يوضع الاخوة في حجرتين متجاورتين وبينهما
كوة صغيرة، بحيث يسمح لهم الظرف عند ابتعاد السجان من الحديث الطويل،
وقد يستمر وجودهم في تلك الحجرات يوماً أو يومين، وذلك راجع لمدى
استفادة المحقق منهم من خلال جهاز التسجيل. وقد يرتب هذا الشرك في غرف
الإدارة حيث يتم استدعاء كل أخ على حده، للقاء الصليب، أو المحامي.. أو
القاضي، وهناك تسمح لهم الفرصة أن يلتقوا بعيداً عن أعين المخابرات ولكن
بجوار آذانهم حاسة سمعهم.. وقد يرتب هذا الشرك، في سيارة عسكرية، حيث
تحملهم وهم معصوبو الأعين.. ويستلمهم ضابط عسكري، كل أخ باسمه.. وتذهب
بهم السيارة والجنود في الليل إلى مناطق بعيدة تحت ساتر ترحيلهم إلى سجن
حربي وفي الطريق يتم تعطيل السيارة بصورة متعمدة.. حيث ينزل الجنود،
ويربطون الاخوة بشكل قوي، ويحذرونهم من الهرب وبينما يذهب جنود لإحضار سيارة
جديدة، يقف جندي بعيداً لحراستهم، أو ينزل الاخوة، بجوار غابة حيث
يربطون بشجرة، ويقف جندي من بعيد حارساً عليهم، يأمرهم بعدم الكلام..
وكأنه يستفزهم للحديث، بحيث ما إن يلهو عنهم بشيء، أو يتركهم لمعاينة
السيارة، أو إحضار شيء ما.. يقتنص الاخوة غياب المحقق، وابتعاد الجندي
للحديث عن العمل والقضية والأسلحة، والاخوة الذين لم يعتقلوا.. ظانين
أنهم بعيدون عن سمع المخابرات، وجهاز التسجيل لقد مارس ضباط المخابرات
هذه الحيلة، في العديد من المرات، وكانوا ينجحون في الحصول على المعلومات
في اعتقال اخوة جدد بناءً على هذه المعلومات ويواجه هؤلاء الاخوة في
أقبية التحقيق بمعلومات دقيقة.. عن الأسلحة المخزنة عندهم، أو عن العلميات
التي شاركوا فيها، وعن دورهم في العمل العسكري.. وقد يرتب هذا الشرك من
خلال المحقق نفسه الذي يمثل دور معتقل، ويرتدي زي السجن ويضع الكيس
على رأسه، والقيد البلاستيكي في يديه من الخلف، ويقف بجوار أحد الاخوة،
وبعد دقائق يحضر الأخ الثاني ويتم إيقافه من قبل الجندي_ كأنما بالخطأ -
بجوار زميله، وعندما يوقفه يسأله بصوت منخفض اسمك؟ فيجيب الأخ احمد..
ويذهب الحارس.. حيث يجد الأخ الأول ضالته، ويبدأ الحديث مع أخيه.. لضبط
عملية التحقيق، وتوجيهه لعدم الاقتراب من دوائر خاصة جداً حيث يكون
المحقق قد سمع هذا الحديث، وحصل من الاخوة على المعلومات التي يحتاجها.
على المجاهد وهو
يواصل معركة جهاده في أقبية التحقيق، ألا يغفل عن جوهر صراعه، وعن
طبيعة عدوه وعن الكثير من أشكال الشراك التي يمكن أن تنصب له ولاخوته،
وألا يخدع كما خُدع الذين من قبله، وأن يضيع الفرصة على المحقق ويفشل
أسلوبه، وعليه أن يُحذر اخوته من الحديث والثرثرة، والغفلة عن ذاتهم..
وعليه أن يذكر أن غياب المحقق كشخص لا يعني غياب أجهزته، وأن هذه
اللقاءات التي يمكن أن تحدث ليست وليدة بالصدفة، بل هي متعمدة ومقصودة
لأجل الحصول على مزيد من المعلومات.. ولا يسقط في هذا الشرك ألا
المتهورون، الانفعاليون، الذين يفكرون بعاطفتهم.. فعندما يلتقي أخ مع أخيه
في أي ظرف من هذه الظروف عليه أن يضبط نفسه وأن يتعامل بشكل طبيعي
كأنه يجلس مع غريب، وعلى المجاهد اعتماد الإشارات في مخاطبة زميله وأن يعتمد
على إشارات النظر والأفكار خاصة في مجالات العمليات والأسلحة وأن يعتمد أسلوب
الحوار الذاتي ، أو الحوار مع السماء .. أو الحوار مع المجهول .. أي الأسلوب غير
المباشر لنقل أفكاره لأخيه لصياغة تفكيره ، وتوجيهه إلى الأفكار وعدم الاعتراف
وعدم الحديث .. (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) .
التاسع والعشرون - أسلوب
الماء البارد :
في برودة الشتاء
القارصة، وخاصة في ساعات الليل، يستعمل المحققون الماء البارد كأداة
تعذيب، إذ عندما يصر المناضل على الإنكار ولا يدلي باعتراف يضعه المحقق
تحت الماء البارد لفترة معينة وإذا وجده عنيداً، صلباً ثابتاً.. يأمره
بخلع ملابسه ويدخله تحت دوش ماء بارد سيال ويتركه تحته لساعات.
إن اختلاف درجة
حرارة الجسم الطبيعية الكبير عن درجة حرارة الماء البارد جداً، يؤدي
لحظة وضع المناضل تحت الماء إلى سرعة في دقات القلب، وصعوبة في
التنفس، وتجمد في الأطراف وارتجاف الجسد يستغل المحقق هذه الحالة لمساومة
المناضل على الاعتراف فإذا ثبت على موقفه، يبدأ المحقق بإحضار الماء
المثلج من الثلاجة وبقطع الثلج، فيصبها على الجسم لكي يزيد من حالة
الألم، ويترك المناضل يجالد البرودة لساعات طويلة.
وأحياناً يوقظ
المناضل في منتصف الليل، لإزعاجه أكثر، وينقل من دفء الفراش في
الزنزانة، ويمارس معه أسلوب التعذيب بالماء البارد، لقسوة أثره في هذه
الحالة.
وأحياناً يتم
ترك المجاهد عارياً في مكان مكشوف في ليالي الشتاء الزمهريرية في
البرد الصقيعي وتحت إعصار الرياح اللاهبة كالسياط، مما يؤدي إلى اضطرابات
في المعدة، والإصابة بالرشح والزكام ويسبب التقيؤ والإسهال والسعال الشديد
وتجمد الأطراف وتصلب الجسد.
إن شدة إيقاع
وتأثير الماء البارد والريح الصقيعية على الجسد تكون في أقصاها لحظة
انهمار زخات الماء الأولى أو لسع الرياح في البداية، ثم ما يلبث الجسد
أن يعتاد إلى حد ما على هذه الحال المؤلمة وقد تعرض عدد من المناضلين
لهذه التجربة القاسية ولكنهم خرجوا منها دون أن يعترفوا، لأنها مجرد
أسلوب عادي ضمن أساليب التعذيب، والذي يستطيع الصمود في اللحظات الأولى لن
تؤثر في معنوياته هذه الطريقة من التعذيب، وبذلك يفشل المحقق مرة
ثانية وينتصر المناضل الذي رفض الاعتراف.
الثلاثون -
الحرمان من النوم والوقوف المستمر :
ويعتبر هذا
الأسلوب من الأساليب التي ترافق المجاهد، طوال فترة وجوده في أقبية
التحقيق سوى بعض التسهيلات التي تُعطى في فترات متقطعة للذين يقدمون
اعترافات كاملة، ويدلون بمعلومات.
فالمجاهد من لحظة اعتقاله ودخوله أقبية
التحقيق، وبدء التحقيق والتعذيب معه، يتم توقيفه بأغلاله ووجهه مقابل
جدار.. ويبعد عن الجدار بمقدار 30 سنتميتراً، وطالما هو واقف فهو يقظ
ولا ينام.. وقد يستمر وقوفه لأيام طويلة، والنوم مرتبط بهذا الوقوف.. إن
الوقوف المستمر على القدمين.. يؤدي إلى إرهاق الأعصاب، وعدم تحمل القدمين
ثقل الجسم.. حيث يُحبس الدم في القدمين نتيجة لعدم الحركة، وهذا يؤدي
إلى انتفاخ القدمين، وتورمهما.. بحيث أن الحذاء بعد أيام لا يعود يتسع
لهما..!
إن هذا الإرهاق
العصبي للمجاهد متعمد، وكلما طال أمد الوقوف، زادت نسبة الإرهاق وزاد
الألم بحيث إذا صمد المجاهد في الأيام الأولى رغم قساوة الألم.. فإنه
يحتاج إلى شجاعة أكبر وصبر أعمق كلما زادت فترة الوقوف.. وكما يحتاج
الإنسان للهواء لكي يعيش فهو كذلك يحتاج للنوم.. إن النوم ضرورة من
ضروريات الحياة لذلك تستخدم المخابرات الصهيونية في معركة التحقيق كل ما
تستطيع من أساليب لإجبار المجاهد على الاعتراف فيأتي الحرمان من الجلوس
والحرمان من النوم ليضغطا عليه بقسوة مطردة.. وضغط السهر والوقوف
يؤثران تأثيراً سلبياً داخلياً على أعصاب المجاهد، ونفسيته.. انهما يؤثران
على إرادته من الداخل، بينما المحقق يواصل ضغطه من الخارج، ليلتقي
الضغط الداخلي والخارجي حول هدف واحد، هو كسر إرادة المجاهد، وتحطيمها
فإذا كان المجاهد قادراً على الصمود والصبر أمام ضغوط المحقق الخارجية،
لأنه أمام عدو واضح صريح مكشوف فان قدرته تقل وهو يواجه ذاته من الداخل..
إن النوم يواجهه كل لحظة، وهو يتمنى أن ينام ولكن كيف يمكن أن ينام وهو
واقف، وخلاياه العصبية أوشكت على الذبول، بحيث أن قدميه أصبحتا تتخدران،
فإذا نام وهو لا يستطيع إرادياً التغلب على النوم سيجد نفسه وقد سقط
أرضاً.. بينما تنهال سياط الجندي الحارس، الذي يلاحقه برش الماء البارد
على مؤخرة رقبته، لكي يتوزع الماء على جميع حلقات العمود الفقري
فالمطلوب منه أن يكون يقظاً، وأن يبقى يقظاً فكيف يمكن أن يصمد المجاهد
طوال فترة التعذيب وهو منهك ويقظ وواقف على قدميه..؟
إن الصبر والتحمل
لمواجهة أسلوب الحرمان من النوم والوقوف المستمر.. يحتاج إلى استعداد
نضالي وإيمان بالقضية.. فإذا انفصل الصبر والتحمل عن المضمون الجهادي
يصبحان كلمات جوفاء.
إن الإيمان بقضية..
يغرس في قلب المجاهد قوة روحية كبيرة.. أكبر من قوة الألم.. لذلك ينتصر
الصبر على الألم.. ويغرس في قلبه دوافع قوية، أقوى من ضغط السهر
والوقوف وضغط المحقق الكافر.. لذلك ينتصر التحمل على الإرهاق.. ينتصر
المجاهد على المحقق.
يقول المجاهد "وديع" في لحظات
الإرهاق القاتل، والسهر المضني، كان الله يرحمنا بسنة من النوم، قد لا
تتجاوز دقائق، أو ثواني.. وعندما نستفيق.. نجد أن حيويتنا وطاقاتنا ردت
لنا، وكأننا نمنا نوماً عميقاً.. نستطيع بعده أن نواصل السهر لساعات
وأيام..
ويقول المجاهد "جمعة" استمر
التحقيق معي 45 يوماً ولم أذق النوم إلا فترات قليلة فقط.. وطلبوا مني
الاعتراف بإلقاء قنبلة، الحكم عليها مدى الحياة في حالة الاعتراف..
وعندما كنت أجد نفسي على حافة الانهيار كنت أتذكر وجه أطفالي الصغار.. فتصيبني
هزة من الداخل أتركهم مدى الحياة.. أم أصبر أياماً.. وكنت أتجلد بقوة صمود
جديدة تدفعني للصبر والتحمل حتى لو استمر الوقوف والسهر شهوراً.. إن
دافع عدم ترك الأطفال جعله يتحمل 45 يوماً.. فكيف بدافع الإيمان العميق
بالله وبالقضية اعتقل الأخ حسين، وبدأت المخابرات دورة تحقيق عنيفة معه
من أجل انتزاع اعتراف منه، ولكنه كان صلباً كالطود، ولم يتراجع عن
موقفه الثابت.. استخدم المحققون معه عدة أساليب من أجل تركيعه أو دفعه
للاهتزاز والاعتراف.. ولكنه لم يعترف، وكلما نالوا منه بالتعذيب كلما
زاد إصراره، وثباته.. ورغم تأثره بعوامل الضغط والتعذيب الخارجية إلا أن
روحه كانت تشرق دوماً بالصمود، وإرادته كانت تورق بالثبات..
قرر المحققون أن يمارسوا معه أسلوب السهر
والحرمان من النوم، ومن الجلوس، وأن يبقى واقفاً.. يحرسه جندي وبدأوا
في عد الأيام في مفكرة خاصة به إن للنوم كحاجة بيولوجية سلطاناً على
الجسد مع مرور الساعات، والأيام والليالي يهاجمه، وهو مرهق، متعب، كلما
كان النوم يحاول أن يتغلب عليه لثوان.. كان الجندي يلكزه ليوقظه وليمنعه
من النوم في وضعية الوقوف لا يستطيع الإنسان النوم طالما أعصابه مشدودة
وأية سنة من النوم إذا ما سيطرت على الإنسان وهو في وضعية الوقوف
يتأرجح، ويسقط على الأرض.. حيث يستيقظ مباشرة.. ويستمر الصراع على الجسد
الواقف بين قوة النوم، وسهر الجندي الرابض لمنعه من النوم بقي الأخ
حسين، لفترة أحد عشر يوماً متواصلة بدون انقطاع ممنوعاً من النوم وفي
الأيام الأخيرة.. سيطر لا شعوره المرهق عليه وبدأ في الهذيان، ولم يعد
يسيطر بشكل طبيعي على نفسه وبينما كان الضابط المحقق يسجل في مفكرته
اليوم الحادي عشر حضر المدير العام لقسم التحقيق واستدعاه.. وعندما جلس
الأخ حسين على الكرسي.. وارتخت أعصابه، وتخلص من مضايقة الجندي سقط رأسه
على الطاولة رغم إرادته.. صرخ عليه المدير وحاول أن يوقظه، ويتحدث معه،
وفي اللحظة التي كان يرفع رأسه، كانت تخرج منه كلمات، وجمل غريبة غير
مفهومة وكان رأسه المثقل يسقط من جديد.. استدعى المدير الضابط المحقق،
وسأله كم يوماً لم ينم هذا الأسير..؟ أجاب أحد عشر يوماً ذهل المدير
وقال: أحد عشر يوماً.. لقد جننتموه.. نحن لا نريده أن يجن نحن نريد
معلومات.. وأمر فوراً بإنزاله إلى الزنزانة لكي ينام أربعة أيام متواصلة..
ليعود لحالته الطبيعية، ويستمر التحقيق معه.. حتى يعترف.
رغم أن جانب وعي الأخ حسين لم يعد قادراً
على تحمل الأرق، والإرهاق والنعاس الملح، ولم يعد قادراً على مواجهة قهر
النوم الدافق ورغم الضغط المتواصل على الإرادة لكي تلين، وتستسلم.. إلا أن
روحه المشبعة بالإيمان والوعي، والموقف الرسالي كان يرفد إرادته فيصلبها
ويحولها إلى فولاذ.. وأمام هذا الضغط المتواصل.. اهتز جانب الوعي وكاد أن
ينهار، فاستيقظ اللاوعي، لكي يغطي جانب الفراغ الذي تركه الوعي في
محيط النفس مما شكل حالة ما تشبه الهذيان.
إن الإرادة تدفع الوعي للأمام.. كانت تدفعه..
عبر هدف ثابت، وهو الانتصار.. ولكن الوعي كواجهة للمادة اهتز.. وترنح،
وكاد أن يسقط، وبقيت الإرادة لكي يُثبت أن الإنسان معجزة.
لقد انتصرت إرادة الإنسان المسلح بالإيمان..
رغم اهتزاز جانب الوعي، في معركة التحقيق، وتحصل على مكافئة إجبارية
من أعدائه.. وقد وفرت الأيام الأربعة التي نام فيها الأخ حسين له مجالاً
جديداً لعودة جانب الوعي المحكوم بقوانين الجسد إلى طبيعته، وواجه
التحقيق والوقوف، والحرمان من النوم من جديد ولكن هذه المرة بإحساس
جديد، مشبع بروح الانتصار.
الواحد والثلاثون -
أسلوب الحرق السياسي التشويه :
إن دور القائد أو الرمز في
التنظيم دور أساسي فهو المركز الذي تتمحور حوله البنية التنظيمية، وهو
الشخص الأكثر معرفة بأسرار التنظيم وأفراده كما أن له قيمة معنوية كبيرة
حيث يشكل القدوة لعناصر التنظيم الذين ينظرون إليه على أساس أنه إنسان
غير عادي إنه البطل.
لذلك يهتم رجال الأمن الصهاينة
بإلقاء القبض على القيادات التنظيمية، ويبذلون من أجل ذلك جهداً كبيراً
وإذا حدث وأن تمكنت أجهزة المخابرات من اعتقال قائد تنظيمي فإنهم
يحاولون الحصول منه على المعلومات بشتى الأساليب ولكن أخبث أساليب يعمدون
إليها هي محاولة حرق القائد سياسياً أو تشويه صورته، وإظهاره
بمظهر الضعيف الخائف الذي يقدم
لهم المعلومات بسهولة، وينشرون حوله الإشاعات من أجل إضعاف معنويات أفراد
التنظيم الذين كانوا يكنون له احتراماً وتقديراً بالغين إنهم يستعملون
هذا الأسلوب من أجل تحطيم الثقة التي تجمع أفراد التنظيم، ومن أجل
تشويه المعاني النبيلة والمبادئ التي تجسدها الرموز والقيادات الحركية
في شخصيتها وسلوكها، ومن أجل الحصول على معلومات أكثر عن التنظيم. يحاول
جهاز التحقيق إظهار القائد المعتقل بمظهر الإنسان الجبان الضعيف، أو بمظهر
الإنسان الأناني الذي تهمه مصلحته، ويرتب مسرحية يستخدم فيها أعلى أساليب
الخداع وقد يحضر المحقق القائد المعتقل وهو في زي مدني نظيف ويجلسه على
مقعد مريح وحوله بعض ضباط المخابرات وهم يتبادلون الأحاديث كأنهم في
جلسة ودية ومن فتحة صغيرة في الحائط أو الباب يحضر المجاهدين الآخرين
المنهكين من التعذيب ويجعلهم يشاهدون قائدهم وهو في وضعية تبعث على الشك
بعدها يتوجه المحقق في وجه المجاهد الذي يشعر أنه خدع: "ألم اقل
لك. لقد اعترف بكل شيء. لقد باعك وباع التنظيم وضحك عليك لقد اعترف بكل
شيء دون أن نمسه بأذى".. قد يفرض المحقق على القائد الأسير أن يظهر
بزي عسكري وهو يجالس المحققين، وقد يضع أمامه صحون الفاكهة المختلفة
وزجاجات العصير وفي كل مرة يتم بها عرض هذه المسرحية يستمر الإعياء
وتزداد الضغوط على المجاهدين وقد يعمد المحقق إلى وضع القائد في سيارة
عسكرية وهو يلبس الزي العسكري، وتنطلق به السيارة في أزقة المخيم أو
القرية وحول منزله حتى يشاهده جميع من يعرفونه على هذه الحال من أجل
تمرير خدعة كبيرة، وهي إن هذا القائد الذي كان رمزاً للجماهير ليس أكثر
من عميل في جهاز المخابرات.
إذا كان المجاهد ضعيفاً، وثقته
بقضيته مهزوزة فإنه سرعان ما يهتز تحت شدة التعذيب، ويتأثر كثيراً
بصورة القائد التي تهشمت في خياله وينهار ويعترف تحت مبرر المظاهر
التي شاهد قائده فيها ولكن على القائد الذي يتعرض لهذه المحنة أن يكون
مدركاً لهذه اللعبة فإذا أجلسوه مع المحققين وأمامه أطباق الفاكهة فإن
عليه أن يقلبها وأن يرفض الحوار مع المحقق، وإذا وضعوه في سيارة عسكرية
عليه أن يصرخ بأعلى صوته (الله اكبر الله اكبر.. يسقط الاحتلال.. تحيا
فلسطين) وعندها سيضطر الجنود إلى ضربه ومنعه من الصراخ وهكذا تتحول
محاولة الحرق والتشويه إلى عملية فضح وتسفيه لجهاز التحقيق وعلى
الجماهير أن لا تهتز من سقوط بعض الرموز أو ضعفها سواء كانت عملية
سقوطهم كاذبة ومجرد تلفيق من المخابرات أو كانت صحيحة لأن عظمة الفكرة
والتضحية غير مرهونة بأفراد معينين وليست عملية النضال مرهونة بشخص واحد
إن القائد يستمد قوته وصدقه من إيمانه بقضيته، والقضية لا تستمد قوتها
وصدقها من شخصية أي قائد أو أي رمز (أفئن مات أو قتل انقلبتم على
أعقابكم..).
الاثنان والثلاثون -
أسلوب التصغير والتحقير :
يحاول المحقق أن
يحطم نفسية المجاهد، وأن يغرس الذلة في قلبه وأن يهز قناعاته بفكرته
لذلك يعمد إلى إهانته وتحقير أفكاره وإشعاره انه شيء بسيط لا قيمة له، وإن
المبادئ التي يحملها ليست أكثر من شعارات غير صحيحة وقصص ساذجة ويحاول
المحقق أن يهين المعتقل بالبصق في الوجه بشكل مستمر، أو بحلق لحيته
وشاربه، أو حلق جزء منهما وإبقاء جزء بشكل مشوه ومضحك، وقد يطلب منه أن
يمشي مقلداً الكلب أو أن يمشي على أربع وأن يردد عبارات مهينة مثل (أنا
حمار.. أنا خائن.. أنا كلب.. إلى آخره..) ويقصد من وراء ذلك قتل معاني
الصمود والبطولة في النفس والذي يقبل الخضوع مرة سيخضع في كل المرات،
والذي يتجاوب مع المحقق في هذه الأمور الصغيرة سيتجاوب معه في أمور
أكبر وأخطر فعملية التحقيق عبارة عن جملة من التأثيرات والإيحاءات النفسية
وليست عملية تعذيب مادي لمجرد الإيلام الجسدي وقد يلجأ المحقق إلى تحقير
وتصغير المعتقدات المقدسة لدى المعتقل فمثلاً يكثر المحقق من استعمال
عبارات ضد الذات الإلهية (تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً) فيقول
(الله في الدرج أغلقت عليه.. إنه سجين مثلك) والرسول - حاشاه - كاذب
والقرآن ألفه محمد وكله كذب والحديث عن بني إسرائيل كقوم مختارين مفضلين
على العالمين، وإيراد بعض الآيات الكريمة التي تتحدث عن بني إسرائيل
وتفسيرها بشكل ملتو لمصلحة اليهود.
إن أسلوب التحقير
والتصغير أسلوب صغير وحقير ولا يؤثر في المجاهد الصادق وعلى المجاهد أن
يلجأ إلى الرفض دائماً، وأن يمتنع عن التجاوب مع المحقق في إرضاء نزعته
المشوهة إلى تشويه النفس وكسر الكرامة لدى المعتقل ليس على المجاهد أن
يصبر فقط وإنما عليه أن يتحدى السحاب، لأن التحدي هو القاعدة الأساسية
لإفشال هذا الأسلوب .
خاتمة
عبر مسيرة
الجهاد الطويلة ؛ منذ التاريخ الغابر حتى يومنا هذا، تقدمت قوافل
الشهداء بين يدي الله.
ويحدثنا القرآن
الكريم عن أولئك الذين صبروا أمام العذاب والخوف على إيمانهم، وكانت
إرادتهم أقوى من الضعف ولم يلينوا ولم يستسلموا فقد عذب أصحاب الأخدود
المؤمنين، ويئس الطغاة ولم ينالوا ما يريدون، من رد المؤمنين عن
إيمانهم، وصعدت أرواح الشهداء مع ترتيل القرآن العظيم: "وما نقموا
منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد الذي له ملك السماوات والأرض
والله على كل شيء شهيد".
ووصل اليهود
والطغاة إلى مرحلة العجز وهم يعذبون الرسل الكرام من يحيى وزكريا إلى
عيسى عليهم السلام، ولكن رسالة الأنبياء نفذت إلى الناس بنصر الله، وذهب
الطغاة إلى مصيرهم المحتوم وباءوا بغضب الله وعذاب جهنم.
وتعرض آل ياسر
وسمية وعمار إلى عذاب أبي لهب، ونالا الشهادة، ونال أبو لهب لعنة أبدية
وصمه بها القرآن الكريم ولم تكن عاقبة الطاغية يزيد والحجاج سوى سخط
الناس عليهم، وظل دم الحسين سيد الشهداء كفيلاً بتثبيت المؤمنين
الرساليين على المحنة ودليلاً لهم في الشدائد.
ولم يستطع الإنجليز إخضاع القسام ولا رفاقه
المجاهدين، وكانت شهادتهم اكبر انتصار لقضيتهم، وما زلنا نروي ظمأ
الطريق من نبع عطائهم الذي لا ينفذ، ولم يستطع زبانية موسوليني أيام
الاستعمار الإيطالي لليبيا إن يكسبوا بتعذيب عمر المختار وقتله.
ولكن شهادة
المختار كانت بداية النهاية للاستعمار الإيطالي.
وفي الجزائر كان
الجنرال الفرنسي بيجار يحاول الحصول بشتى أساليب التعذيب من العربي
المهيدي على معلومات عن الثورة والأسرار التنظيمية، ولكن روح المهيدي
رفرفت في سماء الطمأنينة والرضى وانتصر الجزائريون بصمود المهيدي ورفاقه
وكانت شهادة سيد قطب أعظم المؤلفات والدروس التي استلهمها المجاهدون من
بعده.
وكان صمود عبد
القادر أبو الفحم درساً ما زال يتردد صداه في قلوب المجاهدين وشهادته
معلماً للمناضلين، وما زال الدم الزكي للشهداء البررة مصباح الصوري
وخالد الشيخ خليل، وزكريا الشوربجي ، وعماد عقل ، وعصام براهمة، وخالد شحادة ،
وأنور عزيز، يقدم لنا عطاء أكبر مما استطاع هؤلاء الشهداء تقديمه لامتهم
ووطنهم وهم أحياء.
لقد كان بإمكان
أولئك الشهداء جميعاً النجاة بحياتهم، وتوفير العذاب واختيار الحياة
السهلة، ولكنهم لو فعلوا ذلك لعاشوا حياة شقية بائسة لا يرضون فيها عن
أنفسهم دقيقة واحدة، ولكانوا خسروا دنياهم وآخرتهم، ولكانت شعوبهم من
بعدهم خسرت الدرس التربوي العظيم ومنجزات شهادتهم التي كانت هي جوهر
الانتصارات وباعثها.
ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله
أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله
ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم أن لا خوف عليهم ولاهم يحزنون.
يستبشرون بنعمة من الله وفضل وان الله لا يضيع اجر المؤمنين
إن الصمود
والإيمان هما الشرط الذاتي الذي يحقق الانتصار وفي التحقيق تدور معركة
بين المحقق وبين المجاهد والذي يصمد فيها حتى النهاية، ويمتلك إيماناً
قوياً هو الذي ينتصر.
وأن عملية
التحقيق هي مسرحية معدة بدراسة ومعرفة من جانب جهاز المخابرات والأمن،
فإذا كان المناضل مدركاً لأبعاد المسرحية، واستطاع أن يدرك أن كل ألاعيب
المحققين هي عملية تمثيلية، استطاع أن يفلت من المحنة دون أن يحقق هدف
المحقق وفوت عليه فرصة بانتزاع المعلومات التي قد تفشل العمل الذي يناضل
الأسير من أجله، والتي قد تؤدي باخوة آخرين له إلى محنة السجن والتعذيب.
ومعرفة المجاهد
بأساليب التحقيق وبطبيعة الجهاز الأمني للعدو هو الشرط الموضوعي للتغلب
على العدو في حالة الوقوع في الأسر وتحت التعذيب.
لذلك على
المجاهد أن يعمق معرفته بأساليب التحقيق وبطرق مواجهة المحقق.
0 التعليقات:
إرسال تعليق