الجمعة، 24 مارس 2017

أساليب التحقيق في سجون العدو الصهيوني وطرق مواجهته






 



مقدمة
دفعنا‏ إلى كتابة‏ هذه‏ الدراسة‏ هدفان‏، ‏نعتقد‏ انهما‏ على‏ قدر‏ من‏ الأهمية بالنسبة‏ للمجاهد :
‏أولهما : معرفي‏، ‏بغية‏ إلقاء الضوء‏ على‏ طبيعة‏ وأساليب عمل‏ الأجهزة القمعية‏ الصهيونية‏ والطرق‏ الخبيثة‏ التي‏ يلجأون‏ إليها للإيقاع‏ بالمجاهد‏.
وثانيهما‏ : تعليمي‏، ‏بقصد‏ تحذير‏ المجاهد‏ من‏ هذه‏ الأساليب، وتقديم‏ نصائح‏ وإرشادات لما‏ ينبغي‏ عليه‏ أن يقوم‏ به‏ لتجنب‏ الوقوع‏ في‏ الشراك‏ الخبيثة‏ التي‏ تنشئها‏ هذه‏ الأجهزة، وكيفية‏ التصرف‏ في‏ حال‏ وقوعه‏ في‏ الأسر، وهو‏ أمر واقع‏ الحصول .
إن أهم ما‏ تتناوله‏ هذه‏ الدراسة‏ هو‏ الصفات‏ التي‏ يجب‏ على‏ المجاهد‏ أن ينميها‏ في‏ نفسه‏ وهي‏ أن تحققت‏ في‏ روح‏ المجاهد‏ وعزيمته‏ فلن‏ يكون‏ من‏ السهل‏ أبداً‏ على‏ جهاز‏ القمع‏ الصهيوني‏ أن يوقعه‏ في‏ شرك‏ الانهيار î‏مهما‏ استخدم‏ من‏ أساليب البطش‏ والتعذيب‏ المدروسة‏ حسب‏ احدث‏ المناهج‏ ويبقى‏ أن أشير إلى حقيقة‏ باتت‏ معروفة‏ وهي‏ أن عدونا‏ إنما‏ يسخر‏ العلم‏ والدراسة‏ المستفيضة‏ والبحث‏ المتأني‏ في‏ طرائقه‏ لغزو‏ الأرض والجسد‏ والعقل‏ العربي ولذلك‏ فإن‏ المواجهة‏ المقابلة‏ تفترض‏ وعياً‏ بهذه‏ الطرائق‏ وإيجاد‏ وسائل‏ مضادة‏ مدروسة‏ أيضاً‏ بعناية‏ تعين‏ على‏ الحد‏ من‏ مردودية‏ الأسلوب الصهيوني‏ إن أساليب التعذيب‏ وانتزاع‏ الاعترافات‏ أصبحت مع‏ تقدم‏ وسائل‏ العلم‏ والاتصال‏ متشابهة‏ في‏ معظم‏ دول‏ العالم‏ وهي‏ تكاد‏ تكون‏ ذات‏ الأساليب التي‏ تستخدمها‏ أجهزة قمع‏ متعددة‏ في‏ كم‏ أفواه المجاهدين‏ وملاحقتهم‏، ‏وتأخير‏ نهوض‏ المشروع‏ الإسلامي ولذلك‏ فإن‏ محتوى‏ هذه‏ الدراسة‏ صالح‏ للاسترشاد‏ به‏ في‏ اكثر‏ من‏ موقع‏ ومكان‏ .
أخيراً‏ :‏ إنها دراسة‏ وقائية‏، ‏بمعنى‏ إنها تستهدف‏ شرح‏ سبل‏ الوقاية‏، لذلك‏ لا‏ تتوسع‏ في‏ شرح‏ تكوين‏ جهاز‏ الاستخبارات‏ الصهيونية‏ وكيفية‏ عمله.

الباب الاول
النمط‏ الغريزي‏ في‏ السلوك‏ الإنساني
كانت‏ شركة سوليل‏ بونييه في‏ فترة‏ الانتداب‏ البريطاني‏ تعمل‏ على‏ تشييد‏ مجموعة‏ من‏ المباني‏ الحكومية‏ على‏ مقربة‏ من‏ الساحل‏ الفلسطيني‏، ‏في‏ غزة، ‏وعسقلان‏، واللد، والرملة‏ ولم‏ يكن‏ أحد يعرف‏ بالضبط‏ سر‏ هذه‏ البنايات‏، وسر‏ تصميمها‏ وما‏ بين‏ بنت‏ عصابات‏ شتيرن‏، والبالماخ‏، وزفاي‏ لئومي‏ شبكاتها‏ الإرهابية والتجسسية‏ في‏ طول‏ البلاد‏ وعرضها وكان‏ أعضاؤها المنتقون‏ من‏ خيرة‏ أبناء العائلات‏ اليهودية‏ وكانوا يرسلون‏ إلى أوروبا كي‏ يتعلموا‏ احدث‏ أساليب التحقيق‏ والاستجواب‏، ‏وبذلك‏ نقلوا ثمرة‏ الخبرة‏ الأوروبية ومعين‏ تجربتها‏ الغنية‏ والمتعددة‏ المستويات‏ وما‏ كادت‏ شمس‏ حزيران‏‏ توشك‏ على‏ المغيب‏ وأصبحت القدس‏ في‏ قبضة‏ المحتل‏، ‏حتى‏ رفع‏ الستار‏ كاملاً فإذا‏ المباني‏ الحكومية‏ تسفر‏ عن‏ سجون‏ ومعتقلات‏ شديدة‏ التحصين‏، مكينة‏ الحراسة‏ طالما‏ ضمت‏ أقبيتها أبناء شعبنا‏ الفلسطيني‏ الرازح‏ تحت‏ الاحتلال‏ منذ‏ عام‏ وأمام عالم‏ صم‏ أذنيه‏ وأغمض‏ عينيه‏ عن‏ حقيقة‏ الفاجعة‏ الفلسطينية‏، وبعد‏ عام‏، وانفتاح‏ المشهد‏ على‏ سعته‏، برز‏ أفراد العصابات‏ الصهيونية‏ الذين‏ تعلموا‏ في‏ أوروبا حرفة‏ الاستجواب‏، ‏ليتصدروا‏ قيادة‏ جهاز‏ قمع‏ صهيوني‏، موظفين‏ أحدث‏ الأساليب تقنيةً‏ وأشدها‏ وحشيةً‏، بينما‏ وقف‏ الفلسطيني‏ وحيداً‏ أعزل‏ في‏ مواجهة‏ النازية‏ الصهيونية‏ الحديثة‏ ووسائلها المدارة‏ بأيدي ماهرة‏، ليهود‏ عاشوا‏ أغلب‏ فترات‏ عمرهم‏ في‏ الدول‏ العربية فأجادوا اللغة‏ العربية‏ الفصحى‏ واللهجات‏ المحلية‏، والأمثال الشعبية‏، ‏وخاصة‏ المحبطة‏ منها‏ والمتوارثة‏ عن‏ عهود‏ القهر‏ والسقوط‏، واستخدموها في‏ محاولة‏ كسر‏ نفسية‏ المعتقل‏ وصموده .
لقد‏ كانت‏ هزيمة‏ يونيو‏ حزيران ‏نقطة‏ البداية‏ في‏ تحويل‏ بقايا‏ جيش‏ التحرير‏ الفلسطيني‏ في‏ قطاع‏ غزة‏ إلى فصيل‏ حرب‏ عصابات‏ عرف‏ باسم‏ قوات‏ التحرير‏ الشعبية‏ وتبني‏ حرب‏ التحرير‏ الشعبية‏ طويلة‏ الأمد لمواجهة‏ الكيان‏ الصهيوني‏ كما‏ شهدت‏ الهزيمة‏ بداية‏ تحول‏ حركة‏ القوميين‏ العرب‏ إلى تنظيم‏ عسكري‏ باسم‏ الجبهة‏ الشعبية‏ لتحرير‏ فلسطين‏، ‏في‏ الوقت‏ الذي‏ كانت‏ فيه‏ حركة‏ التحرير‏ الوطني‏ الفلسطيني‏ فتح ‏قد‏ ظهرت‏ قبل‏ ذلك‏ بعامين‏ كحركة‏ تتبنى‏ الكفاح‏ المسلح‏، ‏وتحولت‏ الأراضي المحتلة‏ من صيف‏ 67 إلى صيف‏ 72 إلى جحيم‏ في‏ وجه‏ الاحتلال‏، ‏كما‏ عبر‏ عن‏ ذلك‏ موشيه‏ ديان‏ حين‏ وصف‏ المأزق‏ الصهيوني‏ في‏ غزة‏ ‏قائلا : نحن‏ نحتلها‏ في‏ النهار‏، ‏وهم‏ يسيطرون‏ عليها‏ في‏ الليل..
وفي‏ مقابل‏ تصاعد‏ العمل‏ العسكري‏ في‏ الأراضي المحتلة‏، وانتشار‏ الخلايا‏ الثورية‏، وظهور‏ المطاردين‏ المسلحين‏ في‏ الأحياء والمخيمات‏ والحقول‏، نشطت‏ أجهزة "الشين‏ بيت" وأجنحة المخابرات‏ الإسرائيلية الأخرى في‏ التصدي‏ لهذه‏ الظاهرة‏ والعمل‏ لأجل القضاء‏ عليها‏ ولقد‏ لجأ‏ العدو‏ الصهيوني‏ لسياسة‏ الاعتقال‏ المكثف‏، بحيث‏ وصل‏ عدد‏ المعتقلين‏ إلى عشرات‏ الآلاف، ‏استجوبوا‏ وعذبوا‏ في‏ مختلف‏ السجون وكان‏ لهذا‏ الاحتكاك‏ الحاد‏ بين‏ المناضلين‏ الفلسطينيين‏ والمخابرات‏ الصهيونية‏ آثار ونتائج‏ في‏ اختبار‏ كل‏ طرف‏ للآخر، ‏ومعرفة‏ نقاط‏ ضعفه‏ وقوته، وأساليب عمله‏ وطرائقها‏، ‏ونهج‏ تفكيره .
لقد‏ كانت‏ تجربة‏ العمل‏ الفلسطيني‏ بين67 _72‏ تجربة‏ غنية‏ بالعبر‏ والدروس‏، ‏وهي‏ تحتاج‏ إلى تقييم‏ منهجي‏ واعٍ‏ ومتوازٍ‏ كي‏ نتمكن‏ من‏ الإفادة من‏ أحوالها المختلفة‏ وتاريخية‏ مسيرتها‏ مستخلصين‏ إيجابياتها وسلبياتها‏ بحصر‏ نقاط‏ الضعف‏، ‏ومكمن‏ الخطر‏، ‏وجوهر‏ الخلل‏ في‏ المسائل‏ التنظيمية‏ والأمنية والفكرية‏ والعسكرية.
لم‏ تربط‏ الدراسات‏ الكثيرة‏ التي‏ تحدثت‏ عن‏ نقاط‏ الضعف‏ في‏ تجربة‏ الفلسطيني‏ الآنفة الذكر‏، بين‏ الأمراض والأخطاء وبين‏ جذورها‏ ومقدماتها‏ في‏ تكوين‏ الفرد‏ المناضل ‏والتنظيم‏، ‏بل‏ أخذها الدارسون وتوصلوا‏ إلى مقولاتهم‏ وتحليلاتهم‏ بطريقة‏ أظهرتها مقطوعة‏ الجذور‏ ومخفية‏ العوامل‏ والأسباب، مما‏ حدّ‏ من‏ القدرة‏ على‏ الاستفادة‏ من‏ التجربة‏ وتصحيح‏ الأخطاء وتفادي‏ الوقوع‏ فيها‏ نفسها‏ في‏ تجارب‏ مقبلة‏ ولم‏ تسعف‏ النصائح‏ والمواعظ‏ التي‏ ألقيت على‏ مسامع‏ المناضلين‏ في‏ ساعات‏ الشدة‏ عندما‏ تعرضوا‏ للحظات‏ الاستجواب‏ والاعتقال‏. وقد‏ كثر‏ الحديث‏ لديهم‏ عن‏ لحظات‏ الانهيار‏ وسرعة‏ الاعتراف‏ وسيطرة‏ الخوف‏ وفقدان‏ التماسك‏ والجهل‏ باستشفاف‏ طريقة‏ المحقق‏ في‏ التفكير‏ وعالجوا‏ هذه‏ الظواهر‏ نظرياً‏ بنصائح‏ ووصايا‏ مجردة‏ تلقى‏ على‏ ذهن‏ المناضل‏ وبشكل‏ استظهاري‏ مثل‏ شد‏ حيلك، اصمد‏، لا تعترف، اصبر‏ لا تسمح لنفسك بالانهيار كن‏ جريئاً تسلح‏ بالشجاعة لا تجبن اقرأ‏ فلسفة‏ المجابهة‏ خلف‏ القضبان، تعلم‏ أساليب التحقيق".. الخ‏ ولكن‏ هذه‏ النصائح‏ تظل‏ مجرد‏ كلام‏ لا ينغرس‏ في‏ نفس‏ المناضل‏ ليكوِن‏ روحاً‏ وصفات‏ نضالية‏ تعصمه‏ ساعة‏ الخطر‏، فما‏ أن يتعرض‏ للتجربة‏ ويساق‏ إلى أقبية التحقيق‏ حتى‏ تتبخر‏ من‏ ذهنه‏ كل‏ تلك‏ النصائح‏ والكلمات‏ ولطالما‏ جرى‏ الحديث‏، ‏أيضاً‏ كما‏ سمي‏ بالإرادة الثورية‏ التي‏ يفترض‏ أن يتسلح‏ بها‏ المناضل‏ وعن‏ مفاهيم‏ أمنية كالسرية‏ والجدية‏ والانضباط‏ والأمن والالتزام‏ وهي‏ مفاهيم‏ لا تلقن‏ بالكلام‏، ‏وإنما‏ تبنى‏ كصفات‏ لازمة‏ في‏ المناضل‏ وترسخ‏ جذورها‏ في‏ الإيمان الذي‏ يكتنف‏ الروح‏ والقلب، ‏وحتى‏ مفاهيم‏ السرية‏ والجدية‏ والانضباط‏ كانت‏ تغيب‏ وتختفي‏ مع‏ غياب‏ الرقابة‏ الخارجية‏ بسبب‏ بسيط‏ هو أنها لم‏ تنبع‏ من‏ داخل‏ الفرد‏، ‏ولا رقيب‏ داخلياً‏ عليها‏، ‏لذلك‏ يسهل‏ أن تسقط‏ أمام أول مأزق‏ بين‏ يدي‏ رجال‏ المخابرات‏ في‏ أقبية التحقيق.
إن أجهزة المخابرات‏ إنما تنتصر‏ علينا‏ بضعفنا‏ وجهلنا‏ بمنافذ‏ قوتها‏ وأساليبها.
وتلك‏ الأمراض والأخطار شخصت‏ كعلة‏ أساسية، ولم‏ تشخص‏ على‏ حقيقتها‏ كأخطاء‏ في‏ بناء‏ الشخصية‏ ولان‏ التشخيص‏ لم‏ يكن‏ صحيحاً‏ فلم‏ يكن‏ العلاج‏ ناجحاً‏ ولذلك‏استشرت‏ الأخطاء والأمراض وتراكمت‏ وصار‏ علاجها‏ أشد‏ صعوبة.
وفي‏ المقابل‏ يستمر‏ المحقق‏ الصهيوني‏ في‏ تطوير‏ أدواته مستفيداً‏ من‏ تنوع‏ الخبرات‏ التي‏ تعرض‏ له‏ أثناء ممارسته‏ مهمته‏ وتعدد‏ الحالات‏ المتنوعة‏ التي‏ يدرسها‏ مع‏ استمرار‏ عمليات‏ الاعتقال‏ والتعذيب‏ الممارسة‏ يومياً‏ ضد‏ شعبنا وحتى‏ نحرز‏ النصر‏ لابد‏ لنا‏ حسب‏ تعاليم‏ الإسلام أن نحوز‏ على‏ عدة‏ النصر‏ وأولى عدة‏ النصر‏ هي عناصر القوة‏ بكل‏ أشكالها. وبما‏ أن المسلمين‏ مستضعفون‏ في‏ الأرض، ومتخلفون‏ في‏ مجال‏ التقدم‏ العلمي‏ والتكنولوجي‏، ‏فإن‏ علينا‏ أن نعمل‏ على‏ حيازة‏ أساليب التقدم‏ واستغلال‏ كل‏ ما يتيسر لنا‏ من‏ سلاح‏ لإيقاع الخسائر‏ في‏ صفوف‏ الأعداء. وللسلاح‏ وجهان‏، الأول: مادي‏ وهو‏ المعدات‏ والآلات من‏ مسدسات‏ وبنادق‏ وقنابل‏ وسائر‏ أنواع الأسلحة المعروفة، والثاني‏ معنوي‏ وهو‏ طريقة‏ استعمال‏ السلاح‏ أي التدريب‏ عليه‏ والمهارة‏ في‏ استخدامه‏، والظروف‏ المحيطة‏ بالعمل‏ المسلح ومن‏ أجل‏ إنجاح ألعمل‏ العسكري‏ لا بد‏ من‏، ‏‏إنشاء‏ التنظيم‏ الذي‏ يكفل‏ للاخوة‏ العاملين‏ بالسلاح‏ أن يحققوا‏ إنجازاتهم الملموسة‏ فالمجاهد‏ بالسلاح‏ يحتاج‏ إلى دعم‏ مادي‏ يتحصل‏ بواسطته‏ على‏ السلاح‏، ويحتاج‏ إلى بيئة‏ جماهيرية‏ تفرز‏ المجاهدين‏ وتربيهم‏ وتؤويهم‏ وتحميهم‏ من‏ كيد‏ الأعداء، ‏ومحاولات‏ كشفهم‏، ‏وتقدم‏ لذويهم‏ المعونة‏ إذا‏نا لهم‏ قدر‏ الله‏ بالشهادة‏ أو الأسر، ‏ولابد‏ من‏‏ جهاز‏ أمني يجمع‏ المعلومات‏ ويحدد‏ الأهداف من‏ حيث‏ إمكان الوصول‏ إليها ويساعد‏ على‏ تجنب‏ المصائد‏ الأمنية، ‏ولابد‏ من‏ جهاز‏ إعلامي يشرح‏ للناس‏ مقاصد‏ المجاهدين‏ ويقوي‏ في‏ الجماهير‏ نزعة‏ المشاركة‏ في‏ العمل‏ الجهادي‏، ولابد‏ على‏ رأس‏ ذلك‏ من‏ قيادة‏ توجه‏ وتخطط‏ وتحدد‏ المهام‏، ‏وتستخلص‏ العبر‏ من‏ مجريات‏ الأحداث ومن‏ النجاحات‏ التي‏ يحرزها‏ المجاهدون‏، ‏ومن‏ العثرات‏ التي‏ يقعون‏ فيها.
باختصار فان‏ العملية‏ الجهادية‏ كل‏ متكامل‏ تصنعه‏ مجموعة‏ من‏ العناصر‏ والوسائل‏ التي‏ نتعلمها‏ كما‏ نتعلم‏ أي علم‏ آخر‏، لذلك‏ علينا‏ أن ندرس‏ تجارب‏ الآخرين، ‏ونطلع‏ على‏ أساليب الشعوب‏ المختلفة‏ التي‏ عاشت‏ وضعاً‏ يشبه‏ وضع‏ شعبنا‏ تحت‏ الاحتلال‏، وعلينا‏ أن ندرس‏ نظريات‏ الأمن وأساليب التحقيق‏ ووسائل‏ أجهزة المخابرات‏، وأن‏ نرصد‏ التجارب‏ التي‏ استفدناها‏ من‏ خبراتنا‏ الشخصية‏ ومن‏ خبرات‏ التنظيمات‏ التي‏ نشطت‏ على‏ الساحة‏ الفلسطينية‏ في‏ العقود‏ الأخيرة، ثم‏ علينا‏ أن ندرس‏ واقع‏ الصهاينة‏ وأساليب تفكيرهم‏، ‏وتركيبتهم‏ العسكرية‏ والأمنية.
وفي‏ الأبواب التالية‏ سنعرض‏ لأساليب المخابرات‏ الصهيونية‏ في‏ الإيقاع بالمجاهدين‏، والأساليب التي‏ يتبعها‏ المحقق‏ الصهيوني‏، وسنحاول‏ تقديم‏ نصائح‏ حسب‏ تجربتنا‏ لتفادي‏ هذه‏ الأساليب وإفشالها.
أسباب الانهيار في التحقيق من أخطاء تجربة العمل الفلسطيني ( 1967_ 1987) :
إن تحليلاً‏ أعمق‏ لجملة‏ المعطيات‏ والحيثيات‏ التي‏ تحكم‏ السلوك‏ البشري‏، وفهم‏ نمط‏ العلاقة‏ التي‏ تربط‏ المناضلين‏ فيما‏ بينهم‏ وبتنظيماتهم‏، وإدراك الطبيعة‏ الوظيفية‏ لمهماتهم‏، يساعد‏ في‏ تشخيص‏ تلك‏ العلل‏ والأخطاء واستخلاص‏ أساليب علاجها‏ .
ولذلك‏ فإننا سنتحدث‏ هنا‏ بالتفصيل‏ عن‏ ثلاثة‏ أخطاء جوهرية‏ واكبت‏ العمل‏ التنظيمي‏ طوال‏ عشرين‏ عاماً‏ من67 ‏حتى‏ 1987 م وكان لها دور أساسي في إنهيار المناضلين في تجربة التحقيق وبالتالي في إضعاف قدرة التنظيمات على تحقيق أهدافها :

اولاً‏
‏النمط‏ الغريزي‏ في‏ السلوك‏ الإنساني
لقد‏ شكل‏ الإسلام كعقيدة‏ وشريعة‏ ومنهج‏ حياة‏، ‏مدرسة‏ تربوية‏ سعت‏ إلى صياغة‏ الشخصية‏ المسلمة‏ وفق‏ قيم‏ روحية‏ وأخلاقية سامية‏، أهم ما‏ قصدته‏ التربية‏ الإسلامية هو‏ ضبط‏ سلوك‏ الإنسان ولكن‏ بعد‏ أن حكمت‏ المجتمعات‏ الإسلامية قوى‏ غريبة‏ على‏ الإسلام وأزاحته عن‏ تصدر‏ وقيادة‏ حياة‏ المجتمع‏، ‏وبعد‏ أن طفت‏ على‏ سطح‏ الحياة‏ اليومية‏ فئات‏ تدعي‏ الوصاية‏ على‏ الإسلام والمسلمين‏ وعملت‏ على‏ إفراغه من‏ قيمه‏ التربوية‏ الرفيعة‏، وتغييب‏ فاعليته‏ في‏ بناء‏ الفرد‏ والمجتمع‏، فان‏ هذه‏ الفئات‏ فصلت‏ الإنسان المسلم‏ عن‏ قيمه‏ الروحية‏ وتراثه‏ ومعتقداته‏ السامية‏، وأفرغته من‏ الداخل‏ فصار‏ هشاً‏ سهل‏ الانكسار‏ أمام الأعداء، خاضعاً‏ لغرائزه.
وفي‏ فلسطين‏ أيضاً‏ جرد‏ الشعب‏ المسلم‏ إلى حد‏ كبير‏ من‏ تواصله‏ الحضاري‏ مع‏ عقيدته‏ الإسلامية، وبينما‏ كان‏ أعداؤنا يعيدون‏ تشكيل‏ الشخصية‏ اليهودية‏ حسب‏ أساطير التوراة‏ ونصوص‏ التلمود‏، كان‏ الشعب‏ الفلسطيني‏ يتعرض‏ إلى ثقافات‏ أثرت سلباً‏ في‏ شخصيته‏ وأوقعت تخبطاً‏ سياسياً‏ وثقافياً‏ في‏ المجتمع‏، ‏مما‏ سهل‏ على‏ العدو‏ اختراق‏ الواقع‏ الفلسطيني‏.
وكانت‏ النتيجة‏ واضحة‏ في‏ المجال‏ العسكري‏ أيضاً‏، وقبل‏ ذلك‏ على‏ خطوط‏ النار‏ العربية‏ وفي‏ المجال‏ الأمني، وفي‏ أقبية التحقيق‏ كثيراً‏ ما‏ بدا‏ المستجوَبُ‏ ضعيفاً‏ أمام المستجوِب‏، ‏متأثراً‏ ومبهوراً‏ بقوة‏ الخصم‏ وسعة‏ معلوماته‏ ومنهجية‏ تفكيره و‏في‏ جانب‏ آخر كانت‏ حسابات‏ "المناضل‏" تظهر‏ غير‏ دقيقة‏ وغير‏ مدروسة‏، في‏ تصور‏ قوة‏ العدو‏ وأساليب عمله.
من‏ هنا‏ فان‏ النمط‏ الغريزي‏ في‏ الشخصية‏ الإنسانية هو‏ ذلك‏ النمط‏ الذي‏ يمثل‏ حالة‏ الضعف‏ القصوى‏، وضمور‏ المحفزات‏ النضالية‏ والأخلاقية، ‏حيث‏ أن الفرد‏ صاحب‏ السلوك‏ الغريزي‏ يخضع‏ للخوف‏ حفاظاً‏ على‏ نفسه‏، ‏ويقدم‏ منافعه‏ الشخصية‏ على‏ الأهداف العليا‏، ‏وحتى‏ حين‏ يؤمن‏ بالفكرة‏ فهو‏ أضعف‏ في‏ الدفاع‏ عنها‏ لأنه لا يملك‏ الإرادة ولا‏ الروح‏ المؤمنة‏ التي‏ تساهم‏ في‏ رفع‏ الإنسان فوق‏ المستويات‏ العادية‏ من‏ السلوك‏ الإنساني، ‏والتي‏ تخول‏ الفرد‏ حمل‏ اسم‏ "مجاهد" حقيقي.
هذا‏ تعريف‏ عام‏ للنمط‏ الغريزي‏، الذي‏ شكل‏ ويشكل‏ أهم الأمراض الرئيسية‏ في‏ جدار‏ المواجهة‏ مع‏ المحقق‏ الصهيوني.
وسنتعرض‏ فيما‏ يلي‏ لأهم صفات‏ هذا‏ النمط‏:
خصائص‏ النمط‏ الغريزي‏ :
أ‏ -‏ ضعف‏ الدافع‏:
إذا أراد إنسان ما أن يصل‏ إلى هدف‏ معين‏ فإنه‏ أولاً‏ يحتاج‏ إلى دافع‏ يكبر‏ في‏ قلبه‏ ويشد‏ من‏ عزيمته‏ ويدفعه‏ لتحمل‏ الآلام والمشقات‏ والسير‏ في‏ الصعاب‏ للوصول‏ إلى الهدف‏ ويكون‏ الدافع‏ عادة‏ أسمى من‏ الحفاظ‏ على‏ الذات‏، فيندفع‏ المرء‏ لتحقيق‏ هدفه‏ السامي‏ منشغلاً‏ كل‏ الانشغال‏ عن‏ حاجات‏ جسده‏ وغير‏ عابئ بما‏ يعتريه‏ من‏ جراح‏ ونكبات‏ ومن‏ جوع‏ وآلام‏ وغير‏ منتظر‏ مكافأة‏ ، ‏وغير‏ مدفوع‏ بترهيب‏ وترغيب‏. إن الدافع‏ هو‏ الإيمان وهو‏ العقيدة‏ لأنها تغرس‏ المحرك‏ في‏ النفس‏ البشرية‏ وكما‏ قال‏ تعالى‏ (يا آيها الذين‏ آمنوا هل‏ أدلكم على‏ تجارة‏ تنجيكم‏ من‏ عذاب‏ اليم‏ ، ‏تؤمنون‏ بالله‏ ورسوله‏ وتجاهدون‏ في‏ سبيل‏ الله‏ بأموالكم‏ وأنفسكم، ذلكم‏ خير‏ لكم‏ إن كنتم‏ تعلمون‏)
ب - السلوك الغريزي :
ينحصر تفكير الانسان ذي النمط الغريزي في إشباع حاجاته من أكل وشرب ونوم ولباس وأشباع حاجته الجنسية . وهو يستجيب للأحداث استجابة تلبي إشباع هذه الحاجات . بحيث أن كل فعل يصدر عنه ينتظر مردوداً يكافئ فيه هذا الفعل بما يتحقق مع هذه الحاجات . ولذلك فإن استجابته لا تنبع من عملية عقلية وبمعنى آخر فهو منفعل بالأحداث لا فاعل فيها إذ تكون‏ ردود‏ أفعاله عاطفية‏ ومتأثرة‏ إلى أبعد‏ الحدود‏ ويكون‏ سريع‏ التوتر‏، سريع‏ الهدوء‏، ويكاد‏ لا يصلح‏ لمواجهة‏ الأحداث الجسام‏ والمآزق‏ الخطرة‏.
ج‏ -‏ حب‏ البروز‏ :
إحدى الصفات‏ الأساسية لصاحب‏ النمط‏ الغريزي‏ هي‏ اهتمامه‏ بأن‏ يعرف‏ الآخرون بأنه إنسان ذو‏ شأن‏ ومكانة‏ عالية‏ تميزه‏ عن‏ غيره‏ لذلك‏ فإننا‏ نراه‏ يميل‏ إلى نسج‏ واختراع‏ حكايات‏ كاذبة‏ يبدو‏ فيها‏ بطلاً‏ كأن‏ يدعي‏ أنه‏ قاتل‏ في‏ المكان‏ الفلاني‏ وألقي زجاجة‏ حارقة‏ في‏ اليوم‏ الفلاني‏ وأطلق الرصاص‏ في‏ المظاهرة‏ الفلانية‏ وأن‏ له‏ موعداً‏ الليلة‏ -‏ مثلاً‏ -‏ مع‏ مجاهدين‏ لتدبير‏ عملية‏ مقاومة‏، ..الخ‏ وهو‏ حتى‏ إذا شارك‏ فعلياً‏ في‏ المقاومة‏ فلن‏ يتورع‏ عن‏ إفشاء أسرارها حباً‏ بإظهار ذاته‏ غير‏ حاسب‏ للعواقب‏ الوخيمة‏ وراء‏ ذلك.
إن هذا‏ السلوك‏ يعبر‏ عن‏ ضعف‏ ومركب‏ نقص‏ نفسي‏ لدى‏ صاحب‏ النمط‏ الغريزي‏ الذي‏ تنعدم‏ عنده‏ أدنى حدود‏ السرية‏، ‏ومعروف‏ أن السرية‏ هي‏ أهم عناصر‏ العمل‏ الجهادي‏ ولا يمكنها‏ أن تعيش‏ في‏ قلب‏ واحد‏ يملأه‏ حب‏ البروز.
د‏ -‏‏‏‏‏ الانتماء‏ العفوي‏ :
كون‏ صاحب‏ النمط‏ الغريزي‏ يتفاعل‏ بدافع‏ العاطفة‏ لا‏ العقل‏، ‏فإن‏ انتماءه‏ للمقاومة‏ لا‏ يكون‏ إلا انتماء عفوياً‏، ‏بمعنى‏ أنه‏ انتماء‏ غير‏ خاضع‏ لدراسة‏ العقل‏ والتمحيص‏ وإيمان الروح‏، فتكون‏ نفسيته‏ قلقة‏ وشخصيته‏ متقلبة‏ وانتماؤه‏ التنظيمي‏ غير‏ ثابت‏ حيث‏ قد‏ يعرض‏ لموقف‏ عاطفي (من‏ صداقة‏ وميل‏ نفسي‏ ونحوه‏‏) شبيه‏ بالموقف‏ الذي‏ جعله‏ ينتمي‏ لتنظيم‏ معين‏ وسرعان‏ ما‏ يغير‏ موقعه‏ وينتمي‏ لتنظيم‏ آخر، ‏وهذا‏ عنصر‏ غاية‏ في‏ الإرباك للعمل‏ السري‏ ومقومات‏ التنظيم‏، ويعرض‏ التنظيمات‏ للانكشاف‏ واضطراب‏ الخطط.
هـ‏ -‏ الجبن‏ وعدم‏ الثبات‏ :
صاحب‏ النمط‏ الغريزي‏ عُرضةٌ‏ للتأثير‏ الشديد‏ بالانفعالات‏ والأحداث المفاجئة‏ وهو‏ لا‏ يتقن‏ التصرف‏ في‏ الكثير‏ من‏ الأحوال ويميز‏ الخوف‏ الشديد‏ سلوكه‏ وتصرفاته‏، ‏فإن‏ رأى في‏ الحراسة‏ ظل‏ الأشجار ظنها‏ أشباحاً‏ تتحرك‏، ‏وربما‏ أطلق الرصاص‏، وربما‏ أصاب أخاً‏ له‏ خارجاً‏ لقضاء‏ حاجة.
إنه‏ شخص‏ مرتجف‏ وضعيف‏ مستلب‏ لخيالات‏ الخطر‏ وأوهامه النابعة‏ من‏ داخله‏. إنه‏ إنسان تبعي‏ منقاد‏ لغرائزه‏ نراه‏ سلساً‏ متجاوباً‏ مع‏ ضابط‏ المخابرات‏ أثناء التحقيق‏، ضعيفاً‏ مرتعداً‏ أمام التعذيب‏ وليس‏ بوسعه‏ أن يخفي‏ شيئاً‏ مهما‏ صغر‏. إن الإنسان الغريزي‏ يتصف‏ باليأس‏ والانفلاش‏، ‏وهو‏ مظهري‏ السلوك‏ متقلب‏ عديم‏ المبادرة‏، يتقدم‏ الناس‏ في‏ مواطن‏ الراحة‏ ويتراجع‏ في‏ مواطن‏ الخطر‏ ومؤكد‏ بعد‏ ذلك‏ أن هذه‏ الصفات‏ إن وجدت‏ في‏ شخص‏ ما‏ فإنها تحكم‏ عليه‏ بالتفكك‏ والميوعة‏ وان‏ ظهرت‏ في‏ مجموعة‏ فإنها تحكم‏ عليها‏ بالفناء‏، وإذا تفشت‏ في‏ المجتمع‏ صار‏ ملعباً‏ للذل‏ والهوان‏ والخسران‏. والإسلام وحده‏ القادر‏ على‏ تربية‏ الشخصية‏ وغسلها‏ من‏ احتمالات‏ وجود‏ بعض‏ صفات‏ النمط‏ الغريزي‏.
( ‏إن‏ هذا‏ القرآن‏ يهدي‏ للتي‏ هي‏ أقوم)

ثانياً‏
هشاشة‏ البناء‏ التنظيمي
برز‏ في‏ تجربة‏ العمل‏ النضالي‏ الفلسطيني‏ بعد‏ حزيران‏ ‏الكثير‏ من‏ الأخطاء النابعة‏ من‏ عدم‏ أهلية وضعف‏ كفاءة‏ الفدائي‏ من‏ جهة‏، ومن‏ ضعف‏ البنية‏ التنظيمية‏ التي‏ عمل‏ من‏ خلالها‏ من‏ جهة‏ أخرى وتعاظمت‏ الإشكالية في‏ هذا‏ الخصوص‏ حيث لم‏ يعالج‏ الخلل‏ التنظيمي‏ ولم‏ يداو‏ الضعف‏ الذاتي‏ فتشكلت‏ ثغرة‏ واسعة‏ نفذت‏ المخابرات‏ الصهيونية‏ من‏ خلالها‏ وتمكنت‏ في‏ كثير‏ من‏ الأحيان من‏ ضرب‏ الخلايا‏ التنظيمية‏. وإفشال المهمات‏ العسكرية‏ في‏ مهدها‏ بالكامل‏ وفي‏ فترة‏ زمنية‏ قصيرة‏ وفي‏ بعض‏ الأحيان اعتقل‏ أفراد تنظيم‏ ما‏ وكشفت‏ جميع‏ خلاياه‏ من‏ عنصر‏ ونصير‏ ومساعد‏ في‏ ليلة‏ واحدة.
إن معالجة‏ هذه الظاهرة‏ تستدعي‏ معرفةً‏ بالأشكال التنظيمية‏ التي‏ طبقت‏‏، وكيف‏ نفكر‏ في‏ بناء‏ الخلايا‏ التنظيمية‏ من‏ جهتنا.
أولاً -‏ التنظيم‏ العفوي‏ :
يقتضي‏ العمل‏ الفدائي‏ ضد‏ الاحتلال‏ وجود‏ شكل‏ راقٍ‏ من‏ أشكال التنظيم‏ السري‏ المحكم‏ الذي‏ من‏ شأنه‏ الصمود‏ في‏ وجه‏ العدو‏ وأمام أذرعته الأخطبوطية الأمنية، ‏غير‏ أن التنظيم‏ العفوي‏ يبدو‏ في‏ هذا‏ السياق‏ أضعف‏ أشكال التنظيم فهو‏ لا‏ يعتمد‏ على‏ عقلية‏ تأسيسية‏ واعية‏، ولا‏ يبحث‏ عن‏ كفاءات‏، ولا‏ ينتخب‏ كوادره‏ بعناية‏، ولا‏ يراعي القيام‏ بعمليات‏ إعداد مستفيض‏ أو مرحلة‏ تأهيلية. إنه‏ بكلمة‏ أخرى تنظيم‏ قائم‏ باعتباره‏ شبكة‏ علاقات‏ اجتماعية‏ لأشخاص معينين‏، وهو‏ تنظيم‏ يفتقر‏ للأطر والقنوات‏ ووجود‏ هيئات‏ محددة‏ تتواصل‏ بطرق‏ تنظيمية‏ ثابتة‏ ومدروسة‏ لا‏ بل‏ إنه‏ تجمع‏ مكشوف‏ بوسع‏ أي واحد‏ أن ينتسب‏ إليه ببساطة‏ وغالباً‏ ما‏ يكون‏ إطاره مقتصراً‏ على‏ الأصدقاء والأقارب والمعارف‏ وأبناء المنطقة‏ الواحدة‏ وقد‏ لا‏ يتعداها‏ بالإضافة إلى أنه‏ رابطة‏ لا‏ ينتظمها‏ فكر‏ يجمع‏ أعضاءً هو من‏ الأمثلة البارزة‏ على‏ هكذا‏ تنظيم‏ التجمعات‏ الأسرية وروابط‏ القرى‏ والمدن‏ والعائلات.
إننا نتحدث‏ هنا‏ عن شكل‏ تنظيمي‏ لا‏ يمكنه‏ أن يتحمل‏ متطلبات‏ العمل‏ النضالي‏ وجانبه‏ السري‏ خاصة‏.
لكن‏ الانفلاش‏ التنظيمي‏ الذي‏ حصل‏ في‏ واقع‏ الساحة‏ الفلسطينية‏ أدى إلى انفراط‏ بعض‏ الأشكال التنظيمية‏ الأخرى -‏ والتي‏ سنعرض‏ لها‏ لاحقاً‏ -‏ وتحولها‏ إلى شكل‏ عفوي‏ من‏ التنظيم‏. ولعله‏ من‏ نافل‏ القول‏ أن أسوأ الميزات‏ كالثرثرة‏ وانعدام‏ السرية‏ والوصولية‏ والانتهازية‏ واستغلال‏ التنظيم‏ لمآرب‏ خاصة‏ ستنخر‏ عظم‏ أي تنظيم‏ مهما‏ بلغت‏ درجة‏ قوته‏ وشعبيته‏، حين‏ يسمح‏ لهذا‏ الشكل‏ التنظيمي‏ أن يحتوي‏ مجمل نشاطاته‏.
وفيما‏ يلي‏ أحد الأمثلة المأخوذة‏ من‏ واقع‏ النضال‏ الفلسطيني‏ وتدل‏ على‏ مخاطر‏ التنظيم‏ العفوي‏: ‏-
 ‏في‏ بداية‏ عام‏1985 كانت‏ مجموعة‏ من‏ الشباب‏ تعمل‏ تحت‏ اسم‏ تنظيم‏ ما‏ في‏ أحد مخيمات‏ فلسطين‏، ‏وكانت‏ هذه‏ المجموعة‏ تقوم‏ بمهمات‏ إعلامية وتحريضية‏ وسياسية‏ وعسكرية‏ وكان‏ أغلب‏ سكان‏ المخيم‏ يتحسسون‏ وجود‏ هذه‏ المجموعة وفي‏ منتصف‏ شهر‏حزيران‏1985، في‏ ساعة‏ متأخرة‏ من‏ الليل‏، ‏تقدم‏ رجل‏ ملثم‏ بكوفية‏ وطرق‏ باب‏ أحد هؤلاء‏ الفتية‏ وناداه‏ باسمه‏ ‏-‏ خالد‏؟‏
-‏ نعم‏ أنا خالد‏ ماذا‏ تريد‏؟
-‏ أريد الحديث‏ معك‏ لخمسة‏ دقائق‏ قال‏ الرجل‏ الملثم‏ وتابع: -‏ أنت لا تعرفني‏ يا خالد.. أنا المسؤول‏ العسكري‏ عن‏ تنظيمكم‏ في‏ كامل‏ قطاع‏ غزة‏ وقد‏ سمعنا‏ عن‏ نشاطاتكم‏ وسعدنا‏ بهذه‏ النشاطات‏ لذلك‏ قررت‏ قيادة‏ الحركة‏ الاتصال‏ بكم‏ مباشرة‏ لمعرفة‏ حاجياتكم‏ من‏ الأسلحة وتبديل‏ الأسلحة القديمة ‏ومساعدتكم‏ بأموال من‏ أجل‏ العمل.
- فأجابه خالد : لايوجد عندنا أسلحة
- قال‏ الغريب‏: إذن‏ سوف‏ نحضر‏ لكم‏ أسلحة جديدة‏، وسأل‏ خالداً‏ عن‏ أفضل‏ الشباب‏ من‏ أصدقائه في‏ المجموعة‏ الذين‏ يعتمد‏ عليهم‏ في‏ التنظيم‏.
- فأجابه‏ خالد‏ على‏ الفور‏: فلان‏ وفلان‏ وفلان‏ وسأله‏ الرجل‏ الملثم‏ عن‏ أسماء المشكوك‏ فيهم‏ من‏ قبل‏ المجموعة‏.
ورتب‏ معه‏ لقاء آخر وبعدها‏ أبلغ‏ خالد‏ أصدقاءه بما‏ حدث وكان‏ الجميع‏ سعداء‏ لأن‏ علاقتهم‏ مع‏ القيادة‏ ستكون‏ مباشرة‏ منذ‏ تلك‏ اللحظة‏ ولكن‏ وبعد‏ عدة‏ أسابيع حصل‏ ما‏ لم‏ يكن‏ متوقعاً‏ ففي‏ إحدى ليالي‏ شهر‏ نوفمبر‏ "تشرين‏ ثاني" كان‏ جميع‏ أعضاء المجموعة‏ في‏ أقبية التعذيب‏ الصهيونية ... !
لقد‏ كان‏ الرجل‏ الملثم‏ ضابط‏ مخابرات‏ والبقية‏ معروفة‏.
ويجدر‏ أن نوضح‏ أنه‏ حتى‏ لو‏ لم‏ تجر‏ حادثة‏ مشابهة‏ لمثالنا‏ السابق‏ فإنه‏ يكفي‏ ضابط‏ المخابرات‏ الصهيوني‏ أن يسأل‏ من‏ هم‏ أصدقاء فلان‏؟‏ومن‏ هم‏ المقربون‏ له‏؟‏ ومن‏ هم‏ أقرباؤه؟‏ وبقليل‏ من‏ التحري‏ يستطيع‏ ختراق‏ التنظيم‏ العفوي‏.
ب‏ -‏ التنظيم‏ الهرمي‏ ‏:
يعتبر‏ التنظيم‏ الهرمي‏ أكثر‏ الأشكال التنظيمية‏ شيوعاً‏ وقدماً‏ وهو‏ شكل‏ أفضل‏ وأكثر‏ تطوراً‏ من‏ التنظيم‏ العفوي.
يتألف‏ التنظيم‏ الهرمي‏ من‏ مجموعات‏ من‏ الخلايا‏ وتتكون‏ الخلية‏ الواحدة‏ من‏ ثلاثة‏ إلى خمسة‏ أشخاص يقودها‏ أمين سر‏. ويؤلف‏ أمناء سر‏ الخلايا‏ خلية‏ أعلى قد‏ تسمى‏ لجنة‏ منطقة‏ ويؤلف‏ أمناء سر‏ المناطق‏ خلية‏ أعلى قد‏ تشكل‏ قيادة‏ للإقليم وقيادات‏ الأقاليم المختلفة‏ تؤلف‏ القيادة‏ العليا‏ للتنظيم‏ وهذا‏ الشكل‏ هو‏ أبسط‏ أشكال التنظيم‏ الهرمي‏ وإنما سمي‏ بالهرمي‏ كونه‏ يشبه‏ شكل‏ الهرم‏ في‏ التراتب‏ التنظيمي.
إن نظرة‏ إلى تجارب‏ العمل‏ بهذا‏ الشكل‏ من‏ التنظيم‏ تظهر‏ إن الكثير‏ منها‏ قد‏ لاقى‏ الفشل‏ والكشف‏ السريع‏ من‏ جانب‏ المخابرات‏ وهذا‏ يرجع‏ إلى عدة‏ سلبيات‏ لعل‏ أهمها.
 ‏1 -‏ إن شروط‏ السرية‏ للعمل‏ التنظيمي‏ والوقاية‏ من‏ سهولة‏ الوقوع‏ في‏ يد‏ المخابرات‏ تقتضي‏ إن يعرف‏ عضو‏ التنظيم‏ اقل‏ قدر‏ من‏ الأعضاء. ولكن‏ في‏ التنظيم‏ الهرمي‏ فإن‏ أمين سر‏ الخلية‏ أو المنطقة‏ يعرف‏ جميع‏ الأعضاء الأدنى منه‏ مرتبة‏ تنظيمية‏ ويعرف‏ أمناء سر‏ الخلايا‏ أو المناطق‏ الأخرى بالإضافة لمعرفته‏ بالشخص‏ الأعلى منه‏ تنظيمياً‏ (عنصر‏ الاتصال) ‏فماذا‏ لو‏ اعتقل‏ هذا‏ الشخص‏؟أو ماذا‏ يحدث‏ لو‏ اعتقل‏ أحد القيادات‏ العليا‏ في‏ التنظيم‏؟
 ‏2 -‏ المركزية‏ في‏ التنظيم‏ الهرمي‏ طاغية‏ على‏ العلاقات‏ بين‏ الهيئات‏ والأفراد حيث‏ أن الأوامر تعطى‏ من‏ الأعلى إلى الأسفل ولا مجال‏ لأفراد التنظيم‏ العاديين‏ أن يؤثروا‏ في‏ عمل‏ التنظيم‏ بمبادراتهم‏ واقتراحاتهم‏ وهذا‏ يحد‏ من‏ فاعلية‏ عمل‏ التنظيم‏ ، ‏خاصة‏ إذا تعرضت‏ قيادة‏ التنظيم‏ للاعتقال‏، أو حيل‏ بينها‏ وبين‏ الاتصال‏ بالمراتب‏ التنظيمية‏ الدنيا‏ حيث‏ لا مجال للمبادرة‏ والمبادهة‏ بين‏ أفراد التنظيم‏ في‏ هذه‏ الحالة‏.
 ‏3 -‏ يصعب‏ على‏ التنظيم‏ الهرمي‏ في‏ حال‏ وقوع‏ خطر‏ ما‏ أو تعرضه‏ لمأزق‏ أمني أن يغير‏ شكله‏، أو أن يبدل‏ مخططاته‏ بشكل‏ سريع‏ وذلك‏ لثلاثة‏ أسباب ‏-
أ‏ -‏ رسوخ‏ واقع‏ الاتصال‏ الثابت‏ (عدم‏ وجود‏ قنوات تبادلية‏ وأشخاص مؤهلين‏ لذلك) .
ب‏ -‏ ثبات‏ شكل‏ العلاقة‏ التنظيمية‏ والرتبة‏ التنظيمية‏ واعتمادها‏ بشكل‏ مطلق‏ على‏ مبادرات‏ الهيئات‏ العليا.
ج‏ -‏ اعتماد‏ هذا‏ التنظيم‏ على‏ خطة‏ تنظيمية‏ وبرنامج‏ يضبط‏ العمل‏ في‏ فترات‏ طويلة‏ نسبية‏، وخضوعه‏ لأوقات اتصال‏ محددة‏ ومتباعدة‏ بين‏ القيادات‏ والكوادر‏ التنظيمية‏ الأدنى.
4 ‏-‏ إمكانية كشف‏ التنظيم‏ بسهولة‏ نسبية‏، فيما‏ لو‏ حاولت‏ المخابرات‏ تقمص‏ دور‏ القيادة‏ أو مبعوثها‏ كما‏ حدث‏ في‏ مثال‏‏ (خالد) .
5 ‏-‏ عدم‏ قدرة‏ قيادة‏ التنظيم‏ على‏ الحصول‏ على‏ تقارير‏ دقيقة‏ تتعلق‏ بالوضع‏ التنظيمي‏، حيث‏ لا مجال لاتصال‏ أعضاء الخلايا‏ مثلاً‏ مع‏ القيادات‏ العليا‏ وعدم‏ قدرتها‏ على‏ استطلاع‏ أوضاع التنظيم‏ الدقيقة‏ واعتمادها‏ لذلك‏ على‏ الكوادر‏ المتصلة‏ بها‏ مباشرة‏ مما‏ يقوي‏ عنصر‏ الشللية‏ والفساد‏ والنزعة‏ العشائرية‏ والمناطقية ‏.
6 - إمكانية قيام‏ العدو‏ بزرع‏ عميل‏ يتدرج‏ تنظيمياً‏ حتى‏ يصل‏ مواقع‏ حساسة‏ في‏ جسم‏ التنظيم.
ثالثاً -‏ التنظيم‏ الحلقي‏ الشريطي
أُعتُمد‏ هذا‏ الشكل‏ التنظيمي‏ في‏ مجال‏ محدود‏ وضيق‏ في‏ الأرض المحتلة‏، ‏ويعتبر‏ أرقى من‏ الشكل‏ الهرمي‏ وأكثر‏ نجاعة‏ منه‏ في‏ العمل‏ الجهادي‏ السري ولكنه‏ ليس‏ النموذج‏ الأمثل.
 يظهر‏ من‏ اسم‏ التنظيم‏ أنه‏ يقوم‏ على‏ مجموعة‏ حلقات‏ متصلة‏ ببعضها‏ بشكل‏ سلسلة‏، وكل‏ حلقة‏ تتصل‏ بحلقتين‏ اثنتين‏ فقط‏ ونوضحها‏ كما‏ يلي‏ ‏يقوم‏ الشخص‏ أ‏ بالاتصال‏ بالشخص‏ ب ‏وهذا‏ بدوره‏ يتصل‏ بالشخص‏ ج ‏وهكذا‏ دواليك‏ ويلاحظ‏ أن الشخص‏ أ لا يعرف الشخص‏ ج ‏والشخص‏ ب ‏يعرف‏ الشخصين‏ أ ‏و ج ‏ولكنه‏ لا يعرف الشخص‏ د... وهكذا‏.
 إن أهم‏ ميزة‏ إيجابية لهذا‏ الشكل‏ التنظيمي‏ هو‏ أنه‏ غير‏ معرض‏ للاعتقالات‏ ذات‏ الطابع‏ الجماعي‏ على‏ عكس‏ الأشكال السابق‏ ذكرها‏. فإذا اعتقل‏ عنصر‏ ينتمي‏ إلى تنظيم‏ حلقي‏ فان‏ الاستجواب‏ يركز‏ على‏ معرفة‏ جوابين‏ ‏من‏ هو‏ مسؤولك‏؟-‏ من‏ هو‏ العنصر‏ الذي‏ تتصل‏ به‏؟‏ولذلك‏ فإن‏ عنصر‏ الوقت‏ لا يكون في‏ صالح‏ العدو‏ وإنما في‏ صالح‏ التنظيم‏ الذي‏ سوف‏ يتنبه‏ قبل‏ فوات‏ الأوان وسيكون‏ لديه‏ الوقت‏ الكافي‏ لاتخاذ‏ الاحتياطات‏ الوقائية‏ اللازمة.
ومما‏ لا‏ شك‏ فيه‏ أن صمود‏ المعتقل‏ في‏ التحقيق‏ أمام التعذيب‏ لا‏ يكسب‏ التنظيم‏ الحلقي‏ الوقت‏ للتصرف‏ فحسب‏، بل‏ يقطع‏ خيط‏ محاولة‏ التوصل‏ إلى معرفة‏ أعضاء التنظيم‏ كله‏ منذ‏ البداية‏ وبذلك‏ لا يتحقق سوى‏ اعتقال‏ شخص‏ واحد‏ إننا إذ نرى‏ فشل‏ هذه‏ النماذج‏ في‏ الأشكال التنظيمية‏ السابقة‏ فإننا باحتياج‏ إلى تطوير‏ شكل‏ تنظيمي‏ جديد‏ وهي الحلقة‏ المفقودة‏ بما ينسجم‏ مع‏ متطلبات‏ المرحلة .

ثالثاً‏
الجهل‏ بأساليب التحقيق‏ وكيفية‏ الرد‏ عليها
تقول‏ الحكمة‏: "اعرف‏ عدوك‏، واعرف‏ نفسك‏، فبذلك‏ تستطيع‏ أن تخوض‏ مائة معركة‏ بأقل الخسائر".
إن معرفة‏ كل‏ مقومات‏ وإمكانيات العدو‏ وطرائقه‏ وخططه‏ ومنهجيته‏ تحقق‏ شرطاً‏ هاماً‏ في‏ إحراز الانتصار‏ في‏ مواجهة‏ المحقق‏ لعل‏ الفكرة‏ الساذجة‏ التي‏ يحملها‏ بعض‏ المناضلين‏ عن‏ مجريات‏ الاعتقال‏ والتحقيق‏ ، ‏كثيراً‏ ما‏ توقعه‏ في‏ مطب‏ استسهال‏ الصمود‏ أثناء التحقيق‏ فالبعض‏ يعتقد‏ أن التحقيق‏ لا يعدو عن‏ كونه‏ لقاءً‏ مع‏ ضابط‏ مخابرات‏ يحمل‏ في‏ يده‏ عصا‏، ‏سيضربه‏ بها‏ ضرباً‏ مبرحاً‏ وهو‏ يصرخ‏ بصوت‏ عال‏ اعترف‏ اعترف مكيلاً‏ أبشع‏ الشتائم‏ وما‏ على‏ المناضل‏ إلا الصراخ‏ بصوت‏ عال‏ أيضاً‏ أو اللجوء‏ إلى الصمت‏ حتى‏ يتعب‏ المحقق‏ ثم‏ يلقي‏ عصاه‏ ويرفس‏ المناضل‏ بقدمه‏ يائساً‏ وصارخاً‏ في‏ وجهه‏ خذوه‏ إلى الزنزانة‏ حتى‏ يموت إلا أن التحقيق‏ غيرُ‏ ذلك‏ وليس‏ هناك‏ من‏ يستطيع‏ أن يؤكد‏ أن التحقيق‏ لا‏ يتجاوز‏ سوى‏ جولة‏ وغنيٌ‏ عن‏ القول‏ أن الصهاينة‏ أكثر‏ خبرة‏ من‏ بعض‏ أجهزة القمع‏ العربية‏، ‏وحتى‏ هذه‏ الأجهزة تخلت‏ عن‏ الأساليب التقليدية‏ المعروفة‏ وأصبحت تستفيد من الخبرة الصهيونية التي تقدم لها عبر القنوات الخلفية لإطالة عمر هذه الأنظمة.
إن التحقيق‏ المتبع‏ في‏ أقبية الاحتلال‏ الصهيوني‏ وقبل‏ كل‏ شيء‏، هو‏ برنامج‏ له‏ أبعاده النفسية والجسدية‏‏‏‏‏‏‏‏ القائمة‏ على‏ معارف‏ طبية‏‏ وسيكولوجية‏ واجتماعية‏، وما‏ أكثر‏ الأساليب التي‏ يمكن‏ ابتداعها‏ وتطويرها‏ انطلاقاً‏ من‏ معرفة‏ العدو‏ بالبيئة‏ والمجتمع‏ العربيين‏ وخاصة‏ القضايا‏ ذات‏ الحساسية‏ الخاصة‏ لدى‏ العربي‏ مثل‏ الشرف‏ والعرض‏ والدين‏ ومفاهيم‏ الرجولة‏ والصدق‏... الخ‏ وسنعرض‏ لاحقاً‏ للبحث‏ في‏ كل‏ هذا.
 هناك‏ فكرة‏ أخرى عن‏ التعذيب‏ تضخمه‏ إلى حد‏ يصبح‏ فيه‏ الهاجس‏ نفسه‏ مخيفاً‏ أكثر‏ من‏ الواقع‏، وكثيراً‏ ما‏ نسمع‏ من‏ يقول‏: إن المحقق‏ يعرف‏ كل‏ شيء‏ أولاً‏ وهو‏ شخص‏ غير‏ عادي‏ وان‏ التعذيب‏ هو‏ كهرباء‏ وكي‏ وتحطيم‏ أعضاء وتعليق‏ وأساليب أخرى لا‏ حصر‏ لها‏ هنا‏ ولكن‏ في‏ النهاية‏ يدخل‏ المعتقل‏ الذي‏ يحمل‏ هذا‏ التصور‏ كي‏ يواجه‏ التحقيق‏ وفي‏ داخله‏ استعداد‏ وقابلية‏ مسبقان‏ للانهيار‏ والاعتراف‏ خوفاً.
 إن وصايا‏ جاهزة‏ يسمعها‏ المناضل‏، وينصح‏ بتطبيقها‏ حال‏ تعرضه‏ للاعتقال‏، قد‏ لا تفي‏ وحدها‏ بغرض‏ الصمود‏ فحين‏ يعاهد‏ المعتقل‏ نفسه‏ على‏ أن يردد‏ العبارات‏ التالية‏ ‏-‏ "لم‏ اسمع‏ لم‏ أر، ‏لا‏ اعرف" ‏فانه‏ يعتقد‏ أنها ستحصنه‏ وتدعم‏ موقفه‏ في‏ التحقيق‏، ‏ولكن‏ غالباً‏ ما‏ يحدث‏ أن تسقط‏ هذه‏ العبارات‏ حين‏ ترتطم‏ بواقع‏ وأجواء التحقيق.
 ولأن‏ تلك‏ الوصايا‏ نابعة‏ من‏ الفهم‏ الساذج‏ لعملية‏ التحقيق‏، فإن‏ المناضل‏ سيكتشف‏ أن ضابط‏ المخابرات‏ لا يحمل‏ عصا‏ فقط‏، ‏بل‏ يستخدم‏ طرقاً‏ علمية‏ وأساليب حديثة‏ فيتزعزع‏ ثباته‏ يقف‏ المناضل‏ ضعيفاً‏، ‏مقطوعاً‏، ‏عارياً‏ أمام ضابط‏ التحقيق‏ حين‏ تكون‏ حالته‏ تلك‏ التي‏ سبق‏ ذكرها‏ ويصبح‏ مدفوعاً‏ برغبة‏ الخلاص‏، حين‏ تضعه‏ أساليب التحقيق‏ في‏ مناخ‏ نفسي‏ قاس‏ وتخيره‏ بين‏ أمر كبير‏ وأمر صغير‏ فضابط‏ المخابرات‏ الذي‏ يطلب‏ من‏ المعتقل‏ أن يخلع‏ ملابسه‏‏ يدرك‏ أن التربية‏ والعادات‏ الاجتماعية‏ المختزنة‏ تقيم‏ حاجزاً‏ من‏ الحياء‏ ذي‏ الطابع‏ الديني‏ خاصة‏، ‏يمنعه‏ من‏ التعري‏، ولكن‏ إذا توغلنا‏ في‏ التصور‏ أكثر‏ وافترضنا‏ أنه‏ أمام ثبات‏ المناضل‏ ضد‏ هذا‏ الأسلوب، قام‏ المحقق‏ باستدعاء‏ أخته أو زوجته‏ وهدده‏ بالاعتداء‏ عليها‏، فإن‏ الأمر سيتغير‏ فما‏ أن يرفع‏ المحقق‏ سماعة‏ الهاتف‏ ويقول‏: ‏إحضر‏ فلانة الآن فإنه‏ يتوقع‏ في‏ نفس‏ الوقت‏ أن تهتز‏ أوتار‏ توازن‏ شخصية‏ المعتقل‏ اهتزازاً‏ عنيفاً‏، ‏ويجعل‏ ضميره‏ يصرخ‏ داخله‏ شرفك‏، عرضك‏، الناس‏، مجنون ويصل‏ توتره‏ إلى مداه‏ ويصبح‏ عاجزاً‏ عن‏ التفكير‏ أن هذا‏ التوتر‏ العالي‏ يجد‏ له‏ متسعاً‏ للتفريغ‏ عبر‏ بوابة‏ واحدة‏ وهي‏ أن يدلي‏ بأية معلومات‏، أية معلومات‏ يمكنها‏ أن تلغي‏ إحضار أخته أو زوجته‏ أو ابنته‏ للمعتقل‏ إنه‏ هنا‏ عرضة‏ لصراع‏ مدمر‏ بين‏ الكرامة‏ والشرف‏ الشخصيين‏، ‏وبين‏ القضية‏ والمبدأ‏ اللذين‏ من‏ أجلهما‏ زج‏ به‏ في‏ المعتقل‏ إنه‏ يسأل‏: أيهما المقدس‏ والثابت‏ في‏ النفس‏ اكثر‏؟ أيهما المتغير‏؟ ... أيهما يمكن‏ التضحية‏ به‏ لحساب‏ الآخر؟ ... وأيهما لا مجال‏ للتفريط‏ به‏ على‏ الإطلاق؟‏ إن شريط‏ التخيل‏ الذي‏ يعبر‏ ذهنه‏ كمشهد‏ حاضر‏، ‏منذ‏ رحلة‏ جنود‏ الاحتلال‏ وتوقف‏ السيارات‏ أمام منزله‏ ثم‏ اقتحامهم‏ الباب‏، ‏وكيف‏ سيأخذون‏ ابنته‏ أو زوجته‏ كيف‏ سيجرونها‏ إلى السيارة‏ وعيون‏ الناس‏ الشاخصة‏ إلى ذلك‏ المنظر‏ واختفاء‏ المرأة‏ بين‏ الجنود‏ وأسئلة أخرى ‏-‏ هل‏ سيترك‏ هؤلاء‏ الجنود‏ شرفه‏ دون‏ أن يمس‏؟‏.. ألن‏ يفهم‏ الناس‏ ما‏ يجري‏ بطريقة‏ مختلفة‏؟ وماذا‏ ستقول‏ الأخت أو الزوجة‏؟ ‏ثم‏ ماذا‏ يقول‏ ضميره‏؟‏... ، ‏شرفك‏ يا مجنون‏ هؤلاء‏ يهود‏ "طز‏" على‏ كل‏ العالم‏ لا‏ تضح‏ بشرفك‏ هذا‏ الشريط‏، ‏عندما‏ يدور‏ في‏ ذهن‏ المناضل‏، وهو‏ يعيش‏ اللحظات‏ العصيبة‏، وينتظر‏ الساعات‏ المرة‏، يجعله‏ ينهار‏، وربما‏ قد‏ يصرخ‏ أريد أن اعترف‏... أريد أن اعترف... قد‏ حصلت‏ حالات‏ مشابهة‏، ‏وعندما‏ سئل‏ رجل‏ معروف‏ بصلابته‏، لماذا‏ اعترفت‏؟ ‏تنهد‏ وقال‏ (عندما‏ عجزوا‏ أن يأخذوا‏ مني‏ اعترافاً‏ هددوني‏ بأنهم‏ سيحضرون‏ بناتي‏ في‏ الليل) ‏وبعد‏ ساعة‏ كان‏ وحيداً‏ في‏ الزنزانة‏ يصرخ‏، "أريد أن اعترف‏ أريد أن اعترف" .
والحقيقة‏ أن الصهاينة‏ غالباً‏ ما‏ يتوقفون‏ في‏ هذه‏ الأمور عند‏ حدود‏ التهديد‏ فقط غير‏ أننا لا‏ نستطيع‏ أن نتجاهل‏ إمكانية حدوثها‏ والمناضل‏ الذي‏ يجهل‏ أساليب وطرق‏ التحقيق‏ سيكون‏ عرضة‏ للانهيار وكم‏ من‏ المناضلين‏ الأشداء وقعوا‏ في‏ شرك‏ الاستجواب‏ وانهاروا‏ لجهلهم‏ بأساليب المخابرات.
 التحقيق‏ يعتمد‏ في‏ أول خطواته‏ على‏ البحث‏ عن‏ ثغرة‏ في‏ نفسية‏ المناضل‏ كي‏ يدخل‏ منها‏ ‏ويجعلها‏ منطلقاً‏ لمواصلة‏ هجوم‏ المحقق ويلبس‏ المحقق‏ أقنعة مختلفة‏ ويحاول‏ أن يبدو‏ بمظاهر‏ مصطنعة‏ مظهر‏ تمثيلي ‏لكي‏ يدخل‏ إلى عمق‏ هواجس‏ المعتقل‏ وطريقة‏ تفكيره‏ ويبدو‏ كل‏ شيء‏ مدروساً‏ في‏ حركات‏ المحقق‏ وتصرفاته‏ فالنظرة‏، ‏والابتسامة‏، ‏والحركة‏، والإغراء، والغضب‏، والضرب‏، والحماية‏ (من‏ محقق‏ يمثل‏ دور‏ الشرس) ‏، والصراخ‏ والشفقة‏، ‏والتهديد‏، والعدو‏، والصديق‏، والعطف، جميعها‏ مظاهر‏ تمثيلية‏ مصطنعة‏ وليس‏ لها‏ جذور‏ في‏ نفس‏ المحقق‏ وإنما‏ يراد‏ من‏ ورائها‏ أن يختبر‏ أي الأشكال يجدي‏ نفعاً‏ مع‏ نموذج‏ المعتقل‏ الواقف‏ أمامه.
 إن المعرفة‏ الكاملة‏ بهذه‏ الأساليب وبهذه‏ الأدوار وبهذا‏ الإعداد المسرحي‏ لجو‏ التحقيق‏، إن توفرت‏ لدى‏ المجاهد‏ المعتقل‏ فإنه‏ لن‏ يشعر‏ بالوجل‏ أو التخاذل‏ وليكن‏ إيمانه بالله‏ وإسلامه‏ وبقضيته‏ ومهمته‏ الجهادية‏، قوياً‏ بحيث‏ يجعله‏ أكثر‏ صموداً‏ وأصلب‏ عزيمة‏ في‏ مواجهة‏ الأساليب الخبيثة‏ للمحقق‏ الصهيوني.
 وليس‏ جديداً‏ القول‏ إن إنسان العقيدة‏ الذي‏ يعتمد‏ على‏ بنية‏ تنظيمية‏ قوية‏ (وهي‏ الحلقة‏ المفقودة‏ في‏ هذه‏ الأيام)، ويعرف‏ أساليب المحققين‏ معرفة‏ كاملة‏ هو‏ المؤهل‏ لان‏ يكون‏ جداراً‏ ساتراً‏ لعمل‏ اخوته‏ المجاهدين‏ مهما‏ نصبت‏ له‏ من‏ الشراك‏ ومهما‏ تعرض‏ له‏ من‏ التعذيب‏ وشراسة‏ الاعتقال.

الباب‏ الثاني‏‏
الصراع‏ بين‏ الحق‏ والباطل‏‏‏
بسم‏ الله‏ الرحمن‏ الرحيم‏
( ولولا‏ دفع‏ الله‏ الناس‏ بعضهم‏ ببعض‏ لفسدت‏ الأرض)
صدق‏ الله‏ العظيم‏
فكرتا‏ الخير‏ والشر‏ متأصلتان‏ في‏ الأرض منذ‏ وجود‏ الخليقة‏ وقد‏ استمر‏ الصراع‏ بينهما‏ بأشكال مختلفة‏ عبر‏ مسيرة‏ التاريخ ومهما‏ قويت‏ عدة‏ الشر‏، وسادت‏ دولته‏ في‏ مراحل‏ مختلفة‏، فإن‏ الخير‏ يظل‏ الهدف‏ الأسمى للإنسان، والطموح‏ الذي‏ يقود‏ خطاه.
 إن القدس‏ اليوم‏ هي‏ مركز‏ الصراع‏ الكوني‏ بين‏ الخير‏ والشر وهي خط‏ التماس‏ الأول بينهما وإذ يستمر‏ تضخم‏ الكيان‏ الصهيوني‏ ديمغرافياً‏، ‏ويحلم‏ بالتوسع‏ الجغرافي‏، ‏وتتسع‏ دائرة‏ النفوذ‏ الغربي‏ والوصاية‏ الأمريكية على‏ مقدرات‏ الدول‏ والحكومات‏ العربية‏، وتتسع‏ السجون‏ وتتكاثر‏ المعتقلات‏ ويشتد‏ القمع‏ ضد‏ شعبنا‏ البطل‏ وثورته‏ العارمة‏، فان‏ حركة‏ التحرر‏ الإسلامي والعالمي‏ تنمو‏ وتتعاظم‏، ‏وفي‏ طليعتها‏ حركة‏ الجهاد‏ الإسلامي في‏ فلسطين‏ لتؤسس‏ لسابقة‏ حضارية‏ أصيلة الجذور‏ وراسخة‏ المعاني‏ الإنسانية، معبرة‏ عن‏ نفسها‏ بالانتفاضة‏ الإسلامية المباركة‏ التي‏ أشرقت في‏ نهر‏ الدم‏ الإسلامي على‏ بوابات‏ غزة والقدس‏ وجنين‏ وكل‏ جزء‏ في‏ ثرى‏ فلسطين‏ الحبيبة.
والصراع بمعناه‏ الأخلاقي يدور‏ على‏ مستويين :
أ‏ -‏ الصراع‏ بين‏ الحق‏ والباطل‏«‏والنصر‏ فيه‏ ولو‏ طالت‏ مدته‏ يكون‏ لصالح‏ الحق‏ بعون‏ الله‏.
ب‏ -‏ الصراع‏ بين‏ باطلين‏، والغلبة‏ فيه‏ لصالح‏ الباطل‏ الأقوى.
ونحن‏ نعتقد‏ اعتقاداً‏ يقينياً‏ جازماً‏ أن صراعنا‏ مع‏ الصهاينة‏ هو‏ من‏ المستوى‏ الأول، ‏صراع‏ الحق‏ والباطل.
ومن‏ هنا‏ تتأتى‏ قناعتنا‏ بالنصر. ولكن‏ الله‏ سبحانه‏ وتعالى‏ عندما‏ بسط‏ لنا‏ أسس حياتنا‏، ونظام‏ وجودنا‏ في‏ تعاليمه‏ التي‏ لا‏ يأتيها‏ الباطل‏ حسبما‏ وردت‏ في‏ القرآن‏ الكريم‏ وفي‏ سنة‏ رسولنا‏ العظيم‏ عليه‏ أتم الصلاة‏ والسلام‏، أمدنا بتوجيهات‏ وأشار لنا‏ بوسائل‏ لابد‏ من‏ اتباعها‏ حتى‏ نبلغ‏ النصر بل‏ إن مرضاة‏ الله‏ لا‏ تستقيم‏ إلا إذا سعينا‏ إلى إحراز النصر‏ وتحقيق‏ الغلبة‏ لدين‏ الله‏ على‏ أعداء دينه‏ وأمته.
وكما‏ أسلفنا فإن‏ صراعنا‏ في‏ فلسطين‏ هو‏ لب‏ الجهاد‏ اليوم‏، ورأس‏ معارك‏ الإسلام لأن‏ احتلال‏ فلسطين‏ -‏ يهدف‏ على‏ رأس‏ ما‏ يهدف‏ -‏ إلى تشتيت‏ المسلمين‏، وإضعافهم، ووضعهم‏ في‏ موضع‏ الهزيمة‏، بحيث‏ لا يستطيعون‏ إحراز منهج‏ يلبي‏ حاجة‏ الإسلام إلى التفوق‏ في‏ الأرض والتمكين.

التنظيم
لماذا‏ التنظيم‏؟
تشهد‏ الفترة‏ المعاصرة‏ وجود‏ قوى‏ سياسية‏ وتنظيمات‏ تنبثق‏ من‏ المفاهيم‏ الإسلامية، في‏ مواجهة‏ الأنظمة المتسلطة‏ التي‏ تحاول‏ تشويه‏ قيم‏ الإسلام.
ومهمة‏ القوى‏ السياسية‏ أو التنظيم‏ الإسلامي أن يحشد‏ الطاقات‏ ويجمعها‏ في‏ إطار واحد‏، بحيث‏ تصبح‏ قوة‏ جماعية‏ قادرة‏ على‏ التغيير.
 والأنظمة التي‏ تحارب‏ الإسلام، وتخشى‏ قدرته‏ على‏ تغيير‏ واقع‏ الأمة السيئ، ‏تسمح‏ للمسلمين‏ أن يقيموا‏ شعائر‏ الإسلام ويمارسوا‏ العبادات‏، وان‏ يتفقهوا‏ ويتحدثوا‏ بالإسلام وان‏ يمارسوا‏ الأعمال الاجتماعية‏ والنشاطات‏ الفكرية‏ التي‏ لا تؤدي‏ بشكل‏ مباشر‏ إلى تغيير‏ الواقع‏ والتأثير‏ على‏ الأنظمة.
ولكنها‏ تستخدم‏ جميع‏ الأساليب لمنع‏ المسلمين‏ من‏ تأطير‏ عملهم‏ الفكري‏ والسياسي‏ في‏ تنظيم‏ لأنها تعرف‏ أن أي تنظيم‏ إسلامي يهدد‏ وجودها‏ بشكل‏ مباشر.
إن هذه‏ الأنظمة تحارب‏ الجهاد فالجهاد‏ هو‏ أساس عمل‏ أي تنظيم‏ إسلامي.
والجهاد‏ هو‏ وحده‏ الكفيل‏ بتغيير‏ واقع‏ الفساد‏ والاستضعاف‏ الذي‏ يعاني‏ منه‏ المسلمون‏ وتغيير‏ هذا‏ الواقع‏ غير‏ الإسلامي يعني‏ الإطاحة بالأنظمة التي‏ تحكم‏ فيه.
 إن الإسلام حتى‏ يقود‏ الحياة‏ من‏ جديد‏ لابد‏ له‏ أن يتمثل‏ في‏ تجمع‏ عضوي‏ حركي‏ جديد‏، ‏يستمد‏ قيمه‏ وتصوراته‏ وموازينه‏ من‏ الإسلام، ‏ولابد‏ لهذا‏ التنظيم‏ من‏ النضج‏ على‏ المستويات‏ التالية‏.
أ‏ -‏ النضج‏ العقائدي‏ :
لا يمكن‏ لمن‏ يحمل‏ رسالة‏ للناس‏، أن يؤديها‏ وهو‏ يجهلها‏، ولا‏ يمكن‏ للإنسان أن يكون‏ مسلماً‏ رسالياً‏ كونه‏ مسلماً‏ حسب‏ شهادة‏ الميلاد.
والنضوج‏ العقائدي‏ يستوجب‏ على‏ المسلم‏ الرسالي‏ الوعي‏ بالإسلام عقيدة‏ وفقهاً‏ وتاريخاً‏ وحفظاً‏ للقرآن‏ الكريم‏ ومعرفة‏ بسنة‏ الرسول‏ علية‏ الصلاة‏ والسلام.
ب‏ -‏ النضج‏ السياسي‏ :
أن تنظيماً‏ ناشئاً‏ يحمل‏ أيديولوجية ثورية‏ تغييرية‏، ‏هو‏ تنظيم‏ معرض‏ للصدام‏ المباشر‏ مع‏ القوى‏ السائدة‏ محلياً‏ وإقليمياً‏ ودولياً وهذا‏ يتطلب‏ من‏ التنظيم‏ الإحاطة بالوضع‏ السياسي‏، ‏كي‏ يحدد‏ بدقة‏ أسلوب عمله‏، وأدوات الصراع‏، ونقاط‏ قوة‏ الخصم‏، وبنيته‏ الداخلية‏، وطبيعة‏ تحالفاته‏، والتناقضات‏ المركزية‏ والثانوية.
وعلى‏ التنظيم‏ الإسلامي خاصة‏ أن ينطلق‏ في‏ فهمه‏ للمتغيرات‏ من‏ فهمه‏ للتفسير‏ الإسلامي للتاريخ‏، ومن‏ وعيه‏ الشمولي‏ بالحقائق‏ القرآنية‏، ‏وان‏ يقرأ‏ معطيات‏ التاريخ‏ الحديث‏ قراءة‏ مختلفة‏ عن‏ السائد‏ ليستخلص‏ منها‏ الدروس‏ والعبر.
ج‏ -‏ النضج‏ التنظيمي :
تحدد‏ بنية‏ أي‏ تنظيم‏ مدى‏ قدرته‏ على‏ الاستمرار‏، وعلى‏ تحقيق‏ إنجازات ملموسة فإذا‏ كانت‏ بنيته‏ الداخلية‏ تمتاز‏ بحيوية‏ وارتباط‏ عضوي‏ بين‏ أفراده، وتقدم‏ للأعضاء إمكان العمل‏ بروح‏ الفريق‏ أو بتضامن‏ الجماعة‏ بواسطة‏ علاقة‏ مرنة‏ أخوية، ‏وبواسطة‏ نظام‏ اتصال‏ داخلي‏ يتيح‏ توزيعاً‏ سليماً‏ للمعلومات‏، ‏ومتابعة‏ جيدة‏ لأداء الخلايا‏ والأفراد، وإذا كانت‏ هذه‏ التركيبة‏ ترتبط‏ بالمحيط‏ الجماهيري‏ بشكل‏ شمولي‏ وتبادلي‏ بحيث‏ لا‏ تحصل‏ لدى‏ التنظيم‏ عزلة‏ نخبوية‏ عن‏ شعبه‏، وبحيث‏ تحقق‏ للتنظيم‏ القدرة‏ على‏ تمثل‏ هموم‏ الناس‏ وتوظيفها‏ في‏ خدمة‏ العنوان‏ العريض‏ أو الهدف‏ الأسمى الذي‏ ينشط‏ من‏ أجله‏، وإذا وفرت‏ البنية‏ الداخلية‏ شرط‏ دقة‏ العمل‏ والانضباط‏ والالتزام‏ وتأثير‏ الأفراد في‏ اتخاذ‏ القرار‏ بحيث‏ تنمى‏ القدرات‏ ويتعزز‏ عنصر‏ المبادرة‏ في‏ العضو‏، إذا توفرت‏ هذه‏ الشروط‏ في‏ بنية‏ التنظيم‏ كان‏ قادراً‏ على‏ الاستمرار‏، وتخطي‏ المعوقات‏ والضربات‏ التي‏ لا بد‏ وأن‏ يتعرض‏ لها‏، وكان‏ مرشحاً‏ لتحقيق‏ غايته‏ والانتصار‏ مهما‏ قست‏ الظروف‏ أو طال‏ به‏ الزمن.
د‏ -‏ النضج‏ الأمني:
الأمن يعني‏ الطمأنينة‏ بشكل‏ عام‏، ويعني‏ المحافظة‏ على‏ التنظيم‏ من‏ اختراقات‏ المخابرات‏ وعدم‏ تسرب‏ المعلومات‏ السرية‏ التي‏ تتعلق‏ بالتنظيم‏ ومخططاته‏ خارج‏ الأطر الخاصة‏ بها‏، ويعني‏ الحفاظ‏ على‏ سلامة‏ أفراد التنظيم‏ على‏ اختلاف‏ مواقعهم‏ -‏ والحفاظ‏ على‏ السلامة‏ لا يعني الخوف‏ على‏ الحياة .
وقد‏ علمنا‏ الرسول‏ الكريم‏ أن المؤمن‏ كيَس‏ فطن‏، ‏وأن‏ كلاً‏ منا‏ على‏ ثغرة‏ من‏ ثغر‏ الإسلام فلا‏ يؤتين‏ من‏ قبله‏، ‏وهذا‏ يعني‏ الحرص‏ واليقظة‏ وعدم‏ التعامل‏ مع‏ الأمور بسذاجة. فالمحيط‏ الذي‏ يعمل‏ فيه‏ التنظيم‏ محيط‏ غير‏ متجانس‏ وغير‏ نقي‏، ‏لأن‏ الأعداء والأنظمة القائمة‏ تسعى‏ بأكثر‏ من‏ أسلوب وبإمكانات عريضة‏ لاختراق‏ التنظيم‏ والتشويش‏ عليه‏ بالمعلومات‏ المضللة‏، ‏وتصفية‏ عناصر‏ قوته‏ دون‏ اللجوء‏ إلى الصدام‏ المباشر.
 لذلك‏ على‏ التنظيم‏ أن يغرس‏ في‏ أعضائه الحس‏ الأمني، والصلابة‏ معتمداً‏ على‏ التربية‏ الإسلامية الرائدة‏ في‏ هذا‏ المجال.
هـ‏ -‏ النضج‏ العسكري‏ ‏:
أن الجهاز‏ العسكري‏ للحركة‏ الجهادية‏ هو‏ الذراع‏ القوية‏ التي‏ تحمي‏ التنظيم‏، ‏وهو‏ الدرع‏ الواقي‏، ‏والقوة‏ الرادعة‏ للأعداء أن يتجرؤوا على‏ ضرب‏ الحركة‏ التنظيمية‏، وهو‏ الأداة الضاربة‏ التي‏ تنفذ‏ العمل‏ الثوري‏ من‏ أجل‏ إيقاع الخسائر‏ بالعدو‏، ‏وزعزعة‏ استقراره‏ وأمنه، وإضعاف قوته‏، وبالتالي‏ تمكين‏ التنظيم‏ من‏ الاستمرار‏ بين‏ الجماهير‏ باكتساب‏ تعاطفها‏ وتأييدها‏ المتزايدين.
على‏ أفراد الجهاز‏ العسكري‏ التحلي‏ بلياقة‏ بدنية‏ خاصة‏، وهدوء‏ نفسي‏، وقدرات‏ عقلية‏، ‏وقبل‏ ذلك‏ كله‏ بالإرادة القوية فهم‏ عرضة‏ لظروف‏ صعبة‏ وتحديات‏ قاسية‏ تضغط‏ على‏ الجسد‏ والأعصاب. والمعلومات‏ التي‏ يمكنهم‏ الاعتراف‏ بها‏ للعدو‏ إذا ما‏ تعرضوا‏ للتعذيب‏ القاسي‏ هي‏ من‏ أنفس‏ المعلومات‏ قيمة‏ وأخطرها أثراً‏ على‏ التنظيم.
 لذلك‏ لابد‏ من‏ إعداد متواصل‏ وتدريب‏ خاص‏، وتربية‏ شاملة‏ لعناصر‏ العمل‏ العسكري.
 إن عليهم‏ أن يدركوا‏ أسس العمل‏ العسكري‏ وأن‏ يحيطوا‏ بأساليب‏ القتال‏، ولكن‏ عليهم‏ أيضاً‏ أن يكونوا‏ عباداً‏ لله‏ روحانيين‏، يحملون‏ في‏ نفوسهم‏ شعوراً‏ عظيماً‏ بالرسالة‏ التي‏ أنيطت بهم‏، ‏وهذا‏ يعطيهم‏ ثقة‏ عالية‏ بالنفس‏ تكون‏ لهم‏ خير‏ عون‏ على‏ أداء مهامهم‏، وأشد‏ درع‏ يقيهم‏ قسوة‏ الامتحان‏ أمام الأعداء إذا تعرضوا‏ للأسر والتعذيب.
 وعليهم‏ أن يتعلموا‏ كل‏ ما‏ يلزمهم‏ في‏ عملهم‏ العسكري‏، ‏حسب‏ توزيعه‏ عليهم‏ من‏ استخدام‏ المتفجرات‏، والتشريك‏ والشيفرة‏ والاقتحام‏ والخطف‏ وأساليب الهجوم‏ والدفاع‏، وفنون‏ حرب‏ الشوارع‏ وحرب‏ العصابات.. الخ‏ .
يتعرض‏ المجاهد‏ إلى احتمالات‏ ثلاثة في‏ أدائه الجهادي‏ حتى‏ يحرز‏ النصر‏، وهذه‏ الاحتمالات‏ :
  • الاعتقال‏
  • المطاردة‏
  • الشهادة‏
وهذه‏ الدراسة‏ مخصصة‏ للحالة‏ الأولى، وهي‏ تعرض‏ المجاهد‏ للاعتقال وسنتحدث‏ عن‏ أساليب العدو‏ في‏ انتزاع‏ الاعترافات‏ والمعلومات‏ من‏ المجاهد‏ الأسير، وعن‏ وسائل‏ مقاومة‏ الانهيار‏ وكيفية‏ المحافظة‏ على‏ الثقة‏ بالنفس‏ والإيمان بنصر‏ الله‏ والصبر‏ على‏ المحنة‏، وعدم‏ التفريط‏ بالمعلومات‏ التي‏ يحتاجها‏ الأعداء للقضاء‏ على‏ التنظيم‏ أو النيل‏ منه.
إذا تعرض‏ المجاهد‏ للاعتقال‏، فإن‏ أول ما‏ يسعى‏ له‏ الأعداء هو‏ انتزاع‏ المعلومات‏، ‏ومرحلة‏ انتزاع‏ المعلومات‏ تسمى‏ مرحلة‏ التحقيق.

التحقيق
فما‏ هو‏ علم‏ التحقيق‏؟‏
هو‏ مادة‏ تدرس‏ في‏ الأكاديميات العسكرية‏، وخصوصاً‏ فرع‏ الاستخبارات‏، وله‏ قوانينه‏ وشروطه‏ ووظائفه‏، ويستند‏ إلى علوم‏ الفسيولوجيا‏ العصبية‏، وعلم‏ النفس.
تعريف‏ التحقيق‏:
وهو‏ صراع‏ بين‏ إرادتين إرادة المحقق‏ وإرادة المعتقل .
وهو‏ أسلوب يعمد‏ من‏ خلاله‏ المحقق‏ إلى الحصول‏ على‏ المعلومات‏ عن‏ المناضل‏، ‏وعن‏ التنظيم‏ وعن‏ المحيط‏ والبيئة‏ والعلاقات‏ التي‏ كان‏ المعتقل‏ يتحرك‏ من‏ خلالها. وخاصة‏ المعلومات‏ السرية. والتحقيق‏ جزء‏ من‏ المعركة‏ التي‏ يخوضها‏ المناضل‏ أو المجاهد‏ ضد‏ أعدائه، وهذا‏ الجزء‏ يمثل‏ المرحلة‏ السلبية‏، التي‏ يكون‏ فيها‏ المجاهد‏ تحت‏ ضغط‏ العدو‏ دون‏ أن يمتلك‏ من‏ وسائل‏ المواجهة‏ سوى‏ إرادته العارية‏، وقدرته‏ على‏ ضبط‏ نفسه‏ والصبر‏ حتى‏ تمر‏ هذه‏ المرحلة‏ بأقل‏ قدر‏ من‏ الخسائر‏، يعني‏ بأقل قدر‏ من‏ المعلومات‏ المنتزعة‏ من‏ جانب‏ المحقق‏، حينها‏ يحقق‏ المجاهد‏ انتصاره‏ على‏ عدوه‏ بدون‏ سلاح .
طريقة‏ التحقيق‏ :
هي‏ الكيفية‏ الثابتة‏ المدروسة‏ التي‏ يستخدمها‏ العدو‏ للوصول‏ إلى غايته‏، ‏وتتراوح‏ بين‏ الضغط‏ النفسي‏ والعقلي‏ والجسدي‏ المتواصل‏ لتدمير‏ أسس المقاومة‏ الداخلية‏، ليصل‏ المناضل‏ إلى مرحلة‏ الانهيار‏ والإدلاء بالمعلومات‏ التي‏ يريدها‏ العدو.
أسلوب التحقيق‏ :
هو‏ الكيفية‏ المتغيرة‏ لتحقيق‏ غاية‏ التحقيق‏، فالأسلوب ليس‏ الطريقة‏، الطريقة‏ ثابتة‏ أما الأسلوب فمتغير وبهذا‏ المعنى‏، فليس‏ هناك‏ أسلوب واحد‏ بل‏ عدة‏ أساليب، كل‏ أسلوب يعالج‏ حالة‏ معينة‏ في‏ ظروف‏ معينة والمحقق‏ يختار‏ أسلوباً‏ واحداً‏ في‏ لحظة‏ واحدة‏ ‏ولكنه‏ قد‏ يلجأ‏ إلى استعمال‏ عدة‏ أساليب متداخلة‏ في‏ لحظة‏ أخرى، ‏حسب‏ اجتهاداته‏ للحالة‏ الماثلة‏ أمامه فالمحقق‏ يدرس‏ الحالة‏ ويقرر‏ الأسلوب المناسب‏ من‏ خلال‏ دراسته‏ لشخصية‏ المجاهد‏ ونفسيته‏ والظروف‏ التي‏ تم‏ فيها‏ اعتقاله‏، ‏والظروف‏ العامة‏ للحالة‏ الجهادية‏، ‏ويحاول‏ المحقق‏ اكتشاف‏ نقاط‏ ضعف‏ المجاهد‏ قبل‏ بدء‏ التحقيق‏ ثم‏ من‏ خلال‏ عملية‏ التحقيق‏ ليستعمل‏ ضده‏ الأسلوب الملائم‏، فإذا نجح‏ يكون‏ قد‏ حقق‏ هدفه‏، وإذا لم‏ ينجح‏ يجرب‏ أسلوباً‏ آخر حتى‏ يصل‏ إلى هدفه.
وسائل‏ التحقيق‏ :
هي‏ الأدوات المادية‏ المستخدمة‏ لتطبيق‏ الأسلوب وهذه‏ الوسائل‏ غير‏ محدودة‏، ‏ويحاول‏ المحقق‏ أن يبتكر‏ باستمرار‏ وسائل‏ جديدة‏ حتى‏ ينتصر‏ على‏ المجاهد‏ المعتقل‏ ويأخذ‏ منه‏ الاعترافات‏ والمعلومات‏ المطلوبة.
المحقق‏ ‏:
في‏ الحالة‏ الفلسطينية‏ الجهادية‏، فإن‏ المحقق‏ رجل‏ صهيوني‏، ‏مربى‏ على‏ تعاليم‏ توراتية‏ عنصرية‏، ‏موظف‏ في‏ خدمة‏ الكيان‏ الصهيوني‏، ‏درس‏ التحقيق‏ كعلم‏ بأحدث الطرق‏ ويعمل‏ لتطبيقها‏ على‏ المجاهد‏ المعتقل ولنجاحه‏ في‏ عمله‏ يدرس‏ الشخصية‏ الفلسطينية‏ وأنماطها السلوكية‏ ونقاط‏ ضعفها‏ واللغة‏ العربية‏ خاصة‏ اللهجة‏ الفلسطينية‏ والأمثال الشعبية‏ والمعتقدات‏ السائدة‏، ‏وواقع‏ التنظيمات‏ والظرف‏ السياسي‏ العام‏، ‏ويحاول‏ الإلمام بالبيئة‏ الخاصة‏ بكل‏ منطقة‏ في‏ فلسطين‏ كناسها‏ وعلاقاتها‏ ليسهل‏ عليه‏ التغلغل‏ إلى نفسية‏ المجاهد.
المجاهد‏:
‏رجل‏ رسالي‏، ‏صاحب‏ تربية‏ قرآنية. اختار‏ الجهاد‏ طريقاً‏، ‏والشهادة‏ وسيلة‏ للفوز‏ برضى‏ الله‏ وجنته‏، ‏ووهب‏ نفسه‏ وماله‏ وحياته‏ لنصرة‏ الإسلام ناضج‏ عقائدياً‏ وسياسياً‏ وتنظيمياً‏ وأمنياً‏ وعسكرياً يدرك‏ جوهر‏ العدو‏ وأسس الصراع‏ معه .

الاعتقال‏
أشكال الاعتقال‏
‏1-‏ الاستدعاء‏ "الطلب" : ‏
وفيه‏ يقوم‏ ضابط‏ المخابرات‏ بإرسال تبليغ‏ أو طلب‏ مقابلة‏ بواسطة‏ شرطي‏ أو مختار‏ أو عميل‏ محلي‏ إلى المجاهد‏ ويسلم‏ له‏ مباشرة‏ أو لأهله، ‏ويحدد‏ في‏ التبليغ‏ تاريخ‏ المقابلة‏ وساعتها‏ ومكانها‏ الذي‏ غالباً‏ ما‏ يكون‏ مركز‏ حكم‏ عسكري‏ أو ثكنة‏ عسكرية.
والمقابلة‏ ليست‏ عملاً‏ روتينياً‏ بل‏ هي‏ متابعة‏ للوضع‏ وجمع‏ المعلومات‏، ومحاولة‏ تضييق‏ على‏ المجاهد‏ ووضعه‏ موضع‏ الشبهة‏ أو إغرائه، وهي‏ مصيدة‏ اعتقال‏ أيضاً على‏ المجاهد‏ في‏ حالة‏ استلامه‏ طلب‏ المقابلة‏ أن لا يقلق‏ ولا‏ ينزعج‏، وان‏ يبلغ‏ إخوانه في‏ التنظيم‏ أو مسؤوله حتى‏ يتم‏ تدارس‏ الموضوع‏ واتخاذ‏ الاحتياطات‏ والإجراءات اللازمة‏ في‏ أسوأ الاحتمالات.
2 ‏-‏ مداهمة‏ البيوت‏ :
عادة‏ ما‏ تتم‏ المداهمة‏ في‏ الثلث‏ الأخير من‏ الليل‏ قبيل‏ ساعة‏ الفجر‏، ‏حيث‏ تقوم‏ قوة‏ من‏ الجيش‏ أو الشرطة‏ أو كليهما‏ -‏ وقد‏ تضم‏ سيارات‏ عسكرية‏ ومصفحة‏ أو ناقلة‏ للجنود‏ ووحدة‏ مخابرات‏ بالذهاب‏ إلى منزل‏ المجاهد‏ المراد‏ اعتقاله وينزل‏ الحشد‏ من‏ الجنود‏ المدججين‏ بالسلاح‏ ويحاصرون‏ بيت‏ المجاهد‏ ويوقظون‏ أهل البيت‏، ‏ويلقون‏ القبض‏ عليه ويقيدونه‏ ويضعون‏ عصابة‏ على‏ عينيه‏ ويقتادونه‏ تحت‏ الضرب‏ والركلات‏ أمام أنظار أهله وجيرانه‏ إلى السيارة‏ العسكرية‏ التي‏ تنقله‏ إلى السجن ويقصد‏ العدو‏ من‏ وراء‏ هذا‏ الأسلوب الإرهابي في‏ الاعتقال‏ غرس‏ الخوف‏ والرعب‏ في‏ نفس‏ المجاهد‏ قبل‏ مثوله‏ أمام التحقيق وأسلوب ترويع‏ الأسرة والجيران‏ يهدف‏ إلى خلق‏ جو‏ من‏ الرعب‏ حول‏ المجاهد‏ يوحي‏ له‏ أنه‏ مطلوب‏ بسبب‏ أعمال خطيرة‏، وأنه‏ شخص‏ خطر‏ لذلك‏ تطلب‏ اعتقاله‏ إجراءات غير‏ عادية‏ من‏ السيارات‏ والجنود‏ وكل‏ هذه‏ الإجراءات متعمدة‏ ومقصودة‏ كمرحلة‏ تمهيدية‏ للتحقيق‏ وتهدف‏ إلى وضع‏ المجاهد‏ في‏ حالة‏ من‏ الضعف‏ والخوف‏ وإظهار القوة‏ والجبروت‏ الذي‏ يتمتع‏ به‏ العدو‏ والذي‏ يعرف‏ كل‏ شيء‏ ويملك‏ كل‏ شيء.
 ‏3-‏ الاعتقال‏ أثناء أداء مهمة‏ جهادية‏ ‏:
لا‏ معنى‏ لحياة‏ المسلم‏ بدون‏ عقيدة‏ وجهاد. فالجهاد‏ فرض‏ على‏ المسلمين‏ إلى يوم‏ القيامة وفي‏ طريق‏ الجهاد‏ الطويل‏ يكلف‏ المجاهد‏ بمهام‏ شتى‏، ‏عمل‏ جماهيري‏، مظاهرات‏، إضراب، ‏توزيع‏ منشورات‏، ‏حمل‏ وثائق‏، ‏نقل‏ أسلحة، تخزين‏ أسلحة، ‏حمل‏ رسائل‏ سرية‏، ‏مراقبة‏ هدف‏، ‏تنفيذ‏ مهمات‏ عسكرية وقد‏ يضطر‏ للتنقل‏ ليلاً‏ والتخفي‏ عن‏ الأنظار، ‏والسير‏ في‏ الغابات‏ والجبال‏، ‏والاختفاء‏ بعيداً‏ عن‏ الأنظار، ‏وقد‏ يصبح‏ مطارداً‏ ومطلوباً‏ لأجهزة الأمن وهذه‏ المهمات‏ سواء‏ كانت‏ خطيرة‏ أو بسيطة‏ تحتاج‏ إلى وقت‏ بين‏ مرحلة‏ التخطيط‏ إلى مرحلة‏ التنفيذ وفي‏ الفترات‏ الفاصلة‏ بين‏ مرحلة‏ وأخرى قد‏ يجد‏ نفسه‏ في‏ كمين‏، أو في‏ مواجهة‏ دورية‏ عسكرية‏ روتينية‏، أو أمام حاجز‏ تفتيش‏ طارئ‏ وربما‏ أثار شكل‏ المجاهد‏ وطبيعة‏ حركته‏، ‏والمكان‏ الذي‏ يتواجد‏ فيه‏، أو الوقت‏ الذي‏ يواجه‏ فيه‏ العدو‏ ربما‏ أثار الشكوك‏ فيتعرض‏ للتوقيف‏ والتفتيش‏ فإذا اعتقل‏ المجاهد‏ متلبساً‏ أثناء قيامه‏ بأداء‏ مهمة‏ جهادية‏، فماذا‏ يمكن‏ أن يفعل‏؟‏هل‏ ينكر‏ وقد‏ ضبط‏ متلبساً‏؟أم يعترف‏ طالما‏ وقع‏ في‏ الفخ‏ حيث‏ لا فائدة‏ من‏ الإنكار؟‏
سنعرض‏ فيما‏ يلي‏ لبعض‏ الحالات :
أ‏ -‏ الإنكار لا يعني‏ البراءة الإنكار يعني‏ خطورة‏ الوضع .
اعتقل‏ عام‏1971 أحد المناضلين‏، وقد‏ ضبط‏ أثناء قيامه‏ بعمل‏ نضالي‏، وبحيازته‏ أسلحة. حُقق‏ معه‏ بشكل‏ سريع‏، وعنيف‏، ‏ولكنه‏ أصر على‏ الإنكار.
سئل‏ عن‏ أصدقائه أنكر أن يكون‏ له‏ أصدقاء قام‏ رجال‏ المخابرات‏ بجمع‏ بعض‏ المعلومات‏ عنه‏، واتضح‏ لهم‏ أن له‏ ثلاثة‏ أصدقاء لا يفارقونه وهذا‏ يعني‏ أن إنكار المعتقل‏ لأصدقائه يؤكد‏ وجود‏ علاقة‏ تنظيمية‏ بينهم‏، ‏فاعتقل‏ رجال‏ الأمن الأصدقاء الثلاثة‏، ‏وحققوا‏ مع‏ كل‏ منهم‏ منفرداً‏، وبأسلوب المضاربة‏، وأوهموهم أن مسؤولهم المعتقل‏ اعترف‏ بعلاقتهم‏ معه‏، وبمشاركتهم‏ في‏ العملية‏، وان‏ الأسلحة ضبطت فانهار‏ الثلاثة‏، ‏واعترفوا‏ بعضويتهم‏ في‏ التنظيم‏، وسردوا‏ كل‏ ما‏ يهم‏ جهاز‏ المخابرات‏ عن‏ علاقاتهم‏، والمهمات‏ التي‏ كلّفوا‏ بها ومن‏ خلال‏ اعترافاتهم‏ استطاعت‏ المخابرات‏ إيهام المسؤول‏ أنها كانت‏ تعرف‏ عنه‏ كل‏ شيء‏، وواجهته‏ بالمعلومات‏ التي‏ حصلت‏ عليها‏ من‏ أصدقائه، وأخيراً‏ انهار‏ واعترف‏ بكل‏ شيء.
إذاً ليس‏ الصمود‏ في‏ الإنكار المطلق‏، وليس‏ الاعتراف‏ مهارة. ولكن‏ المسألة‏ الأهم هي‏ وجود‏ أسس للعمل‏ التنظيمي‏، والقدرة‏ على‏ التمييز‏ بين‏ ما‏ يمكن‏ قوله‏ وبين‏ ما‏ يجب‏ إنكاره حتى‏ لو‏ توفرت‏ جميع‏ الشواهد‏ على‏ المشاركة‏ في‏ العمل‏، ‏وكذلك‏ القدرة‏ على‏ تخمين‏ الطريقة‏ التي‏ يحصل‏ بها‏ رجال‏ الأمن على‏ المعلومات‏ والأدلة.
ب‏ -‏ الاعتراف‏ لا يعني‏ التسليم‏ للأمر‏ الواقع... التسليم‏ للأمر‏ الواقع‏ يعني‏ الانهيار.
في‏ منتصف‏ السبعينات‏ اعتقل‏ أحد المناضلين‏ بعد‏ تفتيش‏ روتيني‏ لمنزله إذ عُثر‏ في‏ المنزل‏ على‏ مسدس‏، وأوراق تنظيمية‏ ورموز‏ شيفرة.
 حاول‏ الإنكار في‏ البداية ولكن‏ ضباط‏ المخابرات‏ هددوه‏، ‏وقالوا‏ له‏ ‏لا‏ داعي‏ للإنكار وكل‏ شيء‏ واضح وأن‏ قضيته‏ لا تحتاج‏ إلى ضرب‏ أو تعذيب‏ وأن‏ كل‏ القرائن‏ ثابتة‏ عليه‏، ‏وأنه‏ لن‏ يحكم‏ سوى‏ بشهور‏ قليلة فاعترف‏ بأن‏ المسدس‏ له‏، ‏وأنه‏ وجد‏ الأوراق في‏ الطريق.
كانت‏ أجهزة الأمن تبحث‏ عن‏ مجموعة‏ شاركت‏ بمسدس‏ في‏ تنفيذ‏ بعض‏ العمليات‏ ضد‏ مستوطنين‏ وعملاء وأكد تقرير‏ معهد‏ البحث‏ الجنائي‏ أن المسدس‏ الذي‏ استخدم‏ في‏ كل‏ العمليات‏ هو‏ المسدس‏ نفسه.
لقد‏ كان‏ المسدس‏ طرف‏ الخيط‏ الذي‏ استخدمته‏ أجهزة الأمن لكشف‏ الخلية‏، ‏واعتقال‏ أفرادها.
إن اعتراف‏ المناضل‏ تحت‏ مبرر‏ التسليم‏ بالأمر الواقع‏، لم‏ يكشف‏ عمله‏ وحده‏، ‏ولم‏ يؤد‏ إلى الكشف‏ عن‏ السلاح‏ الذي‏ لديه‏ فقط‏، بل‏ أوصله إلى الانهيار‏ الكامل‏، ‏والكشف‏ عن‏ اخوته‏ المناضلين‏، ‏وهذا‏ ما‏ يدفعنا للحديث عن‏ شروط‏ ومرتكزات‏ العمل‏ الأمني في‏ التنظيم‏، وضرورة‏ الحس‏ الأمني كقاعدة‏ أساسية على‏ المجاهد‏ اتباعها‏ قبل‏ البدء‏ في‏ العمل‏ العسكري.
ج‏ -‏ شروط‏ ومبادئ‏ عامة :
‏1-‏ عدم‏ حمل‏ أوراق بها‏ أسماء أو عناوين‏ أو صور‏.
2 ‏-‏ عدم‏ حمل‏ مفكرة‏ لأرقام الهواتف‏.
‏3-‏ عدم‏ حمل‏ ميداليات‏ تحمل‏ شعارات‏ حركية‏‏ أو صور أو رموزاً‏ قيادية‏، أو إعلام.
4 ‏-‏ عدم‏ ارتداء‏ ملابس‏ تلفت‏ النظر‏ (ملابس‏ مموهة‏ أو عسكرية) أو أزياء يعرف‏ بها‏ المجاهدون‏.
‏5 -‏ ألا يحتفظ‏ في‏ غرفته‏ أو منزله‏ بأية أوراق خاصة‏ أو وثائق‏ أو ملفات‏، أو مواد‏ تحريضية‏، أو                                                                                                                                         ذخيرة‏، أو أسلحة.
6 ‏-‏ ألا يحضر‏ اجتماعاً‏ تنظيمياً‏ في‏ منزله‏ أو منازل‏ الاخوة‏ المعروفين‏ في‏ الحركة.
‏7 -‏ أن يخفف‏ من‏ علاقاته‏ الاجتماعية‏ مع‏ الاخوة‏ النشطاء‏ في‏ الحركة.
8 ‏-‏ أن لا يتحدث‏ مع‏ اخوته‏ في‏ الحركة‏ في‏ الأماكن العامة.
د‏ -‏ القصة‏ الإخبارية "الملفقة" :
للعمل‏ السري‏ ظروف‏ خاصة‏ تمتاز‏ بالتعقيد‏، مما‏ يجعله‏ بحاجة‏ إلى أذهان متفتحة‏، وقدرة‏ متميزة‏ على‏ حسن‏ التخلص‏ من‏ المأزق‏، ‏ومن‏ الأساليب الشائعة‏ لدى‏ المناضلين‏ في‏ التخلص‏ أثناء التحقيق‏ ما‏ يسمى‏ بالقصة‏ الإخبارية.
وهي‏ قصة‏ ملفقة‏ مدروسة‏ بعناية‏، وموضوعة‏ بدقة‏، بحيث‏ يستطيع‏ المجاهد‏ أن يقنع‏ المحقق‏ بحكاية‏ لا تكشف‏ أسرار نشاطه‏ العسكري‏، ونشاطات‏ تنظيمه‏، ‏وتضلل‏ المحقق‏ في‏ نفس‏ الوقت.
القصة‏ الإخبارية، ليست‏ ثابتة‏، ‏بل‏ هي‏ متغيرة‏ حسب‏ الموضوع‏، والظروف‏ والأحوال، والأشخاص وهي‏ إبداع، وليست‏ تقليداً‏، أو حفظاً‏ عن‏ ظهر‏ قلب‏، فهي‏ لعبة‏ ذكاء‏ لمواجهة‏ المحقق‏، مما‏ يتطلب‏ من‏ المجاهد‏، أن يكون‏ قادراً‏ على‏ إدخال عناصر‏ جديدة‏ إلى القصة‏ المعدة‏ سلفاً إذا شعر‏ بالحاجة‏ إلى ذلك‏ بدون‏ أن يدخل‏ الاضطراب‏، ‏ويخل‏ بالحبكة‏ القصصية‏، ‏وعليه‏ أن يراعي‏ العفوية‏ والتلقائية‏ في‏ الحديث‏ بحيث‏ لا يظهر‏ عليه‏ ارتباك‏، أو تردد‏، أو لعثمة‏، أو أي ضعف‏ يمكن‏ أن يفضح‏ حقيقة‏ القصة‏ الملفقة‏، ‏وهذا‏ يتطلب‏ التدريب‏ المسبق‏ على‏ تأليف‏ هذا‏ النوع‏ من‏ القصص‏، ‏ليتمكن‏ من‏ الصمود‏، ‏والعمل‏ في‏ الظروف‏ المختلفة.
فالقصة‏ الإخبارية، ليست‏ حكاية‏ مرتجلة‏، ‏ولكنها‏ محبوكة‏، ‏ومعدة‏ بدقة بحيث‏ يتقمص‏ المجاهدون‏ أمام المحقق‏، بأداء تمثيلي‏ ناجح‏، ‏وهي‏ تقوم‏ على‏ أسس ومرتكزات‏ وأهداف.
الهدف‏ من‏ القصة‏ الإخبارية:
1 -‏ التخلص‏ أمام المحقق‏ من‏ إعطاء معلومات‏ تثبت‏ التهمة‏ عليه‏ أو تكشف‏ عن‏ طبيعة‏ عمله‏ أو عمل‏ اخوته‏ في‏ الحركة.
‏2 -‏ التخلص‏ من‏ المآزق‏ التي‏ قد‏ يواجهها‏ المجاهد‏ أثناء تنفيذ‏ مهماته‏.
3 ‏-‏ جمع‏ المعلومات‏ من‏ المناطق‏ الحساسة‏، أو المناطق‏ المحاصرة‏ أمنياً.
4 ‏-‏ اختراق‏ مكان‏ أو تجمع‏، أو جهاز‏ أمنى، وسهولة‏ التحرك‏ في‏ هذه‏ المواقع‏.
أسس ومرتكزات‏ القصة‏ الإخبارية:
‏1 -‏ أن تكون‏ القصة‏ قابلة‏ للتصديق‏، وغير مثيرة‏ للشك.
2 ‏-‏ أن تكون‏ محبوكة‏، ولا توجد‏ فيها‏ ثغرات‏.
3 ‏-‏ أن تنسجم‏ مع‏ طبيعة‏، ‏وظروف‏ المجاهد‏، والمنطقة‏ التي‏ يعمل‏ فيها.‏
4 ‏-‏ أن تنسجم‏ مع‏ المهمة‏ التي‏ يكلف‏ المجاهد‏ بها‏.
5- أن يراعى‏ في‏ تركيب‏ القصة‏ التغطية‏ على‏ المصاريف‏ المالية‏ ومصادرها‏.
6‏-‏ أن يعرف‏ المجاهد‏ معلومات‏ كافية‏ عن‏ المكان‏ الذي‏ يتحرك‏ فيه‏ من‏ حيث‏ العادات‏ الاجتماعية‏ واللهجة‏ والمميزات‏ الأخرى.
7‏-‏ أن يحفظ‏ المجاهد‏ جميع‏ المعلومات‏ عن‏ الشخصية‏ التي‏ تقمصها‏ ‏الاسم‏ الرباعي‏، ‏المهنة‏، ‏تاريخ‏ الميلاد‏، ‏مكان‏ الميلاد... الخ.
8 ‏-‏ أن يراعى‏ توفير‏ بعض‏ المستندات‏ التي‏ تؤيد‏ القصة كالبطاقة‏، وجواز‏ السفر‏، ‏وبعض‏ الأوراق الثبوتية.
أنواع القصة‏ الإخبارية:
1 ‏-‏ القصة‏ الدائمة‏: وهي‏ تمثل‏ ساتر‏ التواجد‏ الدائم‏ في‏ منطقة‏ ما كأن‏ يكون‏ الساتر‏ طالباً‏ أو تاجراً‏، أو مدرساً‏، أو عاملاً الخ.
في‏ هذه‏ الحالة‏، يجب‏ على‏ المجاهد‏ أن يحمل‏ معه‏ الأوراق الثبوتية‏ المتناسبة‏ مع‏ القصة.
ب‏ -‏ القصة‏ المؤقتة : وهي‏ القصة‏ التي‏ تبرر‏ التواجد‏ في‏ مكان‏ محدد‏ لمدة‏ محدودة‏، ‏هي‏ فترة‏ القيام‏ بالعمل‏ السري.
إن طبيعة‏ العمل‏ العسكري‏ السري‏ داخل‏ الأراضي المحتلة‏ يتطلب‏ غالباً‏، ‏استخدام‏ القصة‏ الإخبارية المؤقتة‏، ‏وفي‏ هذه‏ الحالة‏، ‏يجب‏ على‏ الحركة‏ أن تضع‏ الخطة‏ الكاملة‏ لهذه‏ المهمة‏، ‏وأن‏ تؤلف‏ القصة‏ الإخبارية المناسبة‏ للمجاهد‏ المكلف‏ بتنفيذ‏ المهمة‏ على‏ الشكل‏ التالي‏:
أ‏ -‏ تبدأ‏ القصة‏ الإخبارية من‏ نقطة‏ الانطلاق‏ حتى‏ التنفيذ‏، ‏ثم‏ العودة‏ من‏ المهمة‏ إلى القاعدة.
ب‏ -‏ تقسيم‏ العملية‏ إلى مراحل.
ج‏ -‏ التركيز‏ في‏ القصة‏ على‏ المراحل‏ الخطيرة.
د‏ -‏ وضع‏ احتمالات‏ الاعتقال‏ في‏ كل‏ مرحلة‏.
ه­­- - طرح سؤال مهم في كل مرحلة  ... في حالة الاعتقال ، ماذا سيجيب ، ماهو الغطاء والساتر‏.
و‏-‏ مناقشة‏ القصة‏ بين‏ المجاهد‏ المكلف‏ بالتنفيذ‏ ومسؤوله، ‏بكافة‏ تفاصيلها‏ وإعطائه الفرصة‏ للمشاركة‏ في‏ صياغتها‏.
ز‏-‏ وضع‏ المجاهد‏ قبل‏ البدء‏ في‏ التنفيذ‏ تحت‏ اختبار‏ لقدرته‏ على‏ التحمل‏، ‏وعلى‏ التمسك‏ بالقصة‏ المعدة‏ بحيث‏ يتعرض‏ المجاهد‏ إلى أسئلة يمكن‏ أن تواجهه‏ أثناء التحقيق‏، أو في‏ حالة‏ تعرضه‏ لمأزق‏ كالسؤال‏ عن‏ شخصيته‏ ومكان‏ قدومه‏ ومكان‏ ذهابه‏، والأسلحة التي‏ يحملها‏، ‏مصدرها‏، ‏الهدف‏ من‏ حملها‏، اسم‏ مسؤوله، تنظيمه‏، اسمه‏ الحركي‏، رقمه‏ السري‏، أفراد.. خليته... الخ .
وعلى‏ المسؤول‏ أن يطرح‏ أسئلة الشَرَك‏ التي‏ يكون‏ فيها‏ السلب‏ والإيجاب اعترافاً‏ وعليه‏ أن يكون‏ جدياً‏ صارماً‏ وأن‏ يضع‏ المجاهد‏ في‏ جو‏ تحقيق‏، وان‏ يسجل‏ أجوبته، ‏وملاحظاته‏ على‏ جميع‏ نقاط‏ الضعف‏ التي‏ تظهر‏ من‏ المجاهد‏، وعلى‏ المجاهد‏ أن يتقن‏ قصته‏ اتقاناً‏ كاملاً‏ وان‏ يكون‏ سريع‏ البديهة‏، متزناً‏ في‏ أجوبته، هادئ الأعصاب وان‏ لا يستفز وإعادة هذه‏ التجربة‏، إن تكرار‏ هذا‏ الامتحان‏ يؤهل‏ المجاهد‏ لتدارك‏ أخطائه ومواجهة‏ أي طارئ بهدوء‏ وخبرة‏ وتمرس‏ عندما‏ يتعرض‏ للتجربة‏ الحقيقية.
على‏ ضوء‏ ما‏ تقدم‏ نعود‏ للسؤال‏ من‏ جديد‏ إذا ضبط‏ المجاهد‏ متلبساً‏ هل‏ عليه‏ أن يعترف‏ طالما‏ وقع‏ في‏ الفخ‏؟
‏اعتقد‏ أن الإجابة واضحة‏ بعد‏ الاعتماد‏ على‏ مبادئ‏ ومرتكزات‏ البناء‏ التنظيمي‏ في‏ العمل‏ العسكري‏ والحس‏ الأمني وإتقان القصة‏ الإخبارية وتقمص‏ الدور‏ بالشكل‏ الجيد‏ بحيث‏ تكون‏ أجوبة المجاهد‏ غير‏ ضارة‏ لمسيرة‏ العمل‏ الجهادي.
علينا‏ أن لا‏ نعبئ‏ المجاهد‏ بتوصيات‏ أخلاقية مجردة‏ قائمة‏ على‏ الشعارات‏ مثل‏: "لا تعترف... كن‏ رجلاً... شد‏ حيلك... الخ‏". إنما علينا‏ أن نسلحه‏ بالوعي‏ الكامل‏ والإيمان الراسخ‏ القائم‏ على‏ البناء‏ العقائدي‏ ثم‏ نربي‏ فيه‏ القدرة‏ على‏ مواجهة‏ المحقق‏ دون‏ أن ينهار‏ وأن‏ يمتلك‏ رصيداً‏ من‏ الخبرة‏ العملية.
 وأهم‏ درس‏ في‏ هذا‏ المجال‏ هو‏ أن المحقق‏ إنسان عادي‏ وأن‏ جهاز‏ التحقيق‏ مهما‏ امتلك‏ من‏ معلومات‏ وقدرات‏ ليس‏ كلي‏ المعرفة‏ وأن‏ عملية‏ التحقيق‏ هي‏ أشبه بالعض‏ على‏ الأصابع فكما‏ يتعرض‏ المجاهد‏ للإرهاق الجسدي‏ والنفسي‏ أثناء التحقيق‏ فإن‏ المحقق‏ أيضاً‏ يتعرض‏ لضغط‏ نفسي‏ ناجم‏ عن‏ طبيعة‏ عمله‏ ورغبته‏ الشديدة‏ في‏ الحصول‏ على‏ معلومات‏، بالإضافة إلى الروتين‏ والأداء الوظيفي‏ الذي‏ تفرضه‏ عليه‏ مهنته‏، مما‏ يعني‏ أن عملية‏ التحقيق‏ ستنتهي‏ إذا لم‏ يدلي بمعلومات‏ حساسة‏ وسيشعر‏ حينها‏ بالانتصار‏ على‏ المحقق‏ وهو‏ أمر له‏ قيمة‏ معنوية‏ كبيرة‏ جداً‏ ترفع‏ معنويات‏ المجاهد‏ وتعطيه‏ شعوراً‏ بالتفوق‏ على‏ المحقق‏ (إن تكونوا‏ تألمون‏ فانهم‏ يألمون‏ كما‏ تألمون‏ وترجون‏ من‏ الله‏ ما‏ لا‏ يرجون‏)
4- الاعتقال‏ في‏ نقاط‏ العبور‏ إلى فلسطين‏ :
ينتقل‏ الفلسطينيون‏ باستمرار‏ عبر‏ بوابات‏ العبور‏ في‏ نيؤوت‏ سيناء‏ وجسري‏ الأردن ومطار‏ اللد‏ باتجاه‏ الدول‏ العربية‏ وباقي‏ أنحاء العالم‏ وذلك‏ للدراسة‏ أو العمل‏ أو الزيارة‏ أو العلاج‏ أو التجارة‏، ‏وجهاز‏ الأمن الإسرائيلي يعرف‏ أن أغلب‏ هؤلاء‏ سيلتقون‏ بصورة‏ مباشرة‏ أو غير‏ مباشرة‏ مع‏ مجاهدين‏ وتنظيمات‏ خارج‏ فلسطين‏ في‏ المكاتب‏ والندوات‏ والجامعات‏ الخ.
لذلك‏ فهو‏ حريص‏ أن يجمع‏ أكبر‏ قدر‏ من‏ المعلومات‏ حول‏ هذه‏ المكاتب‏ وإذ‏ا لم‏ يستفد‏ من‏ هذه‏ المعلومات‏ بصورة‏ مباشرة‏ في‏ الإيقاع بالمجاهدين‏، فإنها تنفع‏ في‏ بناء‏ تصور‏ عام‏ لدى‏ المخابرات‏ حول‏ نشاطات‏ المجاهدين‏، وتدفع‏ بالإيقاع بالمجاهدين‏ الآخرين، ‏وفي‏ الكشف‏ عن‏ الثغرات‏ في‏ القصص‏ التي‏ يؤلفونها‏ أمام المحقق وكثيراً‏ ما‏ يتعرض‏ الأشخاص المشكوك‏ بهم‏ إلى الاعتقال‏ على‏ إحدى نقاط‏ العبور وأغلب‏ حالات‏ الاعتقال‏ تتم‏ بسبب‏ شبهة‏ أو معلومات‏ سابقة‏ عندما‏ يحمل‏ جواز السفر‏ وعليه‏ أختام دخول‏ وخروج‏ لدول‏ معروفة‏ بتواجد‏ قواعد‏ تنظيمية‏ ومعسكرات‏ على‏ أراضيها.

الباب‏ الثالث‏
معركة‏ التحقيق
التحقيق‏ شكل‏ من‏ أشكال الصراع‏ بين‏ المجاهدين‏ والأعداء ‏له‏ أدواته، وخصائصه‏، وأساليبه وهدف‏ التحقيق‏ هو‏ إثبات التهمة‏ من‏ وجهة‏ نظر‏ العدو‏ على‏ المجاهد‏ الذي‏ يتعرض‏ للتحقيق‏ أو انتزاع‏ الاعترافات‏ والمعلومات‏ التي‏ تشكل‏ صيداً‏ ثميناً‏ للجهاز‏ الأمني وطرفا‏ الصراع‏ هما‏ المجاهد‏ الأعزل سوى‏ من‏ عقيدته‏، وإيمانه، ‏وقدرته‏ على‏ الصمود‏ والمحقق‏ الذي‏ يملك‏ آلة‏ قمعية‏ مجهزة‏ بكافة‏ وسائل‏ التعذيب‏ الجسدي‏ والنفسي‏، ‏والمعلومات‏ المسبقة‏،  ولكنه‏ لا ملك‏ العقيدة‏، والقدرة‏ على‏ الصمود‏ أمام عناد‏ المجاهد‏، وصبره‏، وتضحيته‏ إذ احتمل‏ حتى‏ النهاية‏، لذلك‏ وصفنا‏ التحقيق‏ بأنه معركة‏، لأنه يتصف‏ بما‏ للمعركة‏ من‏ شراسة‏، ‏ومراوغة‏، وأساليب خداع‏ متبادلة‏، واستعمال‏ فنون‏ الحرب‏ النفسية .
إن إيمان المجاهد‏ بالله‏، وتمثله‏ بسيرة‏ الأبطال السابقين‏ في‏ تاريخ‏ الإسلام، وفي‏ تاريخ‏ الجهاد‏ المعاصر‏، ‏وتمثله‏ بالهدف‏ العظيم‏ الذي‏ يحتمل‏ المحنة‏ من‏ اجله‏، ‏هو‏ سلاحه‏ في‏ مواجهة‏ المحقق‏، ‏وسبب‏ صموده‏، بينما‏ يعتمد‏ المحقق‏ على‏ تربية‏ وظيفية‏، ورغبته‏ في‏ أداء عمله‏ في‏ نجاح‏، وهذا‏ ليس‏ دافعاً‏ كافياً‏ للقدرة‏ على‏ الصمود‏ في‏ معركة‏ التحقيق‏ حتى‏ النهاية‏، لذلك‏ فإذا تمكن‏ المجاهد‏ من‏ اجتياز‏ معركة‏ التحقيق‏ دون‏ أن يعترف‏، أو أن يدلي‏ بمعلومات‏، تضر‏ إخوانه المجاهدين‏ فإنه‏ هو‏ المنتصر‏، ‏والمحقق‏ هو‏ المهزوم.
 يتبع‏ جهاز‏ الأمن الصهيوني‏ عدة‏ أساليب في‏ التحقيق‏، ولكل‏ أسلوب وسائله‏ وأدواته التطبيقية‏ والتقنية‏، ويعمل‏ على‏ أن يكون‏ هناك‏ تناسق‏ وترابط‏ بين‏ الأساليب، لذلك‏ لا يمكن فصل‏ أسلوب عن‏ آخر، كما‏ أن عدد‏ الأساليب التي‏‏ يستخدمها‏، والمدة‏ الزمنية‏ لاستخدام‏ أسلوب معين‏ تطول‏ حسب‏ حالة‏ المجاهد‏، أو حسب‏ حجم‏ القضية‏ أو التهمة‏، وسنحاول‏ في‏ ما‏ يلي‏ عرض‏ لأساليب التحقيق‏ قدر‏ الإمكان.
عادة‏ يتم‏ تكبيل‏ المجاهد‏ لحظة‏ اعتقاله‏ بقيود‏ بلاستيكية‏، ويداه‏ خلف‏ ظهره‏ ويوضع‏ رأسه‏ في‏ كيس‏ من‏ الشادر‏ بحيث‏ لا يتمكن‏ من‏ رؤية‏ شيء‏، وينتقل‏ تحت‏ الضرب‏، والشتم‏، والإهانة المختلفة‏ إلى السجن‏، وهناك‏ يسلم‏ ما‏ يملك‏ من‏ أوراق ونقود‏، وساعة‏ يد‏، وبطاقة‏ هوية‏ ويفحص‏ طبياً‏ لتحديد‏ ما‏ إذا كان‏ به‏ مرض‏ أو عجز‏ ما‏، وينقل‏ إلى الزنزانة‏، حيث‏ يخلع‏ ملابسه‏، ويلبس‏ ملابس‏ خاصة‏ بالسجن‏ ثم‏ ينقله‏ جندي‏ مختص‏ إلى أقبية التحقيق‏، حيث‏ يبدأ‏ التعذيب‏ والمعركة‏ مع‏ المحقق.

أساليب التحقيق‏
أولاً‏ ‏-‏ أسلوب التحقيق‏ الافتراضي‏:
وهو‏ أسلوب قائم‏ على‏ معلومات‏ افتراضية‏ غير‏ مؤكدة‏ لدى‏ المحقق‏، ‏وتستند‏ إلى كميات‏ كبيرة‏ من‏ المعلومات‏ العامة‏ التي‏ استطاع‏ جهاز‏ المخابرات‏ جمعها‏ عن‏ حالات‏ سابقة‏ شبيهة‏ بحالة‏ المجاهد‏ المعرض‏ للتحقيق‏، ‏وبعض‏ المعلومات‏ الخاصة‏ عن‏ المجاهد‏ نفسه‏«‏ويعمد‏ المحقق‏ إلى تركيب‏ صورة‏ معينة‏ بواسطة‏ أجزاء متناثرة‏ من‏ المعلومات‏ الافتراضية‏ التي‏ يسعى‏ إلى تجميعها‏ وتوثيقها‏ عن‏ طريق‏ الأسئلة المباشرة‏ وغير‏ المباشرة‏ التي‏ يوجهها‏ للمجاهد، وكل‏ سؤال‏ يفضي‏ إلى السؤال‏ الذي‏ يليه‏، وكل‏ إجابة تؤدي‏ إلى توضيح‏ الصورة‏ أكثر.
لذلك‏ فإن‏ الأسلوب الافتراضي‏ في‏ التحقيق‏ يقوم‏ على‏ إتقان لعبة‏ ماكرة‏ من‏ الخداع‏ والمراوغة‏ والإيهام بمعرفة‏ كل‏ شيء‏، وهنا‏ تبرز‏ قدرة‏ المجاهد‏ وذكاؤه‏ في‏ فهم‏ اللعبة‏ وتجنب‏ المنزلقات‏، فإذا‏ استطاع‏ التغلب‏ على‏ خداع‏ المحقق‏ نجا‏ بجلده‏، وإذا وقع‏ في‏ أحابيل الأسئلة الافتراضية‏ والإيهام بأن‏ جهاز‏ المخابرات‏ يعرف‏ عنه‏ كل‏ شيء‏ أثبت‏ على‏ نفسه‏ التهمة‏ وعرض‏ نفسه‏ إلى السجن‏ ومزيد‏ من‏ التعذيب‏ لتقديم‏ أكبر‏ قدر‏ ممكن‏ من‏ المعلومات‏ والاعترافات.
غالباً‏ ما‏ يستخدم‏ الأسلوب الافتراضي‏ في‏ الحالات‏ التي‏ لا يملك‏ جهاز‏ الاستخبارات‏ معلومات‏ أكيدة حول‏ موضوع‏ معين‏ أو التهمة‏ التي‏ يتعرض‏ بسببها‏ المجاهد‏ للتحقيق‏، ولكنه‏ يشك‏ فقط‏ بسبب‏ ظروف‏ معينة‏ في‏ أن للمجاهد‏ علاقة‏ بتنظيم‏ ما‏ أو عملية‏ ما‏، والحالات‏ القادمة‏ من‏ الخارج‏ عبر‏ نقاط‏ العبور‏ هي‏ أكثر‏ الحالات‏ تعرضاً‏ لأسلوب التحقيق‏ الافتراضي كما‏ أن هذا‏ الأسلوب يفيد‏ جهاز‏ الأمن في‏ تجميع‏ أو تراكم‏ قدر‏ أكبر‏ من‏ المعلومات‏ التي‏ تصلح‏ لتكوين‏ صورة‏ أشمل‏ حول‏ التنظيمات‏ والمجاهدين‏، وتفيد‏ في‏ حالات‏ التحقيق‏ مع‏ مجاهدين‏ آخرين وطوال‏ فترة‏ الاحتلال‏ كانت‏ الفصائل‏ الفلسطينية‏ تسعى‏ دائماً‏ لاستغلال‏ حركة‏ الدخول‏ والخروج‏ النشطة‏ عبر‏ بوابات‏ العبور‏ لأجل تحقيق‏ أهدافها في‏ إدخال الأسلحة والمتفجرات‏ والصواعق‏ والرسائل‏ وعناصر‏ الاتصال‏، والأموال والكوادر‏ المدربة‏ عسكرياً.
ومن‏ جهته‏ سعى‏ جهاز‏ الأمن الصهيوني‏ باستمرار‏ لاستغلال‏ نقاط‏ العبور‏ من‏ أجل‏ غرس‏ عملاء‏ له‏ في‏ المناطق‏ الساخنة‏ كالمعسكرات‏، والقواعد‏ الفدائية‏، ومكاتب‏ التنظيمات‏، وإرسال جواسيس‏ لجلب‏ المعلومات‏ حول‏ التنظيمات‏، وحول‏ نشاطات‏ الأفراد، وعن‏ الواقع‏ الفلسطيني‏ في‏ دول‏ الشتات.
كما‏ سعى‏ للحصول‏ على‏ المعلومات‏ عن‏ طريق‏ الاستجوابات‏ الروتينية‏ للمسافرين‏ على‏ نقاط‏ العبور‏ تلك.
 إن جهاز‏ الأمن الصهيوني‏ معني‏ بجمع‏ أكبر‏ قدر‏ من‏ المعلومات‏ حتى‏ ولو‏ كانت‏ ذات‏ طبيعة‏ عامة‏ عن‏ المكاتب‏ من‏ حيث‏ أسماء العاملين‏ فيها‏، وطريقة‏ العمل‏، وأوقات الدوام‏، ونوع‏ الخدمات‏ التي‏ تقدمها‏ والمعلومات‏ الشخصية‏ عن‏ كل‏ عامل‏ فيها ‏‏اسمه عمره شكله‏، مكان‏ سكنه‏، رقم‏ هاتفه‏، ‏عدد‏ أولاده، راتبه‏، أخلاقياته، وغير‏ ذلك‏ وكذلك‏ عن‏ المعسكرات‏ ومواقعها‏، ومساحتها‏، نوع‏ التسليح‏، معلومات‏ حول‏ قادتها‏ العسكريين‏، طاقمها‏ الإداري، نوعية‏ التدريب‏ وقد‏ يهتمون‏ بمعرفة‏ كمية‏ التموين‏، ‏الملابس‏ المعروفة‏، ‏عدد‏ النشرات‏ والمجلات‏ الموزعة‏ بالمعسكرات‏ وعن‏ طريقها‏ يستطيعون‏ تحديد‏ عدد‏ أفراد المعسكر. إن تراكم‏ هذه‏ المعلومات‏، ‏مهما‏ بدت‏ تفاصيلها‏ غير‏ مهمة‏، ‏تمكن‏ الجهاز‏ الأمني من‏ الاقتراب‏ جداً‏ في‏ فهم‏ طبيعة‏ عمل‏ المناضلين‏ الذين‏ يتعرضون‏ للتحقيق‏، أو خداع‏ أي مناضل‏ بأنهم يعرفون‏ عنه‏ كل‏ شيء.
إن أهم عنصر‏ في‏ أسلوب التحقيق‏ الافتراضي‏ هو‏ زرع‏ الشك‏ في‏ نفس‏ المجاهد‏، ‏والعمل‏ على‏ إفقاده الثقة‏ باخوته‏ وقادته، ‏عن‏ طريق‏ توظيف‏ هذه‏ المعلومات‏، ليظن‏ أن قيادته‏ باعته لجهاز‏ المخابرات‏، .
في‏ منتصف‏ السبعينات‏ تم‏ اعتقال‏ مجموعة‏ من‏ الأشخاص على‏ نقطة‏ العبور‏ عبر‏ جسر‏ الأردن وبعد‏ انتهاء‏ التحقيق‏ مع‏ المجموعة‏، أخرجوا‏ من‏ الزنازين‏ إلى أقسام السجناء‏ الأمنيين، وعند‏ سؤالهم‏ من‏ قبل‏ السجناء‏ الآخرين عن‏ قضيتهم‏، وملابسات‏ اعتقالهم قالوا‏ لقد‏ وجدنا‏ كل‏ شيء‏ أمامنا، إنهم‏ يعرفون‏ كل‏ شيء حتى‏ أدق المسائل‏ التي‏ لا يعرفها‏ أحد، وجدناها‏ معروفة‏ عند‏ المخابرات‏ كل‏ الذين‏ في‏ الخارج‏ عملاء وقد‏ باعونا‏ للموساد تُرى‏ هل‏ هذا‏ استنتاج‏ صحيح ؟ ‏هل‏ هذه‏ قصة‏ صحيحة؟ ‏وهل‏ هذه‏ المجموعة‏ صادقة‏ أم أنها مجرد‏ مبررات‏ لتغطية‏ العجز‏ والانهيار‏ والاعتراف‏ أمام المحقق ؟أم أن هناك‏ وجهاً‏ آخر للمسألة؟
أن تفسير‏ ما‏ حدث‏ بسيط‏، وهو‏ أن ضابط‏ المخابرات‏ المختص‏ بالساحة‏ الأردنية قد‏ تراكمت‏ لديه‏ كمية‏ كبيرة‏ من‏ المعلومات‏ العامة‏، وبعضها‏ من‏ نوع‏ ما‏ ينشر‏ في‏ الصحف‏، والإذاعة والتلفزيون وبعض‏ المعلومات‏ الخاصة‏، ‏ولكنه‏ استطاع‏ أن يستثمر‏ هذه‏ المعلومات‏ استثماراً‏ جيداً‏ للإيقاع بأولئك‏ الأشخاص..
فقد‏ كان‏ ضابط‏ المخابرات‏ الصهيوني‏ يعرف‏ أن كل‏ فلسطيني‏ يعبر‏ الجسر‏ باتجاه‏ الأردن لا بد‏ أن يمر‏ باتجاه‏ مكتب‏ م ت ف في‏ عمان‏ لسبب‏ أو لآخر، ‏ويسبب‏ الروتين‏ الإداري والبيروقراطية‏ أن يضطر‏ ذلك‏ الفلسطيني‏ للتردد‏ على‏ المكتب‏ عدة‏ مرات‏، ولا بد‏ أنه‏ سيتعرف‏ أثناء تكرار‏ زيارته‏ للمكتب‏ على‏ العاملين‏ هناك‏، وسيحاول‏ بعضهم‏ إظهار مساعدته‏ له‏ أو حرصه‏ عليه‏، والتودد‏ إليه، لأجل كسبه‏ في‏ التنظيم ومن‏ المعلومات‏ المتوافرة‏ مسبقاً‏ لدى‏ رجال‏ المخابرات‏ يعرف‏ المحقق‏، أن بعض‏ العاملين‏ في‏ المكتب‏ يدعى‏ أبا فراس‏، وأن‏ أبا فراس‏ يجند‏ المراجعين‏ لصالح‏ جهاز‏ الغربي‏ في‏ حركة‏ فتح‏، ومن‏ خلال‏ حالات‏ اعتقال‏ سابقة‏، واعترافات‏ المعتقلين‏، الذين‏ كرروا‏ عدة‏ مرات‏ قصة‏ تجنيدهم‏ من‏ البداية‏ إلى النهاية‏، والطريقة‏ التي‏ تمت‏ بها‏ عملية‏ التجنيد‏، والأماكن التي‏ نقلوا‏ إليها، ‏والبيوت‏ الخاصة‏ التي‏ دخلوها‏ والسيارات‏ التي‏ أقلتهم، وأرقام الهواتف‏ المعلنة‏ والسرية‏، والأسماء الحقيقية‏ لكل‏ فرد‏ من‏ مساعدي‏ أبي فراس‏، ‏ونوعية‏ التدريب‏ الذي‏ تلقوه‏، ‏وطريقة‏ التدريب‏، ‏ونوعية‏ الأسلحة المستخدمة‏ فيه‏، ‏واسم‏ المدرب‏، ‏والمهمات‏ التي‏ كلفوا‏ بها وطريقة‏ الاتصال والمبالغ‏ المالية‏ التي‏ أخذوها، إن هذه‏ المعلومات‏ التي‏ حصل‏ عليها‏ المحقق‏ إذا ما‏ ركبت‏ تركيباً‏ متكاملاً‏ فإنها تعطي‏ أسماء الأشخاص، وطريقة‏ تفكيرهم‏، ‏ونمط‏ تعاملهم‏، ‏بحيث‏ يستطيع‏ جهاز‏ المخابرات‏ وضع‏ فرضية‏ معينة مثلاً إن حالة‏ "س" البالغ‏ من‏ العمر‏ عاماً والذي‏ يسكن‏ في‏ إحدى المخيمات‏ الفلسطينية‏ في‏ الداخل والذي‏ سافر‏ للأردن عبر‏ الجسر‏، ومكث‏ هناك‏ ‏يوماً‏ ثم‏ عاد سيكون‏ صيداً‏ ثميناً‏ لأبي فراس‏، وإنه‏ سيجند‏ على‏ يديه‏ بنفس‏ الطريقة‏ التي‏ جند‏ بها‏ سابقاً‏ أ‏+‏ب‏+‏ج‏+‏د‏..الخ‏ من‏ الناس وبذلك‏ سيرتب‏ المحقق‏ معلوماته‏، ‏ويعد‏ أوراقه ومقدماته‏، ‏ويواجه‏ بها‏ المعتقل‏ "س" بطريقة‏ ذكية‏ وواعية‏ ومدروسة‏، ليثبت‏ فيها‏ من‏ خلال‏ التحقيق‏ أن "س" جند‏ كما‏ جند‏ غيره.
من‏ جهته‏ "س" الذي‏ كان‏ يظن‏ أن كل‏ ما‏ حدث‏ معه‏ منذ‏ لقائه‏ بأبي‏ فراس‏، وتجنيده‏، وتدريبه‏ والمهمات‏ التي‏ كلف‏ بها.. كل‏ ذلك.. كان‏ سراً‏ من‏ الأسرار التي‏ لا يعرفها‏ أحد سواه‏ وسوى‏ أبي فراس‏ وسوى‏ الله.. وعندما‏ يواجه‏ المحقق‏ يعتقد‏ أنه‏ سيسأله‏ بعض‏ الأسئلة الروتينية‏ التقليدية‏، ثم‏ يُخلي‏ سبيله‏، ولكنه‏ يفاجأ‏ بأسئلة‏ أخرى تجره‏ إلى فخ‏ منصوب‏ بعناية‏ وذكاء‏، سيسأله‏ المحقق "أين نمت‏ الليلة‏ الماضية؟.. " س" الذي‏ نام‏ تلك‏ الليلة‏ في‏ بيت‏ أبي فراس‏ وراجع‏ معه‏ خطة‏ العمل‏، والشيفرة‏، وكيفية‏ الاتصال‏ وركز‏ عليه‏ في‏ المسائل‏ الامنية‏، والتنظيمية‏، والعسكرية‏، وأوصله في‏ الصباح‏ إلى موقف‏ سيارات‏ الجسر‏، سيشعر‏ أن السؤال‏ اخترقه‏ كسهم‏، وهزه‏ هزاً‏ عنيفاً‏، ظهر‏على‏ ملامح‏ وجهه‏، وحركة‏ عينيه‏، ونبرة‏ صوته‏، سيحاول‏ استيعاب‏ المأزق‏ بسرعة‏، وامتصاص‏ الدهشة‏، والتظاهر‏ بالعفوية‏ وربما‏ أجاب على‏ السؤال‏ بشيء‏ من‏ التلعثم "نمت‏ في‏ الفندق" ولكن‏ المحقق‏ يعاجله‏ بالسؤال‏ الثاني‏، "ومن‏ أوصلك إلى موقف‏ سيارات‏ الجسر"..؟ سيحاول‏ "س" أن يخفي‏ الحقيقة‏ مرة‏ أخرى "سواق‏ أجرة"..!.. "ما‏ هو‏ لون‏ سيارة‏ الهوندا‏ التي‏ أوصلتك ؟ وكم‏ أعطاك أبو فراس‏ من‏ النقود" إن المحقق‏ يحاول‏ توجيه‏ صدمات‏ قوية‏ بأسئلته، ويشعر‏ س انه‏ يعرف‏ عنه‏ كل‏ شيء وخلال‏ ذلك‏ يدرس‏ ردود‏ أفعاله، ويفقده‏ الثقة‏ بالنفس‏، وفي‏ اللحظة‏ التي‏ يصل‏ فيها‏ "س" إلى أقصى درجات‏ التوتر‏ الداخلي يسأله‏ المحقق هل‏ أنا كنت‏ معكم؟ إذاً كيف‏ عرفت‏ كل‏ هذا‏ ؟‏هل‏ فكرت‏ جيداً أنت مسكين أنت ضحية باعك‏ الذين‏ في‏ الخارج إنهم‏ يعملون‏ معنا وفي‏ هذا‏ الجو‏ المتوتر يروي‏ "س" قصته‏ من‏ جديد‏ عشرات‏ المرات‏، وبإسهاب‏ كبير إذ أنه‏ بعد‏ أن اهتزت‏ ثقته‏، ‏وصدق‏ أن قيادته‏ عميلة‏ للموساد‏، سيروي‏ كل‏ شيء‏ مر‏ به‏، وسيعيد‏ كل‏ ما‏ سمع‏، وشاهد‏، وحدث‏ معه وستكون‏ قصته‏ فصلاً‏ جديداً‏ ومهماً‏ لجهاز‏ المخابرات‏ لمعرفة‏ معلومات‏ جديدة‏ حول‏ التنظيم‏ وحول‏ عمل‏ أبي فراس‏، وتطورات‏ الوضع‏ التنظيمي‏ بشكل‏ عام‏ في‏ الخارج.
إن على‏ المجاهد‏ أن يعلم‏ جيداً‏ أن هناك‏ كماً‏ هائلاً‏ من‏ المعلومات‏ العامة‏، التي‏ يمكن‏ أن تعرفها‏ أجهزة المخابرات‏ بكل‏ سهولة‏، كما‏ يمكن‏ أن يعرفها‏ أي إنسان عادي‏ ومتتبع‏، ‏وهناك‏ معلومات‏ خاصة‏ يستنبطها‏ المحقق‏ من‏ خلال‏ اعترافات‏ المعتقلين‏، وهناك‏ معلومات‏ سرية‏ جداً‏ لا تعرفها‏ أجهزة المخابرات‏، مثل‏ المسؤول‏ التنظيمي‏، طريقة‏ التجنيد‏، اللقاءات‏، ‏الدورات‏ التدريبية‏، الاسم‏ الحركي‏، ‏الرقم‏ السري المهمات الخ‏ ولكن‏ جهاز‏ المخابرات‏ يركب‏ المعلومات‏ العامة‏ والمعلومات‏ الخاصة‏ في‏ مقدمات‏ منطقية‏ لإيصال المعتقل‏ إلى نتيجة‏ منطقية‏، ‏وهي‏ أنه‏ مكشوف‏ لجهاز‏ المخابرات‏ الذي‏ يعرف‏ عنه‏ كل‏ شيء ومن‏ جهة‏ أخرى، ‏فان‏ المخابرات‏ الصهيونية‏ كانت‏ تعرف‏ وكما‏ هو‏ معروف‏ للجميع‏ -‏ أن الوجود‏ الفلسطيني‏ العسكري‏ تركز‏ فيما‏ مضى‏ في‏ بيروت‏، ودمشق‏، وبغداد‏، والجزائر‏، وطرابلس‏ وأن‏ وجود‏ ختم‏ دخول‏ وخروج‏ إلى تلك‏ الدول‏ ومنها‏، ‏على‏ وثيقة‏ أو جواز‏ السفر‏، والمدة‏ الزمنية‏ التي‏ تكشفها‏ تلك‏ الأختام، تشكك‏ أن الشخص‏ حامل‏ هذه‏ الوثيقة‏ قد‏ دخل‏ تلك‏ البلاد‏ لغرض‏ التدريب‏ العسكري‏، ‏وهناك‏ بعض‏ الطلبة‏ بشكل‏ خاص‏، ‏وبعض‏ الفلسطينيين‏ الذين‏ سافروا‏ من‏ فلسطين‏ إلى الدول‏ العربية‏ قد‏ اعترفوا‏ بتلقي‏ تدريبات‏ عسكرية‏ في‏ معسكرات‏ التنظيمات‏ المتواجدة‏ في‏ تلك‏ البلاد وبعد‏ تحقيق‏ قصير‏ قدموا‏ للمخابرات‏ معلومات‏ وافرة‏ حول‏ التدريبات‏ التي‏ تلقوها‏، والطريقة‏ التي‏ تم‏ بها‏ تجنيدهم‏، والأشخاص الذين‏ أشرفوا‏ عليهم‏، وغير‏ ذلك وعندما‏ يعود‏ شخص‏ ما‏ من‏ سفره‏ خارج‏ فلسطين‏ إليها عبر‏ إحدى نقاط‏ العبور‏، ويسلم‏ جواز‏ سفره‏ على‏ نقطة‏ الحدود‏، فإن‏ ضابط‏ الأمن، ‏يقلب‏ أوراق الجواز‏ بحثاً‏ عن‏ أختام الدخول‏ والخروج‏، فإذا وجد‏ أختام الدول‏ المذكورة‏ تلك‏، يحتجز‏ ذلك‏ الشخص‏ للتحقيق‏، فإذا كان‏ هذا‏ الشخص‏ يدرس‏ أو يعمل‏ في‏ دولة‏ غير‏ تلك‏ الدول‏، فإنه‏ يصبح‏ عرضة‏ للشك‏، ويبدأ‏ ويتعرض‏ عندها‏ للتحقيق‏ المطول‏، يغلب‏ عليه ‏طابع‏ أسلوب التحقيق‏ الافتراضي.
في‏ هذه‏ الحالة‏ يجب‏ على‏ أي شخص‏ يتعرض‏ لهذا‏ الموقف‏ أن يكون‏ موقناً‏ يقيناً‏ قاطعاً‏ إن جهاز‏ المخابرات‏ الصهيوني‏ لا يعرف‏ عنه‏ شيئاً‏ خاصاً‏ أو سرياً‏ على‏ الإطلاق، إلا إذا كان‏ أثناء وجوده‏ في‏ الخارج‏ متهوراً‏ في‏ تصرفاته‏، وارتكب‏ بعض‏ الأخطاء، والتجاوزات‏، بحيث‏ أظهر‏ بشكل‏ مفضوح‏ ما‏ يستدل‏ فيه‏ على‏ انتماء‏ تنظيمي‏ معين‏، كأن‏ يشارك‏ في‏ توزيع‏ بيانات‏ أو نشرات‏ أو مجلات‏ تنظيمية أو يشارك‏ في‏ ندوات‏ تدل‏ على‏ عضوية‏ في‏ التنظيم‏ أو المشاركة‏ النشيطة‏ في‏ مناسبات‏ خاصة‏ بتنظيم‏ ما عندها‏ يجب‏ عليه‏ أن يدرس‏ أخطاءه جيداً ويتعلم‏ منها‏، وان‏ لا يكررها‏ أبداً وأن‏ يحاول‏ في‏ لحظة‏ التحقيق‏ البحث‏ عن‏ تبريرات‏ لمثل‏ هذه‏ المشاركة‏، بحيث‏ لا يدلي‏ بأية‏ معلومات‏ تضره‏ وتضر‏ اخوته‏ المجاهدين‏.
إن معرفة‏ المجاهد‏ لأسلوب التحقيق‏ الافتراضي‏ سيحصنه‏ من‏ التأثر‏ بصدمات‏ المحقق‏ ويجنبه‏ التعرض‏ للاهتزاز‏، والتوتر‏، ومن‏ هنا‏ عليه‏ ألا يظهر‏ ردود‏ أفعال غير‏ طبيعية‏ وأن‏ يحافظ‏ أمام المحقق‏ على‏ رباطة‏ جأشه‏، وعفويته‏، وعندما‏ لا يجد‏ المحقق‏ نجاحاً‏ لأسلوبه على‏ نفسية‏ المجاهد‏ سيخيب‏ ظنه‏، وتطيش‏ سهامه‏ وسيقتنع‏ أنه‏ يحقق‏ مع‏ الشخص‏ الخطأ.. وأن‏ المجاهد‏، لا علاقة له‏ بالتهمة‏ المفترضة‏، وسينهي‏ التحقيق‏ معه‏، بسؤاله‏ حول‏ قضايا‏ عامة.
وعندما‏ يبوء‏ بالفشل‏ يسلمه‏ أوراقه وهويته‏، ويتركه‏ لحال‏ سبيله (الله‏ ولي‏ الذين‏ آمنو‏ا والذين‏ كفروا‏ لا مولى‏ لهم‏).
ثانياً‏ - أسلوب الكيس‏ :
هو‏ أحد أساليب التحقيق‏ التي‏ تستهدف‏ الضغط‏ النفسي‏ على‏ المجاهد‏ بواسطة‏ تعذيبه‏ جسدياً‏ باستعمال‏ كيس عادة‏ ما‏ يكون‏ من‏ قماش‏ الشادر‏ الذي‏ يكاد‏ لا يسمح للهواء‏ بالدخول‏ عبر‏ مساماته‏ ولا‏ للضوء‏ بالنفاذ‏ منه‏، وعندما‏ يوضع‏ رأس‏ المجاهد‏ في‏ الكيس‏، فإنه‏ لا يستطيع أن يرى‏ شيئاً‏ ولا يستطيع‏ أن يعرف‏ الوقت‏ ليلاً‏ كان‏ أم نهاراً‏، ويفقد‏ الإحساس بالزمن‏ الموضوعي‏، ‏ويعيش‏ في‏ الزمن‏ الذاتي‏ الذي‏ تصبح‏ فيه‏ الدقيقة‏ ساعات بالإضافة إلى فقدان‏ الإحساس بالمكان‏ الواقعي‏ لعدم‏ معرفة‏ المكان‏، ‏وعدم‏ رؤية‏ أي شيء‏ حوله‏، ‏مما‏ يحصر‏ التفكير‏ في‏ الذات‏ والنفس.
في‏ داخل‏ الكيس‏ تتوقف‏ كل‏ الحواس‏ عن‏ العمل‏، ‏وتنشط‏ حاسة‏ السمع‏ حيث‏ يسمع‏ المعتقل‏ في‏ الغالب‏ الصراخ‏، وأصوات التعذيب‏، وأصوات الأبواب الحديدية‏ وهي‏ تفتح‏ وتغلق‏ بضجيج‏ عال‏، وأصوات الضرب‏، والتنهدات‏، ‏وآهات‏ المعذبين‏، ‏وانين‏ المنهكين‏، وأصوات خافتة‏ كأنها‏ صادرة‏ عن‏ أشباح، ‏وهي‏ في‏ غالبها‏ مفتعلة‏، ‏ولكنها‏ تصل‏ إلى المعتقل‏ بشكل‏ مضخم‏ جداً‏ بسبب‏ الكيس‏، ويتولد‏ لديه‏ إحساس قاس‏ بالعزلة‏ عن‏ العالم‏، أو أن العالم‏ كله‏ قد‏ انكمش‏، واختزل‏ في‏ الأصوات، ‏وفي‏ لحظات‏ الترقب‏، "متى‏ سيأتي‏ دوري متى‏ سأتلقى‏ الرفسة‏ من‏ الخلف‏، أو الركلة‏ في‏ البطن‏، أو الضربة‏ على‏ الرأس"، وهي‏ ضربات‏ يتلقاها‏ المعتقل‏ عادة‏ من‏ الحارس‏ لتصعيد‏ توتره‏، ودفعه‏ للانهيار‏، وللكيس‏ رائحة‏ كريهة رائحة‏ العرق‏، أو تقيؤ‏، أو دم‏ أو رائحة‏ غاز فهو‏ لا يغسل‏ مما‏ يسبب‏ صعوبة‏ شديدة‏ في‏ التنفس‏، ‏وضيقاً‏ في‏ الصدر‏، ‏ويستمر‏ وضع‏ الكيس‏ في‏ الرأس‏ لأيام وأسابيع، ‏وربما‏ يضاف‏ إليه كيس‏ آخر لذلك‏ على‏ المجاهد‏ البدء‏ فوراً‏ بالمعركة‏ مع‏ الكيس‏، وألا يبقى‏ صامتاً‏ مستسلماً‏ ينتظر‏ قدره عليه‏ أن يحاول‏ عمل‏ ثقب‏ في‏ الكيس‏ مهما‏ كان‏ صغيراً‏، سواء بقرضه‏ بأسنانه أو بحكه‏ في‏ الحائط‏ لكي‏ تتوسع‏ بعض‏ مساماته‏، ‏وتخف‏ سماكته‏، ‏ويظهر‏ ثقب‏ صغير‏ وهذا‏ الثقب‏ مهم‏ جداً‏ في‏ المعركة إنه‏ نافذة‏ للروح‏ وللنفس‏ قبل‏ كل‏ شيء‏، ومن‏ خلاله‏ يستطيع‏ المعتقل‏ مراقبة‏ الجندي‏ الحارس‏، ‏ومعرفة‏ مكانه‏، ‏وفترة‏ غيابه‏، ومعرفة‏ المعتقلين‏ الذين‏ بجواره‏ وعددهم ومن‏ ثم‏ يستطيع‏ معرفة‏ أصواتهم من‏ خلال‏ حركة‏ أجسامهم ويستطيع‏ التنقل‏ من‏ مكان‏ إلى آخر في‏ غفلة‏ عن‏ الحارس‏، ‏والحديث‏ مع‏ المعتقلين‏ بالإشارات كالنحنحة‏، ‏والضغط‏ على‏ الأرجل، ‏والهمس‏، ‏ويمكنه‏ استغلال‏ غياب‏ الحارس‏، ‏وانشغال‏ ضباط‏ المخابرات‏ لتحريض‏ اخوته‏ المعتقلين‏ على‏ الصبر‏، ‏والتحمل‏، ‏والصمود‏، ويمكنه‏ معرفة‏ الأوقات من‏ خلال‏ شعاع‏ الشمس‏، ‏وضوء‏ النهار.
إن الكيس‏ يولد‏ ضغطاً‏ شديداً‏ على‏ المجاهد‏ يدفعه‏ إلى التقيؤ‏ وثقب‏ الكيس‏ يخلق لديه‏ إحساساً‏ بالحيوية‏، ‏والنشاط‏ مما‏ يساعده‏ على‏ الصبر‏ والصمود.
أحياناً‏ يتظاهر‏ الحارس‏ بأنه سيضع‏ إصبعه في‏ عين‏ المجاهد‏ ليتأكد‏ من‏ أنه‏ لا يرى‏، ‏وعلى‏ المجاهد‏ في‏ هذه‏ الحال أن يحظر‏ الحركة‏ اللاإرادية‏، وألا يزيح‏ رأسه‏، أو يتراجع‏ للخلف‏، ‏لأن‏ الحارس‏ سيدرك‏ أن المجاهد‏ يرى‏، ‏لذلك‏ سيضربه‏، ‏ويغير‏ الكيس‏ بأسوأ منه‏، أو يضع‏ كيساً‏ آخر إضافياً‏ في‏ رأس‏ المجاهد.
ثالثاً - أسلوب التعذيب‏ الجسدي‏ :
القصد‏ من‏ استخدام‏ أسلوب التعذيب‏ الجسدي‏، ‏هو‏ التسبب‏ بالألم الشديد‏ لدى‏ المجاهد‏، وإرهاق جهازه‏ العصبي‏ ونفسيته‏‏ إلى أقصى حد‏ بحيث‏ يضطر‏ للانهيار‏ والاعتراف‏، ‏ويستخدم‏ المحقق‏ في‏ هذا‏ الأسلوب الضرب‏ على‏ المعدة‏‏ ضربات‏ سريعة‏ وقوية‏، ‏والضرب‏ على‏ الوجه‏، ‏مما‏ يحدث‏ انتفاخاً‏ وتورماً‏ في‏ العينين‏ والضرب‏ على‏ المفاصل‏ والعظام‏ لإحداث ألم شديد‏ أو الضرب‏ على‏ مؤخرة‏ الرأس‏ لإحداث الإنهاك في‏ الجهاز‏ العصبي‏، ‏والضرب‏ بالعصي‏ الكهربائية‏ التي‏ تفرغ‏ شحنات‏ كهربائية‏ في‏ الجسم‏ مسببة‏ لسعات‏ قوية‏، ‏ومولدة‏ ارتجاجاً‏ شديداً‏ في‏ الجسد واستخدام‏ "الفلكة" ‏للضرب‏ على‏ باطن‏ القدم‏، وإطفاء السجائر‏ في‏ الجسم‏ مما‏ يحدث‏ حروقاً‏ بالغة‏، ‏وتحميل‏ المجاهد‏ كرسياً‏ على‏ يديه‏ لفترات‏ طويلة‏، ‏ووضعه‏ تحت‏ دوش‏ الماء‏ البارد‏ لساعات‏، ‏ثم‏ تعريضه‏ لمروحة‏ هواء‏ سريعة‏، ‏تجعل‏ الهواء‏ بارداً‏ جداً‏، ‏مما‏ يؤدي‏ إلى الارتجاف‏ الحاد‏، وارتفاع‏ نبض‏ القلب‏، ‏وصعوبة‏ التنفس والتنقل‏ من‏ مكان‏ بارد‏ إلى مكان‏ ساخن والوقوف‏ على‏ القدمين‏ فترات‏ طويلة‏، ‏مما‏ ينهك‏ الأعصاب، ‏ويجعل‏ الأقدام تنتفخ‏ وتتورم والشبح‏ "التعليق" على‏ الباب‏‏ والضغط‏ على‏ الخصيتين‏ بشدة‏، ‏مما‏ يحدث‏ قدراً‏ كبيراً‏ من‏ الألم.
إن المحقق‏ عندما‏ يستخدم‏ هذه‏ الممارسات‏، ‏لا يستخدمها‏ مرة‏ واحدة‏، ‏ولا يستخدمها‏ بالترتيب‏ ولكنه‏ يستخدم‏ بعضها‏ بشكل‏ تجريبي‏، ‏محاولاً‏ العثور‏ على‏ نقاط‏ الضعف‏ عند‏ المجاهد‏ ولمعرفة‏ أثرها عليه‏، فإذا تأكد‏ أنها لا تسبب‏ أثراً‏ عظيماً‏، ‏ولم‏ يعثر‏ على‏ نقاط‏ الضعف‏ يعمد‏ إلى تجربة‏ ممارسات‏ أخرى مصحوبة‏ بحملة‏ نفسية‏، ‏كتهديد‏ المجاهد‏ بأنه سيصاب‏ بالعجز‏ أو الشلل‏ أو العقم‏، أو انه‏ سيموت‏ بسبب‏ التعذيب‏، ‏وهكذا‏ يتعرض‏ المجاهد‏ لامتحان‏ شديد‏ للنفس‏ لحظة‏ التحقيق‏، ‏ولكن‏ المحقق‏ لا يهدف‏ إلى قتل‏ المجاهد‏، ‏بل‏ إن هدفه‏ هو‏ الحصول‏ على‏ المعلومات‏، ‏وهو‏ يلجأ‏ للتعذيب‏ الجسدي‏، إنما يقصد‏ بوضع‏ المجاهد‏ في‏ حالة‏ من‏ الإرهاق والإنهاك، ‏ولدفعه‏ عبر‏ الحيل‏ النفسية‏ للتفكير‏ بحياته‏، وإنقاذ نفسه‏ من‏ العجز‏ أو الموت‏، ‏لذلك‏ على‏ المجاهد‏ أن لا يكون هدفه‏ المحافظة‏ على‏ حياته‏ أو أن يضع‏ في‏ تفكيره‏ الانهيار‏، والإدلاء بالمعلومات‏ المطلوبة‏ منه‏، إنما أن تكون‏ مرضاة‏ الله‏ هي‏ هدفه‏، ‏مما‏ يمكنه‏ من‏ تحمل‏ الألم والعذاب‏، ‏والقدرة‏ على‏ الصمود.
إن الإيمان الراسخ‏ في‏ القلب‏ يولد‏ في‏ النفس‏ طاقة‏ روحية‏ هائلة‏، وإرادة صلبة‏ لا تكسرها‏ أساليب التعذيب‏، ‏وإن‏ قانون‏ الألم (يقول‏ إن الضربات‏ كلما‏ ازدادت‏ على‏ الجسد‏ يصبح‏ أقل‏ شعوراً‏ بالألم ويتخدر‏) والألم هو‏ شعور‏ داخلي‏ يشعر‏ الإنسان ذاته‏ بأن‏ جسده‏ يتعرض‏ إلى الأذى إذ تنقل‏ موجات‏ عصبية‏ عن‏ طبيعة‏ الألم إلى الجهاز‏ العصبي‏ المركزي‏. النخاع‏ الشوكي‏ والدماغ‏ ليأخذ‏ بدوره‏ عبر‏ ردات‏ الفعل‏ العفوية‏ أو الإرادية موقفاً‏ ما معظم‏ الألياف العصبية‏ المتخصصة‏ بالألم منتشرة‏ تحت‏ الجلد‏، ‏وحول‏ الأعضاء في‏ الجسم والألم له‏ صفات‏ عديدة‏، ‏ويختلف‏ من‏ إنسان إلى آخر نسبياً‏، ‏ويزداد‏ الشعور‏ بالألم أو يقل‏ حسب‏ الوضعية‏ النفسية‏ التي‏ يكون‏ فيها‏ الأسير، ‏وتلعب‏ الحواس‏ والمخيلة‏ والتجارب‏ السابقة‏ دوراً‏ في‏ هذا‏ الصدد‏، ‏ويتحمل‏ الإنسان الألم إلى حد‏ معين‏، ‏ثم‏ يحصل‏ الإغماء الذي‏ هو‏ نوع‏ من‏ الدفاع‏ الذاتي‏ عن‏ الإنسان يحمي‏ به‏ نفسه‏ تلقائياً‏.
رابعاً - أسلوب التشكيك :
يقوم‏ أسلوب التشكيك‏ على‏ حيلة‏ نفسية‏ تعتمد‏ على‏ معلومات‏ موجهة‏، ‏مثل‏ الحكايات‏ والأمثال الشعبية‏، ‏والمقدمات‏ الخاطئة‏ التي‏ يستخدمها‏ المحقق‏ من‏ أجل‏ تشكيك‏ المجاهد‏ بعقيدته‏ وتاريخه‏ وانتمائه وقضيته‏ وحركته‏ واخوته‏ المجاهدين‏، ‏ليجره‏ إلى هاوية‏ الانهيار‏ والاعتراف.
وقد‏ يبدأ‏ بتضخيم‏ اليهود‏ وكيف‏ أنهم‏ شعب‏ الله‏ المختار‏، ‏وأن‏ الله‏ فضلهم‏ على‏ العالمين‏ كما‏ يؤكد‏ القرآن‏، ‏وان‏ الله‏ مع‏ اليهود‏ وينصرهم‏، ‏ويؤيدهم‏ وأن‏ جذور‏ عقيدتهم‏ تقوم‏ على‏ الميثالوجية‏ الدينية‏، ‏والمحرقة‏ "الهولوكوست" والخروج‏ "الايكسودوس" ‏والشتات‏ الديسابورا ‏والبطولة‏ شمشون ‏والانتحار‏ الجماعي‏(متسادا) ‏والوجود‏ التاريخي‏ لليهود‏ في‏ فلسطين‏ أرض‏ الميعاد ‏وأن‏ الأنبياء كلهم‏ من‏ نسل‏ اليهود‏، ‏وأن‏ المسلمين‏ متزمتون‏ متعصبون‏، ‏يريدون‏ في‏ عصر‏ الذرة‏ إعادة عصر العبيد‏، ‏وأن‏ اليهود‏ أقوياء، ‏ويتحكمون‏ بالعالم‏، ‏وأن‏ جميع‏ الزعماء‏ والقادة‏ والحكام‏ عملاء‏ لهم‏، ‏وأن‏ (إسرائيل) عبر‏ تقدمها‏ الحضاري‏ والتكنولوجي‏ أصبحت تتحدى‏ العالم‏، ‏وأن‏ العرب‏ لا يملكون‏ أي قوة وان‏ اليهود‏ هزموا‏ جميع‏ الجيوش‏ العربية‏ في‏ ساعات‏ قليلة‏ فإذا كانت‏ جيوش‏ العرب‏ جميعاً‏ لم‏ تهزم‏ (إسرائيل)، ‏هل‏ يستطيع‏ مئات‏ من‏ المجاهدين‏ أن يؤثروا‏ فيها‏ بشيء. إن هؤلاء‏ المجاهدين‏ مساكين‏ يظنون‏ أنهم‏ يلحقون‏ الأذى (بإسرائيل)، وهم‏ في‏ الحقيقة‏ لا يلحقون‏ الأذى إلا بأنفسهم وأهليهم وذويهم‏‏ ومستقبلهم‏، ‏ولا مبرر‏ لهذه‏ التضحيات‏ التي‏ لا تخدم‏ الشعب‏ بل‏ تخدم‏ القادة‏ الذين‏ يتاجرون‏ بدمائهم‏‏ وبحياتهم‏ وهم‏ يعيشون‏ بأمان في‏ الخارج‏، ‏وأن‏ (إسرائيل) ترغب‏ بالسلام‏ مع‏ الجميع‏ وأن‏ ذراع‏ جهاز‏ المخابرات‏ طويلة‏ تصل‏ إلى كل‏ مكان‏، ‏وأنهم‏ يعرفون‏ عنه‏ كل‏ شيء‏، وكانت‏ التقارير‏ تصلنا‏ باستمرار فقط‏ نحن‏ أمهلناكم، وانتظرنا‏ حتى‏ اعتقلناكم‏ جميعاً‏، ‏من‏ الكبير‏ حتى‏ الصغير‏، ‏ولم‏ يفلت‏ من‏ قبضتنا‏ أحد فلا‏ فائدة‏ من‏ الإنكار، ‏وعليك‏ أن تعترف‏ كباقي‏ زملائك‏ الذين‏ اعترفوا‏، ‏وانتهى‏ التحقيق‏ معهم وسواء اعترفت‏ أم لا‏، ‏فنحن‏ لا نريد اعترافك‏، ‏المعلومات‏ التي‏ لدينا‏ تحكم‏ عليك‏ بالسجن‏ المؤبد لذلك‏ عليك‏ أن تفكر، ساعدنا‏، ‏ونحن‏ نساعدك‏، ‏ومائة‏ أم تبكي‏ ولا‏ أمي تبكي‏، ‏والدجاجة‏ إن حفرت‏ على‏ رأسها‏ عفرت وأنا اقدم‏ لك‏ واقعة‏ ‏يوم‏:6/10 ‏كنتم‏ متواجدين‏ في‏ المنطقة‏ الصناعية‏، ‏نفذتم‏ العملية‏، ‏وكان‏ معكم‏ رشاش‏ كلاشنكوف‏، ‏نحن‏ لم‏ نكن‏، ‏ولكننا‏ نعرف‏ كل‏ شيء والآن تعال‏ لترى‏ المجاهدين‏ هنا‏ يتم‏ اصطناع‏ مسرحية بحيث‏ يتم‏ وضع‏ مجاهد‏ أو اثنين‏ في‏ وضع‏ مريح‏، وهم‏ يشربون‏ الشاي‏ وأمامهم أطباق من‏ الفواكه‏ وتجالسهم‏ مجندة‏، ‏ويتندر‏ معهم‏ ضابط‏ آخر مجموعة‏ نكات‏ لكي‏ يضحكهم‏، ‏ويفتح‏ المحقق‏ فتحة‏ صغيرة‏ من‏ كوة‏، ‏لكي‏ يشاهد‏ المجاهد‏ هذه‏ الوضعية‏، ‏وربما‏ يكون‏ هناك‏ أخ تساقط‏ أو اعترف‏ يحضره‏ ضابط‏ المخابرات‏ ويسأله‏ "اسمك‏؟".. "هل‏ اعترفت؟" نعم.. "أي تنظيم؟" أو يحضر‏ عميلاً‏ مدرباً‏ ويدخل‏ في‏ رأسه‏ كيساً لكي‏ يقوم‏ بهذا‏ الدور.
إن المحقق‏ يستجمع‏ كل‏ طاقاته‏، ‏ويقدم‏ كل‏ أوراقه لكي‏ يشكك‏ المجاهد‏ بنفسه‏ وبدينه‏ وباخوته‏، ‏لكي‏ يفقده‏ الثقة‏ في‏ كل‏ شيء‏، ‏ولكي‏ يخدعه‏ عبر‏ ألاعيبه بأن‏ اخوته‏ اعترفوا وأن‏ المخابرات‏ تعرف‏ كل‏ شيء‏ عنه‏، ‏وانه‏ وقع‏، ‏وعليه‏ أن ينقذ‏ نفسه إنه‏ يضخم‏ العدو‏ ويهمش‏ المجاهدين‏، ‏ويشكك‏ بهم‏، ‏ويضع‏ للمجاهد‏ في‏ سلم‏ الأولويات مصالحه‏ الذاتية‏ ويحاول‏ دفعه‏ للتفكير‏ بها‏ ويحاول‏ أن يصرفه‏ عن‏ التفكير‏ بالمثل‏ العليا‏ والمصلحة‏ العامة‏ مؤكداً‏ أنها مجرد‏ سراب.
على‏ المجاهد‏ ألا يُخدع‏ بهذا‏ الأسلوب.. الذي‏ تشترك‏ طاقة‏ المحقق‏، ‏وعقله‏، ‏ونظرته‏، ‏وتقلصات‏ وجهه‏، ‏وجديته‏، ‏وحركة‏ يديه‏، ‏لكي‏ يوجد‏ حالة‏ تأثير‏ نفسي‏، ‏وحالة‏ سيطرة‏ على‏ المجاهد‏ يمرر‏ من‏ خلالها‏ كل‏ ما‏ يريد‏ أن يوحيه‏ إلى المجاهد لكي‏ يسقطه‏ في‏ فخ‏ الاعتراف. بعض‏ المناضلين‏ خدعوا‏ بهذا‏ الأسلوب، ‏وصدموا‏ عندما‏ شاهدوا‏ قادتهم‏ في‏ أوضاع مريحة‏ يحتسون‏ القهوة‏ بحضور‏ مجندة‏ ويضحكون فانهاروا‏ واعترفوا‏ بكل‏ شيء المجاهد‏ كيّس‏ فطن‏ لا يُخدع‏، ‏لانه‏ يدرك‏ ان‏ التخيلات‏ التي‏ يحاول‏ أن‏ يمررها‏ ضابط‏ المخابرات‏ أمام‏ أعين‏ المجاهد هي‏ تخيلات‏ خادعة‏، ‏وكاذبة وإن‏ كان‏ لها‏ مظهر‏ منطقي. 
المجاهد‏ الذي‏ تبدأ‏ الشهادتان‏ عنده‏ بحرف‏ لا عليه‏ ان‏ يتعود‏ الرفض‏، ‏ويرفض‏ الهيمنة‏، ‏والسيطرة‏ في‏ أقبية‏ التحقيق‏ كما‏ تعودها‏ ورفضها‏ في‏ الخارج على‏ المجاهد‏ أن‏ لا‏يكترث‏ لاسلوب‏ المحقق‏، ‏وان‏ يحيل‏ بصره‏ واهتمامه‏ عنه‏ الى‏ اي‏ شيء‏ اخر‏، ‏مثل‏ صورة‏ على‏ الجدار وان‏ يقاطع‏ المحقق‏ دوماً‏، ‏لكي‏ يفشل‏ خطته‏، ‏وان‏ ينفي‏ اي‏ صلة‏ له‏ بالحركة‏ والعمل‏، ‏وان‏ يحاول‏ تأكيد‏ حقيقة‏ "انت‏ غلطان‏، ‏ابحث‏ عن‏ غيري انا‏ برىء انا‏ انسان‏ عادي‏ ليس‏ لي‏ في‏ هذه‏ المسائل"..
اسلوب‏ التشكيك‏ هو‏ نوع‏ من‏ لعب‏ الخداع‏ التي‏ يمارسها‏ حاوٍ‏ ماهر‏ يحاول‏ من‏ خلال‏ تجميعه‏ لمجموعة‏ جزيئات‏ صغيرة‏ صحيحة‏ أن‏ يقدم‏ حقيقة‏ كاذبة‏، كما‏ يخدع‏ الساحر‏ الحواس‏، يحاول‏ المحقق‏ بمهارة‏ ولكن‏ لا‏ ليخدع‏ الحواس‏، ‏بل‏ ليخدع‏ العقل‏، ‏أن‏ المحقق‏ الذي‏ يتقمص‏ شخصية‏ الحاوي‏ الماهر‏، ‏تهتز‏ شخصيته‏ المزيفة‏ كلما‏ وجد‏ أن‏ المجاهد‏ لا يكترث‏ له‏ ولحديثه‏، ‏وتبدأ‏ في‏ الفشل‏ كلما‏ قاطع‏ المجاهد‏ حديثه‏، ‏وأبدى‏ عدم‏ الاستجابة‏ والتأثر‏ به وعندما‏ يشعر‏ أن‏ إسلوبه‏ أصبح‏ فاشلاً‏ وغير‏ مُجدٍ‏ تثور‏ أعصابه‏ ويتوتر‏، ‏ويأخذ‏ في‏ الشتم‏ والضرب وهي‏ علامات‏ فشل‏، ‏وعلامات‏ ضعف‏، ‏وعلامات‏ هزيمة. لقد‏ جرب‏ ذلك‏ اخوة‏ مجاهدون فشل‏ الجلاد‏ وانهار‏ أمامهم‏، أمام‏ رفضهم‏، وتعنتهم‏، ومعرفتهم‏ بهذا‏ الاسلوب‏ الذي‏ لا‏ ينطلي‏ إلا‏ على‏ الجهلة‏ وضعيفي‏ الارادة .
خامساً - ‏أسلوب‏ إحضار‏ الاهل‏‏ :
عبر‏ صراع‏ الانسان‏ المسلم‏ في‏ الحياة‏، ‏يكتشف‏ بنفسه‏ جوانب‏ قوة‏ وجوانب‏ ضعف وكذلك‏ عدوه‏، ‏الطرف‏ الاخر‏ في‏ الصراع‏ لديه‏ نقاط‏ قوة‏، ‏وجوانب‏ ضعف فإذا‏ كان‏ العدو‏ يسعى‏ لمحاربة‏ نقاط‏ ضعفنا‏ بجوانب‏ قوته‏، ‏فعلينا‏ أن‏ نحارب‏ نقاط‏ ضعفه‏ بجوانب‏ قوتنا.. ولا‏ نواجه‏ نقاط‏ قوته‏ بجوانب‏ ضعفنا عدونا‏ يدرك‏ أنه‏ عندما‏ يعجز‏ في‏ إخضاع‏ مجاهد‏، ‏أو دفعه‏ للاعتراف‏ والانهيار‏، ‏وفانه‏ يهدده‏ بمسألة‏ إحضار‏ أهله‏ الى‏ المعتقل‏... ‏زوجته‏، ‏ابنته‏، ‏اخته‏، ‏امه‏، ‏خطيبته‏، ‏وذلك‏ لادراكه‏ أنها‏ تمثل‏ أكبر‏ نقطة‏ ضعف‏ عند‏ الانسان‏، ‏فهو‏ يستغل‏ المشاعر‏ الحساسة‏ لموضوعة‏ الشرف‏، ‏والعرض‏، ‏والسمعة‏، ‏كورقة‏ ضغط‏ وكورقة‏ تهديد‏ يلوح‏ بها‏ في‏ وجه‏ المجاهد‏، ‏كلما‏ أبدى‏ معارضة‏، ‏ورفض‏ الاعتراف أنه‏ يضع‏ المجاهد‏ أمام‏ خيار‏ الاعتراف‏ مقابل‏ إنقاذ‏ شرفه‏، وعرضه‏، وسمعته الاعتراف خيانة‏ لله‏، ‏وللرسول‏، ‏وللاسلام‏، ‏وللحركة‏ والأمة ( ياآيها‏ الذين‏ آمنوا‏ لاتخونوا‏ الله‏ والرسول‏، وتخونوا‏ أماناتكم‏ وأنتم‏ تعلمون) والشرف.. دين‏ وعقيدة‏، وحضارة‏ وتاريخ‏، واخلاص‏، ووفاء‏، وتضحية الشرف‏ مقدسات‏، وأوطان‏ ووجود وكرامة‏، وموقف‏، وحياة‏، وسلوك‏، ‏وجهاد‏، فعندما‏ أتخلى‏ عن‏ كل‏ هذه‏ المفاهيم‏ والقيم فانني‏ أحيا‏ بلا‏ شرف.. والذي‏ يخون‏ ربه‏ ويتخلى‏ عن‏ دينه‏، ويكذب‏‏ ويجبن‏، ويقبل‏ بالذل‏، ويفر‏، ويهرب‏، ويُستعبد‏، هو‏ إنسان‏ بلا‏ شرف "الشرف‏ عفة‏ وعزة‏ تأبى‏ كل‏ أشكال‏ الذلة".
إذن‏ هل‏ يعترف‏ المجاهد‏ من‏ أجل‏ المحافظة‏ على‏ شرفه‏، وعرضه‏، ‏وسمعته؟ واذا‏ اعترف‏ المجاهد‏ هل‏ يمنع‏ ذلك‏ الاعتداء‏ على‏ شرفه..؟؟ أم‏ أن‏ اعترافه‏ دليل‏ على‏ ضعفه‏، ‏وعلى‏ جبنه‏، وهذا‏ ما‏يزيد‏ فرص‏ الاعتداء‏ على‏ شرفه‏، ‏لاجل‏ استنزافه‏ وامتصاصه‏، وشرائه‏، وتحويله‏ بالتخويف‏ من‏ العار‏ الى‏ خائن‏ وعميل.
إن‏ المحقق‏ عندما‏ يهدد‏ بإحضار‏ الاخت‏ أو‏ الزوجة‏، أو‏ الفتاة إنما‏ يختبر‏ المجاهد‏ ليكتشف‏ في‏ داخله‏ ثغرة أو‏ نقطة‏ ضعف يستطيع‏ أن‏ يتسلل‏ منها‏ لتوجيه‏ ضربة‏ للاسلام‏ وطعنة‏ للمسلمين فاذا‏ وجد‏ المجاهد‏ خائفاً‏، ‏ضعيفاً‏، ‏متردداً‏، ‏فإنه‏ يجبره‏ على‏ الاعتراف‏، ‏ومن‏ ثم‏ يحضر‏ أهله.. لكي‏ يستنزفه‏ أكثر‏ وأكثر.. ويحوله‏ إلى‏ ذليل‏، ‏أما‏ إذا‏ وجد‏ المجاهد‏ قوياً‏، ‏غير‏ مبالٍ ولا‏ متأثراً فإنه‏ يستمر‏ بالتلويح‏ بهذه‏ الورقة‏، ‏حتى‏ تسقط‏ من‏ يده‏ ولا‏ يحضر‏ الاهل ولنفترض‏ أن‏ المحقق‏ أحضر‏ الاهل‏ كوسيلة‏ تهديد‏ وضغط وهدد‏ بالنيل‏ منهم فإن‏ العدو‏ ليس‏ جاداً‏ في‏ تنفيذ‏ هكذا‏ تهديد ولم‏ تسجل‏ عليه‏ حتى‏ الآن‏ أي‏ حالة‏ من‏ هذا‏ النوع إنه‏ فقط‏ يمارس‏ أقسى‏ اشكال‏ التهديد‏ بالاعتداء‏ لكي‏ يبتز‏ المجاهد ولكنه‏ أمام‏ إصرار‏ المجاهد‏، ‏يُعلن‏ فشله‏، ‏ويترك‏ هذا‏ الاسلوب‏، ‏ويطلق‏ سراح‏ الاهل.
يقول‏ المجاهد‏ "محمد" عندما‏ عجز‏ المحققون‏ من‏ أن‏ ينتزعوا‏ مني‏ اعترافاً‏ رغم‏ أن‏ القضية‏ واضحة‏ وأكيدة‏ ولا يوجد‏ نقاش‏ فيها هددوني‏ باحضار‏زوجتي قلت‏ لهم‏ احضروها‏ وذلك‏ بلهجة‏ استهتار استشاطوا‏ غيظاً وأحضروها‏، ‏وادخلوني‏ عليها‏ في‏ غرفة‏ مليئة‏ بالمحققين قال ا‏لي "تعترف‏ أو‏ نغتصبها؟"، قلت‏ لهم‏ "اعملوا‏ ما‏تريدون‏، ‏انا‏ لايوجد‏ عندي‏ شيء".. تظاهروا‏ بأنهم‏ سيهجمون‏ عليها‏ ليعتدوا‏ عليها‏، ‏وأخرجوني‏ بسرعة، ‏وضربوها‏ لكي‏ تصرخ‏، ‏فاعتقد‏ انهم‏ يحاولون‏ الاعتداء‏ عليها‏ لكي‏ أتراجع.. قلت‏ "حسبي‏ الله‏، ونعم‏ الوكيل أموت‏ ليحيا‏ ديني وينتصر‏ الاسلام‏ العظيم‏"
سادساً - ‏اسلوب‏ الكيس‏ والماء‏ الخنق ‏:
لاتتورع‏ العقلية‏ الصهيونية‏ كعقلية‏ شريرة‏، ‏عن‏ البحث‏ عن‏ أساليب‏ شريرة‏ لاجبار‏ المجاهدين‏ على‏ الاعتراف‏، ‏ولا تكف‏ هذه‏ العقلية‏ الشريرة عن‏ اختراع‏ واكتشاف‏ وتطوير‏ أساليب‏ جديدة‏، ‏مثل‏ اسلوب‏ الكيس‏ والماء..
تحدثنا‏ أن الكيس‏ هو‏ قطعة‏ من‏ الشادر‏لا يمر‏ من‏ خلالها‏ الهواء‏ ولا تسمح‏ بالتنفس‏ الطبيعي‏، يوضع‏ الكيس‏‏ في‏ رأس‏ المجاهد‏، ‏وتقيد‏ يداه‏ إلى الخلف‏ وأحياناً‏ قدماه‏ من‏ أسفل ويلقى‏ على‏ الأرض على‏ ظهره‏، ‏وفوق‏ يديه ويجلس‏ على‏ صدره‏ محقق‏ ويجلس‏ على‏ قدميه‏ محقق‏ آخر بحيث‏ يتحكمون‏ بالمجاهد‏ الأسير فلا‏ يتحرك‏، ‏ويتقدم‏ ثالث‏ وفي‏ يده‏ إبريق مليء‏ بالماء ويبدأ‏ جولة‏ التعذيب‏ بأن‏ يحث‏ المجاهد‏ على‏ الاعتراف لكي‏ يوقف‏ التعذيب‏ عنه‏، ‏ويستريح‏، ‏ويطلب‏ منه‏ عدم‏ الإنكار لكي‏ ينقذ‏ حياته‏، فإذا أصر المجاهد‏ على‏ الإنكار.. يزيد‏ المحقق‏ من‏ لهجة‏ التهديد‏، بأنه سيقتله‏، ‏ويتخلص‏ منه‏، فإذا أصر المجاهد‏ على‏ الإنكار يُلح‏ عليه‏ أن يعترف‏ من‏ أجل‏ زوجته‏، وأولاده، وأمه واخوته‏ الذين‏ ينتظرونه‏ بشوق ويقول‏ له "حرام‏ عليك.. فكر‏ في‏ أولادك ماذا‏ سيحدث‏ لهم‏ بعد‏ موتك فكر‏ بزوجتك‏ كيف‏ سيكون‏ حالها‏ بعد‏ موتك أيهما أفضل‏ أن تموت‏ أو أن تذهب‏ لأولادك وعيالك".. فإذا أصر المجاهد يغضب‏ المحقق‏، ‏ويبدأ‏ بالصراخ‏ وبصوت‏ عال "سأقتلك يا كلب، ‏ستموت‏ الآن".. ويبدأ‏ المحقق‏ الذي‏ يجلس‏ على‏ صدره‏ بشد‏ أطراف الكيس‏ ولفها‏ على‏ رقبة‏ المجاهد‏ لكي‏ يمنع‏ الهواء‏ عنه‏ وبينما‏ يتوقف‏ الهواء‏ عن‏ النفاذ‏ تقل‏ نسبة‏ الأكسجين ويبدأ‏ بالتنفس‏ بصعوبة‏، ‏هنا‏ يبدأ‏ المجرمون‏ بصب‏ الماء‏ على‏ الكيس‏ لتغلق‏ كل‏ مساماته‏ بالماء حتى‏ ينعدم‏ كلياً‏ دخول‏ الهواء‏‏ للجهاز‏ التنفسي ومع‏ ندرة‏ الهواء ونفاذ‏ نسبة‏ الأكسجين في‏ الكيس‏ يشعر‏ المجاهد‏ بالاختناق وصعوبة‏ التنفس‏، ‏وتصل‏ الروح‏ للحلقوم فيبدأ‏ جسمه‏ بالانتفاض‏ بقوة‏، ‏المحققون‏ يضغطون‏ عليه‏ بقوة والمحقق‏ الثالث‏ يصرخ‏ عليه "ستموت‏ الآن ستموت‏ الآن اعترف.. اعترف.. ارحم‏ أولادك" فإذا أبدى أي صرخة‏ بالاعتراف‏ يفك‏ الكيس‏ عن‏ رقبته‏ ليدخل‏ الأكسجين للجهاز‏ التنفسي‏، ‏وتعود‏ له‏ الحياة‏، ‏وإن‏ لم‏ تبدر‏ عنه‏ أي صرخة‏ للاعتراف يستمرون‏ بإغلاق الكيس‏ حتى‏ تفصل‏ بينه‏ وبين‏ الموت‏ لحظة‏، ‏يدركها‏ المحقق‏، ‏فيفكوا‏ عنه‏ الكيس‏، ‏لكي‏ يلتقط‏ نفسه‏ بعد‏ أن شاهد‏ الموت‏ بعينيه... ويبدأ‏ المحقق‏ الجولة‏ الثانية "كنا‏ نريد‏ أن نقتلك‏ لقد‏ شاهدت‏ الموت.. لا‏ يمنعنا‏ أحد من‏ قتلك.. بإمكاننا أن نقتلك‏ الآن. ستفقد‏ حياتك.. وتخسر‏ أولادك.. للابد تعترف‏ أو تموت فإذا أصر المجاهد‏ على‏ عدم‏ الاعتراف‏، يعيدون‏ معه‏ الكرة‏ من‏ جديد‏، ‏حتى‏ يوصلوه‏ إلى مرحلة‏ الموت‏ المحقق‏ ثم‏ يطلقونه عدة‏ جولات‏ متتابعة‏، ‏وضغط‏ نفسي‏ متواصل‏، ‏وتهديد‏ بالموت‏ مباشر‏ وإغراء بالخلاص‏ من‏ باب‏ وحيد.. الاعتراف فالذي‏ تكون‏ الدنيا‏ اكبر‏ همه‏، ‏ومبلغ‏ علمه‏ يعترف الذي‏ يحرص‏ على‏ الحياة.. ويخاف‏ من‏ الموت‏ يعترف والذي‏ أولاده أعلى عنده‏ من‏ الله‏ ورسوله‏، ‏وجهاد‏ في‏ سبيله‏ يعترف.. والذي‏ يهمه‏ ذاته‏ ونفسه‏ فقط‏ يعترف وهذا‏ ما‏ يفسر‏ اعتراف‏ العديد‏ من‏ المناضلين‏ عبر‏ هذا‏ الأسلوب ولكن‏ المجاهد‏ الحق‏ لا يعترف لأن‏ نصرة‏ الإسلام هي‏ أكبر‏ همه‏، ‏وهو‏ أحرص‏ على‏ الآخرة من‏ الدنيا.. وهو‏ يتمنى‏ الشهادة‏، ‏وعنده‏ الله‏ ورسوله‏ وجهاد‏ في‏ سبيله‏ أحب‏ إليه من‏ أولاده وأمواله وأزواجه ومتاع‏ الدنيا.. لذلك‏ لا يعترف، ‏ولن‏ يعترف..
 ماذا‏ عسى‏ رجل‏ التحقيق‏ المجرم‏ أن يعمل‏ في‏ حال‏ عدم‏ اعتراف‏ المجاهد..؟؟ المحقق‏ لا يريد‏ أن يقتل‏ المجاهد.. ولا يريد‏ له‏ أن يموت.. هو‏ يريده‏ أن يعيش وذلك‏ ليس‏ لإنسانيته بل‏ طمعاً‏ بالمعلومات‏ التي‏ يريدها‏ منه‏، ولأسباب سياسية يقول‏ الشهيد‏ "عطية" اعتقلت‏ على‏ يد‏ المخابرات‏ الإسرائيلية ومارسوا‏ معي‏ طوال‏(40)  ‏يوماً‏ تحقيقاً‏ قذراً‏، ‏وطلبوا‏ مني‏ أن أسلمهم(50)  ‏قنبلة‏ يدوية‏ من‏ نوع‏ F _ 1)) ‏رفضت‏ وأنكرت.. وهم‏ متأكدون‏ بأن‏ القنابل‏ عندي‏، ‏ومعلوماتهم‏ صحيحة‏ وأكيدة أقسمت بالله‏ أن اقتل‏ في‏ سبيل‏ بقاء‏ هذه‏ القنابل‏، ‏وصبَّرت‏ نفسي‏ على‏ رفض‏ الذل‏ والانهيار‏ والخضوع‏ لأعداء الله‏ والدين‏ والوطن لأن‏ هذا‏ عار‏ أبدي‏، ‏وذل‏ دائم وخيانة‏ كبيرة يئسوا‏ مني‏، وأرهقوا أكثر‏ مني‏ وهم‏ يتبادلون‏ على‏ تعذيبي‏ أربعاً‏ وعشرين‏ ساعة‏، هددوني‏ بالموت‏، ‏وأنهم‏ سيقتلونني‏، ‏وسيستخدمون‏ معي‏ أسلوباً‏ لم‏ يستخدموه‏ مع‏ أي مجاهد وضعوا‏ الكيس‏ في‏ رأسي‏ وقيدوني‏ بإحكام‏ والقوا‏ بثقلهم‏ فوق‏ جسمي‏، ‏وبدأ‏ المحقق‏ يسألني‏ ما‏ إسم‏ أبنائك، فأقول له‏ فلان فيقول‏ لي‏ تذكر‏ صورته‏ أخر مرة‏ رأيته‏ فيها‏ ويصب‏ الماء‏ على‏ الكيس‏، ‏ويصرخ‏ سأقتلك يا كلب، ستموت‏ يا مجرم حتى‏ إذا ما‏أصبحت‏ بيني‏ وبين‏ الموت‏ لحظة، ‏كانوا‏ يفتحون‏ الكيس‏، ‏كنت‏ أتمنى الشهادة‏، ‏وكانوا‏ يتمنون‏ لي‏ الحياة‏ كنت‏ أريد أن ألقى الله‏ شهيداً‏، ‏وكانوا‏ يريدون‏ أن يبقوني‏ أسيراً حتى‏ عجزوا‏ مني‏، ‏يئسوا‏ مني‏ وتركوني.
إن أسلوب الكيس‏ والماء‏ رغم‏ بشاعته‏ لا ينجح مع‏ المجاهدين‏ ذوي الإرادة الحرة‏ والصلبة‏ والذين‏ نزعوا‏ مهابة‏ العدو‏ من‏ صدورهم المجاهدين‏ الذين‏ يريدون‏ أن يلقوا‏ الله‏ وهم‏ شهداء..
سابعاً: أسلوب الشاهد‏ :
أحياناً‏ في‏ ظروف‏ العمل‏ السري، ‏تحدث‏ عبر‏ الممارسة‏ بعض‏ الأخطاء لاخوة‏ مجاهدين‏ في‏ الجهاز‏ العسكري‏، مما‏ يوجد‏ لدى‏ المخابرات‏ طرف‏ خيط‏ دقيق‏، ‏تتمسك‏ به‏ بصلابة‏ كمفتاح‏، ‏لتحل‏ به‏ باقي‏ حلقات‏ السلسلة‏، ‏وأحياناً‏ يلتحق‏ بمسيرة‏ الجهاد‏ بعض‏ الاخوة‏ الذين‏ لم‏ يتم‏ إعدادهم إعداداً‏ كاملاً‏ على‏ المستوى‏ العقائدي‏، أو التنظيمي‏، والأمني، ‏والسياسي‏ والعسكري‏، ‏لذلك‏ فهم‏ يفتقدون‏ للنضوج‏، ‏ويحملون‏ في‏ داخلهم‏ قابلية‏ للانهيار‏، أو الاعتراف.. لذلك‏ تستخدمهم‏ المخابرات‏ كرأس‏ حربة‏ عبر‏ أسلوب الشاهد‏ لتحقيق‏ أهدافها.. ويقصد‏ به‏ ضرب‏ مجاهد‏ بمجاهد‏ لتدفعه‏ إلى الاعتراف‏، ‏أحياناً‏ يتم‏ اعتقال‏ مجاهد‏ وتحت‏ وطأة‏ التعذيب‏، ‏وضعف‏ داخلي‏ يعترف‏ بأنه‏ استلم‏ أسلحة، أو شارك‏ في‏ عملية‏ عسكرية‏ برشاشات‏ على‏ سيارة‏ إسرائيلية ولكن‏ اعترافه‏ لا يتوقف عند‏ هذا‏ الحد‏، فالأسلحة التي‏ استلمها‏ يجب‏ أن يسلمها‏ إن كان‏ قد‏ خزنها‏ عنده‏ أو عند‏ أخ آخر، ‏ويدفع‏ للاعتراف‏ عن‏ مجاهد‏ آخر إن كانت‏ الأسلحة قد‏ سُلمت‏ له‏، ‏والعملية‏ شاركت‏ فيها‏ عدة‏ رشاشات أي عدة‏ مجاهدين مما‏ يعني‏ أنه‏ سيعترف‏ عن‏ واحد‏ منهم‏ في‏ أقل‏ تقدير وعند‏ اعترافه‏ عن‏ أخ استلم‏ منه‏ الأسلحة، أو أخ شارك‏ معه‏ في‏ العملية‏ العسكرية سوف‏ تتم‏ إجراءات اعتقاله‏، ‏والتحقيق‏ معه‏‏ وتعذيبه‏، ‏تُرى‏ ما‏ موقف‏ هذا‏ الأخ المجاهد‏ في‏ أقبية التحقيق‏، ‏والمخابرات‏ تواجهه‏ بمعلومات‏ صحيحة‏ بأنه‏ في‏ يوم‏ الخميس‏ في‏ الساعة‏ (9) مساءً عند‏ النقطة‏ (أ ‏) استلم‏ أسلحة، ‏وشارك‏ مع‏ آخرين في‏ الهجوم‏ على‏ السيارة‏ العسكرية‏ في‏ اليوم‏ التالي‏ للاستلام..؟! ‏
إن المخابرات‏ الإسرائيلية ستسعى‏ عبر‏ كل‏ الحيل‏، وأساليب الخداع‏ لتضليل‏ المجاهد‏ وخداعه‏، ‏بأنهم‏ يراقبونه‏ من‏ فترة‏ طويلة‏، ‏وأنهم‏ اخترقوا‏ الجهاز‏ منذ‏ فترة‏ طويلة‏، ‏وأن‏ اجتماعاتهم‏ كانت‏ مرصودة وأن‏ التقارير‏ تصل‏ يومياً‏ عنهم‏، ‏حتى‏‏ نفذوا‏ العملية‏ العسكرية‏ بعد‏ أن استلم‏ الأسلحة يوم‏ الخميس‏ الساعة ‏(9) عند‏ النقطة‏ (أ‏)، ‏وانهم‏ يعرفون‏ كل‏ أعضاء الخلية‏، ‏وكل‏ أعضاء الجهاز وانهم‏ جميعاً‏ معتقلون‏ الآن في‏ السجن وانه‏ من‏ الأفضل له‏ بدل‏ الضرب‏، ‏والتعذيب‏، أن يعترف‏ كباقي‏ زملائه‏، ‏الذين‏ اعترفوا‏ عن‏ كل‏ شيء‏، وكتبوا‏ ذلك‏ على‏ الورق وأنهم‏ ألان مرتاحون‏، فالمحققون‏ يدخلون‏ الحقيقة‏ في‏ قلب‏ الإطار العام‏ للعمل‏، ‏لكي‏ يظهر‏ الإطار العام‏ كحقائق‏ عامة‏ تعرفها‏ المخابرات. المجاهد‏ سينكر‏، ‏ويصر‏ على‏ الإنكار، ‏وعدم‏ الاعتراف.. المخابرات‏ تضغط‏ عليه‏ لكي‏ يعترف‏ بمحض‏ إرادته، ‏وبنفسه‏، ‏بدون‏ إدخال الشاهد وعندما‏ تجده‏ مصراً‏ تهدده: إذا أحضرنا من‏ يشهد‏ عليك‏، وأنت تعرفه‏ جيداً تعترف‏ وسيصمت‏ المجاهد‏ في‏ هذه‏ اللحظة‏، ‏وسيعمد‏ المحقق‏ إلى إخفاء المجاهد‏ تحت‏ الطاولة‏، ‏ويطلب‏ منه‏ أن لا يتحرك، ‏ولا يتكلم‏ أي‏ كلمة ويحضر‏ محقق‏ آخر الشاهد‏، ‏ويرفع‏ الكيس‏ عن‏ رأسه‏، ‏حيث‏ لا يجد في‏ الغرف‏ أحداً‏ سوى‏ ضباط‏ التحقيق‏ يسأله‏ المحقق.. "اسمك‏؟" سَمير.. "انتماؤك‏؟"- "اسم‏ التنظيم" "هل‏ تعرف‏ أحمد‏؟" نعم "ما‏ هي‏ علاقتك‏ به..؟" سلمته‏ أسلحة في‏ يوم‏ الخميس‏ عند‏ النقطة ‏(أ) ‏وشارك‏ معنا‏ في‏ الهجوم‏ على‏ السيارة‏ العسكرية‏".. "شكراً".. أخرج.. المحقق‏ يعلم‏ أن المجاهد‏ رغم‏ أنه‏ اعترف‏ إلا أن عوامل‏ داخلية‏ تدفعه‏ إلى التراجع‏، ‏مثل‏ وخز‏ الضمير‏، ‏وانه‏ إذ تقابل‏ مقابلة‏ مباشرة‏ مع‏ أخيه، ‏ربما‏ يتردد‏، ‏ويضعف‏، وينكر لذلك‏، فهو‏ يعمد‏ إلى الشاهد‏ لكي‏ يدلي‏ باعترافه‏ بدون‏ مواجهة‏ المجاهد‏ الذي‏ تحت‏ التحقيق‏ وجهاً‏ لوجه ومن‏ ثم‏ يخرج‏ المجاهد‏ من‏ تحت‏ الطاولة‏، ‏ويجبره‏ على‏ الاعتراف‏، فإذا أصر على‏ الإنكار، ‏يمارس‏ معه‏ جولة‏ من‏ التعذيب‏ الجسدي‏ الوحشي‏ بمشاركة‏ مجموعة‏ من‏ المحققين لإجباره تحت‏ ضغط‏ اعتراف‏ الشاهد‏، ‏وتحت‏ التعذيب‏، ‏للاعتراف‏، أو تقديم‏ طرف‏ خيط‏ جديد فإذا استمر‏ على‏ صموده‏، يحضرون‏ الشاهد‏، ‏لكي‏ يدلي‏ بشهادته‏، ‏بشكل‏ مباشر‏ وجهاً‏ لوجه‏، ‏وبشكل‏ مكرر‏، لإقناع المجاهد‏ بالاعتراف اعترف اعترف هل‏ يكذب‏ عليك هل‏ بينكم‏ ثار‏، أو مشاكل لماذا‏ لم‏ يشهد‏ على‏ غيرك ويستمر‏ في‏ حملة‏ إقناع منطقية‏، ‏لدفع‏ المجاهد‏ للتفكير‏ الواقعي‏ حسبما‏ يريد‏ المحقق‏، ‏وللاعتراف.
على‏ المجاهد‏ الرسالي إذا ما‏ وجد‏ ثغرة‏ في‏ أقسام التحقيق‏، ‏يمكن‏ أن يستغلها‏ المحقق‏ كمنفذ‏ لضرب‏ الإسلام والحركة‏، ‏عليه‏ واجب‏ شرعي‏ أن يسد‏ هذه‏ الثغرة‏ بجسده‏، ودمه‏، وحياته فإذا كانت‏ هذه‏ الثغرة انهيار‏ أخ وسقوط‏ مجاهد فعليه‏ أن يفدي‏ إسلامه، ‏وحركته‏ بنفسه‏، ‏ويغلق‏ هذه‏ الثغرة‏، ‏ويوقف‏ توسعها‏، ‏عليه‏ ألا يفكر‏ بذاته‏ ولا يفكر‏ برد‏ الفعل‏، ‏وألاَّ‏ يبني‏ موقفاً‏ عاطفياً‏ من‏ اعتراف‏ أخيه، ‏بل‏ عليه‏ أن يتحمل‏ ضعف‏ أخيه، ‏وأن‏ يضع‏ نفسه‏ في‏ المعركة‏ في‏ خندقين‏ ‏خندق‏ لنفسه‏ وخندق‏ لأخيه ويدير‏ معركة‏ الصمود‏ من‏ خلال‏ الخندقين الذين‏.. يعترفون‏ تحت‏ مبرر‏ أن أخاً‏ قدم‏ شهادة‏ واعترف‏ عليهم. عليهم‏ أن يتأكدوا أن الشهادة‏ ليست‏ سبباً‏ في‏ الاعتراف بل‏ الاعتراف‏ ناجم‏ عن‏ الضعف‏ أو الجبن‏ والاستعداد‏ للاعتراف‏، ‏فهو‏ بدل‏ من‏ أن يدافع‏ عن‏ نفسه‏، ‏وعن‏ أخيه، ‏خذل‏ نفسه‏ وخذل‏ أخاه، ‏وخذل‏ الحركة وخذل‏ الإسلام على‏ المجاهد‏ في‏ أقبية التحقيق‏ ألا يكون‏ مطية‏ في‏ يد‏ الكفار‏، ‏بتقديمه‏ الاعتراف‏ وبشهادته‏ على‏ اخوته‏، ‏وعلى‏ المجاهد‏ الذي‏ يواجه‏ باعتراف‏ عليه‏، ‏وبشهادة‏ ضده‏، ‏عليه‏ أن ينكر‏، ‏وعليه‏ أن يصرخ‏ في‏ وجه‏ أخيه.. "كذاب أنا لا‏ أعرفك، أنت تتجنى‏ علي حرام‏ عليك راجع‏ ضميرك‏، حاذر‏ غضب‏ الله"..
في‏عام‏1984 تم‏ اعتقال‏ أحد الأشخاص، ‏بسبب‏ وصول‏ معلومات‏ عنه‏ لدى‏ المخابرات‏ بأن‏ في‏ حوزته‏ ثلاث‏ قطع‏‏ رشاشة‏، حُقق‏ معه‏ حول‏ القطع‏، ‏فاعترف‏ أنها كانت‏ معه‏، ‏وانه‏ أعطاها لأخ مجاهد‏ أسمه‏ عبد‏ الله‏، تم‏ اعتقال‏ الأخ عبد‏ الله‏ بسرعة‏، ‏وبدأ‏ التحقيق‏ معه‏ حول‏ القطع‏ الرشاشة‏، أنكر، ‏مورس‏ معه‏ تعذيب‏ شديد استخدمت‏ ضده‏ أساليب شتى ولكنه‏ أنكر القصة‏، ‏احضروا‏ هذا‏ الشخص وفي‏ مقابلة‏ مباشرة‏ مع‏ الأخ عبد‏ الله‏ سأل‏ ضابط‏ المخابرات‏ هذا‏ الشخص‏: ‏".. من‏ هذا‏؟".. قال‏ "عبد‏ الله‏".. "هل‏ تعرفه‏؟".." نعم" "ما هي علاقتك‏ به‏؟"  "قال‏ أعطيته ثلاثة‏ رشاشات"، "هل‏ أخذها منك‏؟" "نعم‏" "متى‏؟" "يوم‏ الثلاثاء".. ‏"هل‏ أنت متأكد‏؟" "نعم‏" "اخرج".. ‏
جهاز‏ المخابرات‏ متأكد‏ بأن‏ الرشاشات‏ عند‏ عبد‏ الله.. لذلك‏ عُذب‏ بشدة‏، ‏وأحضر‏ هذا‏ الشخص‏ ليشهد‏ عليه‏ عدة‏ مرات حتى‏ انهار‏ واعترف‏ بأن‏ الرشاشات‏ قد‏ أخذها قالوا‏ له "أين هي‏؟" قال‏ ليست‏ عندي أخذها مني‏ شخص‏ "من‏ هو؟" "لا أعرفه".. وبعد‏ تعذيب‏ شديد‏ قال‏: الأخ محمد، فأحُضر‏ الأخ محمد‏، ‏وحقق‏ معه قال‏ "لا اعرف عبد‏ الله‏ ولم‏ استلم‏ الرشاشات.. أحُضر‏ الشخص‏ وعبد‏ الله‏ عند‏ الأخ محمد.. وبدأ‏ التحقيق‏ مع‏ الشخص ‏"من‏ أخذ‏ منك‏ الرشاشات‏؟".. قال‏: عبد‏ الله.. فسُئل‏ عبد‏ الله‏ "هل‏ أخذت الرشاشات‏؟" نعم. "من‏ أخذها منك‏؟" محمد. "اخرجوا".. وبدأ‏ فصل‏ مأساوي‏ من‏ فصول‏ التعذيب‏ الذي‏ كان‏ يداوم‏ عليه‏ فريق‏ كامل ‏(24) ساعة ‏، ‏حتى‏ لا يستريح وأحضر الأخ عبد‏ الله‏ ليشهد‏ عليه‏ من‏ جديد.. ولكن‏ الأخ محمد‏ صرخ‏ في‏ وجهه.. "كذاب.. حرام‏ عليك.. خاف‏ الله‏، ‏ربما‏ سُرقوا‏ منك.. ربما‏ ضاعت" ومع‏ صراخه‏ انهالوا‏ عليه‏ بالضرب‏ الشديد‏ غير‏ الواعي‏، الأخ عبد‏ الله‏ اهتز‏ وصرخ‏ ضميره‏ وأنكر.. لا.. لا.. لم‏ أعطه الأسلحة، ‏لم‏ يأخذ‏ مني‏ شيئاً.. وبدأت‏ المخابرات‏ تعذب‏ الأخوين المجاهدين.. عبد‏ الله‏ يقول‏: إنه‏ لم‏ يسلمه.. إنه‏ اعترف‏ من‏ التعذيب‏ والأخ محمد‏ يقول‏ "لم‏ استلم".. احضروا‏ عبد الله‏ وما‏ بين‏ صمود‏ الأخ عبد‏ الله‏ وثبات‏ ورجولة‏ الأخ محمد‏ يئس‏ المحققون‏، وأفلسوا، ‏وبعد‏ فترة‏ زمنية‏ خرج‏ الأخ عبد‏ الله‏ والأخ محمد‏، ‏وبقيت‏ الرشاشات‏ أمينة بانتظار‏ مجاهد‏ جديد‏، يحمل‏ الأمانة ويكمل‏ مسيرة‏ الجهاد.
ثامناً‏ ‏-‏ أسلوب التبسيط‏ :
التبسيط‏ فخ‏ ينسجه‏ اللئام‏ للسذج‏ الذين‏ ينزلقون‏ في‏ أساليب الخداع‏ والوهم.
قلنا‏ سابقاً‏ إن أسلوب التحقيق‏ وكيفيته‏‏ ومدته‏، ‏مرتبطة‏ بنوع‏ القضية‏ وخطورتها‏ وبنوعية‏ المقاتل‏ وثقافته‏ وخبرته‏ ودرايته.. وأسلوب التبسيط.. أي تبسيط‏ القضية‏، وتبسيط‏ الشخص‏، ‏وتبسيط‏ خطورته‏، ‏هو‏ أحد الأساليب.التي‏ تستخدمها‏‏ المخابرات‏ الصهيونية‏، ‏وينحصر‏ استخدامه‏ بنوعية‏ من‏ المناضلين‏ السذج‏ والبسطاء‏ والذين‏ من‏ السهولة‏ التأثير‏ والسيطرة‏ عليهم‏، وهم‏ حالات‏ قليلة‏ وأدوارهم‏ محدودة يجلس‏ ضابط‏ المخابرات‏ وراء‏ طاولة‏ وأمامه كمية‏ هائلة‏ من‏ الملفات‏ ويتظاهر‏ بالإرهاق والتعب‏، ‏هنا‏ يدخل‏ عليه‏ محقق‏ مصحوباً‏ بالضحية وعندما‏ يشاهدهم‏ الضابط‏ يصرخ‏ بغضب‏ "من‏ هذا؟ أنا‏ مرهق.. (48) ساعة‏ وأنا أعمل.. أريد أن استريح.. أريد أن أعود لأولادي وزوجتي.. خذه‏ عني.. لا‏ أريد أن أرى أحداً".. هنا‏ يتدخل‏ المحقق‏ ‏سيدي‏، ‏هذا‏ شاب‏ بسيط‏، وقضيته‏ بسيطة‏، ‏ولا‏ تحتاج‏ إلى تعب‏، ‏هنا‏ يدقق‏ الضابط‏ ببصرة على‏ الشاب.. ويتحرك‏ من‏ مكانه.. ويسحب‏ ورقة‏ بيضاء‏ وقلماً.. ويقول‏ للشاب‏: "خذ.. اكتب‏ قضيتك" وينظر‏ إلى الساعة ويتمتم‏" "يوجد‏ وقت‏، ‏يوجد‏ وقت".. ويوجه‏ حديثه‏ للمحقق‏: "بعد‏ أن يكتب‏ قضيته‏ سلمه‏ هويته‏ وملابسه‏ وأطلق سراحه.. لا يوجد عندنا‏ وقت" وفجأة‏، يوجه‏ حديثه‏ للشاب.. "اسمع‏، ‏هذه‏ أول‏ وآخر‏ مرة‏ أراك هنا.. سامع.. (دير‏ بالك‏ على‏ حالك).. اخرج".
يقول‏ الشاب‏ (ع) أعطاني ضابط‏ المخابرات‏ ورقة‏ وقلماً‏ وقال‏ "لي‏ اخرج.. اكتب‏ كل‏ قصتك.. وجهز‏ حالك‏ "للشحرور" (الحرية‏ بالعبرية).. دخلت‏ الغرفة وجلست‏ على‏ كرسي.. وأمامي طاولة.. فكرت‏ ماذا‏ أكتب.. لم‏ أجد عندي‏ أي شيء‏ فقلت‏ اكتب‏ أي شيء‏ حتى‏ يفرج‏ عني.. فكتبت‏: "أنني ألقيت قنبلة‏ يدوية‏ على‏ سيارة‏ إسرائيلية".. وطرقت‏ الباب‏، ‏وقلت‏ للمحقق‏ لقد‏ كتبت‏ كل‏ شيء.. أخذ‏ المحقق‏ الورقة‏، ‏وسلمها‏ للضابط.. الذي‏ غرق‏ في‏ الضحك‏ وقال‏ جيد.. لم‏ يفرج‏ عن‏ الشاب.. بل‏ حكمت‏ عليه‏ محكمة‏ عسكرية‏ خمس‏ سنوات‏ سجن‏ رغم‏ انه‏ مشلول‏ في‏ إحدى يديه.
وهناك‏ شكل‏ آخر لأسلوب التبسيط‏، وهو‏ أن يجلس‏ المحقق‏ مع‏ المجاهد‏، ‏ويبدأ‏ بعملية‏ إيحاء للمجاهد "أنت طيب‏ وابن‏ ناس.. لماذا‏ تحمل‏ نفسك‏ كل‏ هذا‏ العذاب‏ والعناد قضيتك‏.. تافهة‏ وبسيطة‏، ‏والذين‏ معك‏، قضاياهم‏ أكبر‏ من‏ قضيتك اعترفوا‏، وأطلق سراحهم‏ أمس وهم‏ الآن عند‏ أهلهم فرحون.. وأنت قضيتك‏ أصغر‏ من‏ قضايا‏ أصحابك.. اعترف‏ حتى‏ تعود‏ لأهلك وهذه‏ غلطة أنصحك تعلم‏ من‏ هذه‏ الغلطة وحافظ‏ على‏ نفسك.. وأنا سأكتب تقريراً‏ عنك‏ أنك‏ بريء‏ وأنك‏ لن‏ تعود‏ لهذا‏ العمل.. عدني‏ أن لا تعود‏ لهذا‏ الطريق‏"، فإذا تجاوب‏ المجاهد‏ لهذا‏ الأسلوب، ‏واعترف‏، ‏سيكتشف‏ أنه‏ خدع‏، ‏وانه‏ لن‏ يرى‏ لسنوات‏ طويلة‏ ضوء‏ الشمس‏، ‏ولا‏ أهله وان‏ لم‏ يتجاوب‏ مع‏ المحقق‏، ‏يخلع‏ المحقق‏ عن‏ وجهه‏ قناع‏ البراءة.. ويستخدم‏ معه‏ سياسة‏ العصا ويبدأ‏ بشد‏ المجاهد‏ بين‏ العصا‏ والجزرة‏ لكي‏ يختار‏ بين‏ العصا‏ والتعذيب‏، أو الجزرة‏ والاعتراف‏، فإذا أصر المجاهد‏ على‏ الإنكار وتمسك‏ به‏، ‏ورفض‏ الاعتراف‏، ‏حتى‏ ولو‏ كان‏ ثمن‏ ذلك‏ التعذيب هنا‏ يجد‏ المحقق‏ أن أسلوبه لم‏ يعد‏ له‏ جدوى‏، فيبحث‏ عن‏ أسلوب جديد.. أسلوب افضل.
تاسعاً- أسلوب التضخيم‏ :
التضخيم‏ كأسلوب للتعذيب‏ يعتمد‏ على‏ استفزاز‏ الجانب‏ الشعوري‏ للمجاهد‏ لتحريك‏ الاليات‏ الدفاعية‏ اللا‏شعورية‏ داخله‏، ‏وجعله‏ يعيش‏ حاله‏ هروب‏ من‏ تهمة‏ مضخمة‏ كاذبة‏، ‏إلى‏ تهمة‏ صغيرة.. وذلك‏ للحصول‏ على‏ طرف‏ خيط‏ من‏ الاعتراف‏ يؤدي‏ من‏ خلال‏ مبدأ‏ التدرج‏ إلى‏ انهيار‏المجاهد‏ واعترافه‏ الكامل.
التضخيم‏ كأسلوب هو‏ حيلة.. لوضع‏ المجاهد‏ في‏ حالة‏ قلق‏ نفسي‏، وتوتر‏ عصبي‏، ‏وعدم‏ التوازن‏ على‏ مستوى‏ التفكير‏، من‏ خلال‏ تضخيم‏ المعتقل‏ أكبر‏ مما‏ هو.. ووضع‏ هالة‏ مضخمة‏ حول‏ نفسه‏ وقضيته‏، وتهمته، وأعماله، بحيث‏ تبدو‏ أعماله الجهادية‏ شيئاً تافهاً‏ وشيئاً‏ صغيراً وتصبح‏ مسألة‏ الاعتراف‏ بها‏ شيئاً‏ ممكناً‏ على‏ المستوى‏ المنطقي والواقعي‏ كعامل‏ هروب‏ من‏ حالة‏ التضخيم‏ التي‏ يواجه‏ بها‏ من‏ قبل‏ المحققين‏، ‏وهو‏ أسلوب يستخدم‏ مباشرة‏ أحياناً‏ مع‏ حالات‏ من‏ المجاهدين‏ الأسرى المعتقلين‏، وأحياناً‏ أخرى مع‏ المجاهدين‏ الذين‏ قضوا‏ فترة‏ طويلة‏ في‏ أقبية التحقيق‏ ولم‏ يفلح‏ المحققون‏ في‏ نزع‏ اعتراف‏ المتهم وهو‏ كأسلوب‏ لا ينفصل‏ عن‏ الأساليب الأخرى وقد‏ تستخدم‏ معه‏ أساليب مساعدة‏ لتحقيق‏ هدف‏ الاعتراف.
يقدم‏ المجاهد‏ عبر‏ مسيرته‏ الجهادية‏ خارج‏ أسوار المعتقل‏ من‏ خلال‏ التزامه‏ بحركته‏ مجموعة‏ خدمات‏، اتصال‏، نقل‏ أسلحة، مهمات‏ بسيطة‏ وقد‏ تكون‏ عملية‏ عسكرية‏، ومجموع‏ هذه‏ الخدمات‏، ‏هي‏ خدمات‏ عادية.. وواجبات‏ طبيعية.
 فعندما‏ يعتقل‏ الأخ المجاهد‏، يستقبل‏ في‏ أقبية التحقيق‏ بمسرحية‏ مفبركة‏ لغرس‏ حالة‏ الهلع‏ في‏ نفسه.. "أنت (تنظيم‏ كذا).. أهلاً‏ وسهلاً‏".. وبإيماءة حقد‏، وغضب‏ يقولون‏ له.. "أنتم‏ متطرفون.. راديكاليون.. انتم‏ مجرمون.. أنتم‏ أخطر‏ أناس‏ على‏ (إسرائيل).. أنتم‏ إرهابيون.. سنحرقكم‏ جميعاً‏ كما‏ عملت‏ النازية‏ باليهود سنصفيكم وأنت اخطر‏ واحد‏ في‏ (تنظيم‏ كذا) نحن‏ نعرفك‏ منذ‏ زمان.. (إحنا كاشفينكم‏ من‏ فترة‏ طويلة.. أنت أبو البلاوي‏ أنت اخطر‏ من‏ فلان.. فلان‏ رميناه‏ بره‏ ولا يشكل‏ علينا‏ أي خطر.. أما أنت.. فأنت أكبر‏ واحد‏ فيهم، .. وأنت أنشط‏ واحد.. بتفكر‏ إحنا تاركينك.. الآن وقعت‏ في‏ الفخ‏ يا قاتل.. يا مجرم.. تقارير‏ القيادة‏ تعلمنا‏ أنك‏ خطير‏ جداً.. شوف‏ هذا‏ الملف‏ الضخم.. هذا‏ ملفك.. سنحرقك‏، ‏ونجتث‏ الجهاد‏ الإسلامي من‏ جذوره.. الذي‏ نظمك‏ للحركة‏ نعرفه.. والأسلحة.. نعرف‏ قصتها‏ كاملاً.. من‏ مين‏ أخذتوها.. ومن‏ أعطاكم إياها.. وأين نقلتوها‏ والعمليات‏ نعرف‏ الذين‏ عملوها‏ بالتفصيل.. ونعرف‏ دورك‏ كله‏ في‏ هذه‏ القصص‏ يا مجرم.. تقتلوا‏ المدنيين.. والأطفال. سنذبحك‏ بالخنجر‏ الذي‏ كنت‏ تحمله‏، ‏وسنأخذ‏ ثار‏ الذين‏ طعنتهم‏ يا قاتل.. دم‏ اليهود‏ لا يذهب هدراً) في‏ هذا‏ الجو‏ من‏ الشحن‏، والتضخيم.. تدخل‏ مجموعة‏ كبيرة‏ من‏ المحققين‏ إلى الغرفة‏، ‏وهم غاضبون‏ وينفذون‏ دوراً‏ مسرحياً.. "( وين‏ تاع) ‏الجهاد‏ الإسلامي.. أين القاتل‏ والمجرم" ويحاولون‏ بنظراتهم‏ القاتلة‏، وتصرفاتهم‏ المقصودة‏ افتراس‏ المجاهد‏، ‏ونهش‏ لحمه.. ويصرخ‏ أحدهم.. "أنت قاتل‏ أخي سأقتلك"، ويحاول‏ أن يهجم‏ على‏ المجاهد‏، ‏بينما‏ جميع‏ المحققين‏ يمسكونه‏، ‏ويسحبونه‏ عن‏ المجاهد‏ بقوة‏ إلى الخارج‏، ‏بعد‏ أن يكون‏ قد‏ أصابه بعدة‏ ضربات‏ غاضبة‏، ‏بعد‏ هذه‏ الجولة‏ من‏ التضخيم‏، ‏والتي‏ يرى‏ المحقق‏ أثرها على‏ ملامح‏ المجاهد‏ يتنقل‏ إلى دور‏ المساومة والابتزاز "أتركك لهم حتى‏ يأكلوك‏، ‏ولا‏ يبقى‏ فيك‏ عظم.. كما‏ تأكل‏ الوحوش‏ الغنم‏، أو تعترف‏، وأحميك رغم‏ انك‏ لا تستاهل‏"... إذا كان‏ المجاهد‏ يجهل‏ هذا‏ الأسلوب...  سيحدث‏ في‏ داخله‏ صراع‏ كبير.. وسيحاول‏ عبثاً‏ أن يقاطع‏ المحقق.. "كذب".. وسيحاول‏ أن يحلف‏ بالله.. بالقرآن.. أنه‏ كذب.. وسيعيش‏ في‏ حالة‏ من‏ الشعور‏ بأنه‏ مظلوم.. وسيدافع‏ عن‏ نفسه.. وسيبرر.. غير‏ صحيح وسيصل‏ التوتر‏ في‏ داخله‏ إلى أقصاه.. وعندما‏ يصل‏ توتره‏ إلى هذا‏ الحد.. سيسمح‏ له‏ المحقق‏ بالحديث.. حيث‏ سيقول‏ "أنا مظلوم.. هذا‏ كلام‏ كذب.. أنا لم‏ أقتل.. صحيح‏ أنا شاركت‏ معهم‏، ‏ونقلت‏ الأسلحة لكن‏ والله‏ العظيم‏ أنا لم‏ أشارك في‏ القتل.. أنا بريء.. فقط‏ طلبوا‏ مني‏ مساعدة‏، وأنا ساعدتهم‏" المجاهد‏ الذي‏ يجهل‏ أسلوب التضخيم.. سيقدم‏ هذا‏ الاعتراف‏ الصغير.. كمخرج‏ من‏ هذا‏ التضخيم‏ وسيعتقد‏ أنه‏ بهذا‏ الاعتراف‏ الصغير.. سيخرج‏ من‏ الأزمة، ‏وسينهى‏ التحقيق.. ولكنه‏ متأخراً‏ سيكتشف‏ انه‏ خُدع‏، ‏وانه‏ قدم‏ طرف‏ الخيط.
عندما‏ يعترف‏ المجاهد‏ هذا‏ الاعتراف‏ الصغير.. سيواصل‏ المحقق‏ الابتزاز وسيحاول‏ تبهيت‏ وتهميش‏ هذا‏ الاعتراف.. وسيبدأ‏ الصراخ‏ في‏ وجه‏ المجاهد.. "أنت تريد‏ أن تضحك‏ علينا.. نحن‏ نعرف‏ هذه‏ المسألة".
يبدأ‏ بشكل‏ عصبي‏ الضرب‏ على‏ الطاولة‏، ومحاولة‏ قلبها‏ بحالة‏ عصبية شديدة.. لإيهام‏ المجاهد‏ بجديته‏ وإشعاره‏ بقوته.. ومن‏ ثم‏ يجلس‏ غاضباً.. ويقول ‏اسمع‏.. "يا ولد.. نحن‏ نعرف‏ كل‏ ما‏ ذكرته‏، ‏وعارفين‏ كل‏ شيء.. اعترف‏ بكل‏ شيء‏ أفضل".. فإذا اعترف‏ المجاهد.. سيواصل‏ المحقق‏ محاولة‏ الابتزاز‏، ‏باستخدام‏ كل‏ الأساليب، ‏وان‏ أصر على‏ الإنكار سيجر‏ المجاهد‏ للاعتراف‏ من‏ باب‏ التدرج.. "من‏ الذين‏ شاركت‏ معهم‏، وأين؟‏ ومتى‏؟‏ وكيف‏؟‏ ومع‏ من‏؟‏ والى‏ أين؟‏ ولمن‏ ؟ وكل‏ سؤال‏ من‏ هذه‏ الأسئلة سيفتح‏ ثغرة‏ كبيرة‏، وباباً‏ واسعاً‏ يدخل‏ به‏ المغفلون‏ باب‏ الانهيار أما المجاهد‏ الرسالي‏ الواعي‏ فسيدرك‏ أن التهويل‏ في‏ جوهره‏ كذب.. وأن‏ التضخيم‏ في‏ مضمونه‏ شرك‏، ‏وأن‏ التهديد‏ ومظاهره‏ مسرحية‏، ‏وأن‏ دور‏ المحققين‏ هو‏ دور‏ تمثيلي‏ غير‏ واقعي‏، وأن‏ من‏ يُسلم‏ لأعداء الدين‏ طرف‏ الخيط‏ فقد‏ هوى.
على‏ المجاهد‏ في‏ سبيل‏ الله‏ أن يدرك‏ أن أسلوب التضخيم‏ هو‏ حيلة‏ خداع‏ تمارسها‏ المخابرات‏ على‏ المجاهد‏ الأكثر مسؤولية‏ والأكثر صبراً‏ وصموداً‏ وتحدياً.. وعليه‏ أن يواجه‏ التحدي‏ الصهيوني‏ بتحد‏ مقابل‏، ‏وليس‏ بالصبر‏ والصمود‏ فقط‏، فالتحدي‏ لجهاز‏ المخابرات‏ هو‏ أول السبل‏ لإفشاله (ولا‏ تركنوا‏ إلى الذين‏ ظلموا) ‏فعندما‏ يقدم‏ المحقق‏ افتراءاته‏ وتضخيمه‏ يجب‏ عدم‏ الاستماع‏ إليه والاهتمام‏ بحديثه.. بل‏ عليه‏ أن يواجه‏ المحقق‏ وبصوت‏ حاد.. "كذب‏، ‏افتراء" وألا يجعل‏ المحقق‏ يكمل‏ فكرة‏ من‏ أفكار التضخيم‏، ‏وعليه‏ أن يواجه‏ سخرية‏ المحقق‏ له‏، "انتم‏ جهاد‏ إسلامي إرهابيون قتلة الآن نُريكم‏ من‏ انتم‏".. عليه‏ أن يواجه‏ هذه‏ السخرية‏ بالسخرية‏ منهم‏ ومن‏ جبنهم‏، ‏وحقدهم‏، وضعفهم‏ ونهايتهم‏ المأساوية‏ "أن تسخروا‏ منا‏ فإنا‏ نسخر‏ منكم‏ كما‏ تسخرون" وعليه‏ أن يواجه‏ مصطلحات‏ قتلة‏ مجرمين‏، سفاحين‏، سنقتلك‏، سنقطعك بثبات‏ لا يلين، (يا أيها الذين‏ آمنوا إذا لقيتم‏ فئة‏ فاثبتوا‏، واذكروا‏ الله‏ لعلكم‏ تفلحون) ‏يقول‏ الأخ (أ‏) استخدمت‏ معي‏ المخابرات‏ في‏ أقسام التحقيق‏ أسلوب التضخيم وعندما‏ بدأ‏ ضابط‏ المخابرات‏ بالتضخيم‏، تذكرت‏ هذا‏ الأسلوب، فابتسمت‏ لا‏ إرادياً‏ وعندما‏ استمر‏ المحقق‏ به‏، بدأت‏ اضحك فاستفز‏ المحقق‏، وصرخ‏ بغضب‏ لماذا‏ تضحك‏ يا قاتل؟‏ قلت‏ له اضحك‏ على‏ ثوبك‏ الواسع‏ الذي‏ تفصله لم‏ يفهم‏ كلامي‏ جيداً فخرج‏ من‏ طوره وسأل‏ ماذا‏ تقصد قلت‏ له‏ وأنا اضحك أقصد‏ ما‏ قلته، فاستفز‏ جداً، وانهال‏ علي‏ بالضرب‏ الشديد‏ وتركني‏، لقد‏ أفشل‏ هذا‏ المجاهد‏ أسلوب التضخيم‏، بثبات‏، ‏وثقة‏، وسخرية‏، ومقاطعة‏، ‏وجرأة‏ جسدتها‏ ابتسامته‏، ‏وضحكه‏، ‏ومقاطعته‏ للمحقق‏، الذي‏ فشل‏ في‏ أسلوبه، ‏فخرج‏ يبحث‏ له‏ عن‏ أسلوب جديد.
عاشراً- أسلوب معرفة‏ كل‏ شيء‏ :
وهو‏ أحد أساليب الخداع‏، ‏يقوم‏ على‏ الإيحاء القوي‏ والتأثير‏ النفسي‏، ‏بقصد‏ إيهام المجاهد‏ أن المحقق‏ يعرف‏ كل‏ شيء‏ عنه‏، ‏ويحاول‏ السيطرة‏ عليه‏ نفسياً ويقوم‏ هذا‏ الأسلوب على‏ مجموعة‏ ثوابت‏ عامة‏ تشكل‏ آليات العمل‏ ومصطلحاته‏ النظرية‏، ‏ووضعها‏ في‏ إطار تطبيقي‏ عملي‏ يتألف‏ من‏ مقدمات‏ ونتائج‏، للوصول‏ إلى طرف‏ خيط‏ أو اعتراف.
عادة‏ ما‏ يكون‏ المحقق‏ الذي‏ يطبق‏ هذا‏ الأسلوب متخصصاً‏ في‏ علم‏ النفس‏، ‏ويدرس‏ ملف‏ المجاهد‏ المعتقل‏ بشكل‏ كامل‏ من‏ الناحية‏ الاجتماعية‏ والثقافية‏ والاقتصادية‏ مستنداً‏ إلى المعلومات‏ التي‏ جمعها‏ جهاز‏ الاستخبارات ومجموع‏ هذه‏ المعلومات‏ يشكل‏ خلفية‏ كاملة‏ ينطلق‏ منها‏ المحقق ويبدأ‏ في‏ دراسة‏ نقاط‏ القوة‏ والضعف‏ لدى‏ المجاهد‏، ‏ويوظفها‏ في‏ آلية‏ التحقيق فلو‏ كانت‏ المعلومات‏ -‏ مثلاً‏-‏ تدل‏ على‏ أن المعتقل‏ لم‏ ينه‏ دراسته‏ بينما‏ هو‏ شخص‏ ذكي‏ ولديه‏ أرضية تعليمية‏ وثقافية‏، ‏فهذا‏ يؤشر‏ على‏ أن سبب‏ ترك‏ الدراسة‏ ليس‏ راجعاً‏ إلى عامل‏ شخصي‏، إنما لأسباب خارجية‏ كالعوامل‏ المادية‏ مثلاً‏ أو لانشغال‏ المجاهد‏ بأمر‏ آخر غير‏ الدراسة فإذا تبين‏ أن الوضع‏ المادي‏ للمجاهد‏ جيد‏، فهذا‏ يعني‏ أشغالا أكبر‏ أهمية لدى‏ المجاهد‏ من‏ الدراسة‏ منعه‏ عنها وهذا‏ مجرد‏ مثال‏ لطريقة‏ ربط‏ المعلومات‏ وتحليلها.
وغالباً‏ ما‏ يلجأ‏ المحقق‏ لإحداث شعور‏ بتفوقه‏ وعلمه‏ الغزير‏ لدى‏ المجاهد‏، فبعد‏ أن يسأله‏ عن‏ اسمه‏ وعمره‏ وأحواله الخاصة‏، ‏يبدأ‏ بحديث‏ فكري‏ وتاريخي‏، ‏ويطرح‏ على‏ المجاهد‏ أسئلة تتدرج‏ من‏ سهلة‏ معروفة‏ إلى أخرى تتطلب‏ إجابات من‏ له‏ إلمام أو معرفة‏ عميقة‏ بالموضوع‏، فيسأله‏ مثلاً‏ عن‏ أحداث في‏ التاريخ‏ الإسلامي وعن‏ الفرق‏ الإسلامية، ‏ثم‏ يتوقف‏ ويطرح‏ سؤالاً‏ عن.. المعتزلة؟ والقصد‏ من‏ هذا‏ الحوار‏ المقصود‏ أن يكون‏ أعلى من‏ المستوى‏ الفكري‏ للمجاهد‏ هو‏ لخلق‏ حالة‏ فوقية ويركز‏ المحقق‏ خلال‏ "الحوار" بصره‏ بقوة‏ وبثبات‏ في‏ عيني‏ المجاهد‏ ليصنع‏ حالة‏ من‏ التأثير‏ المباشر‏ والسيطرة‏، ‏وليوحي‏ أنه‏ شخص‏ قوي‏ يعرف‏ كل‏ شيء‏، وليغرس‏ بالمقابل‏ في‏ نفس‏ المعتقل‏ إحساساً‏ بالضعف‏ وقلة‏ المعرفة وقد‏ يتكرر‏ هذا‏ الأسلوب في‏ عدة‏ جلسات‏ متوالية‏، ‏وعندما‏ يظن‏ المحقق‏ أنه‏ حقق‏ قسطاً‏ من‏ السيطرة‏ على‏ المعتقل‏ يدخل‏ في‏ صلب‏ الموضوع‏، ‏أي‏ يدخل‏ في‏ التحقيق‏ الذي‏ يهدف‏ إلى انتزاع‏ معلومات‏ أو اعترافات.
يحاول‏ المحقق‏ أيضاً‏ أن يغرس‏ في‏ نفس‏ المعتقل‏ قناعات‏ تتناقض‏ مع‏ رسالته‏ النضالية‏ التي‏ اعتقل‏ من‏ أجلها‏، ‏وأن‏ يغسل‏ بعض‏ القناعات‏ الموجودة‏ لديه من‏ أجل‏ تحقيق‏ إنجاز يدوم‏ أثره بعد‏ التحقيق‏ وبعد‏ مرحلة‏ السجن‏ أيضاً‏، إنجاز يؤثر‏ على‏ محيط‏ المناضل‏ الاجتماعي‏ كله فقد‏ يكرر‏ بشكل‏ مباشر‏ أو بواسطة‏ الإيحاء بالقوة‏ والمعرفة‏ والتفوق‏، إن الكيان‏ الصهيوني‏ قوي‏ جداً‏، وأن‏ العرب‏ ضعفاء‏، ولا مجال لكسب‏ المعركة‏، ومن‏ الأفضل تقبل‏ واقع‏ الهزيمة‏، والركون‏ إلى المصالحة‏ مع‏ الأمر الواقع ويحاول‏ التأكيد‏ على‏ أن اليهودي‏ بطبعه‏ أفضل‏ من‏ العربي‏ وأنه‏ يفكر‏ بعقله‏، ‏بينما‏ العربي‏ أو المسلم‏ شخص‏ عاطفي‏ يفكر‏ بطريقة‏ غير‏ سليمة‏، ‏وأن‏ جهاز‏ الموساد‏ أقوى جهاز‏ استخبارات‏ في‏ العالم.. "نحن‏ نعرف‏ كل‏ شيء ألا ترى‏ بنفسك؟" وأنهم‏ يعرفون‏ كل‏ التفاصيل‏ وأدق الأمور عن‏ القيادات‏ وطبيعة‏ العمل.
بل‏ وكثير‏ من‏ القيادات‏ تتعامل‏ معهم.. وقد‏ يقطع‏ المحقق‏ مجرى‏ الحديث‏ فجأة‏ ويوجه‏ كلامه‏ مباشرة‏ إلى المعتقل‏ لماذا‏‏ تركت‏ دراستك‏، رغم‏ أنك‏ ذكي‏؟!.. أنا أقول لك‏ السبب.. نحن‏ نعرف‏ عنك‏ كل‏ شيء ويبدأ‏ بسرد‏ كل‏ المعلومات‏ التي‏ يعرفها‏ أمام المجاهد‏، موحياً‏ أن التنظيم‏ مخترق‏ منذ‏ سنين‏، ‏وأن‏ اخوته‏ ورفاقه‏ اعترفوا‏ بكل‏ شيء وان‏ المسألة‏ برمتها‏ باتت‏ مكشوفة‏ تماماً‏ للموساد ويقول‏ المحقق‏ "..‏المهم‏، أنا أريد أن أعرف‏ فقط‏ هل‏ تكذب‏ علينا‏ أم لا‏؟!" ويقوم‏ فجأة‏، ‏ويفتح‏ ملفاً‏، ‏ويسحب‏ ورقة‏ ويقرأ‏ فيها‏ الاسم‏ الرباعي‏ للمجاهد‏، ‏وأنه‏ منظم‏ في‏ حركة‏ (..) ‏ونظمه‏ فلان‏ الذي‏ اسمه‏ الحركي.. ورقمه‏ السري.. ثم‏ يحدق‏ في‏ المجاهد‏ بشكل‏ مركز‏ ويقول‏ ها‏ أنت ترى‏ ‏لقد‏ نظمك‏ فلان نحن‏ نعرف‏ كل‏ شيء فقط‏ نريد‏ أن نثبت‏ لك‏ أن لا‏ أحد يكذب‏ علينا نريد‏ منك‏ أن تكون‏ فقط‏ صادقاً‏ معنا ثم‏ إن اعترافك‏ لمصلحتك حتى‏ نستطيع‏ إغلاق الملف‏ بسرعة‏، وإنهاء التحقيق‏، ‏وفي‏ حالة‏ اعترافك‏ لن‏ ينالك‏ منا‏ أذى، وإنهاء التحقيق‏، ‏وفي‏ حالة‏ اعترافك‏ لن‏ ينالك‏ منا‏ أذى، ولن‏ نحكم‏ عليك‏ بالسجن‏، ‏ربما‏ لفترة‏ رمزية‏ فقط "..لكن‏ إن أنكرت فستتعب‏ كثيراً‏، ‏وستنال‏ حكماً‏ قاسياً‏ وطويلاً ... ".
إذا استغفل‏ المحقق‏ المجاهد‏، ‏وخدعه‏ بحيلته‏، ‏واستطاع‏ أن يوهمه‏ أنه‏ يعرف‏ عنه‏ كل‏ شيء‏، ‏فسيقع‏ المجاهد‏ في‏ الفخ‏ وتبدأ‏ الإجابات تتالى كالسلسلة.. نظمني‏ فلان.. اسمي‏ الحركي‏ كذا.. رقمي‏ السري.. ويبدأ‏ الحديث‏ بعدها‏ عن‏ اللقاءات‏ وأماكنها، ‏وساعاتها‏ وتواريخها‏ والأشخاص الذين‏ حضروا.. ثم‏ يعترف‏ بالمهمات‏ والبرامج‏ والأسلحة وطريقة‏ نقلها‏، ‏ونوعية‏ التدريب‏، ‏ومكانه.. الخ.. وهكذا‏ لا تكاد جلسة‏ التحقيق‏ تنتهي‏ إلا وقد‏ توفرت‏ للمحقق‏ قصة‏ الاعتراف‏ كاملة‏ أو مجموعة‏ اعترافات‏ تعطي‏ المحقق‏ خلفية‏ ثمينة‏ لاستكمال‏ التحقيق‏ في‏ جلسات‏ أخرى، أو لاستخدامها‏ مع‏ معتقلين‏ آخرين بواسطة‏ ربط‏ عناصر‏ الاعتراف‏ وتركيبها‏ على‏ ظروف‏ وحالات‏ مشابهة.
وعبر‏ سلسلة‏ الإجابات قد‏ يجد‏ المحقق‏ ثغرات‏ وارتباكات‏ في‏ أقوال المعتقل‏، فيلجأ‏ للتهديد‏ باستخدام‏ القوة‏، أو قد‏ يتعرض‏ المعتقل‏ للضرب‏ في‏ هذا‏ الأسلوب ولكنه‏ لا يتعرض للتعذيب‏ بشكل‏ حقيقي‏ في‏ هذا‏ الأسلوب والضرب‏ هنا‏ يأتي‏ كمجرد‏ تخويف‏ أو من‏ باب‏ إدخال أسلوب على‏ أسلوب، أي استعمال‏ أسلوب الارتباط‏ الشرطي‏ بين‏ الكذب‏ "أو كشف‏ الثغرات‏ في‏ الأجوبة" ‏وبين‏ الضرب‏، ‏وهذه‏ الطريقة‏ تخلق‏ لدى‏ الأسير استعداداً‏ نفسياً‏ أو ضعفاً‏ في‏ الموقف‏ المتحدي‏ للمحقق‏ بحيث‏ تضعف‏ إرادته كلما‏ أعطى معلومات‏، ‏وأصبح‏ استعداده‏ بالتالي‏ أكبر‏ لإعطاء معلومات‏ جديدة.
يظهر‏ مما‏ تقدم‏ أن الأساس في‏ نجاح‏ عمل‏ المحقق‏ هو‏ استجابة‏ المجاهد‏ للخدعة‏ التي‏ يحاول‏ تمريرها‏ هذا‏ الأسلوب فإذا‏ تغلبت‏ إرادة المجاهد‏ ويقظته‏ انهزم‏ المحقق‏ وباء‏ أسلوبه بالفشل.
الحادي‏ عشر- أسلوب التعذيب‏ بالتيار‏ الكهربائي :
التعذيب‏ بالتيار‏ الكهربائي‏ تستخدمه‏ بكثرة‏ النظم‏ السلطوية‏ المرتبطة‏ بالغرب‏ الكافر وهناك‏ معلومات‏ قليلة‏ تشير‏ إلى أن المخابرات‏ الإسرائيلية تستخدمه رغم‏ أنه‏ عبر‏ تجربتي‏ الطويلة‏ في‏ السجون‏ لم‏ أسمع‏ بذلك وهناك‏ أحاديث تنتشر‏ بين‏ كثير‏ من‏ الناس‏ عن‏ الكهرباء‏ في‏ التحقيق والغرض‏ منها‏ تحبيطي‏ لغرس‏ الرعب‏ في‏ قلب‏ الإنسان المسلم‏ ليس‏ أكثر وسنتعرض‏ هنا‏ لتقنيات‏ الأسلوب من‏ باب‏ المعرفة‏ والاطلاع‏ عليه.
التعذيب‏ بالكهرباء‏ يتم‏ بتوصيل‏ تيار‏ كهربائي‏ إلى جسم‏ الأسير، ‏عن‏ طريق‏ وضع‏ مشابك‏ صغيرة‏ مرتبطة‏ بأسلاك دقيقة‏ موصولة‏ بجهاز‏ كهربائي‏ به‏ فولتاج‏ قابل‏ للتغيير وفي‏ العادة‏ توضع‏ المشابك‏ في‏ الأطراف السفلى‏ من‏ الأذن اليمنى‏ واليسرى‏ -‏ مشبك‏ به‏ تيار‏ سالب‏، وآخر به‏ تيار‏ موجب‏ ويؤدي‏ ذلك‏ إلى تقلصات‏ عضلية‏ مؤلمة‏، وارتجافات‏ عنيفة‏ بالجسد‏، وإذا زاد‏ الفولتاج‏ ارتفاعاً‏ أو طالت‏ مدة‏ التطبيق‏APPLICATION‏ يؤدي‏ ذلك‏ إلى إيقاف عمل‏ القلب‏ أو حصول‏ عطب‏ في‏ خلايا‏ الدماغ‏ أو إحداث حروق‏ سطحية‏ خفيفة‏ في‏ أماكن التوصيل‏ الكهربائي‏ وفي‏ مناطق‏ خروج‏ الموجات.
 وتحتاج‏ عملية‏ استعمال‏ التعذيب‏ بالكهرباء‏ إلى :
أ‏ -‏ جهاز‏ محول‏ كهربائي‏ -‏ ترانس‏.
ب‏ -‏ خبير‏ يعرف‏ استعمال‏ الجهاز‏.
ج‏ -‏ تيار‏ كهربائي‏ وفولتاج‏ قابل‏ للتغير.
د‏ -‏ أسلاك معدنية‏ رقيقة‏.
هـ -‏ مشابك‏.
و‏-‏ طبيب‏.
ز‏-‏ قرار‏ من‏ قيادة‏ الاستخبارات‏ بالتنفيذ.
أسلوب التعذيب‏ بالكهرباء‏ يعتمد‏ على‏ الرعب‏ المسبق‏ في‏ قلب‏ الأسير، ‏ويعتمد‏ على‏ الارتباط‏ الشرطي‏ وتجربة‏ الأسير السابقة‏ مع‏ الكهرباء وذلك‏ لنزع‏ الاعترافات‏ منه‏، ‏وليس‏ المقصود‏ هو‏ قتل‏ الأسير، وإيجاد تشويهات‏ وحروق‏ في‏ جسده‏، والتيار‏ المستخدم‏ فيه‏ تيار‏ ضعيف‏ يكفي‏ فقط‏ لعمل‏ ارتجاجات‏ في‏ الجسد.. متزامنة‏ مع‏ عملية‏ إيحاء مستمرة‏، بالموت‏، والضعف‏، والوفاة‏، والقتل‏، ونهاية‏ العمر لوضع‏ الأسير في‏ مناخ‏ نفسي‏ وجسدي‏ سيء تدفعه‏ للاعتراف.
يقول‏ الأسير محمد‏ (وهو‏ أسير إسلامي، ‏عاش‏ في‏ بيشاور‏ سنتين‏ وعاد‏ إلى بلده‏، ‏عندما‏ بدأت‏ الحركة‏ الإسلامية فيها‏ توجه‏ ضربات‏ عنيفة‏ ضد‏ النظام‏ الغربي‏ الفاسد) "اعتقلت‏ من‏ المطار.. ونقلت‏ إلى السجن‏ العسكري‏، ‏واعتبرت‏ صيداً‏ ثميناً فإذا كان‏ السفر‏ إلى بيشاور‏ تهمة‏، فان‏ العيش‏ فيها‏ سنتين‏ تعتبر‏ أكبر‏ واخطر‏ التهم مارسوا‏ معي‏ أساليب كثيرة‏ واستجوبت‏ لأيام وليالي‏ طويلة‏ ومستمرة.. سألوني‏ عن‏ برنامجي ونظام‏ حياتي‏ طوال‏ السنتين وطلبوا‏ مني‏ تقريراً‏ عن‏ كل‏ شهر‏ وكل‏ أسبوع وحتى‏ كل‏ يوم‏ قضيته‏ هناك أجبتهم عن‏ برنامج‏ حياتي‏ كل‏ يوم‏ وكل‏ أسبوع، ‏وكل‏ شهر‏ وطوال‏ الأشهر كان‏ كلامي‏ مترابطاً‏ وقوياً‏ ومقنعاً ولم‏ يجدوا‏ ثغرة‏ في‏ الفترة‏ الزمنية.. التي‏ على‏ المجاهد‏ أن يغطيها‏ كاملاً‏ تغطية‏ منطقية‏، ‏ومقنعة.. هددوني‏ بالقتل‏ وبالكهرباء.. قلت‏ لهم‏ بثقة‏ المؤمن الأعمار بيد‏ الله فإذا جاء‏ أجلهم لا يستأخرون‏ ساعة‏ ولا يستقدمون.. لم‏ أكن‏ قلقاً‏ من‏ الموت‏ ولكني‏ كنت‏ قلقاً‏ من‏ التعذيب‏ بالكهرباء.. وضعوني‏ على‏ سرير‏ وطلبوا‏ مني‏ الاسترخاء‏ الكامل.. قيدوا‏ يدي‏، ‏وقدميَّ‏ بإحكام بالسرير‏، ‏وبدءو‏ا بحملة‏ نفسية‏ قوية‏ لدفعي‏ إلى الاعتراف وعندما‏ كانوا‏ يراوغون‏، جاءني‏ طيف‏ فذكرت‏ قول‏ الله‏ فاقض‏ ما‏ أنت قاض.. إنما تقضي‏ هذه‏ الحياة‏ الدنيا.. رفضت‏ الاعتراف جهزوا‏ أدواتهم، ‏ووضعوا‏ مشبك‏ في‏ أذني اليمنى‏، ‏ومشبك‏ آخر بأذني اليسرى.. وفي‏ لحظة‏ خاطفة‏ ارتج‏ جسدي‏ ارتجاجاً‏ عنيفاً‏، ‏حتى‏ شعرت‏ أن دماغي‏ قد‏ توقف.. وأعادوا الكرة ثلاثة‏ مرات‏ أخرى وكل‏ مرة‏ كانت‏ ثواني قليلة‏ جداً مع‏ إيحاء نفسي‏ للاعتراف.. كانت‏ المرة‏ التالية‏ كالأولى ولكن‏ موقفي‏ النفسي‏ كان‏ قد‏ حكم‏ على‏ الأسلوب بالفشل فكرت‏ بنفسي‏، ‏وبالضعف‏ الذي‏ كان‏ بداخلي‏ من‏ الكهرباء فاكتشفت‏ أن أسلوب التعذيب‏ بالكهرباء‏ -‏ أهون وأخف من‏ أساليب التعذيب‏ الأخرى، ولكن‏ جهل‏ الناس‏ وارتباط‏ الكهرباء‏ في‏ حياتهم‏ بالصعق.. هو‏ الذي‏ يوجد‏ في‏ داخلهم‏ الرعب‏ من‏ أسلوب التعذيب‏ بالكهرباء.
الثاني‏ عشر- أسلوب غرف‏ العار‏:
العنصر‏ الأساسي في‏ غرف‏ العار‏ هو‏ ما‏ يسمى‏ بـ "العصافير" ‏، ‏وقبل‏ أن نتحدث‏ بالتفصيل‏ عن‏ غرف‏ العار‏ سنحاول‏ تقديم‏ تعريف‏ مفصل‏ لظاهرة‏ "العصافير"
(العصافير) أو الصراصير‏: ‏بعض‏ الأفراد الذين‏ يتعرضون‏ إلى الاعتقال‏ بسبب‏ ارتباط‏ أو نشاط‏ تنظيمي‏ ونضالي‏ وجهادي‏ يضعفون‏ أمام جهاز‏ التحقيق‏ فيتحولون‏ إلى أدوات طيعة‏ لخدمة‏ المخابرات‏ بعد‏ أن كانوا‏ يناضلون‏ ضد‏ الدولة‏ ومخابراتها.. فبعضهم‏ يحاول‏ أن يهرب‏ من‏ الأحكام العالية‏ بالسجن‏ إلى التعاون‏ مع‏ المخابرات‏، ‏وبعضهم‏ يحمل‏ في‏ داخله‏ بذور‏ الانحراف‏ والضعف‏ فلا‏ يتحمل‏ ضغط‏ الاعتقال‏، ‏وهناك‏ عملاء‏ أساسا كانوا‏ مدسوسين‏ في‏ صفوف‏ التنظيمات‏ أو كانوا‏ ينشطون‏ بين‏ الناس‏ يشكل‏ سري‏، وعندما‏ افتضح‏ أمرهم وانكشفوا‏ قامت‏ أجهزة الأمن بإبداعهم في‏ السجون‏ حفاظا‏ على‏ حياتهم‏ وليكملوا‏ المسيرة‏ التي‏ بدأوها‏ في‏ المجتمع‏ والشارع‏ ولكن‏ داخل‏ السجون‏ والزنازين وهناك‏ من‏ تورطه‏ المخابرات‏ في‏ قضايا‏ أخلاقية سواء‏ في‏ الحياة‏ العامة‏ "من‏ عامة‏ المدنيين" أو في‏ السجون‏ من‏ (الأسرى) ، ‏وتستعمل‏ مستمسكات‏ التوريط‏ كأداة ضغط‏ عليه‏ ليصبح‏ عميلا‏ طيعا‏ ويقوم‏ بخدمة‏ المخابرات‏ ضد‏ المعتقلين‏ في‏ السجون أو أن يكون من جنوب لبنان من عناصر العميل لحد ..
تقوم‏ المخابرات‏ بدراسة‏ ملفات‏ كل‏ فرد‏ من‏ هؤلاء بشكل‏ مستفيض‏، ‏وتخرج‏ بتقييم‏ لقدراته‏ وخبراته‏ ونفسيته‏، ‏ثم‏ تخضعه‏ لدورات‏ أمنية مركزة‏، ودروس‏ مكثفة‏ حسب‏ استعداداته يتلقى‏ (العصفور) ‏على‏ أيدي الخبراء‏ دروسا‏ فكرية‏ ودينية‏ وسياسية‏ وعسكرية‏ تنسجم‏ مع‏ أفكار وسياسة‏ تنظيم‏ معين‏، بحيث‏ يتأهل‏ لتقمص‏ شخصية‏ من‏ هو‏ في‏ هذا‏ التنظيم‏، كما‏ يتأهل‏ (الصرصور) ‏عبر‏ الدورات‏ الأمنية لأحدث طرق‏ وأساليب الاستجواب‏ والاستدراج‏، ‏والتشبيط‏ وجمع‏ المعلومات‏ والخداع.
ما‏ هي‏ غرف‏ العار‏؟
في‏ نهاية‏ السبعينات‏ أخذت المخابرات‏ الصهيونية‏ تتحرك‏ باتجاه‏ استغلال‏ مجموعات‏ صغيرة‏ من‏ المتساقطين‏ الذين‏ تحولوا‏ إلى (صراصير) ‏، ‏لاستدراج‏ المناضلين‏ المعتقلين‏ حديثا‏ للحصول‏ منهم‏ على‏ معلومات‏ لم‏ يستطع‏ المحقق‏ أن ينتزعها ورغم‏ الشكل‏ البدائي‏ والبسيط‏ لهذه‏ العملية‏ إلا أن نتائجها‏ وثمارها‏ كانت‏ جيدة‏، ‏حيث‏ أن بعض‏ الأسرى الذين‏ عجزت‏ أجهزة التحقيق‏ عن‏ الحصول‏ على‏ معلومات‏ كاملة‏ منهم‏ خلال‏ الاستجواب‏ وتحت‏ أساليب التعذيب‏ المختلفة‏، ‏قد‏ أدلوا بمعلومات‏ واعترافات‏ إضافية في‏ غرف‏ العار وهذا‏ النجاح‏ دفع‏ المخابرات‏ الصهيونية‏ إلى التركيز‏ على‏ هذه‏ الطريقة‏ وإعطائها أولوية وأهمية، ‏وتطويرها‏ كتقنيات‏ وأساليب، ‏وتأهيل‏ (الصراصير) ‏للقيام‏ بدور‏ محقق‏ ولكن‏ بشكل‏ آخر وكان‏ لهذا‏ التطوير‏ في‏ العمل‏ أهمية كبرى‏ في‏ انتقال‏ المخابرات‏ نقلة‏ نوعية‏ في‏ عملها‏، ‏مما‏ وفر‏ لها‏ مناخاً‏ للإيقاع بأعداد كبيرة‏ من‏ المناضلين‏ والمجاهدين‏ وأصبحت غرف‏ العار‏ ركناً‏ أساسياً‏ من‏ أركان التحقيق‏، ‏يمر‏ بها‏ أغلب‏ الأسرى الفلسطينيين.
إن (غرف‏ العار) ‏هي‏ زنازين‏ في‏ السجن‏ لا‏ تختلف‏ عن‏ الزنازين‏ الأخرى بشيء‏ سوى‏ بنوعية‏ ساكنيها فهم‏ ليسوا‏ مناضلين‏ معتقلين‏ ولا‏ مجاهدين‏ محكومين‏ يمضون‏ فترة‏ الاعتقال‏ وإنما مجموعات‏ من‏ (الصراصير) ‏يمثلون‏ دور‏ المناضلين‏ والمجاهدين وبين‏ هؤلاء‏ الممثلين‏ الساقطين ‏يتم‏ زج‏ المعتقل‏ الجديد‏ الذي‏ لم‏ ينه‏ فترة‏ التحقيق‏ بعد‏، ‏وإن‏ كانت‏ المخابرات‏ تهيئ له‏ أنه‏ تجاوز‏ مرحلة‏ التحقيق‏ والاستجواب‏ والتعذيب‏ وانتقل‏ إلى السجن‏ بين‏ اخوته‏ السجناء‏ الذين‏ من‏ المفترض‏ أن يكونوا‏ أعضاء في‏ تنظيمه‏ أو في‏ تنظيمات‏ وطنية‏ مقاتلة‏ أخرى، ‏ولكنه‏ في‏ الحقيقة‏ يوضع‏ بين‏ محققين‏ من‏ نوع‏ آخر يمثلون‏ دور‏ أبناء التنظيمات.
ولكي‏ نتعرف‏ جيداً‏ على‏ واقع‏ غرف‏ العار‏ لا بد‏ من‏ إلقاء نظرة‏ سريعة‏ على‏ آلية تنقل‏ الأسير من‏ التحقيق‏ إلى الأقسام ‏-‏
عند‏ اعتقال‏ المجاهد‏ يتم‏ نقله‏ فوراً‏ إلى قسم‏ التحقيق‏ (المسلخ) ‏، ‏حيث‏ تتفاوت‏ فترة‏ المكوث‏ في‏ (المسلخ) ‏من‏ أسير إلى آخر وذلك‏ راجع‏ لحجم‏ المعلومات‏ المتوفرة‏ لدى‏ المخابرات‏ وخطورة‏ القضية‏ المتهم‏ بها‏، ‏والى‏ موقف‏ المجاهد‏ من‏ مجريات‏ التحقيق وفي‏ هذه‏ المرحلة‏ قد‏ يوضع‏ المجاهد‏ فترة‏ أيام قليلة‏ في‏ الزنزانة.
يعود‏ بعدها‏ إلى قسم‏ التحقيق‏ من‏ جديد وبعد‏ اكتمال‏ عملية‏ التحقيق‏ وإغلاق الملف‏ يتم‏ إنزال المجاهد‏ إلى الزنازين‏، ‏وهي‏ فترة‏ انتظار‏ لإغلاق ملف‏ القضية وهناك‏ زنازين‏ فردية‏ وأخرى جماعية‏ تتسع‏ لشخصين‏ إلى خمسة‏ أشخاص وعادة‏ ما‏ يتم‏ توزيع‏ أبناء المجموعة‏ الواحدة‏ على‏ عدة‏ زنازين‏ بغرض‏ فصلهم‏ عن‏ بعضهم‏ البعض وينتظر‏ المجاهد‏ نتائج‏ التحقيق.. فإما‏ إفراج أو توقيف‏ إداري وإما قضية‏ وبالتالي‏ السجن وفي‏ هذه‏ المرحلة‏ (مرحلة‏ الانتظار) ‏ترتب‏ المخابرات‏ فرصاً‏ (أو فخاً) ‏لتشريك‏ بعض‏ الزنازين‏ بعصفور‏ أو أكثر وفي‏ حالات‏ أخرى يتم‏ نقل‏ المجاهد‏ إلى سجون‏ أخرى بحجة‏ استكمال‏ التحقيق وقبل‏ ترحيله‏ يوضع‏ في‏ غرف‏ انتظار‏ لمدة‏ يوم‏ أو اثنين وفي‏ هذه‏ الغرف‏ فرصة‏ لتشريكها وعند‏ الانتقال‏ إلى السجن‏ الجديد‏ يوضع‏ المجاهد‏ في‏ زنازين‏ فردية‏ أو جماعية‏، ‏وهنا‏ أيضاً‏ فرصة‏ أخرى للتشريك.
مع‏ اكتمال‏ التحقيق‏ ينقل‏ المجاهد‏ من‏ الزنزانة‏ إلى الإدارة حيث‏ يقابل‏ قاضي‏ التوقيف‏ الذي‏ يسأله‏ إن كان‏ مقراً‏ بالتهم‏ الموجهة‏ له‏ ويمدد‏ توقيفه.. وأحياناً‏ ينقل‏ الأسير ليقابل‏ مندوب‏ الصليب‏ الأحمر.
الانتقال‏ إلى الأقسام:
بعد‏ انتهاء‏ التحقيق‏ وإقفال ملف‏ القضية‏ وتقديمها‏ للنيابة‏، ‏ينقل‏ الأسرى الذين‏ اكتمل‏ التحقيق‏ معهم‏ إلى أقسام السجن وهي‏ أقسام الأمنيين، ‏في‏ انتظار‏ المحاكمة ويتكون‏ كل‏ قسم‏ من‏ عدة‏ غرف‏ وفي‏ هذه‏ الغرف‏ فرصة‏ أخرى للمصائد فينقل‏ المجاهد‏ إلى (غرف‏ العار) ‏بدلاً‏ من‏ أقسام الأمنيين.
يتجمع‏ أفراد التنظيمات‏ في‏ أقسام الأمنيين وينظمون‏ أنفسهم في‏ أطر تنظيمية فلكل‏ تنظيم‏ في‏ كل‏ سجن‏ لجنته‏ المركزية‏ والأمنية والإعلامية والسياسية‏ وخلاياه‏، ‏ولكل‏ فصيل‏ ممثل‏، ‏ولكل‏ غرفة‏ اعتقال‏ موجه‏ متفق‏ عليه‏ من‏ الجميع وهناك‏ لوائح‏ لتنظيم‏ حياة‏ المعتقلين وهناك‏ ما‏ يسمى‏ ب- ‏"لجنة‏ التخيير‏" ، ‏وهي‏ لجنة‏ تستقبل‏ القادمين‏ الجدد‏، ‏ويختار‏ أمامها كل‏ معتقل‏ جديد‏ الالتزام‏ في‏ إطاره التنظيمي‏، ‏والذين‏ اعتقلوا‏ وليس‏ لهم‏ عضوية‏ في‏ تنظيم‏ محدد‏، وإنما كان‏ اعتقالهم‏ على‏ خلفية‏ نشاطات‏ وطنية‏ عامة‏ نفذوها‏ بشكل‏ فردي‏، يخيرون‏ الالتزام‏ بإحدى التنظيمات الموجودة‏ في‏ المعتقل فمن‏ المتعارف‏ عليه‏ بين‏ التنظيمات‏ في‏ السجون‏ أن لا يسمح بوجود‏ حالات‏ مستقلة وبعد‏ التزام‏ الأسير بالتنظيم‏ المعين‏ فانه‏ يتقيد‏ بأنظمة‏ ولوائح‏ التنظيم‏، ‏ويقدم‏ تقريراً‏ كاملاً‏ عن‏ القضية‏ التي‏ اعتقل‏ من‏ أجلها‏ إلى اللجنة‏ الأمنية في‏ التنظيم وينخرط‏ بذلك‏ في‏ حياة‏ السجن.
 إن المخابرات‏ الصهيونية‏ تستغل‏ هذه‏ الآلية في‏ التنقل‏ وفي‏ تركيبة‏ وعمل‏ التنظيمات فتقوم‏ بتمثيل‏ عملية‏ الالتزام‏ وتركيبة‏ الفصائل‏ في‏ عملية‏ مسرحية‏ متقنة‏ مستخدمة‏ عناصر‏ من‏ الممثلين‏ المحترفين‏ (العصافير) قاصدة‏ خداع‏ المجاهد‏ وكشف‏ انتمائه‏ وارتباطاته‏ ونشاطاته‏، ‏ويطلب‏ (الصراصير) ‏من‏ المجاهد‏ أن يقدم‏ تقريراً‏ مكتوباً‏ للعصفور‏ الذي‏ يمثل‏ دور‏ مسؤول‏ اللجنة‏ الأمنية وبذلك‏ تحصل‏ المخابرات‏ على‏ اعترافات‏ سهلة‏ بعد‏ أن عجزت‏ مباشرة‏ في‏ عملية‏ الاستجواب‏ والتحقيق‏ عن‏ الحصول‏ على‏ معلومات.
سيكولوجية‏ الأسير:
يمكث‏ الأسير في‏ جو‏ التحقيق‏ أو في‏ الزنازين‏ أسابيع أو شهوراً وهذه‏ الفترة‏ تكون‏ فترة‏ ضغط‏ شديد‏ على‏ نفسيته‏ وأعصابه وقد‏ يكتشف‏ في‏ هذه‏ المدة‏ نقاط‏ ضعف‏ في‏ بنيته التنظيمية‏ -‏ عبر‏ المراجعة‏ التي‏ يجريها‏ مع‏ نفسه‏ -‏، وأن‏ بعض‏ رفاقه‏ واخوته‏ قد‏ يتعرضون‏ للاعتقال‏ فيعترفوا‏ بمعلومات‏ أنكرها في‏ التحقيق‏، ‏فيطلب‏ ثانية‏ للتحقيق‏ والتعذيب ففي‏ كل‏ صباح‏ يحضر‏ المحققون‏، ‏ومع‏ حضورهم‏ تصفق‏ الأبواب وتفتح‏ وتغلق‏، ويظهر‏ جندي‏ وسجان‏ من‏ خلف‏ الباب‏ وينادي‏ المطلوبين‏ للتحقيق‏، ‏وفي‏ الزنزانة‏ نفسها‏ يكون‏ الجو‏ مشحوناً‏ بالترقب‏ والحذر‏ والخوف في‏ كل‏ لحظة‏ يشعر‏ الأسير أنه‏ سيكون‏ المطلوب وهذا‏ القلق‏ يضغط‏ على‏ الأعصاب والخروج‏ من‏ هذه‏ الأزمة يرتبط‏ باللحظة‏ التي‏ يخرج‏ منها‏ الأسير إلى الأقسام إنها فرصة‏ الأسير للإفلات من‏ حالة‏ التوتر‏ النفسي وفي‏ الأقسام يتوقع‏ الأسير أن يلتقي‏ مع‏ الأسرى الآخرين وهم‏ أخواته ورفاقه‏ المجاهدون‏ المناضلون.
إن هذه‏ الميزة‏ السيكولوجية‏ للأسير تجعل‏ قدراته‏ وطاقاته‏ تنتقل‏ من‏ طور‏ الدفاع‏ أمام الأخطار المتوقعة‏ من‏ التحقيق‏ ومن‏ طور‏ الاستعداد‏ النفسي‏ والتحفز‏ الشعوري‏ لمجابهة‏ المحقق‏ وألاعيبه، إلى طور‏ الشعور‏ بالأمان والاستقرار‏ بين‏ اخوته‏ وأصدقائه المناضلين‏، ‏وإلى‏ العمل‏ على‏ التكيف‏ والانسجام‏ مع‏ واقعه‏ الجديد وخاصة‏ عندما‏ يصبح‏ بعيداً‏ عن‏ غضب‏ المحقق‏ وصراخه‏ وتعذيبه‏ وأساليبه الأخرى.
في‏ الأقسام الأمنية يشرق‏ يوم‏ جديد‏ في‏ حياة‏ الأسير فيستقبله‏ المعتقلون‏ استقبالاً‏ حاراً‏ كبطل‏ منتصر‏ في‏ معركة‏ التحقيق والبسمة‏ على‏ الوجوه‏، ‏والدفء‏ في‏ المعاملة ويظهرون‏ حرصهم‏ عليه‏، ويوفرون‏ له‏ ملابس‏ جديدة إن جميع‏ من‏ هم‏ في‏ الغرفة‏ الآن اخوته‏ المستعدون‏ لخدمته‏ ولتقديم‏ ما‏ يحتاجه‏، ‏وتوفير‏ ما‏ يريده‏، ليعوض‏ الأيام الصعبة‏ التي‏ عاشها.
 هذا‏ الجو‏ النفسي‏ الذي‏ ينتقل‏ فيه‏ الأسير من‏ حالة‏ إلى نقيضها‏، ‏من‏ القلق‏ إلى الطمأنينة‏، ‏ومن‏ التعذيب‏ إلى الراحة‏، يدفعه‏ للتكيف‏ السريع‏ مع‏ الأسرى، ويدفعه‏ للانقياد‏ لطلباتهم‏ وأنظمتهم، والى‏ الالتزام‏ بالواقع‏ الاعتقالي‏ الجديد وهذه‏ الحالة‏ تسهل‏ للمخابرات‏ استغلال‏ هذه‏ الاستعدادات‏ السيكولوجية فتصطنع‏ واقعاً‏ اعتقالياً‏ بنفس‏ مواصفات‏ الأقسام الأمنية ولكن‏ عناصرها‏ من‏ (الصراصير) ‏بدلاً‏ من‏ المناضلين.
أين يتواجد‏ العصافير؟
بدأ‏ تنفيذ‏ أسلوب غرف‏ العار‏ في‏ سجن‏ عسقلان وهو‏ سجن‏ يضم‏ مئات‏ المعتقلين‏ ذوي‏ الأحكام العالية‏، ‏ويتوزع‏ المعتقلون‏ حسب‏ مدنهم‏ وقراهم‏ على‏ كافة‏ مناطق‏ الضفة‏ الغربية‏ وقطاع‏ غزة ثم‏ بدأ‏ العدو‏ في‏ تنفيذ‏ هذه‏ الفكرة‏ في‏ سجون‏ نابلس‏ والخليل‏ ورام‏ الله‏ وجنين‏ والناصرة‏ وعكا وقد‏ كانت‏ غرف‏ العار‏ في‏ سجن‏ جنين‏ - مثلاً-‏ مؤلفة‏ من‏ ثلاث‏ غرف‏، وتشكل‏ قسماً‏ كاملاً‏، ‏وتقع‏ في‏ الناحية‏ اليسرى‏ من‏ السجن‏، ‏والمعتقل‏ خارج‏ من‏ الزنازين إلا أن هذه‏ المواقع‏ تتغير‏ حسب‏ الحاجة  (والعصافير) ‏الذين‏ فيها‏ يتغيرون‏، ويغيرون‏ أسماءهم الوهمية‏، ‏وتتميز‏ غرف‏ العصافير‏ سواء‏ كانت‏ في‏ أقسام الزنازين‏ أو في‏ غرف‏ الانتظار‏ أو أقسام المعتقلين‏ بأنها مفصولة‏ ومنعزلة‏ عن‏ (المعتقل) ‏على‏ مستوى‏ الداخل‏ والخارج ونقصد‏ بالمعتقل‏ أقسام المعتقلين‏ الأمنيين، ‏وتنقسم‏ إلى ثلاثة‏ أقسام: ‏
أ‏ -‏ الشرك‏ الفردي‏ والذي‏ يكون‏ فيه‏ عصفور‏ واحد‏.
ب‏ -‏ الشرك‏ البسيط‏، ويتكون‏ من‏ غرفة‏ واحدة‏ فيها‏ من‏ خمسة‏ إلى سبعة‏ عصافير‏.
ج - الشرك‏ الجماعي‏‏‏‏ ويتكون‏ من‏ قسم‏ مؤلف‏ من‏ عدة‏ غرف‏.
الخصائص‏ العامة‏ للعصافير‏:‏
كانت‏ الفكرة‏ السابقة‏ عن‏ العصافير‏ أنهم‏ أشخاص موشومون‏ بوشم‏ على‏ وجوههم‏ كعلامة‏ تعرضوا‏ لها‏ من‏ المناضلين‏ الذين‏ اكتشفوا‏ حقيقتهم‏، ‏وغالباً‏ ما‏ يكون‏ هذا‏ الوشم‏ أثراً لضربة‏ بسكين‏ حلاقة وهي‏ علامة‏ تبقى‏ ظاهرة‏ على‏ الوجه‏ كخطوط‏ طويلة‏ -‏ بسبب‏ الندوب‏ الظاهرة‏ والغائرة‏ في‏ الجلد‏ بسبب‏ تمزق‏ الغشاء‏ الجلدي وفي‏ هذه‏ الحالة‏ يحاول‏ (العصفور) إخفاء هذه‏ العلامة‏ الفارقة‏ بترك‏ اللحى‏ تغطي‏ أكبر‏ قدر‏ من‏ (الوشم) .
يجيد‏ (العصفور) ‏تقمص‏ شخصية‏ ابن‏ الحركة‏ أو التنظيم‏ على‏ المستوى‏ الفكري‏ والسلوكي فقد‏ يظهر‏ التدين‏ ويؤدي‏ العبادات‏ ويحفظ‏ القرآن‏ الكريم يجيد‏ سرد‏ القصص‏ في‏ مجالات‏ متعددة‏ بشكل‏ جيد ولكن‏ (العصفور) ‏يبالغ‏ في‏ هذه‏ السلوكيات‏ وفي‏ إتقانه لسرد‏ القصص‏، كما‏ يتميز‏ في‏ ملبسه‏ ومظهره‏ وتوفير‏ الكثير‏ من‏ المستلزمات‏ المفقودة‏ في‏ السجن‏ وهذا‏ مدخل‏ جيد‏ للشك‏ فيه وعموماً‏ فإن‏ (العصفور) ‏يخضع‏ في‏ أدائه التمثيلي‏ لتوجيهات‏ المحقق. وتزوده‏ المخابرات‏ بالمعلومات‏ المتوفرة‏ عن‏ الأسير في‏ ملفه‏، ‏عن‏ حياته‏ وأصدقائه ونشاطاته‏، ‏وهي‏ معلومات‏ يستخدمها‏ (العصفور) للإيقاع بالمجاهد ولكي‏ يتقرب‏ من‏ الأسير قد‏ يؤدي‏ العصفور‏ الصلاة‏ بخشوع‏ شديد‏ ويقوم‏ الليل وقد‏ يدرس‏ أفكار التنظيم‏ المحدد‏ ويناقش‏ فيها‏ أو يلقي‏ دروساً‏ وتوجيهات‏ فكرية‏ على‏ الأسير وإضافة إلى هذه‏ التمثيلية‏ يقوم‏ عصفور‏ أو أكثر‏ بتمثيل‏ دور‏ المشبوهين‏ والعملاء‏ في‏ الغرفة‏ ويقوم‏ (العصافير) الآخرون بتمثيل‏ موقف‏ الاحتقار‏ والنبذ‏ حيالهم‏، ‏وهذه‏ الحركات‏ تدخل‏ في‏ ضبط‏ وإتقان المسرحية‏ المعدة‏ الجيدة‏ لتنطلي‏ الحيلة‏ على‏ الأسير. ويقع‏ في‏ الفخ.
أساليب العصافير :
1 ‏-‏ أسلوب كسب‏ الثقة‏: ‏
وهو‏ إشعار المجاهد‏ بالاخوة‏ الحقيقية‏، ‏وتقديم‏ الخدمات‏ والملابس‏ له، وإظهار الحرص‏ والعطف‏ تجاهه‏، والاهتمام‏ الزائد‏ به‏، وتشجيعه‏ على‏ الصمود‏ والتحمل‏.
2 ‏-‏ أسلوب التشكيك ‏: ‏
وهو‏ إشعار المجاهد‏ أن الجلسات‏ التنظيمية‏ أوقفت بسبب‏ عدم‏ استيفاء‏ معلومات‏ عنه‏، وأنهم‏ يشكون‏ فيه‏، ‏وأنهم‏ غير‏ مرتاحين‏ له‏، وأنهم‏ يشكون‏ إن‏ المخابرات‏ تريد‏ أن تزرعه‏ كغرسة بينهم‏ ليعرف‏ بعض‏ المعلومات‏ ويقدمها‏ لها.
3 ‏-‏ أسلوب الشرك ‏: ‏
حيث‏ يوضع‏ (العصفور) ‏مع‏ الأسير فترة‏ أسبوع أو أكثر‏ في‏ الزنزانة‏ وفي‏ التحقيق‏، حتى‏ يثق‏ به‏، وبعدها‏ يتم‏ إخراجهما للأقسام وهناك‏ أمام (العصافير) الآخرين يسارع‏ هذا‏ العصفور‏ إلى كتابة‏ تقرير‏ إلى العصافير‏ الذين‏ يمثلون‏ أدوار مسؤولي‏ التنظيم‏، فإذا وقع‏ المجاهد‏ في‏ المصيدة‏ قلد‏ العصفور‏ وقدم‏ تقريراً‏ بدوره‏ إلى (العصافير).
4 - أسلوب الاستدراج‏:
يمثل‏ (العصفور) ‏دور‏ الغيور‏ الحريص‏ على‏ العمل‏ الجهادي‏ والنضالي فيشكو‏ مثلاً‏ من‏ الحالة‏ العامة‏، ومن‏ نقص‏ الأفراد المخلصين‏ والشرفاء‏، ويبدأ‏‏ في‏ مدح‏ الاتجاه‏ التنظيمي‏ الذي‏ يكون‏ الأسير قريباً إليه أو منتمياً‏ له‏، ‏ويطنب‏ في‏ الحديث‏ عن‏ صفات‏ هذا‏ التنظيم‏ الجيدة‏، وكيف‏ أن أفراده سريون‏، ومنتشرون‏، وأنهم‏ افضل‏ الناس‏، ‏وان‏ عملياتهم‏ نوعية، ‏وأن‏ الجماهير‏ تحبهم‏، وتثق‏ بهم‏، ‏وأنه‏ كان‏ يتمنى‏ أن يكون‏ عضواً‏ في‏ ذلك‏ التنظيم‏، ‏ولكن‏ الاستعجال‏ للنضال‏، واندفاع‏ الشباب‏ جعله‏ ينتمي‏ لتنظيم‏ آخر وعندما‏ يخرج‏ من‏ السجن‏ فسينضم‏ لو‏ سنحت‏ له‏ الفرصة‏ إلى ذلك‏ التنظيم‏ ثم‏ يرمي‏ الشبكة‏ التي‏ ينسجها‏ جيداً‏ مع‏ رجال‏ التحقيق‏، فيقول‏ -‏ مثلاً‏ -‏ لدي‏ سلاح‏ مخبأ‏ في‏ مكان‏ ما‏، وأنا أتمنى أن أقدمه هدية‏ إلى التنظيم‏، فإذا كان‏ التنظيم‏ مستعداً‏ للاستفادة‏ من‏ السلاح‏ فسأكون‏ مسروراً‏ جداً‏، وسأرضي ضميري‏ وواجبي‏ الوطني‏ وأشعر‏ أنني ساهمت‏ في‏ خدمة‏ هذا‏ التنظيم‏ المحبوب وقد‏ يكون‏ هناك‏ سلاح‏ مخبأ‏ فعلاً‏ في‏ ذلك‏ المكان فإذا وقع‏ المجاهد‏ في‏ الفخ‏، فإنه‏ يسرب‏ للتنظيم‏ هذه‏ المعلومة‏ وبذلك‏ يقبض‏ رجال‏ الأمن على‏ عنصر‏ جديد‏ في‏ التنظيم‏ يكلف‏ بإحضار‏ السلاح‏ أو قد‏ يثق‏ المجاهد‏ الأسير بهذا‏ (العصفور) ‏ويعطيه‏ بناء‏ على‏ القصة‏ المنصوبة‏ للاستدراج، بمعلومات‏ تفيد‏ جهاز‏ المخابرات.
5 ‏-‏ أسلوب التثبيط ‏:
في‏ هذه‏ الحالة‏ يلجأ‏ العصفور‏ إلى إلقاء المواعظ‏ المحبطة‏، والقصص‏ المثبطة‏ فيتحدث‏ عن‏ لا جدوى من‏ الصمود‏، وعن‏ كذب‏ ادعاءات‏ الذين‏ يقولون‏ أو يقال‏ عنهم‏ أنهم‏ أبطال صمدوا‏ أمام المحقق‏، ويؤكد‏ أن هذه‏ الحكايات‏ لا‏ أساس لها‏، وأن‏ الكل‏ يعترف‏ وأن‏ الأبطال هم‏ حالات‏ مفبركة‏ وشخصيات‏ مصنوعة‏ لغرض‏ أو لآخر ففلان‏ الذي‏ يتحدث‏ عنه‏ الناس‏ قد‏ اعترف‏ بكل‏ شيء‏ ويضيف‏ (العصفور) ‏إنه‏ هو‏ شخصياً‏ ضحية‏ لاعترافات‏ ذلك‏ البطل‏ المزعوم ويؤكد‏ أن الاعتراف‏ ببعض‏ المعلومات‏ القليلة‏ هو‏ وسيلة‏ مضمونة‏ للإفلات من‏ التعذيب‏، وأن‏ المحققين‏ لا يتركون الأسير حتى‏ يعترف‏ ولو‏ طالت‏ فترة‏ التعذيب‏ لمدة‏ طويلة‏ وأن‏ نهاية‏ التعذيب‏ لابد‏ أن تكون‏ بالاعتراف‏ مهما‏ تمكن‏ الأسير من‏ الصمود‏.
6 ‏-‏ أسلوب تضخيم‏ التحقيق‏ والمحقق ‏:
يتحدث‏ (العصفور) ‏كثيراً‏ عن‏ قدرات‏ المحقق‏، وذكائه‏ الحاد‏ وأن‏ الجميع‏ وقعوا‏ في‏ حبائله‏، واعترفوا‏ أمامه ولم‏ يفلت‏ منه‏ أحدُ أبداً‏، ويضخم‏ أساليب التعذيب‏، بحيث‏ يهزم‏ الأسير نفسياً‏ ويرعبه‏ من‏ أساليب التعذيب وهي‏ عادة‏ أساليب مختلفة‏ وقصص‏ يقصد‏ بها‏ التخويف‏ ولا‏ حقيقة‏ لها‏.
7 ‏-‏ أسلوب الاتهام‏ : ‏
تقوم‏ مجموعة‏ من‏ (العصافير) ‏باتهام‏ الأسير بالعمالة‏ مع‏ المخابرات‏، ويحققون‏ معه‏ للاعتراف‏ بتعاونه‏ مع‏ المخابرات‏، ويصطنعون‏ جو‏اً من‏ التحقيق‏، فيخلعون‏ ملابسه‏ ويضربونه‏ ويربطونه‏ ويكممونه‏ فإذا وقع‏ المجاهد‏ في‏ (الفخ)، وليثبت‏ أنه‏ ليس‏ عميلاً‏ يلجأ‏ إلى كل‏ المعلومات‏ والاعترافات‏ التي‏ تؤكد‏ العكس‏، ويحاول‏ إثبات انه‏ مناضل‏ ومجاهد‏ وله‏ تاريخ‏ نضالي‏ مشرف‏.
8 ‏-‏ أسلوب الضرب‏ والتهديد‏ : ‏
قد‏ يشك‏ المجاهد‏ في‏ حقيقة‏ (العصافير) أو قد‏ يخشى‏ جهاز‏ التحقيق‏ من‏ عدم‏ تعاون‏ المجاهد‏ معهم‏ فيلجأون إلى لعبة‏ خبيثة‏ حيث‏ يضربونه‏ ويقومون‏ معه‏ بدور‏ مكشوف‏، مؤكدين‏ له‏ بتصرفاتهم‏ أنهم‏ (عصافير) ‏، ‏وفي‏ هذه‏ الحالة‏ يحضر‏ السجان‏ وينقذه‏ منهم‏ وينقله‏ إلى غرفة‏ أخرى، يرتاح‏ المجاهد‏، ويحس‏ أنه‏ أفلت‏ من‏ (العصافير)، فيجد‏ نفسه‏ قد‏ وقع‏ في‏ غرفة‏ عصافير‏ جديدة‏ وانتقل‏ الآن إلى اخوته‏ فعلاً‏ ولكن‏ نزلاء‏ هذه‏ الغرفة‏ أيضاً‏ هم‏ من‏ (العصافير).
9 ‏-‏ أسلوب تحدي‏ السجان ‏: ‏
حيث‏ يتعمد‏ (العصفور) أن يظهر‏ كبطل‏ أمام السجان‏، فيتحداه‏ ويشتمه‏ ويتعرض‏ للضرب‏ والشتم‏ بسبب‏ ذلك‏ ولكنه‏ يكسب‏ ثقة‏ الأسير به‏ كبطل‏ وصاحب‏ موقف‏ رجولي‏.
 ‏
10-‏ التمويه‏ على‏ (العصفور) :
‏بنقله‏ من‏ غرفة‏ عار‏ إلى أخرى، ‏وتنقله‏ بين‏ الغرف‏ الفردية‏ والبسيطة‏ والأقسام.
11 ‏-‏ أسلوب غرف‏ العار‏ المحروقة‏ وغير‏ المحروقة‏ ‏.
12 ‏-‏ أسلوب تضخيم‏ قضية‏ العصفور‏ وتبسيط‏ قضية‏ المجاهد‏.
13-‏ أسلوب إرهاق المجاهد‏ وعدم‏ السماح‏ له‏ بالنوم‏ لتوفير‏ أكبر‏ فرصة‏ للعصفور‏ باستدراجه.
14 ‏-‏ أسلوب التحذير‏ :
يقوم‏ (عصفور) ‏بتحذير‏ المجاهد‏ عبر‏ نافذة‏ صغيرة‏ ‏-‏ "انتبه‏ أنت ذاهب‏ لغرفة‏ عصافير"، ‏وعندما‏ ترفض‏ جميع‏ الغرف‏ استقباله‏ تستقبله‏ غرفة‏ هذا‏ العصفور‏.
15 ‏-‏ أسلوب المساعدة ‏:
‏ يُطَمْئِن‏ العصفور‏ في‏ هذه‏ الحالة‏ المجاهد‏ المعتقل‏ انه‏ مستعد‏ لخدمته‏ بإرسال‏ رسالة‏ إلى التنظيم‏ خارج‏ السجن‏، وأنه‏ على‏ اتصال‏ مع‏ القيادة‏، ويذكر‏ له‏ اسم‏ المسؤول‏، ويريه‏ ورقة‏ وقلماً‏ استطاع‏ حسب‏ زعمه‏ تهريبها‏ إلى السجن‏ بطريقة‏ ما‏ وإخفاءها عن‏ السجانين‏.
16 ‏-‏ أسلوب التقمص ‏:
يقوم‏ (العصفور) ‏بتقمص‏ دور‏ قادة‏ المعتقل‏، ويبلغ‏ المجاهد‏ أن ممثل‏ التنظيم‏ في‏ السجن‏ سيزوره‏ غداً‏، وأنه‏ يثمن‏ تجربته‏ ونضاله.
17 ‏-‏ أسلوب التعارف ‏:
يستقبل‏ (العصافير) ‏المجاهد‏ أحسن‏ استقبال‏ ثم‏ تبدأ‏ حفلة‏ التعارف‏ فيقدم‏ كل‏ عصفور ‏نفسه‏ ذاكراً‏ الاسم‏ والعضوية‏ والمرتبة‏ التنظيمية‏ ومدة‏ محكوميته‏ ثم‏ يأتي‏ الدور‏ على‏ المجاهد‏، فإذا انطلت‏ عليه‏ الحيلة‏ قدم‏ لهم‏ معلومات‏ ثمينة‏ كان‏ قد‏ أنكرها أمام المحقق‏.
18 ‏-‏ أسلوب الاستدراج‏ عبر‏ السؤال‏ والجواب‏ المغلوط.
19 ‏-‏ أسلوب شرح‏ الواقع‏ الاعتقالي‏ للمجاهد‏ :
حيث‏ يطلب‏ (موجه‏ الغرفة) ‏من‏ المجاهد‏ كتابة‏ تقرير‏ يشرح‏ فيه‏ قصة اعتقاله .
20 ‏-‏ أسلوب حضور‏ مسؤول‏ مركزي‏ من‏ خارج‏ الغرفة‏ ليجلس‏ مع‏ المجاهد :
‏حيث‏ يأتي ‏عصفور‏ وكأنه‏ مسؤول‏ مركزي‏ للحركة‏ في‏ السجن‏ ويجلس‏ مع‏ المجاهد‏ ويطلب‏ منه‏ معلومات‏ وكتابة‏ تقرير‏ كامل‏ عن‏ نشاطه‏ وعن‏ الوضع‏ في‏ الخارج‏ وفي‏ التنظيم‏.
21 ‏-‏ أسلوب الرسالة‏ المختومة‏ :
يقوم‏ (العصفور) ‏بتهريب‏ رسالة‏ خاصة‏ للمجاهد‏، يقدمها‏ له‏ على‏ أنها رسالة‏ مبعوثة‏ من‏ قيادة‏ التنظيم‏ في‏ السجن‏ وينتظر‏ أن يرد‏ عليها.
22 ‏-‏ أسلوب التهديد‏ بالتشفير‏ والإعدام :
إذا لم‏ يثبت‏ المجاهد‏ أنه‏ (شريف) ‏وغير‏ عميل‏ مع‏ أجهزة التحقيق‏ وإذا لم‏ يقدم‏ تقريراً‏ يشرح‏ فيه‏ وضعه‏ ونشاطه‏ التنظيمي‏ ولكن‏ العصافير‏ لا يلجأون‏ مطلقاً‏ إلى تنفيذ‏ تهديدهم‏ أنهم‏ يستعملون‏ هذا‏ الأسلوب من‏ اجل‏ التخويف‏ فقط.
يقول‏ المناضل‏ (زياد) : ‏ كلفت‏ وأنا موجود‏ بالخارج‏ بأن‏ أكون ممثل‏ جبهة‏ النضال‏ الشعبي‏ في‏ الضفة‏ الغربية‏ وتم‏ إعدادي سياسياً‏ لهذه‏ المهمة‏، ‏عندما‏ عدت‏ للأرض المحتلة‏، اعتقلت‏، وحقق‏ معي‏ وكانت‏ هناك‏ شكوك‏ عند‏ المخابرات‏ بأني‏ منظم‏، ولكن‏ لم‏ توجد‏ لديهم‏ أي‏ دلائل‏ لإدانتي، هددوني‏ بترحيلي‏ إلى سجن‏ جديد‏، وبالفعل‏ انتقلت‏ إلى سجن‏ جديد‏، لا يوجد به‏ زنازين‏، ‏ولا تعذيب‏ وضعوني‏ في‏ غرفة‏ للمعتقلين‏ بها‏ أكثر‏ من‏ عشرين‏ سجيناً‏، ‏استقبلت‏ استقبالاً‏ حاراً‏ منهم‏ سُئلت‏ عن‏ انتمائي‏، وتهمتي‏، قلت‏ ليس‏ لي‏ انتماء‏، ‏ولا تهمة‏.. وتركوني‏ لوحدي‏ حاولت‏ أن انخرط‏ في‏ حياتهم‏، ‏وان‏ انسجم‏ معهم‏، ولكن‏ كنت‏ أشاهد نظرات‏ الشك‏ والريبة‏ في‏ عيونهم‏ وجدت‏ نفسي‏ وحيداً‏ بين‏ أعين وهمسات‏، تطاردني‏ بالشك‏، والخيانة‏ حتى‏ أصبحت أشك‏ في‏ نفسي‏.
 وفي‏ إحد‏ى الليالي‏ جلسوا‏ في‏ حلقة‏ صغيرة‏، وتهامسوا‏ كثيراً‏، وكان‏ الموضوع‏.. أنا وعندما‏ أطفئ النور‏ أخذوني وأجلسوني في‏ الزاوية‏ وطلبوا‏ مني‏ أن اكتب‏ تقريراً‏ كاملاً‏ عن‏ ارتباطي‏ بالمخابرات‏، والمهام‏ التي‏ كلفت‏ بها‏ بكيت‏ وقلت‏ أنا لست‏ عميلاً‏ قالوا‏ إذن اثبت‏ العكس‏ أنت عميل‏ مدسوس‏، خلعوا‏ ملابسي‏ وكمموا‏ فمي‏، وقيدوني‏ بحبل‏، وبدأوا‏ بتعذيبي‏ وشتمي‏، ‏وطلبوا‏ مني‏ الاعتراف.. وبعد‏ ليلة‏ طويلة‏ من‏ التعذيب‏، قلت‏ لهم‏ أنا من‏ تنظيم‏ جبهة‏ النضال‏ الشعبي‏، ‏وكلفت‏ من‏ القيادة‏ في‏ الخارج‏ بان‏ أكون مسؤول‏ التنظيم‏ في‏ الضفة‏ تأسفوا‏ لما‏ فعلوه‏ معي‏، وحملوني‏ السبب‏، ولكي‏ يتأكدوا‏ من‏ المعلومات‏ طلبوا‏ مني‏ كتابة‏ اعترافي وفي‏ اليوم‏ الثاني‏ وجدت‏ ورقة‏ الاعتراف‏ أمام ضابط‏ التحقيق‏.
ويقول‏ المناضل‏ (جمال) ‏:  كلفت‏ من‏ أبو جهاد‏ (خليل‏ الوزير) ‏بان‏ أكون مسؤولاً‏ عن‏ منطقة‏ بيت‏ حانون‏، وعندما‏ عُدت‏ للقطاع‏ بدأت‏ بتجنيد‏ اخوة‏ للحركة‏، ‏وبدأت‏ بأعداد الأسلحة لتنفيذ‏ عمليات‏ عسكرية‏.. حيث‏ تم‏ اعتقالنا‏، وعندما‏ لم‏ اعترف‏ في‏ سجن‏ غزة‏ تم‏ ترحيلي‏ إلى سجن‏ جديد‏.. هناك‏ استقبلت‏ استقبال‏ الأبطال، أعطوني ملابس‏ جديدة‏، وأغطية جديدة‏، ومنشفة‏ جديدة‏.. حتى‏ شعرت‏ باني‏ قد‏ خرجت‏ من‏ المعتقل‏، أقيمت في‏ الليل‏ حفلة‏ تعارف‏ كل‏ واحد‏ كان‏ يذكر‏ اسمه‏ وتنظيمه‏، وحكمه‏، وذكرت‏ اسمي‏.. حركة‏ فتح‏.. بعد‏ التعارف‏، طلبوا‏ مني‏ الجلوس‏ مع‏ قيادة‏ الحركة‏ في‏ السجون‏ وعرفوا‏ أنفسهم بأنهم‏ من‏ قيادة‏ الحركة‏، وأنهم‏ على‏ اتصال‏ بالحركة‏ في‏ الداخل‏ ومع‏ (أبو جهاد) ‏وطلبوا‏ مني‏ تقريراً‏ مستعجلاً‏، لإنقاذ الاخوة‏ الذين‏ لم‏ يعتقلوا‏ وترتيب‏ وضع‏ الأسلحة، وتأمين‏ الوضع‏ المادي‏ لأسر‏ المعتقلين‏ وتقريراً‏ كاملاً‏ عما‏ حدث‏ معنا‏.. كتبت‏ أنا الملازم‏ أول جمال‏.. الخ‏ وكتبت‏ كل‏ شيء‏ بالتفصيل‏.. في‏ اليوم‏ الثاني‏ سمعت‏ اسمي‏ في‏ الميكروفون‏ وفي‏ الطريق‏ وجدت‏ المحقق‏.. فقال‏ لي‏ أهلاً‏ بالملازم‏ أول جمال‏.. صُعقت‏، وقلت‏ له‏ إعطني‏ رشاش‏ عوزي‏ لأقتل كل‏ من‏ هو‏ فدائي‏.. وأخيراً‏ عرفت‏ أن هؤلاء‏ خونة‏ عملاء‏، متساقطون.
 ويقول‏ المجاهد‏ (أبو حسين): ‏وهو‏ من‏ الأبطال الذين‏ صمدوا‏ في‏ التحقيق‏ رغم‏ كل‏ الاعترافات‏ التي‏ عليه‏، ‏هددوني‏ بالإبعاد إلى لبنان‏ سلموني‏ أماناتي، وملابسي‏، وأخذتنا سيارة‏ عسكرية‏ إلى المجدل‏، فتل‏ أبيب، وصفد‏، والشمال‏ وهناك‏ في‏ مناطق‏ جبلية‏، سُلمت‏ إلى وفد‏ من‏ الصليب‏ الأحمر الذي‏ أخذني إلى مناطق‏ سعد‏ حداد‏.. وعند‏ آخر نقطة‏ لسعد‏ حداد‏.. قالوا‏ لي‏ من‏ هنا‏ بإمكانك أن تسير‏ لوحدك‏ فأنت الآن في‏ منطقة‏ جماعتك‏.. سرت‏ ما‏ يقرب‏ من‏ ‏2 كيلومتر‏ فإذا بمقاتلين‏ يخرجون‏ من‏ الكمائن‏ ويتكلمون‏ بلهجة‏ فلسطينية‏ لبنانية‏ قلت‏ لهم‏ أني فدائي‏ مُرحل‏.. أخذوني إلى موقع‏ عسكري‏، وشاهدت‏ صور‏ أبو عمار‏ وأبو جهاد‏، وشعارات‏ ثورة‏ حتى‏ النصر‏، فتح‏ ديمومة‏ الثورة‏، تحلق‏ حولي‏ المقاتلون‏، وتسامرنا‏ طويلاً‏.. شعرت‏ أنني حر‏.. قال‏ لي‏ قائد‏ المعسكر‏ القيادة‏ في‏ بيروت‏ تنتظرك.. وبسبب‏ اشتباكات‏ في‏ الطريق‏ سيتأخر‏ وصولك‏ فاكتب‏ تقرير‏اً عاجلاً لاطلاع‏ القيادة‏ كتبت‏ تقريراً‏ مفصلاً‏ وأخذه قائد‏ المعسكر‏.. وفي‏ الليل‏ تحركت‏ بنا‏ السيارات‏ باتجاه‏ بيروت‏، ‏حيث‏ في‏ الطريق‏ وقعنا‏ في‏ كمين‏ إسرائيلي وبعد‏ ساعة‏ وجدت‏ نفسي‏ أمام المحققين‏، ومعهم‏ التقرير‏.. قال‏ لي‏ المحقق‏ (وقعت‏ يا بطل خطفت‏ منه‏ التقرير‏ ومزقته‏ بهستريا‏.. هجموا‏ عليِّ‏ جميعاً‏.. وجمعوا‏ التقرير‏ الممزق‏، وأعادوا تركيبه‏ ووضعوه‏ تحت‏ لوح‏ زجاج‏..) واجتمع‏ جميع‏ ضباط‏ المخابرات‏ حولي‏ بعد‏ انتهاء‏ كل‏ شيء‏ تذكرت‏ شريط‏ الرحلة‏ الطويل‏، وتيقنت‏ بأن‏ الرحلة‏ كانت‏ رحلة‏ مصيدة‏.. فاحذروا‏ المصائد‏..
فعلى‏ المجاهد‏ اليوم‏ أن يحذر‏ أسلوب المصائد‏.. وليعلم‏ بأن‏ الأشخاص الذين‏ سيجدهم‏ غداً‏ في‏ هذه‏ المصائد‏ ليسوا‏ ثواراً‏ ولا‏ مجاهدين‏ فلا‏ تثق‏ بأحد‏ ولا تُخدع‏ (يحسبون‏ كل‏ صيحة‏ عليهم‏، هم‏ العدو‏ فاحذرهم‏ قاتلهم‏ الله‏ أنى يؤفكون).
الثالث‏ عشر- أسلوب العدو‏ والصديق :
‏عندما‏ تحاصر‏ شخصاً‏، وتضيق‏ عليه‏ الخناق‏، ‏وتغلق‏ في‏ وجهه‏ كل‏ منافذ‏ الخلاص‏، ‏عندها‏ يفقد‏ الأمل تماماً‏، وسيكون‏ من‏ غير‏ الممكن‏ أن يبدي‏ تجاوباً‏ معك‏، وسيكون‏ أكثر‏ عناداً‏ فإذا‏ فتحت‏ له‏ بعدها‏ باباً‏ صغيراً‏ أو منفذاً‏ للنجاة، فسيفر‏ بجميع‏ حواسه‏ وعقله‏ إلى هذا‏ المنفذ‏ ويرى‏ فيه‏ باب‏ الأمل المتاح.
على‏ هذا‏ الأساس يقوم‏ أسلوب العدو‏ والصديق‏، وهو‏ من‏ أشد‏ أساليب التحقيق‏ خداعاً‏، ‏لأن‏ الأمل هنا‏ ليس‏ سوى‏ مصيدة‏، ومحاولة‏ استدراج‏ المجاهد‏ ليعترف.
توزع الأدوار في‏ هذا‏ الأسلوب على‏ اثنين‏ من‏ رجال‏ التحقيق‏ يمثل‏ الأول دور‏ السفاح‏ القاسي‏ الذي‏ يتلذذ‏ بضرب‏ المعتقل‏ وتعذيبه‏ ويمثل‏ الثاني‏ دور‏ الشخص‏ الطيب‏ الرقيق‏ الذي‏ فيه‏ نزعة‏ إنسانية بالغة‏.
تبدأ‏ المسرحية‏ بعد‏ جولة‏ من‏ الإقناع والإغراء والتهديد‏، يمارسها‏ رجال‏ التحقيق‏ مع‏ المعتقل‏، فإذا فشل‏ التحقيق‏ في‏ انتزاع‏ أي معلومات‏، يدخل‏ المحقق‏ (الشرير) ‏فجأة‏، متظاهراً‏‏ أنه‏ دخل‏ إلى غرفة‏ التحقيق‏ خصيصاً‏ من‏ أجل‏ انتزاع‏ اعتراف‏ بأي‏ شكل‏ ويسأل‏ أحد المحققين‏ الذي‏ يمثل‏ دور‏ (الطيب) ‏بقسوة‏ ‏هل‏ اعترف؟‏ وهنا‏ يجيب‏ المحقق‏ متظاهراً‏ بالخوف‏ والضعف‏ أمام (الشرير) لا فيرد‏ الشرير‏ بغضب‏ ‏هذا‏ بسببكم‏ انتم‏ تشفقون‏ عليهم‏ أنتم‏ تضيعون‏ وقتنا‏ اخرج‏ من‏ هنا‏ وأمام صراخ‏ الشرير ‏يخرج‏ المحقق‏ (الطيب) ‏متظاهراً‏ بالانكسار‏ والضعف‏ هنا‏ يخلو‏ الجو‏ للشرير‏ وتغلق‏ أمام المعتقل‏ أبواب النجاة‏ من‏ التعذيب‏ فينهال‏ عليه‏ (الشرير‏) ضرباً‏ وحشياً‏ متعمداً‏ ويصرخ‏ المعتقل‏ من‏ شدة‏ الألم وفي‏ هذه‏ اللحظة‏، يفتح‏ الباب‏ بقوة‏، ويدخل‏ المحقق‏ الطيب ‏متظاهراً‏ بالانفعال‏ ومحاولاً‏ تهدئة‏ الشرير ‏وتخليص‏ المعتقل‏ من‏ بين‏ يديه‏ ثم‏ يخرج‏ (الشرير) ‏ويبقى‏ (الطيب) ‏الذي‏ يقدم‏ المساعدة‏ للمعتقل‏ فيرفعه‏ عن‏ الأرض، ويجلسه‏ على‏ كرسي‏، ويقدم‏ له‏ كأس‏ ماء‏، ويحضر‏ منشفة‏ مبللة‏ يمسح‏ بها‏ وجهه‏ من‏ الدماء‏، ويعرض‏ عليه‏ فنجاناً‏ من‏ القهوة‏ أو الشاي‏ ويتظاهر‏ بالإشفاق عليه‏ ثم‏ يبدأ‏ بالحديث‏ الودي‏ معه‏، ناصحاً‏ إياه، في‏ تمثيل‏ مسرحي‏ بارع‏ أنه‏ يلعب‏ الجولة‏ الأخيرة فيقول‏ للمعتقل‏ (ارحم‏ نفسك‏. يكفيك‏ هذا‏ العذاب‏. لو‏ لم‏ أخلصك من‏ يدي‏ هذا‏ المجرم‏ لقتلك‏ أو تركك‏ مشوهاً‏. الأفضل لك‏ أن تعترف‏ قل‏ لي‏ في‏ أي‏ تنظيم‏ أنت؟‏ ومتى‏ تم‏ تجنيدك اعطني‏ المعلومات‏ المطلوبة‏، ولن‏ يحصل‏ لك‏ عذاب‏ بعد‏ ذلك). فإذا أصر المعتقل‏ على‏ الإنكار، حاول‏ المحقق‏ (الطيب) أن يستثير‏ في‏ نفسه‏ الشعور‏ بالعرفان‏ ورد‏ الجميل‏ قائلاً‏ (هل‏ هذا‏ جزاء‏ المعروف‏؟‏ أنت تعرضني‏ لموقف‏ محرج‏ أمام ذلك‏ الوحش‏ وأنا أنقذتك) ‏ويستمر‏ في‏ هذه‏ اللعبة‏، مستخدماً‏ الضغط‏ النفسي‏ والتخويف‏ من‏ عودة‏ (الشرير)، وأمام إصرار المعتقل‏ على‏ الإنكار ينفتح‏ الباب‏ بعنف‏، يطل‏ الشرير‏ برأسه‏ صارخاً‏ (ألم يعترف‏ بعد‏، ماذا‏ تنتظر؟)هنا‏ يدخل‏ المحقق‏ الطيب‏ (إنه‏ يعترف‏. إنه‏ يعترف‏ فقط‏ اعطنا‏ مهلة‏ خمس‏ دقائق) وينغلق‏ الباب‏ بقوة‏ ويبدأ‏ (الطيب) ‏جولة‏ جديدة‏ من‏ الضغوطات‏، وإظهار الحرص‏ والشفقة.. فإذا انطلت‏ الحيلة‏ على‏ المناضل‏، واعترف‏ يظهر‏ الطيب ‏على‏ حقيقته‏، وينزع‏ عن‏ وجهه‏ قناع‏ الوداعة‏، وينتهي‏ دوره‏ في‏ التمثيل‏ فإذا هو‏ أحد المحققين‏ ولا‏ فرق‏ بينه‏ وبين‏ (الشرير).
إن أسلوب العدو‏ الصديق‏ هو‏ فخ‏ ماكر‏ وعلى‏ المعتقل‏ أن يعي‏ هذا‏ الأسلوب جيداً‏ وان‏ يدرك‏ أنه‏ لا فرق بين‏ المحقق‏ الشرير‏ والطيب‏ بل‏ وأن‏ ذلك‏ الذي‏ يمثل‏ دور‏ الطيب‏ هو‏ أشد‏ خطورة‏.
الرابع‏ عشر-: أسلوب الكرسي‏ :
سعياً‏ لانتزاع‏ المعلومات‏ من‏ المجاهد تسعى‏ المخابرات‏ الصهيونية‏ إلى تطوير‏ أساليبها، وابتكار‏ أساليب حديثة‏ توفر‏ الجهد والوقت وتكون‏ آثارها سريعة‏ المفعول غنية‏ النتائج لذلك‏ فلقد‏ استخدمت‏ لسنين‏ طويلة‏ أسلوب الوقوف‏ المستمر‏ طوال‏ 24ساعة‏ لفترة‏ عدة‏ أيام أو عدة‏ أسابيع.. ورغم‏ أن هذا‏ الأسلوب له‏ وقع‏ قاسٍ‏ ومؤلم‏، ويحتاج‏ إلى شجاعة‏ فائقة‏، وإرادة فولاذية‏ وإيمان صلب‏، إلا أن المخابرات‏ الصهيونية‏ طورت‏ هذا‏ الأسلوب باتجاه‏ وضع‏ كرسي‏ خشبي‏ عادي‏، يجلس‏ عليه‏ المجاهد‏ طوال‏ فترة‏ التحقيق‏، ‏وهو‏ مكبل‏، والكيس‏ في‏ رأسه.
ومن‏ المعلوم‏ أن لفظة‏ الكرسي‏، ‏لها‏ وقع‏ مريح‏ على‏ النفس‏، ‏خاصة‏ إذا جاءت‏ في‏ فترة‏ التحقيق ولكن‏ الذين‏ جربوا‏ هذا‏ الكرسي‏، يعتبرون‏ أن آثاره‏ السيئة‏ أكثر‏ وقعاً‏ على‏ النفس‏ من‏ الوقوف‏ المستمر.. وهذا‏ راجع‏ إلى مسألة‏ أساسية، وهي‏ أن الجلوس‏ المستمر‏ لمدة‏ ساعات‏ يؤدي‏ إلى تصلب‏ وآلام‏ في‏ حلقات‏ العمود‏ الفقري‏ ويزداد‏ هذا‏ التصلب‏ والآلام.. مع‏ ازدياد‏ وقت‏ الجلوس‏ على‏ الكرسي حتى‏ يصبح‏ وسيلة‏ ضغط‏ شديد‏ على‏ الجهاز‏ العصبي‏، ‏والنفسي‏ لكي‏ ينهار‏ وبمزيد‏ من‏ الإيمان القوي‏، ‏المتجذر‏ والخبرة‏ السابقة‏ يمكن‏ للمجاهد‏.. تجاوز‏ هذا‏ الأسلوب، ‏ولكن‏ المخابرات‏ وجدت‏ أن هناك‏ نقاط‏ ضعف‏ في‏ هذا‏ الأسلوب تتمثل‏ في‏ قدرة‏ المجاهد‏ على‏ الاستراحة‏ على‏ الكرسي إذا ركز‏ الألم على‏ فخد‏ واحد‏ لفترة‏ محددة‏، ومن‏ ثم‏ يرتكز‏ على‏ الفخذ الآخر.. حتى‏ لا يتعب كل‏ الجسم.
وقد ابتكرت‏ المخابرات‏ أسلوباً أكثر‏ سوءاً‏ منه‏ وذلك‏ باستخدام‏ كرسي‏ صغير، ‏الجلوس‏ عليه غير‏ مريح‏ بتاتاً.. ارتفاعه‏ 25 سم‏، وقاعدته‏، 20*20 سم وله‏ مسند‏ خلفي‏20*20 سم.. وقاعدة‏ الكرسي‏ مائلة‏ بانحراف‏ إلى الأمام، بحيث‏ أن أي جسم‏ صغير‏ يوضع‏ عليه‏ يسقط‏ للأمام.. ويجبر‏ المجاهد‏ المقيد‏ بالجلوس‏ عليه، ‏ولان‏ الكرسي‏.. مائل‏ للأمام فإن‏ جسد‏ المجاهد‏ لا يستطيع أن يثبت‏ عليه‏، ولذلك‏ يحتاج‏ إلى قوة‏ لكي‏ يمنع‏ عملية‏ تساقط‏ الجسد‏ من‏ الكرسي ويتكور‏ الجسد‏ على‏ الكرسي‏ الصغير‏ بشكل‏ مزعج بحيث‏ يتركز‏ ثقل‏ الجسد‏ على‏ نقطتين‏ هما‏ نهاية‏ العمود‏ الفقري‏، وعقب‏ القدم‏ مما‏ يؤدي‏ إلى تخشب‏ الظهر‏ وتصلب‏ العمود‏ الفقري‏ وازدياد‏ الآلام وتخدر‏ الجسم‏ وظهور‏ الصمات بين‏ المحاشم‏ ودمامل‏ في‏ أطراف الظهر‏ والمقعدة‏ وبين‏ الفخدين‏ والركب‏ وتكبر‏ هذه‏ الدمامل‏ حتى‏ ينزل‏ منها‏ الدماء‏ والصديد‏ وحتى‏ لا يغفو المجاهد‏ يقوم‏ بعض‏ الجنود‏ الحراس‏ بضرب‏ المجاهد‏ أو تحريك‏ رأسه بشدة‏ أو ضرب‏ الكرسي‏ بعنف‏ وأحياناً‏ يجبر‏ الجندي‏ المجاهدين‏ لكي‏ يقوموا‏ ويجلسوا‏ ويفضل‏ المجاهد‏ الذهاب‏ إلى غرفة‏ التحقيق‏ والتعرض‏ للتعذيب‏ بدل‏ الجلوس‏ على‏ الكرسي‏.
 إن الكرسي‏ وإن‏ اختلفت‏ تصاميمه‏ هو‏ أداة ضغط‏ وابتزاز‏ وهو‏ وسيلة‏ إنهاك وإضعاف لطاقة‏ تحمل‏ الجسم‏.. وهو‏ قاعدة‏ يعتمد‏ عليها‏ مناخ‏ التحقيق‏ لأجل تدمير‏ أسس المقاومة‏ الداخلية‏ لدى‏ المجاهد‏ طوال‏ فترة‏ وجوده‏ في‏ المسلخ‏ ودفعه‏ لمواجهة‏ جلسات‏ التحقيق‏ وهو‏ منهك‏ الجسد‏ متعب‏ الأعصاب، ضعيف‏ القوة. إن ضغط‏ الألم الزائد‏ من‏ الجلوس‏ على‏ الكرسي‏ يدفع‏ المجاهد‏ على‏ المستوى‏ السيكولوجي إلى القبول‏ بخيارات‏ التحقيق‏ هرباً‏ من‏ الألم.. والقبول‏ بالمعركة‏ الخاسرة‏ والاستسلام‏.
 إن المحقق‏ يعتمد‏ على‏ انهيار‏ المجاهد‏ أمام ضغط‏ الألم المتصاعد‏ مع‏ الجلوس‏ المستمر‏ على‏ المقعد وهو‏ يراهن‏ على‏ الوقت.. لكي‏ يحضر‏ إليه المجاهد‏ مستسلماً. على‏ المجاهد‏.. أن يدرك‏ تماماً‏ أن آلام الجلوس‏ على‏ المقعد.. هي طريقة‏ جديدة‏ يعتمدها‏ المحقق‏ لدفع‏ المجاهد‏ للاعتراف‏ أو القبول‏ بالهزيمة‏.. أو الحل‏ الوسط وان‏ إحداث هذه‏ الآلام المتصاعدة‏ هو‏ أسلوب خطر.. وأن‏ المشكلة‏ ليست‏ بمقابلة‏ المحقق‏، بل‏ بالثبات‏، والصمود‏، وعدم‏ الاندفاع‏ باتجاه‏ المحقق‏ إلا إذا كان‏ هذا‏ الاندفاع‏ هو‏ نوع‏ من‏ المناورة‏ لتخفيف‏ الألم.. واكتساب‏ مزيد‏ من‏ الراحة‏، والوقت‏، حتى‏ يتمكن‏ المجاهد‏ من‏ إكمال فترة‏ التحقيق‏، بدون‏ خسائر..
إن عدم‏ هرب‏ المجاهد من‏ آلام الجلوس‏ على‏ المقعد‏، وصبره‏ على‏ تحمل‏ هذا‏ العذاب‏ يدفع‏ المحقق‏ إلى الخروج‏ من‏ قلعته‏ المختبئ‏ بها‏.. بانتظار‏ الفريسة.. ويذهب‏ للمجاهد‏.. لكي‏ يحاول‏ الضغط‏ عليه‏ نفسياً‏ وتهديده‏.. والإيحاء له‏ بأنه‏ سيبقى‏ جالساً على‏ المقعد‏ سنين‏ طويلة‏.. وذلك‏ لاستفزاز‏ المجاهد‏.. ودفعه‏ لليأس‏ ، والقبول‏ بخيار‏ المعركة‏ الخاسرة‏.. والاعتراف‏؟؟
 لقد‏ جلس‏ اخوة‏ مجاهدون‏ على‏ هذه‏ المقاعد‏ السيئة‏ أسابيع وشهور‏ طويلة‏.. تسلحوا‏ بالصبر‏ وأدركوا أنهم‏ في‏ معركة‏ مقدسة وأن‏ طريقة‏ النصر‏ في‏ هذه‏ المعركة‏.. هو‏ الصمود‏؟؟ والتحمل‏ في‏ سبيل‏ الله.
الخامس‏ عشر- أسلوب الموسيقى‏ الصاخبة :
الأذن هي‏ الأداة التي‏ تنقل‏ الأصوات، وللأصوات ترددات‏ طويلة‏، ‏وقصيرة.. والأذن البشرية‏ مصممة‏ لاستقبال‏ الأصوات العادية‏ عبر‏ السلم‏ الصوتي.. وهناك‏ ترددات‏ صغيرة‏ جداً‏ لا تسمعها الأذن.. وهناك‏ ترددات‏ عالية‏ جداً‏ لا تستطيع‏ أجهزة الأذن استقبالها.
 وفي السلم‏ الصوتي‏ الذي تستطيع‏ الأذن التقاطه‏.. هناك‏ أصوات خافتة‏ جداً.. يحتاج‏ الإنسان العادي‏ إلى جهد‏ جهيد‏ من‏ التركيز‏ حتى‏ يستقبلها‏ ويفهمها وهناك‏ أصوات صاخبة‏ جداً‏ تؤثر‏ على‏ الغشاء‏ الشفاف‏ لطبلة‏ الأذن فإما أن تخرقها مسببة‏ أوجاعاً شديدة‏ وصديداً‏ ودماء وإما تتعب‏ هذا‏ الغشاء وتجعله‏ غير‏ قادر‏ على‏ العمل‏ الطبيعي‏، فيضطر‏ الإنسان لا شعورياً‏ إلى وضع‏ أصابعه في‏ أذنيه اتقاء‏ لأثر الأصوات الصاخبة كأصوات الانفجارات وأصوات أبواق السيارات.
إن الأصوات الصاخبة‏ كلما‏ ازدادت‏، تضرب‏ مباشرة‏ في‏ الدماغ مشكلة‏ صداعاً‏ شديداً‏ يشل‏ تفكير‏ الإنسان ويدفعه‏ إلى الإرهاق.. والتعب.
جهاز‏ المخابرات‏ الصهيوني‏ يضع‏ في‏ قسم‏ التحقيق‏ الصغير‏، مكبرين‏ للصوت‏، متصلين‏ بمسجل‏ مفتوح‏ لمدة‏ أربع وعشرين‏ ساعة‏، باللغة‏ العبرية‏، والأجنبية.. وما‏ بين‏ الوصلات‏ الغنائية‏ الصاخبة‏ هناك‏ أصوات صراخ‏، وتعذيب‏، وبكاء‏، بحيث‏ يتخيل‏ المجاهد‏ القابع‏ في‏ المقعد.. أن هناك‏ أخاً‏ يعذب‏ تعذيباً‏ شديداً‏، لذلك‏ يصرخ‏ من‏ شدة‏ الألم، ويبكي‏ من‏ أهوال التعذيب.
ومن‏ وسائل‏ الابتزاز‏ التي‏ يستخدمها‏ المحقق‏، ‏وضع‏ المجاهد‏ الذي‏ يحقق‏ معه‏ تحت‏ مكبر‏ الصوت‏ لكي‏ يكون‏ الضغط‏ عليه‏ اشد‏ وأقسى.. حتى‏ لا يتيح له‏ الفرصة‏ للراحة‏، أو النوم‏ أو التفكير‏ السوي‏ بكيفية‏ التخلص‏ من‏ شرك‏ التحقيق‏، ولكي‏ يبقى‏ عقله‏ معطلاً طوال‏ فترة‏ التحقيق‏ بالصداع‏ المستمر.. ومحاولة‏ الخلاص‏ من‏ هذا‏ الصداع.
السادس‏ عشر- أسلوب تنقيط‏ الماء‏ على‏ الرأس :
استخدمت‏ المخابرات‏ الصهيونية‏ أسلوب تنقيط‏ الماء‏ على‏ الرأس‏، وذلك‏ من‏ خلال‏ وضع‏ المجاهد‏ في‏ زنزانة‏ صغيرة‏ جداً‏ لا تسمح‏ للمجاهد‏ بالتحرك‏ فيها.. ومن‏ فوق‏ رأسه‏ صنبور‏ ماء‏، يتساقط‏ منه‏ الماء‏ قطرة قطرة ومع‏ تساقط‏ القطرات‏، يزداد‏ وزن‏ القطرات‏ على‏ الجسم‏، حتى‏ يشعر‏ المجاهد.. مع‏ إيقاع القطرات‏ المنتظم‏ والمطرد.. إن وزن‏ القطرة‏ على‏ رأسه‏ أثقل‏ من‏ جبل‏، ‏وهذا‏ يولد‏ انقباضاً‏ حاداً‏ في‏ صدر‏ المجاهد.. وإحساساً‏ بالأرق، والإرهاق والإعياء وعلى‏ كل‏ الأحوال على‏ المجاهد.. أن لا يترك قطرات‏ الماء‏ تتساقط‏ في‏ مكان‏ واحد‏، وان‏ يحاول‏ أن يوزعها‏ قدر‏ الإمكان على‏ مناطق‏ متعددة‏ لإفشال الأسلوب.
السابع‏ عشر- أسلوب الثلاجة‏ والفرن :
الثلاجة‏ والفرن‏ هما‏ عبارة‏ عن‏ زنزانة‏ صغيرة‏ الحجم‏ متر‏* ‏متر‏ ونصف‏، وهي‏ مظلمة‏، ‏ولا يوجد‏ بها‏ نور‏، بحيث‏ لا يستطيع المجاهد‏ فيها‏ رؤية‏ أصابع يده.. ولا يوجد‏ فيها‏ أي نوع‏ من‏ النوافذ‏ ولها‏ باب‏ صغير‏ ومبطن‏ فقط‏، يستخدم‏ لإدخال الأسرى في‏ داخل‏ الزنزانة‏، وإغلاقه.
في‏ الجهة‏ العلوية‏ من‏ الزنزانة‏ يوجد‏ "مكيف‏ هواء" في‏ الشتاء‏ القارص‏ يشغل‏ المكيف‏ فينفخ‏ في‏ داخل‏ الزنزانة‏ تياراً‏ من‏ الهواء‏ البارد‏ يغطي‏ جميع‏ أرجاء الزنزانة‏، تنخفض‏ درجة‏ الحرارة‏ جداً‏ بحيث‏ يحسب‏ الإنسان نفسه‏ في‏ داخل‏ ثلاجة‏.
وفي‏ الصيف‏ يشغل‏ المبرد‏ على‏ التدفئة‏، فيبدأ‏ بتوزيع‏ الهواء‏ الساخن‏ المندفع‏ بسرعة‏ بحيث‏ يحس‏ المجاهد‏ أنه‏ في‏ فرن.
 في‏ الشتاء‏ يتراكم‏ الهواء البارد‏ وببطء تنخفض‏ درجات‏ الحرارة‏ حتى‏ تصل‏ إلى ما‏ تحت‏ الصفر‏ ونتيجة‏ للانخفاض‏ الشديد‏ لدرجة‏ الحرارة‏ يبدأ‏ جسد‏ الأسير بالتأثر‏ بهذا‏ الانخفاض‏ الشديد‏ في‏ درجة‏ الحرارة‏، فيرتجف‏ الجسم‏، وتهتز‏ الأطراف، وتصطك‏ الأسنان أو يصعب‏ التنفس‏، وتعجز‏ الأقدام على‏ حمل‏ الجسد‏، ويصعب‏ التحرك‏، ويحس‏ الأسير بالاختناق‏، وبالتجمد‏، وازدياد‏ نبضات‏ القلب‏، ويشعر‏ بدنو‏ اجله‏ وفي‏ الصيف‏ يتراكم‏ الهواء‏ الساخن، وبسرعة‏ ترتفع‏ درجة‏ الحرارة‏ فوق‏ الخمسين‏، ونتيجة‏ للارتفاع‏ الشديد‏ في‏ درجات‏ الحرارة‏، يبدأ‏ الجسم‏ ينفض‏ منه‏ العرق‏، ويصعب‏ التنفس، ‏ويضيق‏ الصدر‏ ويحس‏ الأسير بالاختناق‏، والاحتراق‏.
عندما‏ يعتقل‏ المجاهد‏.. ويرفض‏ التجاوب‏ مع‏ المحققين‏، يستخدم‏ المحقق‏ أسلوب الثلاجة‏ والفرن‏ لإخضاعه، وكسر‏ إرادته، فيصرخ‏ المحقق‏ بالجندي خذ‏ هذا‏ المخرب.. ضعه‏ في‏ الثلاجة‏ شهرين.. فيدخل‏ المجاهد‏ في‏ الثلاجة‏، فيجدها‏ باردة‏ جداً وينفخ‏ في‏ داخلها‏ تيار‏ من‏ الهواء‏ البارد ويسمع‏ في‏ داخلها‏ صوت‏ موتور‏ الثلاجة‏، ‏‏ وعندها‏ يمعن‏ بصره‏، ويحملق‏ في‏ كل‏ زوايا‏ الثلاجة‏، ولا يرى إلا الظلام‏ الدامس‏، ظلام‏ الثلاجة.
إن إحساس الإنسان في‏ داخل‏ الثلاجة‏ المغلقة‏ يساوي‏ إحساس الإنسان أنه‏ في‏ قبر‏ حقيقي.. وسواء‏ كان‏ المجاهد‏ في‏ الثلاجة‏ أو في‏ الفرن‏.. فإن‏ المحقق‏ بعد‏ مرور‏ وقت‏ مدروس‏ بالنسبة‏ له‏ سيفتح‏ كوة‏ صغيرة‏ جداً‏، لكي‏ يدخل‏ عبر‏ الحيل‏ النفسية‏ للإيحاء للمجاهد أنه‏ أمام خيار‏ التجميد‏، أو الاحتراق‏، أو أن يعترف‏ وينقذ‏ نفسه.. فإذا وجد‏ المجاهد‏، خائفاً‏ ضعيفاً يزيد‏ الضغط‏ النفسي‏ عليه‏ ليدفعه‏ للاعتراف.. أما إذا وجده‏ صلباً‏، قوياً فإنه‏ يخرجه‏ من‏ الثلاجة‏ أو الفرن.
إن الخوف‏ من‏ التجميد‏، أو الاحتراق‏ هو‏ خوف‏ غريزي‏، ولكن‏ الاحتراق‏ أو التجميد‏ هنا‏ ما‏ هي‏ إلا وسائل‏ ابتزاز‏ للحصول‏ على‏ المعلومات..
والعلاج‏ أن المجاهد‏.. عندما‏ يدخل‏ الثلاجة‏ عليه‏ أن يبتعد‏ عن‏ اتجاه‏ الهواء‏ البارد‏، وعليه‏ أن يلعب‏ حركات‏ رياضية‏، وأن‏ يمارس‏ الجري‏ الموضعي‏، لكي‏ يكتسب‏ مزيداً‏ من‏ الطاقة‏ تحميه‏ من‏ البرد.. وعليه‏ أن يحذر‏ من‏ أن يكتشف‏ ذلك‏ السجان وفي‏ حالة‏ الفرن‏ عليه‏ أن يبتعد‏ عن‏ مصدر‏ تيار‏ الهواء الساخن، وأن‏ يقبع‏ في‏ زاوية‏ بعيدة‏ عنه‏، يسبح‏ الله‏، ويطلب‏ منه‏ الثبات.
الثامن‏ عشر- أسلوب التعامل :
في‏ ظروف‏ التحقيق‏ الصعبة‏، وتحت‏ وطأة‏ التعذيب‏ الشديد‏، والإرهاق النفسي‏ والجسدي‏، يحاول‏ المجاهد‏ أن يجد‏ مخرجاً‏ من‏ هذا‏ الجحيم‏، الشيطان‏ يسول‏ له‏ أن اعترف ولكن‏ ضميره‏ يصرخ لا‏ وألف لا ورغم‏ كل‏ ذلك‏ يبحث‏ عن‏ الخلاص وإذا وجد‏ المحقق‏ أن أساليبه قد‏ فشلت‏، يبحث‏ عن‏ بدائل‏، وكمائن‏ جديدة‏، ينصبها‏ للمجاهد‏ لكي‏ يفلت‏ منه‏ زلة‏ لسان‏، أو طرف‏ خيط تؤدي‏ إلى حل‏ لغز‏ القضية‏، والمحقق‏ يدرك‏ أن ظروف‏ التحقيق‏ تدفع‏ المجاهد للبحث‏ عن‏ حبل‏ نجاة لذلك‏ يحاول‏ أن يتلون‏ من‏ جديد‏، وأن‏ يقدم‏ فخاً‏ جديداً‏ داخل‏ طُعم‏ حبل‏ نجاة‏ جديد.. وهو‏ التعامل.
يجلس‏ ضابط‏ المخابرات‏ مع‏ المجاهد‏، ويقول‏ له‏ : نريد‏ أن نتحدث‏ بصراحة‏ أنا معجب‏ بصمودك‏، ‏ورجولتك.. وأتمنى أن يكون‏ الجيل‏ اليهودي‏ الجديد‏ مثلك‏، وان‏ يقتدوا‏ بك‏ كرمز‏ صلب.. ولكن‏ صلابتك‏ وعدم‏ اعترافك‏ لن‏ يخرجك‏ من‏ السجن‏، ‏ستوقف‏ إدارياً‏ لعشرات‏ السنين‏، حتى‏ لو‏ لم‏ تعترف.. والمخابرات‏ لا يوجد عندها‏ صعوبة‏ في‏ تلفيق‏ عدة‏ تهم‏ خطيرة‏ لك‏، وتحاكم‏ عليها‏ مدى‏ الحياة‏، والمخابرات‏ هي‏ الدولة‏، ‏وهي‏ الحكومة ولكن‏ عندي‏ رأي‏ سأقدمه لك‏، وأنت حر‏، لست‏ مجبراً‏، المهم‏ فكر‏ فيه‏ بعقلك‏ جيداً‏، وعندما‏ تصل‏ إلى قرار‏ بلغني.. والرأي‏ هو.. أننا على‏ استعداد‏ أن نطلق‏ سراحك‏ غداً‏ مقابل‏ موقف‏ منك.. أن تتعامل‏ معنا نحن‏ نضحي‏ معك‏ بكل‏ شيء.. وأنت عليك‏ أن تضحي‏ معنا‏ بشيء‏ صغير.. إذا شاهدت‏..مظاهرات أو إضرابات ..أعمال شغب‏ فقط‏ بلغنا‏ عنها.. فكر‏ في‏ هذا‏ الموضوع.. ولا‏ أريد منك‏ رداً‏ الآن.. مع‏ السلامة‏، ويصرخ‏ المحقق‏ على‏ الجندي‏ لكي‏ ينزل‏ المجاهد‏ للزنزانة‏ حتى‏ يستريح.
ينزل‏ المجاهد‏ إلى الزنزانة‏، وهناك‏ تتزاحم‏ في‏ رأسه‏ الأفكار.. لقد‏ صمدت، ولم‏  اعترف هل‏ يمكن‏ أن أوقف إدارياً‏ عشرات‏ السنين‏، وهل‏ ممكن‏ أن يلفقوا‏ لي‏ قضية‏ خطيرة‏، وأحكم‏ مدى‏ الحياة هل‏ أعيش هذه‏ الفترة‏ الطويلة‏ من‏ دون‏ أن اعترف مستحيل.. ولو‏ عشتها‏ بماذا‏ سأخدم الإسلام والوطن‏ في‏ السجن سأكون‏ مشلولاً‏ ولن‏ أخدم‏ لاديني‏ ولا‏ وطني‏، ‏هل‏ أقبل‏ فكرة‏ التعامل، مستحيل.. مستحيل.. إذا والمخرج مدى‏ الحياة‏ مستحيل.. تعامل‏، مستحيل وهنا‏ تتوارد‏ الأفكار في‏ هذا‏ الجو‏ القاتل وتبرز‏ فكرة‏ الخلاص‏ من‏ دون‏ مدى‏ الحياة‏ ومن‏ دون‏ التعامل أوافق على‏ التعامل‏ كحيلة‏ مرحلية‏، وعندما‏ أخرج‏ اضحك‏ عليهم‏.. وستحاول‏ النفس‏ تأكيد‏ هذه‏ الوسوسات‏.. عندما‏ أخرج‏.. أعيش مطارداً.. اقتل‏ منهم‏ كل‏ يوم‏ واحداً‏ وأجعلهم‏ يدفعون‏ الثمن‏ غالياً‏، ‏وأخدم‏ قضيتي.
 إن فكرة‏ التحايل‏ على‏ المخابرات‏ وقبول‏ التعامل‏، فكرة‏ قد‏ تقبلها‏ بعض‏ النفسيات‏ في‏ ظروف‏ التحقيق‏ الصعبة‏، ولكنها‏ فكرة‏ الشيطان (إن الشيطان‏ لكم‏ عدوٌ‏ فاتخذوه‏ عدواً‏، إنما يدعو حزبه‏ ليكونوا‏ من‏ أصحاب السعير).
إن رفض‏ المجاهد‏ لكل‏ أضغاث الأحلام، ولكل‏ وسوسة‏ تأتيه‏ من‏ الشيطان‏، رفضه‏ لفكرة‏ التعامل‏ تعني‏ فشل‏ هذا‏ الأسلوب ولكن‏ إذا ترددت‏ نفسه وحاول‏ إقناع ذاته‏ بالخروج‏ للعمل‏ والجهاد‏، وسحق‏ المحتلين‏، ووافق‏ على‏ الفكرة فهذا‏ يعني‏ اهتزازاً‏ داخلياً‏ قد‏ أصابه ونجح‏  الشيطان‏ في‏ الإيقاع به عندما‏ يجد‏ المحقق‏ أن المجاهد‏ قد‏ وافق‏ على‏ فكرة‏ التعامل‏، يُسر‏ بذلك‏ ويشعر‏ أن حيلته‏ انطلت‏ على‏ المجاهد‏، وإن‏ شباكه‏ ستخرج‏ مليئة‏ هذه‏ المرة لذلك‏ سيقول‏ للمجاهد ممتاز‏ جداً لقد‏ أحسنت الخيار‏، وأنقذت نفسك وأنا موافق فقط‏ أنا‏ لا‏ املك‏ قراراً سوف‏ أعرض‏ ذلك‏ على‏ اللجنة‏، وأنا سأويد‏ الفكرة وخلال‏ يوم‏ أو يومين‏، سأبلغك القرار ويترك‏ المجاهد‏ طوال‏ هذين‏ اليومين‏ يعيش‏ في‏ دوامة‏ الحلم‏، والخيبة‏، وبعد‏ يومين‏، يقول‏ المحقق‏ للمجاهد مبروك‏ لقد‏ وافقوا.. جهز؟؟ نفسك‏ إفراج فقط‏ طلبوا‏ شرطاً‏ صغيراً‏ جداً‏ أن تُبدي‏ حسن‏ نية‏، حتى‏ يثقوا‏ بك هنا‏ يظهر‏ التردد‏ والقلق‏، والتراجع‏ على‏ المجاهد ولكن‏ قبل‏ أن يتفوه‏ بكلمة‏ يعاجله‏ المحقق ما‏ بك‏ هم‏ لا يطلبون شيئاً‏ كبيراً.. أي شيء‏ تافه‏، أي شيء‏ هامشي.. لا يؤثر عليك.. وأنا سوف‏ أباشر بعمل‏ إجراءات الإفراج، وغداً‏ الساعة‏ الحادية‏ عشر‏ صباحاً‏، ستشاهد‏ الشمس‏، ‏وتستنشق‏ نسيم‏ الحرية‏.. عليك‏ فقط‏ أن تقدم‏ أي شيء‏ صغير‏، ولا تفكر‏ فيه.. انزل‏ الآن وبعد‏ ساعتين‏ سأغادر وأريد أن اقدم‏ لهم‏ أي شيء‏ صغير‏ قبل‏ أن أغادر.. وسألقاك‏ بعد‏45 يوم، جيد.
يقول العميل‏ محمد‏ عبد‏ الحي.. اعتقلت‏ في‏ بداية‏ السبعينات.. وكنت‏ مناضلاً‏ متميزاً‏ بشهادة‏ العدو‏، والصديق وساومني‏ ضابط‏ المخابرات على‏ التعامل‏ والخروج بعد‏ تردد‏ كبير‏ وافقت‏، وقلت‏ اخدعهم.. طلبوا‏ مني‏ إبداء حسن‏ نية‏، اعترفت‏ على‏ مناضل‏ كنت‏ قد‏ جندته‏، ‏ولم‏ اعترف‏ عليه‏ خلال‏ فترة‏ التحقيق‏، وفي‏ ساعة‏ متأخرة‏ من‏ الليل‏ أخذوني بسيارة‏ عسكرية‏ إلى منزل‏ المناضل‏ ولم‏ يعصبوا‏ عينيه‏، حاولت‏ أن أخفي‏ وجهي‏ حتى‏ لا‏ يعرفني‏، ‏ولكنهم‏ أجبروني على‏ الوقوف‏ المباشر.. وما‏ إن خرج‏ المناضل‏ مع‏ الجنود‏ من‏ الباب.. حتى‏ شاهدني‏ أمامه.. ولا يوجد‏ أحد يعرف‏ انه‏ مناضل‏ سواي هنا‏ صرخ‏ المناضل‏، وقال‏ عملتها‏!!؟‏ولم‏ أدري‏ بعدها‏ ماذا‏ حدث.. كل‏ ما‏ اذكره‏ أن مجموعة‏ رشاشات‏ فُتحت‏، ومزق‏ الرصاص‏ جسد‏ المناضل‏، وتُرك‏ مضرجاً‏ بدمائه‏ على‏ الأرض، وعادت‏ بنا‏ السيارات‏ إلى المعتقل وضميري‏ يصرخ قتلته.. قتلته.. أنت خائن.. أنت خائن.. وبالفعل‏ بعدها‏ أصبحت عميلاً .
أصبحت مربوطاً‏ بهم.. لقد‏ ورطوني.. وتحولت‏ تحت‏ ضغط‏ تهديدهم‏ إلى أداة طيعة‏ في‏ يدهم.. كلفوني‏ أن اخترق‏ الجهاز‏ العسكري‏ في‏ التنظيم‏، وأن‏ اقدم‏ معلومات‏ عن‏ المطاردين‏، والقيادة‏ ومركز‏ القيادة‏، وملاجئ المطاردين.. تحت‏ ستار‏ سمعتي‏ الجيدة‏، والماضي‏ الجيد‏ الذي‏ أحمله خرجت‏ من‏ المعتقل، وحملت‏ السلاح‏ مع‏ المطاردين‏ منذ‏ أول يوم.. وخشيت‏ أن أروي‏ قصتي‏ لاخوتي.. قدمت‏ معلومات‏ عن‏ ملاجئ المطاردين.. وبعد‏ أيام سمعت‏ عن‏ استشهاد‏ قائد‏ المنطقة‏، وبعده‏ استشهدت‏ مجموعة‏ من‏ المجاهدين.. بدأ‏ الاخوة‏ يبدون‏ عدم‏ ارتياح‏ وعدم‏ ثقة‏ بي‏، وفي‏ أحد الأيام أخذ‏ الاخوة‏ مني‏ سلاحي‏ وحقق‏ معي.. بعد‏ يومين‏..  قررت‏ الاعتراف‏ فاعترفت‏ عن‏ قصتي‏ كاملة.. وأن‏ ملجأ هؤلاء‏ الاخوة‏ كان‏ الهدف‏ القادم‏ للمخابرات.
في‏ مكان‏ ما‏ في‏ أحد مخيمات‏ اللاجئين حُفرت‏ حفرة‏، ووضع‏ العميل‏ بها‏ حياً‏، وهناك‏ تم‏ إعدامه، وهذه‏ نهاية‏ كل‏ من‏ يفكر‏ أن ينقذ‏ نفسه‏ تحت‏ مبرر‏ حيلة‏ مرحلية‏ للتخلص‏ من‏ التحقيق‏، والخروج‏ من‏ براثن اليهود.
إن أسلوب التعامل‏، أسلوب قذر‏، والتفكير‏ به‏ كحيلة‏ لخداع‏ المحققين‏ هو‏ نزغ‏ من‏ الشيطان‏ للإنسان الغريزي.. الذي‏ يحمل‏ في‏ داخله‏ قابلية‏ للانهيار‏، ‏والسقوط‏، أما إنسان الفكرة الذي‏ يحمل‏ في‏ داخله‏ مقومات‏ عقائدية‏ فإنه‏ مؤهل‏ للصبر‏ والصمود.
التاسع‏ عشر- أسلوب الإفراج :
وهو‏ حيلة‏ ابتزاز‏ يمارسها‏ المحقق‏ مع‏ المجاهد‏ بعد‏ انقضاء‏ فترة‏ أسابيع أو أكثر‏ على‏ المجاهد‏ في‏ أقبية التحقيق.. من‏ خلال‏ إيهامه بأنهم سيطلقون‏ سراحه‏ بدون‏ مقابل‏ سوى‏ وعد‏ منه‏ أن يترك‏ هذه‏ الطريق‏، وأن‏ يعيش‏ حياته‏ الطبيعية‏ مع‏ الناس‏، وأن‏ لا يمس أمن الكيان‏ الصهيوني‏ بضرر‏ بعد‏ أن يخرج‏ من‏ المعتقل‏، لأجل إهاجة‏ مشاعر‏ الشوق‏ وأحاسيس الحنين‏ في‏ داخله‏ لأهله، ولذويه‏ وللدنيا‏، وللحرية‏ وللسعادة‏ والخروج‏ من‏ ظلمات‏ السجن‏، مقدمة‏ لإحياء ذاته‏، وعواطفه‏ الشخصية إحياء الأنا‏ بداخله‏، وتضخيمها‏، لتصبح‏ مركز‏ استقطاب‏، واهتمام‏ أفكار وعقل‏ المجاهد لإحياء إنسان الغريزة‏ الذي‏ يفكر‏ بنفسه‏، وبمصالحه‏، وينفصل‏ عن‏ الموضوع‏ والفكرة‏، والقضية‏ والصراع‏، والتحدي‏، لأجل غرس‏ ضعف‏ مصطنع‏ بداخله والحصول‏ على‏ معلومات‏ إضافية منه‏ خلال‏ تهييج‏ هذا‏ الضعف‏ ومن‏ خلال‏ المساومة‏، والابتزاز. فالمحقق الذي‏ يشرف‏ على‏ قضية‏ المجاهد‏، يبلغه‏، بأن‏ هناك‏ خبيراً‏ قادماً‏ من‏ تل‏ أبيب خصيصاً‏ له‏، وأنه‏ يمكن‏ أن يساعده فعليه‏ أن يكون‏ صادقاً‏ معه.. بعد‏ دقائق‏ معدودة‏ يدخل‏ محقق‏ جديد‏ وشكله‏ وسماته‏ توحي‏ بأنه‏ خبير ويبدأ‏ الخبير‏ بسؤال‏ المجاهد عن‏ صحته‏، ‏عن‏ حياته‏ الشخصية‏، ‏عن‏ اخوته‏ وعددهم‏ وأسمائهم وزوجته‏ وأبنائه، ووظيفته‏ ودخله‏ المادي‏، ووضع‏ أهله وعائلته‏ بعد‏ اعتقاله‏، ‏من‏ يصرف‏ عليهم من‏ يساعدهم‏، بعد‏ الدردشة‏ المقصودة‏، يقول‏ الخبير‏ "نحن‏ قررنا‏ إطلاق سراحك‏..! ممتاز؟" ويمد‏ يده‏ إلى جيبه‏، ويخرج‏ بعض‏ الأوراق النقدية تأكيداً‏ على‏ جديته‏، ويسأل‏ المجاهد.. هل‏ أنت نادم‏ على‏ هذه‏ الغلطة فان‏ أجاب نعم.. يضيف‏ الخبير.. وهو‏ ينظر‏ إلى الساعة‏، الآن لا يوجد وقت‏ لإطلاق سراحك.. ولكن‏ غداً‏ صباحاً‏ سيفرجون‏ عنك.. ولكن‏ هل‏ تعدني‏ أنك‏ لن‏ تعيد‏ هذا‏ الخطأ..؟ نعم" ماذا‏ ستعمل‏ عندما‏ تخرج‏؟سأكمل‏ دراستي.. سأعيل عائلتي.. إذن اهتم‏ بدراستك‏ ومستقبلك‏، اهتم‏ بعائلتك ولا تلتفت‏ لمن‏ يريد‏ توريطك‏ ويخرج‏ تاركاً‏ المجاهد‏ في‏ غيبوبة‏ من‏ الأفكار.. أحقاً‏ سأخرج.. وأنا يوجد‏ علي‏ اعتراف.. أحقاً‏ سأخرج بدون‏ مقابل.. وما‏ بين‏ الغيبوبة‏، وأحلام اليقظة‏.. والسراب‏ الذي‏ يحسبه‏ طريق‏ الإخراج يدخل‏ المحقق‏ ويقول‏: "أترى كيف‏ أن حكومة‏ إسرائيل عادلة‏، أنت مسكين‏، ‏ووقعت‏ ضحية‏، ولأنك مسكين‏ فإن‏ الله‏ يرى‏ حالتك‏، ‏وحالة‏ أولادك.. وحالة‏ أمك، وحالة‏ اهلك.. لكن‏ سنفرج‏ عنك‏ غداً.. وهناك‏ بعض‏ المسائل‏ أنت أخفيتها عنا‏، وهي‏ الآن لا تضرك بشيء‏ لان‏ قرار‏ إفراجك جاهز‏، وأرسلناه إلى إدارة السجن‏ حتى‏ يفرجوا‏ عنك‏ صباحاً" ‏، ‏ويظل‏ يراوغ‏ في‏ هذه‏ الدوائر.. فإذا خدع‏ المجاهد‏ بهذه‏ الحيلة فإنه‏ يعترف‏ بأي شيء‏، يضاف‏ إلى معلومات‏ المخابرات‏ لضرب‏ هذا‏ المجاهد‏ أولاً‏، ولضرب‏ حركته‏ وقضيته‏، فإن‏ أصر المجاهد‏ على‏ نفي‏ أي‏ علاقة‏ تنظيمية‏ له‏ وأنه‏ مواطن‏ عادي‏ لا علاقة له‏ (بالمشاكل).
فان‏ المحقق‏ يتظاهر‏ بالغضب‏، ويقول‏ بلهجة‏ متوترة‏ نحن‏ نحب‏ أن نساعدك‏، لكن‏ أنت لا تحب الخير‏ لنفسك‏، بإمكانك أن تبقى‏ طول‏ عمرك‏ في‏ السجن.. ولن‏ تخرج‏ منه‏ إلا إلى القبر لينفعك‏ أصحابك.. يا بطل!!" ويخرج‏ من‏ الغرفة‏، وهو‏ مدرك‏ أن أسلوبهم فشل‏، ‏ولم‏ يحصلوا‏ على‏ أي شيء.
العشرون- أسلوب التجويع‏ والتعطيش ‏:
وهو‏ أسلوب ضغط‏ وابتزاز‏، ومساومة‏ يقوم‏ على‏ الإرهاق العصبي‏ للمجاهد‏، ودفعه‏ للانهيار‏ ويكون‏ مصحوباً‏ بحملات‏ ضغط‏ نفسي‏، وإيحاء مستمر‏ بأن‏ التعذيب‏ أبدي‏، وأن‏ الاعتراف‏ حتمي.
حاجة‏ الجسم‏ للأكل حاجة‏ عضوية‏، وعندما‏ يحرم‏ الإنسان أو المجاهد‏، من‏ الأكل، تحت‏ أسلوب التجويع‏، فإنه‏ يحس‏ بأن‏ هناك‏ جفافاً‏ في‏ الحلق‏، وتنبعث‏ رائحة‏ كريهة‏ في‏ الفم‏، ويصاب‏ بالدوار‏ والدوخة‏ بعد‏ اليوم‏ الثاني‏، ولا يستطيع النوم‏، ‏ولا يقدر‏ أن يقف‏ على‏ قدميه‏ خمسة‏ دقائق‏ بشكل‏ مستمر‏ ومتواصل‏ بعد‏ عدة‏ أيام، وينتابه‏ شعور‏ بثقل‏ الرأس‏، وهبوط‏ في‏ قواه‏، واصفرار‏ في‏ وجهه‏، وضمور‏ في‏ بطنه‏ وارتخاء‏ في‏ عضلاته‏، وشعور‏ بالإرهاق العصبي.
يستغل‏ المحقق‏ أسلوب التجويع‏ كأسلوب غير‏ مباشر‏، ‏حيث‏ يكلف‏ الجندي‏ الحارس‏ عندما‏ يوزع‏ وجبات‏ الأكل صباحاً‏ وظهراً‏ ومساءً حرم‏ هذا‏ المجاهد‏ من‏ تناول‏ الطعام‏ لعدة‏ أيام متواصلة‏، لكي‏ يزيد‏ توتره‏، وإرهاقه العصبي‏ الأمر الذي‏ يؤثر‏ ميكانيكياً‏ على‏ نفسيته‏، لكسر‏ إرادته، وتحطيم‏ صموده‏، والقضاء‏ على‏ صبره‏، وتحمله‏، وتفتيت‏ عضده‏، وشل‏ تفكيره‏، ودفعه‏ للاعتراف‏ كمخرج‏ وحيد.
ورغم‏ ما‏ يسببه‏ الحرمان‏ من‏ الأكل من‏ تعب‏ وإرهاق للأعصاب، وآلام‏ للمجاهد‏، وخاصة‏ عندما‏ توزع‏ وجبات‏ الأكل كل‏ يوم‏، وتفوح‏ خلالها‏ رائحة‏ الأكل، إلا أن الحقيقة‏ التي‏ يجب‏ ألا يغفل‏ عنها‏ المجاهد‏، وهي‏ أن المعتقلين‏، قد‏ خاضوا‏ تجربة‏ الإضرابات عن‏ الطعام‏ لعدة‏ أسابيع، ولم‏ نسمع‏، أن الإضراب عن‏ الأكل، أو الحرمان‏ من‏ الطعام‏ يؤدي‏ للموت‏ إن الإنسان معجزة‏، وعنده‏ قدرة‏ هائلة‏ وعظيمة‏ على‏ الصبر‏، والتحمل‏، خاصة‏ إذا كان‏ مسلماً‏ بعقيدة‏ مؤمنا‏ بقضية وهدف‏ تزوده‏ في‏ ساعات‏ المحن‏ بشحنات‏ روحية‏، يسمو بها‏ فوق‏ التحقيق والحقيقة‏ الثانية‏، أن المحقق‏ عندما‏ يستخدم‏ أسلوب التجويع‏، فإنه‏ لا يستخدمه، من‏ أجل‏ قتل‏ المجاهد إنه‏ يستخدمه‏ كأسلوب ضغط‏، كأسلوب ابتزاز‏ لأجل أن يعترف‏، ويوحي له‏ أنه‏ سيبقى‏ بدون‏ طعام‏ حتى‏ يموت‏ ( فاصبر‏ كما‏ شئت‏ في‏ النهاية‏ ستعترف‏، واعترافك‏ حتمي.. وأفضل‏ أن تعترف‏ اليوم‏ من‏ أن تعترف‏ غداً.. ولن‏ يفيدك‏ صمودك..!) .
على‏ المجاهد‏ أن يتذكر‏ دوماً‏ أن أسلوب التجويع‏ أو الحرمان‏ من‏ الماء‏ والمنع‏ من‏ قضاء‏ الحاجة‏، ليس‏ منفصلاً‏ في‏ معركة‏ التحقيق‏ عن‏ الأساليب الأخرى.. انه‏ مرتبط‏ بها. فكما‏ صمد‏ المجاهد‏، وأفشل‏ أساليب المخابرات‏، كلما‏ ضغطوا‏ عليه‏ في‏ جانب‏ الحرمان‏ من‏ الطعام‏ والماء‏ وقضاء‏ الحاجة‏ لكي‏ يصل‏ المجاهد‏ إلى حالة‏ من‏ الإنهاك والضعف‏ لا تؤهله‏ لمواجهة‏ أساليب المخابرات‏ بقوته‏ وطاقته‏ العادية‏ والطبيعية‏ هذا‏ من‏ جانب‏ ومن‏ جانب‏ آخر فإن‏ المحقق‏ يلجأ‏ لهذا‏ الأسلوب حتى‏ يضعف‏ المجاهد‏، ويطلب‏ الطعام‏ والماء‏، ‏وقضاء‏ الحاجة‏، لكي‏ تبدأ‏ هنا‏ المساومة‏، إنهم‏ على‏ استعداد‏ أن يقدموا‏ له‏ الأكل والماء‏ وكل‏ ما‏ يريد‏ المهم‏ أن يقدم‏ لهم‏ وعداً‏ بأنه سيعترف‏، لأن‏ هذا‏ أول طريق‏ السقوط‏، وأول‏ خطوات‏ الاعتراف.. فهل‏ يمكن‏ أن يبيع‏ المجاهد‏ قضيته‏، ويغدر‏ باخوته‏ وحركته‏ من‏ أجل‏ ثمن‏ بخس‏، كسرة‏ خبز‏، قطرة‏ ماء..؟‏!
إن الواجب‏ الشرعي‏ على‏ المجاهد‏ أن‏ يواجه‏ كل‏ الضغوط‏ التي‏ تمارس‏ عليه‏ من‏ قبل‏ المحقق‏ أو‏ من‏ آثار‏ أساليبه‏ في‏ معركة‏ التحقيق، بتحمل‏ وصلابة‏، وقوة، وثقة‏ بالله‏، وتوكل‏ عليه لأن‏ أسلحته هذه‏ هي‏ التي‏ تفشل‏ أسلوب المحقق‏ وتجعله‏، يغير‏ جلده‏ من‏ جديد‏، ويبحث‏ له‏ عن‏ أسلوب آخر أكثر‏ جدوى رغم‏ أن أسلوب الحرمان‏ من‏ الطعام‏ والماء‏ وعدم‏ قضاء‏ الحاجة يقصد‏ منه‏ خلق‏ حالة‏ من‏ الشعور‏ بالإرهاق والتدهور‏ النفسي‏ والجسدي إلا أن المحقق‏ رغم‏ تظاهره‏ بعدم‏ الاهتمام‏ لسوء‏ الحالة‏ الصحية‏ للمجاهد‏، وتجاهله‏ بحرمان‏ المجاهد‏ من‏ الأكل، والماء‏ وعدم‏ قضاء الحاجة.. إلا أنه‏ يراقب‏ الوضع‏ الصحي‏ للمجاهد‏ من‏ بعيد‏ من‏ خلال‏ جلاد‏ آخر في‏ ملابس‏ الممرضين‏، يحاول‏ أن يعرف‏ كل‏ يوم‏ أين وصلت‏ درجة‏ حرارة‏ وضغط‏ المجاهد.
فإن‏ وصلت‏ درجة‏ الحرارة‏ والضغط‏ إلى المرحلة‏ الخطرة.. يضطر‏ المحقق‏ إلى تقديم‏ الحليب‏ والغذاء‏ للمجاهد.. إذاً المحقق‏ يريد‏ أن يوصل‏ المجاهد‏ عبر‏ صراع‏ الإرادات‏ إلى الخضوع‏ قبل‏ أن يصل‏ إلى هذا‏ المستوى‏ الصحي‏ السيء والمجاهد‏ قادر‏ أن يصل‏ إلى هذه‏ الحالة‏ الصحية‏ المتردية‏ ولا‏ يعترف فأيهما‏ يكون‏ عنده‏ أكثر‏ قدرة‏ على‏ الصبر‏، والصمود‏ والتحدي‏ هو‏ الذي‏ ينتصر‏ في‏ نهاية‏ المطاف.
إن المحقق‏ عندما‏ يقدم‏ الحليب‏ والماء‏ والطعام‏ للمجاهد‏، لا يقدمه‏ حباً‏ به‏، وحرصاً‏ عليه‏، بل‏ يقدمه‏ لكي‏ لا يسقط‏ بين‏ يديه‏ شهيداً فيكون‏ فاشلاً‏ من‏ خلال‏ جريمة‏ القتل‏، ويكون‏ فاشلاً‏ بعدم‏ حصوله‏ على‏ اعتراف‏ المجاهد‏، والحصول‏ على‏ معلومات‏ منه‏، وإذا أصر المجاهد‏ بعد‏ هذه‏ الجولة‏ على‏ عدم‏ تناول‏ الحليب‏ والطعام‏ والماء.. سيحاول‏ المحقق‏ إطعامه بالقوة‏، حتى‏ لو‏ اضطر‏ المحقق‏ أن يوقف‏ التحقيق‏ لأيام مع‏ المجاهد حتى‏ لو‏ اضطر‏ أن يقدم‏ له‏ تسهيلات.
وعلى‏ المجاهد‏ في‏ وسط‏ هذه‏ المعركة‏ أن يتذكر‏ دوماً.. وهو‏ يقاسي‏ الجوع‏ والعطش‏ والإرهاق.. ماذا‏ ستكون‏ النتيجة ؟ القتل ؟ ما‏ هي‏ نهاية‏ رحلته‏ النضالية ؟ الشهادة ؟
إن القتل‏ في‏ سبيل‏ الله‏ خير‏ من‏ الحياة‏ في‏ معصيته‏، وأن‏ أقدم‏ شهادة‏ لقضيتي‏ بصمودي‏، وصلابتي‏، وإرادتي، وتحمل‏ للألم، والعذاب‏ والقهر‏، والجوع‏ والعطش.. خير‏ من‏ أن أقدم‏ شهادة‏ ضد‏ القضية‏، بانهياري‏، وخضوعي‏ واعترافي.. وليكن‏ "شعاره‏ ذلك‏ بأنهم لا يصيبهم‏ ظمأ‏ ولا نصب‏ ولا مخمصة‏ في‏ سبيل‏ الله‏ ولا يطئون‏ موطئاً‏ يغيظ‏ الكفار‏، ‏ولا ينالون‏ من‏ عدو‏ نيلا.. إلا كتب‏ لهم‏ به‏ عمل‏ صالح‏، إن الله‏ لا يضيع‏ اجر‏ المحسنين".
الواحد‏ والعشرون- أسلوب إطلاق النار :
يعتمد‏ هذا‏ الأسلوب على‏ وضع‏ المجاهد‏ أمام معادلة‏ لها‏ طرفان‏ ‏القتل‏ والإعدام فوراً‏ أو الاعتراف‏ ويقوم‏ المحقق‏ بوضع‏ المعتقل‏ أمام خيار‏ الموت‏، وإيهامه بنهايته‏، واقتراب‏ أجله‏، فإذا راوغ‏ المعتقل‏، أو المجاهد‏، يتم‏ ميدانياً‏ صلبه‏ على‏ جدار‏ وإطلاق النار‏ عليه‏ بواسطة‏ رام‏ "ماهر".
 يقول‏ المناضل‏ عبد‏ الرحمن.. كنت‏ مطارداً‏ ومطلوباً‏ لجهاز‏ المخابرات‏ الصهيوني وفي‏ أحد الأيام تم‏ محاصرة‏ المنطقة‏ التي‏ كنت‏ متواجداً‏ فيها.. تركت‏ سلاحي‏، وارتديت‏ ملابس‏ نسائية‏ تقليدية‏ وخرجت‏ مع‏ بعض‏ النساء‏ لكي‏ أهرب‏ من‏ دائرة‏ الحصار تشكك‏ الجنود‏ من‏ سيرنا‏، فأوقفونا، واكتُشفت‏ فاعتقلت‏ ونُقلت‏ فوراً‏ إلى معسكر‏ الجيش طلب‏ مني‏ المحقق‏ فوراً‏ أن أعترف‏ عن‏ المنازل‏ التي‏ بها‏ ملاجئ للفدائيين‏، قلت‏ لا‏ أعرف خيرني‏ بين‏ الإعدام فوراً‏ وبين‏ الاعتراف‏، وأخرج‏ مسدسه‏ ووضع‏ طلقة‏ في‏ بيت‏ النار.. قلت‏ لا‏ اعرف.. سحبوني‏ بسرعة‏ بجوار‏ السور‏، ويداي‏ مرفوعتان‏ لأعلى‏، وبدأ‏ بإطلاق النار.. كان‏ الرصاص‏ يتطاير‏ بجانب‏ رأسي‏، ومن‏ حولي.. شعرت‏ بالموت‏، وأحسست أن حياتي‏ انتهت‏ فأصبت‏ بالانهيار‏ وسقطت‏ على‏ الأرض مودعاً‏ الدنيا.. بعد‏ لحظات‏ أفقت على‏ نفسي‏ ولم‏ أصدق‏ أني مازلت‏ على‏ قيد‏ الحياة كانت‏ حياتي‏ أعز‏ عليهم‏ مني.. ولكني‏ شاهدت‏ الموت‏ وعدت‏ للحياة‏ من‏ جديد.. ولم‏ اعترف‏ على‏ الأحياء.. ويقول‏ أسعد‏ عبد‏ الرحمن‏ في‏ كتابه‏ أوراق سجين‏: ‏وفجأة‏ سمعت‏ من‏ ينادي‏ الرقم‏219، حين‏ جاء‏ صوت‏ الرقم‏: ‏نعم.. سمعت‏ صلية‏ نارية‏، وصراخاً‏ هز‏ كياني.. قتلوه‏ إذن، وبهذه‏ البساطة‏!!.. إنه‏ شكل‏ آخر من‏ أشكال إطلاق النار‏، ‏بحيث‏ تقوم‏ المخابرات‏ الصهيونية‏ بوضع‏ عميل‏ مدرب‏ في‏ زنزانة‏، أو مكان‏ إطلاق النار‏، بحيث‏ عندما‏ يتم‏ إطلاق النار‏ يبدأ‏ بالصراخ‏ ويمثل‏ دور‏ المقتول‏ بصراخه‏ العالي‏، وحشرجة‏ صوته‏، وهذا‏ للإيحاء للمجاهد‏ في‏ ظروف‏ التحقيق‏ أن القتل‏ حقيقة‏، وان‏ الإعدام يمكن‏ أن يستخدم‏، والاعتراف‏ هو‏ المخرج‏ قبل‏ فوات‏ الأوان.. وبعد‏ انتهاء‏ مسرحية‏ الموت‏ المزعوم‏، يأتي‏ فريق‏ القتلة‏ لضابط‏ المخابرات‏ المحقق‏، ويبلغونه‏ بأنه مات.. ويسألونه‏ إن كان‏ عنده‏ واحد‏ آخر.. وأنهم‏ جاهزون‏ لقتل‏ الجميع.. في‏ هذا‏ الجو‏ المثير‏ يعمل‏ المحقق‏ لابتزاز‏ المجاهد.. أو يستريح‏ منه‏ ويسلمه‏ لفريق‏ التصفية‏ وأحياناً‏ يتم‏ ممارسة‏ هذا‏ الأسلوب بطريقة‏ أخرى، حينما‏ يصر‏ المجاهد‏ على‏ الإنكار ورفض‏ الاعتراف‏ يبلغ‏ بأنه‏ سيتم‏ إعدامه ويرسل‏ كتاب‏ الإعدام إلى الجهات‏ المختصة‏، ويُلبس‏ ملابس‏ الإعدام، ويوضع‏ في‏ زنزانة‏ الإعدام لانتظار‏ مصيره.. حيث‏ يوقظ‏ في‏ ساعات‏ الليل‏ المتأخرة‏، ويؤخذ‏ بسيارات‏ عسكرية‏ إلى جهة‏ مجهولة‏، فيجد‏ قبراً‏ محفوراً‏ جاهزاً‏، يزيحو عن‏ عينيه‏ العصابة‏، لكي‏ يشاهد‏ القبر‏ المحفور‏، والقبور‏ التي‏ لم‏ يمض‏ عليها‏ سوى‏ أيام، ويقولون‏ له‏ هذا‏ قبرك.. وهذا‏ مصيرك.. وهذه‏ قبور‏ الذين‏ سبقوك‏ فاختر‏ مصيرك‏ بنفسك‏ تعترف‏ أم تموت‏، فإن‏ أنكر، ينتهي‏ الجو‏ الجنائزي‏، ويوضع‏ في‏ القبر‏، وتجهز‏ الرشاشات ويبدأ‏ إطلاق النار‏ للإرهاب مع‏ صوت‏ صارخ‏ ‏: "اعترف اعترف" فإن‏ أصر يُخرج‏ من‏ القبر‏ مع‏ الضرب‏ والركل‏، ويعاد‏ لأقبية التحقيق‏ بعد‏ أن يكون‏ أسلوب القتل‏، وإطلاق النار‏ قد‏ فشل.. على‏ المجاهد‏ أن يتيقن‏ أن لحظة‏ الموت‏ لا تحتاج إلى صبر‏، ولا تحتاج‏ إلى شجاعة.. إنما الذي‏ يحتاج‏ إلى صبر‏، وإلى‏ الشجاعة‏، هي‏ لحظات‏ ما‏ قبل‏ الموت‏، وأسلوب إطلاق النار‏ هو‏ لحظات‏ ما‏ قبل‏ الموت.. فليكن‏ شعار‏ المجاهد‏، (وما‏ كان‏ لنفس‏ أن تموت‏ إلا بإذن الله) ‏كتاباً‏ مؤجلا.. لا تقدمه‏ المخابرات‏ ولا تستأخره.
الثاني‏ والعشرون- أسلوب جهاز‏ كشف‏ الكذب‏ :
تعمد‏ المخابرات‏ الصهيونية‏ إلى الإيحاء للمجاهدين‏ بأنها تملك‏ القدرة‏ على‏ معرفة‏ تفكير‏ الإنسان، ومعرفة‏ الصدق‏ من‏ الكذب‏ في‏ الحديث.. وان‏ الكذب‏ لا يمرر‏ عليهم‏، وأنهم‏ يملكون‏ جهازاً‏ يكشف‏ الكذب‏، وأن‏ هذا‏ جهاز‏ حديث‏، ومتطور‏ جداً‏، بحيث‏ أنه‏ يميز‏ نقاط‏ الكذب‏ في‏ حديث‏ أي شخص‏، وهم‏ يهددون‏ كل‏ من‏ يتعرض‏ للتحقيق‏ بأنهم سيعرضونه‏ على‏ جهاز‏ إذا أصر على‏ الإنكار، وإنه‏ في‏ حالة‏ إذا ما‏ أثبت‏ الجهاز‏ أنه‏ يكذب‏، فسيضطر‏ للاعتراف‏ وسيتعرض‏ للعقاب.
وجهاز‏ كشف‏ الكذب‏ هو‏ جهاز‏ "البوليغراف" وهو‏ يُستخدم‏ كأي‏ جهاز‏ طبي‏ في‏ قياس‏ الخصائص‏ الفيزيائية‏ مثل‏ ضغط‏ الدم‏، الحرارة‏، دقات‏ القلب‏، نبرات‏ الصوت‏، ارتفاعها‏ وانخفاضها‏، سرعتها‏، وبطئها.. وقياس‏ التنفس... وآلية‏ عمله‏ تقوم‏ على‏ تسجيل‏ التغيرات‏ التي‏ تحدث‏ للمجاهد‏ على‏ مستوى‏ النبض‏، والحرارة‏ ونبرات‏ الصوت‏ والتنفس‏ خلال‏ أسئلة الفاحص‏ أو الخبير‏ للمجاهد.. حيث‏ أن التغييرات‏ التي‏ تزيد‏ عن‏ المعدل‏ الطبيعي‏، تعطي‏ مؤشراً‏ بأن‏ ردود‏ فعل‏ المجاهد‏ الداخلية‏ قد‏ تغيرت‏ تحت‏ تأثير‏ الأسئلة الخارجية‏ التي‏ تتعلق‏ بمسائل‏ العمل‏ العسكري‏، أو التنظيمي‏ أو غيره.
بعد‏ تهيئة‏ المجاهد‏ نفسياً‏ للجهاز‏، يوجه‏ الخبير‏ توجيهاته‏ للمجاهد.. لكي‏ يجلس‏ هادئاً‏، مستقراً‏، وعليه‏ أن يجيب‏ بنعم‏ أو لا‏ على‏ أسئلة الخبير‏، ومن‏ ثم‏ يقوم‏ بتوصيل‏ خيوط‏ وأسلاك الجهاز‏ في‏ أيدي وجسم‏ المجاهد.. ويبدأ‏ بطرح‏ أسئلة بسيطة‏ وأسئلة اجتماعية‏ مثل‏ كم‏ كرسي‏ بالغرفة.. الخ‏ ومن‏ ثم‏ أسئلة عن‏ النشاطات‏ الفكرية‏ والسياسية‏ أو الحركية‏، والعسكرية‏، مثل‏ هل‏ أنت متزوج؟ هل‏ شاركت‏ بعمل‏ عسكري‏؟‏هل‏ يسرك‏ خبر‏ مقتل‏ إسرائيلي؟ ‏هل‏ أنت عضو‏ في‏ الحركة‏؟‏ هل‏ أنت سعيد‏ بعملك‏ في‏ الحركة؟.
إن طبيعة‏ هذه‏ الأسئلة البسيطة‏، ‏والمتداخلة‏، وطبيعة‏ الردود‏ التي‏ تأتي‏ لتحدد‏ لنا‏ أن إفشال عمل‏ هذا‏ الجهاز‏ البسيط‏ سهل‏ جداً.. رغم‏ أن النتيجة‏ عند‏ الخبير‏ دائماً‏ هي‏ واحدة‏ سواء‏ صدق‏ المجاهد‏ أم كذب.. وهي‏ أنه‏ كاذب..
إن إفشال عمل‏ هذا‏ الجهاز‏ يرتبط‏ بترديد‏، لا‏ اله‏ إلا الله‏ في‏ السر.. ونعم‏ أو لا‏ في‏ العلن.. فلا‏ إله‏ إلا الله‏ تعطي‏ تردداً‏ ثابتاً‏ ومنتظماً‏، ومستقراً‏، ومن‏ هنا‏ فهي‏ تمتص‏ جميع‏ ردود‏ الفعل‏ اللاشعورية‏، وتضبطها‏ في‏ إيقاع منتظم‏، يظهر‏ على‏ شاشة‏ الجهاز‏ بحركة‏ منتظمة‏ لا يوجد‏ فيها‏ انعطافات‏ حادة..
فعندما‏ يسأل‏ المجاهد‏ هل‏ أنت منظم‏ لا يخرج‏ الجواب‏ بصورة‏ انفعالية‏ حادة‏ لا‏، كرد‏ فعل‏ شعوري‏ لنفي‏ المسألة‏، وتأكيداً‏ للتملص.. بل‏ يجيب‏ المجاهد‏ بصورة‏ طبيعية‏ وهادئة‏ وإيقاع واحد.. وترنيمة‏ منسجمة‏، وجرس‏ متوازن.. لا‏ اله‏ إلا الله‏ (في‏ نفسه).. لا‏ بصوت‏ طبيعي‏ عادي.. هل‏ تعيش‏ مع‏ أسرتك نعم.
وعندما‏ يُفشل‏ المجاهد‏ عمل‏ الجهاز‏ من‏ ناحية‏ النتائج‏، فإنه‏ يشعر‏ بالانتصار.. ومجموع‏ الانتصارات‏ الجزئية‏ على‏ مستوى‏ الأساليب تشكل‏ بالمحصلة‏ النهائية‏ الانتصار‏ الكبير‏ في‏ نهاية‏ التحقيق‏، والإفراج، لمواصلة‏ رحلة‏ الجهاد.
 إن أي أسلوب من‏ أساليب المخابرات‏ الصهيونية‏ مرتبط‏ نجاحه‏ بالتأثير‏ النفسي‏ والإيحاء لأنهما يعطيان‏ عمقاً‏ وبعداً‏ للأسلوب.. أما الجهاز‏ نفسه‏ فهو‏ غير‏ مؤثر‏، وان‏ الاستقرار‏ النفسي‏ وقوة‏ شخصية‏ المجاهد‏ هما‏ عدته‏ لإفشال أي أسلوب سواء‏ كان‏ بسيطاً‏ أو معقداً.. إن أسلوب جهاز‏ كشف‏ الكذب‏، تمارسه‏ المخابرات‏ الصهيونية‏ على‏ اغلب‏ المعتقلين‏ السياسيين في‏ الأرض المحتلة‏، وهو‏ أشبه بالروتين‏ العادي‏ الذي‏ لا يؤثر بالسلب‏ أو الإيجاب على‏ مسيرة‏ صمود‏ المجاهد‏ وتحديه‏ لهم..
الثالث والعشرون - أسلوب تنوع‏ الأساليب وتعدد‏ المحققين‏ :
وهو‏ استخدام‏ عدة‏ أساليب متنوعة‏ مع‏ تعدد‏ المحققين‏ ضد‏ حالة‏ ما‏، في‏ فترة‏ زمنية‏ واحدة‏ لإحداث مزيد‏ من‏ الآلام، والإرهاق التي‏ تفوق‏ طاقة‏ المجاهد لدفعه‏ مرغماً‏ على‏ الاعتراف.
ويستخدم‏ تنوع‏ الأساليب وتعدد‏ المحققين‏ في‏ القضايا‏ الخطيرة‏، وقضايا‏ الأسلحة، ومع‏ المجاهدين‏ الذين‏ يشكلون‏ مفتاح‏ الجهاز‏ العسكري‏، ومركز‏ تخزين‏ الأسلحة، وتنفيذ‏ العمليات‏ ضد‏ العدو‏ الصهيوني‏ ففي‏ الحالات‏ البسيطة‏، يكفي‏ المخابرات‏ أن تستخدم‏ أسلوباً واحداً.. وفي‏ القضايا‏ المتوسطة‏ الخطورة‏ تستخدم‏ أسلوباً‏ أو أسلوبين‏، أما القضايا‏ الخطيرة‏، والأشخاص المهمون‏ الذين‏ يشكلون‏ أعمدة العمل‏ الأساسية، فيستخدم‏ معهم‏ عدة‏ أساليب في‏ فترة‏ واحدة‏ ومتواصلة‏ بحيث‏ يشارك‏ فيه‏ على‏ مدار‏ 24ساعة‏ من‏ ثلاثة إلى أربعة محققين.. ويتناوب‏ هؤلاء‏ مع‏ آخرين لعدم‏ فتح‏ فرصة‏ للمجاهد‏ ليلتقط‏ أنفاسه، أو ليأخذ‏ قسطاً‏ من‏ الراحة.
كأن‏ يستخدمون مع‏ المجاهد‏ أسلوب الكيس‏ والشبح‏، والوقوف‏، والسهر‏، والتجويع‏، والتضخيم‏، وإحضار الأهل ووجود‏ الشاهد‏، والتعذيب‏ الجسدي‏.. والتهديد‏ بالإبعاد لتشكل‏ مجموعة‏ هذه‏ الأساليب أداة ضغط‏ وابتزاز‏ وأداة إنهاك لقدرة‏ تحمل‏ المجاهد‏ الداخلية‏، بحيث‏ يعجز‏ عن‏ مواجهة‏ الأخطار الخارجية‏ القادمة‏ من‏ العدو‏ فيستسلم‏، ويصبح‏ إيقاع المعاناة‏ أكبر‏ من‏ حجم‏ مقومات‏ الثبات‏ الداخلية‏، فينهار‏ المجاهد.. وهذا‏ ضمن‏ الحسابات‏ المادية‏ والوضعية..
إن الكيس‏ مؤذ‏، والشبح‏ مؤلم‏، والوقوف‏ متعب‏، والسهر‏ مضن، والجوع‏ كافر‏، والتضخيم‏ مزعج‏، وإحضار الأهل محطم‏ للأعصاب، ووجود‏ الشاهد‏ مرهق‏، والتعذيب‏ الجسدي‏ فتاك‏، إذاً‏ فالإيذاء والألم، والتعب‏، والضنى‏، والإزعاج، والإرهاق.. كل‏ هذه‏ الآلام تحاول‏ أن تغرسها‏ في‏ قلب‏ المجاهد‏ لكي‏ تثمر‏ في‏ جولات‏ التحقيق‏ عن‏ اعتراف‏ هذا‏ المجاهد.. وانهياره.. إنهم‏ يضغطون‏ بكل‏ قواهم يضغطون‏ بشكل‏ متواصل‏ يضغطون‏ على‏ الجسد‏ لكي‏ يُنهك‏، ولا‏ يبقى‏ عنده‏ قدرة‏ على‏ التحمل‏، يضغطون‏ على‏ الأعصاب لكي‏ تنهار‏ ولا‏ يبقى‏ عندها‏ قدرة‏ على‏ الفاعلية‏، يضغطون‏ على‏ النفسية‏ لكي‏ تستسلم‏ للأمر‏ الواقع يضغطون‏ على‏ العقل‏ لكي‏ يُشل‏، ويتوقف‏ عن‏ التفكير يضغطون‏ على‏ الغرائز‏ لكي‏ تثور‏، وتبحث‏ عن‏ البقاء‏، والخلاص‏ والاعتراف.
والمجاهد‏ الذي‏ قدره‏ أن يدخل‏ هذه‏ المعركة‏ عليه‏ أن يكون‏ مؤهلاً‏ لها‏ على‏ المستوى‏ النفسي‏، والعصبي‏ والعقلي عليه‏ أن يكون‏ مؤهلاً‏ لها‏ على‏ المستوى‏ العقائدي‏، والوعي.. ومتانة‏ التنظيم.. عليه‏ أن يكون‏ مؤهلاً‏ لها‏ على‏ مستوى‏ مقومات‏ القوة‏ والثبات‏، وقدرات‏ التحدي‏ والمواجهة..
الرابع والعشرون - أسلوب التهديد‏ بالإبعاد :
يستخدم‏ أسلوب التهديد‏ بالإبعاد عند‏ المخابرات‏ الصهيونية‏ مع‏ نفر‏ قليل‏ من‏ المناضلين‏ والمجاهدين‏ الذين‏ يشكلون‏، بوعيهم‏، وإيمانهم، وإخلاصهم، وجهادهم‏ خطراً‏ شديداً‏ على‏ الاحتلال ولا يرجى‏ منهم‏ أمل بالاعتراف‏، أو المساومة‏، أو الصمت‏، فتلجأ‏ أجهزة الأمن لاتخاذ‏ قرار‏ الإبعاد القسري‏ بحقهم‏، وقبل‏ أن تأخذ‏ الإجراءات الرسمية‏ دورها‏، تقوم‏ المخابرات‏ الصهيونية‏ باستخدام‏ هذا‏ الأسلوب، كأداة ابتزاز‏، قبل‏ أن يصبح‏ قرار‏ الإبعاد قراراً‏ علنياً‏ عساها‏ تجد‏ ضالتها‏ بطرف‏ خيط.. ولكن‏ من‏ المؤكد‏ أن المخابرات‏ الصهيونية‏ لم‏ تفلح‏ مع‏ هؤلاء‏ حتى‏ الآن.. ولكن‏ رغم‏ فشلها‏ معهم‏، نتيجة‏ لصمودهم‏، إلا أنها ما‏ زالت‏ تستخدم‏ هذا‏ الأسلوب مع‏ المناضلين‏ المهمين‏، خاصة‏ ممن‏ لهم‏ أبناء.. فهم‏ يستغلون‏ عاطفة‏ الأبوة نحو‏ الأبناء، ويهددون‏ (إن لم‏ تعترف‏، فنحن‏ لن‏ نجبرك.. ولكننا‏ سنعالجك‏ علاجاً‏ نهائياً.. سنحرمك‏ من‏ أبنائك.. لكي‏ يموتوا‏ جوعاً‏ ويتسولوا‏ في‏ الطرقات‏، فنكون‏ قد‏ ارتحنا‏ منك‏ وانتقمنا‏ من‏ أبنائك.. إننا سنرحلك‏ إلى جنوب‏ لبنان ولن‏ ترى‏ أمك، ولا‏ أبوك ولا‏ اخوتك.. سنضع‏ أسماء أهلك‏ جميعهم‏ على‏ الجسر‏ ونمنعهم‏ من‏ السفر‏، حتى‏ لا تراهم طوال‏ عمرك‏، وتقتلك‏ الغربة.
 إن فشل‏ المحقق‏ مع‏ المجاهد‏ في‏ كل‏ أساليبه، سيجعل‏ هذا‏ الأسلوب الهش‏، أسلوباً‏ فاشلاً.
على‏ المجاهد‏ الذي‏ عنده‏ أطفال صغار أن يدرك‏ أن هذا‏ الأسلوب، لا تستخدمه‏ المخابرات‏ إلا معه‏، ومن‏ يكون‏ على‏ مثاله.. وأن‏ هذا‏ الأسلوب، هو‏ أسلوب تهديد‏، أكثر‏ منه‏ أسلوب تنفيذ‏، هو‏ أسلوب ضغط‏ وابتزاز‏، وأنه‏ كمجاهد‏ يوكل‏ أمره إلى الله.. ولا‏ يخشى‏ من‏ الطغيان فهو‏ يعلم‏ أن الأمة لو‏ اجتمعت‏ ‏(على‏ أن يضروك‏ بشيء لن‏ يضروك‏ إلا بشيء قد‏ كتبه‏ الله‏ لك).. 
انه‏ إنسان متحرر‏ طالما‏ رسخت‏ في‏ قلبه‏، أن الله‏ هو‏ الرزاق‏ ذو‏ القوة‏ المتين.. رزقكم‏ في‏ السماء.. وما‏ توعدون‏، وقدوته‏ خيرة‏ الصحابة‏ عندما‏ سألته‏ ابنته‏ ماذا‏ تركت‏ لأولادك قال‏: ‏تركت‏ لهم‏ الله‏ ورسوله.
الخامس والعشرون - أسلوب استغلال‏ الجروح‏ والأمراض والإصابات :
تسعى‏ المخابرات‏ الصهيونية‏ في‏ أقسام التحقيق‏ في‏ الحصول‏ على‏ اعترافات‏ من‏ المجاهدين‏، عن‏ طريق‏ استخدام‏ أقذر‏ الأساليب لتحقيق‏ هذه‏ الغاية.. وقد‏ يكون‏ المجاهد‏ في‏ فترات‏ حياته‏ قد‏ أجرى عملية‏ زائدة‏ أو عملية‏ كلى‏ وربما‏ يكون‏ حمل‏ مرضاً‏ من‏ القرحة‏ أو السكري‏ أو ارتفاع‏ ضغط‏ الدم‏، وقد‏ يكون‏ أصيب بحادث‏ طرق‏ أو عمل‏، فأصبح‏ عنده‏ بعض‏ الكسور‏ في‏ عظمه‏، وربما‏ أصيب في‏ معركة‏ عسكرية‏ بطلقات‏ رصاص‏ أو شظايا‏ قنابل.. وربما‏ جروحه‏ لم‏ تندمل‏ بعد.
 الموقف‏ الإنساني يقتضي‏ أن يسعف‏ الجريح‏، وان‏ يعالج‏ المريض ولكن‏ في‏ أقسام التحقيق‏، يقتنص‏ المحققون‏ هذه‏ الجوانب‏، ويعملون‏ على‏ استثمارها‏ في‏ التعذيب‏ لانتزاع‏ الاعتراف‏، لذلك‏ أول ما‏ يبحث‏ عنه‏ ضابط‏ المخابرات‏ وهو‏ يمارس‏ دوره‏ هو‏ نقاط‏ الضعف‏ في‏ البنية‏ النفسية‏، ‏ويبحث‏ عن‏ جوانب‏ الضعف‏ في‏ البنية‏ الجسدية.. فإذا وجد‏ جوانب‏ ضعف‏ في‏ البنية‏ النفسية‏، فهو‏ يضغط‏ عليها‏ بشدة‏، لكي‏ ينهار‏ المجاهد‏، وإذا وجد‏ نقاط‏ ضعف‏ في‏ البنية‏ الجسدية‏، فهو‏ يضغط‏ عليها‏ بقسوة‏، ويمارس‏ الابتزاز‏ بأقصى صوره فإذا كان‏ الأخ المجاهد‏ قد‏ أجرى عملية‏ جراحية‏ في‏ حياته.. يركز‏ المخابرات‏ الضرب‏ الشديد‏ على‏ مكان‏ العملية‏، لكي‏ يحدث‏ ألماً‏ شديداً‏ للمجاهد.. أما إذا كان‏ مصاباً‏ وجروحه‏ لم‏ تندمل‏، فهو‏ يبدأ‏ بمسطرة‏ أو قلم‏، يفتح‏ الجرح‏ من‏ جديد‏ ويضع‏ المسطرة‏ أو القلم‏ في‏ داخل‏ الجرح‏ الغائر‏ لكي‏ يحدث‏ ألماً‏ لا يطاق‏ ويساوم‏ المجاهد.. بين‏ الألم، والاعتراف‏، وأحياناً‏ يقوم‏ برش‏ الملح‏ على‏ الجرح‏، لكي‏ يشتعل‏ الجرح‏ ناراً‏، فيضطر‏ تحت‏ وطأة‏ الألم الشديد‏ أن يدلي‏ باعترافه إن الجروح‏ تشكل‏ نقاط‏ ضعف‏ في‏ جسد‏ المجاهد.. ولكنها‏ لا تشكل‏ نقاط‏ انهيار‏ لروحه‏ وإرادته والآلام التي‏ تحدث‏ مع‏ نبش‏ الجرح‏ والضغط‏ عليه‏، لن‏ تكون‏ أكبر‏ من‏ الخيانة ولقد‏ أسر‏ الشهيد‏ عبد‏ القادر‏ أبو الفحم‏ في‏ معركة‏ عسكرية‏، وكان‏ الرصاص‏ قد‏ اخترق‏ جميع‏ أنحاء جسمه‏، ‏وكان‏ القائد‏ الميداني‏ العسكري‏ لكل‏ الجهاز‏ العسكري‏ من‏ بيت‏ حانون‏ حتى‏ شمال‏ سيناء‏ نُقل‏ بطائرة‏ هليوكوبتر.. وأحضر‏ طاقم‏ متخصص‏ ومن‏ خيرة‏ المحققين‏ لكي‏ ينزعوا‏ منه‏ الاعتراف كانوا‏ أقوياء، ‏وكان‏ ضعيفاً.. كانوا‏ جمعاً‏ وكان‏ وحيداً.. عذبوه‏ بجروحه‏، وإصابته، ‏ضغطوا‏ عليها‏ نبشوها.. رشوها‏ بالملح.. ولكنه‏ كان‏ أقوى منهم‏ ولم‏ يعترف.. والطبيب‏ في‏ التحقيق‏، محقق‏ في‏ الزي‏ الأبيض.. إنه‏ يسأل‏ عن‏ موضع‏ الألم.. وعندما‏ يعرفه‏، يُستغل‏ في‏ التعذيب‏، وأدويته واحدة‏، تُصرف‏ لكل‏ الأسرى، ولكافة‏ الأمراض.. وعندما‏ قال‏ طبيب‏ أسير لاخوته‏ اطلبوا‏ لأمراضكم أسماء هذه‏ الأدوية تم‏ إنزاله للزنازين‏ وهُدد‏ بالصمت‏ أو البقاء‏ في‏ الزنازين.. وقد‏ يقوم‏ الطبيب‏ بحقن‏ المجاهد‏ بالأنسولين وهو‏ مادة‏ هرمونية‏ تخفض‏ من‏ نسبة‏ السكر‏ في‏ الدم‏ وتستعمل‏ في‏ علاج‏ بعض‏ المصابين‏ بالأمراض العصبية‏، ويوهمه‏ بأن‏ هذه‏ الحقنة‏ ستؤدي‏ به‏ إلى الجنون.. وأن‏ عليه‏ أن يحقن‏ أخرى تبطل‏ مفعول‏ هذه‏ الحقنة‏ الأولى، فإذا اعترف‏ سيعطى‏ الحقنة‏ التي‏ تحميه‏ من‏ الجنون ولكن‏ هذه‏ كلها‏ ألاعيب المحققين‏، وهي‏ لا تنطلي على‏ المناضل‏ الواعي.
السادس والعشرون - أسلوب الزنزانة‏ والكلاب‏ :
عندما‏ يجد‏ المحققون‏ أن مجاهداً‏ مارسوا‏ معه‏ أساليب كثيرة‏ ولم‏ يعترف‏، ‏ولم‏ يضعف‏ على‏ مستوى‏ الروح‏ والإرادة فإنهم‏ يضعونه‏ في‏ زنزانة‏ حجمها‏ صغير‏، ‏لا يستطيع‏ المجاهد‏ أن يقف‏ فيها‏ ولا يتحرك‏ بها‏ إلا بصعوبة‏ لضيق‏ حجمها‏، وللزنزانة‏ أرضية صُممت‏ خصيصاً‏ كممر‏ مُعد‏ للرصف‏، فهو‏ مجموعة‏ حجارة‏ أقرب‏ للمسامير‏ بحيث‏ لا يتمكن‏ المجاهد‏ من‏ النوم‏ على‏ هذه‏ الأرضية وهي‏ زنزانة‏ جرداء‏ لا يوجد بها‏ أي فراش‏، حتى‏ ضوء‏ الشمس‏ لا يدخلها لذلك‏ فنسبة‏ رطوبتها‏ عالية‏، كما‏ أنها على‏ درجة‏ عالية‏ من‏ القذارة‏، يتناوب‏ عليها‏ صباحاً‏ ومساء‏ جندي‏ مكلف‏ أن يسكب‏ بها‏ دلواً‏ من‏ الماء‏ لتصبح‏ بُحيرة‏، يظهر‏ في‏ وسطها‏ العديد‏ من‏ الجُرز‏، فلا‏ يستطيع‏ المجاهد‏ النوم‏، ولا يستطيع‏ الوقوف‏، ولا يشعر‏ بطعم‏ الراحة‏، وعليه‏ أن يقضي‏ بها‏ أياماً‏ وليالي‏، لكي‏ تنهار‏ أعصابه، ويتعب‏ جسده‏، ويضطر‏ للاعتراف‏ كما‏ يتم‏ إحضار كلاب‏ ضخمة‏ مدربة‏ يطلقونها‏ على‏ المجاهد‏ في‏ داخل‏ الزنزانة‏، فتهجم‏ عليه‏ بشراسة‏ تريد‏ الفتك‏ به‏، وتمزيق‏ ثيابه‏، وأحياناً‏ يطلقون‏ عليه‏ أفاعي كبيرة‏، ولكنها‏ لا تلدغ‏، ومن‏ حين‏ لآخر يواصلون‏ الطرق‏ الشديد‏ على‏ باب‏ الزنزانة‏ حتى يخرج‏ منها‏ وهو‏ منهك‏ جاهزاً‏ للاعتراف‏، كما‏ يظنون.
 على‏ المجاهد‏ أن يدرك‏ أن الزنزانة‏ بحجمها‏ وشكلها‏ وأرضيتها وإحضار الكلاب‏ البوليسية‏ والأفاعي والطرق‏ على‏ الباب‏ كل‏ ذلك‏، أساليب يستخدمها‏ المحقق‏ للنيل‏ من‏ إرادته، ولإرهاقه، وإجباره على‏ الاعتراف‏، على‏ المجاهد‏ في‏ هذه‏ الساعات‏ والأيام التي‏ يقضيها‏ في‏ هذه‏ الغرفة‏ الصغيرة‏ أن يفكر‏ في‏ الله‏ ورسوله‏، ‏والصحابة.. عليه‏ أن يقتل‏ الوقت‏ بالتسبيح‏ وذكر‏ الله‏، وتلاوة‏ القرآن.. عليه‏ أن لا يفكر بذاته‏، وأهله.. وحياته‏ الشخصية.. أن يعتمد‏ على‏ الله.. فاصبر‏ لأمر ربك‏، ولا يستخفنك‏ الذين‏ لا يوقنون‏.
السابع والعشرون - أسلوب التنقل‏ بين‏ السجون :‏
يستخدم‏ جهاز‏ المخابرات‏ الصهيوني‏ أسلوب التنقل‏ بين‏ السجون‏ مع‏ الأسرى المجاهدين‏ الذين‏ يستعصون‏ على‏ ضباط‏ المخابرات‏، وتوجد‏ أدلة وقرائن‏ تثبت‏ أن لهم‏ مسؤولية‏ أو دوراً‏ أو مشاركة‏ في‏ العمل‏ بالجهاز‏ العسكري‏ فالمحققون‏، وهم‏ في‏ العادة‏ طقم‏ كامل‏، ‏عندما‏ يعجزون‏ عن‏ انتزاع‏ الاعتراف‏ بالقوة‏ من‏ هؤلاء‏ الاخوة‏، يلجأون‏ إلى التهديد‏ والتلويح‏ بالسجن‏ الحربي‏، وسجن‏ صرفند.. وذلك‏ لتغيير‏ المكان‏ والأجواء، والمناخ‏ والمحققين‏، ووضع‏ المجاهد‏ في‏ جو‏ من‏ الرهبة‏، والهلع‏ من‏ السجن‏ الحربي‏، ولكن‏ ما‏ الفرق‏ بين‏ السجن‏ الحربي‏، والسجون‏ العادية‏؟‏ هل‏ بالإجراءات المظهرية‏ التي‏ يحاول‏ جهاز‏ المخابرات‏ الصهيوني‏ اصطناعها‏ لغرس‏ الرعب‏ في‏ قلوب‏ المجاهدين إن سجون‏ العدو‏ الصهيوني‏ جميعها‏ بدون‏ استثناء‏ سجون‏ حربية‏ عسكرية وأساليب التعذيب‏ التي‏ تمارس‏ فيها‏ نسخة‏ مكررة‏ لمدرسة‏ عنصرية‏، إرهابية، نازية‏ واحدة‏ هي‏ مدرسة‏ المخابرات‏ الصهيونية إن السجن‏ الحربي‏ لا يختلف عن‏ باقي‏ سجون‏ العدو‏ حتى‏ يخشاه‏ مجاهد‏ يتلو ‏(أتخشونهم فالله‏ أحق أن تخشوه‏ إن كنتم‏ مؤمنين‏) لأنتم أيها المجاهدون‏ بصبركم‏، وصلابتكم‏، وتحديكم‏ أشد‏ رهبة‏ في‏ صدورهم.. فعلى‏ المجاهد.. أن يعرف‏ وهو‏ يواجه‏ هذا‏ الأسلوب أن المحققين‏ فشلوا‏ وعجزوا‏، وأنه‏ قطع‏ ثلاثة‏ أرباع طريق‏ الخلاص‏ والثبات‏، ولم‏ يبق أمامه إلا الربع‏ الأخير.. والفرق‏ بين‏ النصر‏ والهزيمة‏ صبر‏ ساعة‏، ‏فلينقلوا‏ المجاهد‏ إلى الحربي‏، والى‏ صرفند.. والى‏ أي‏ مركز‏ تعذيب‏، فالأمكنة، والوجوه‏ الجديدة‏ لن‏ تغير‏ من‏ حقيقة.. إنما ذلك‏ الشيطان‏ يخوف‏ أولياؤه، فلا‏ تخافوهم‏ وخافون‏ أن كنتم‏ مؤمنين.
الثامن والعشرون - أسلوب الشرك :
يقوم‏ أسلوب الشرك‏ على‏ خلق‏ جو‏ متعمد‏ من‏ الانفراد‏ لعدة‏ دقائق‏ أو أكثر‏ لاثنين‏ من‏ المجاهدين‏ في‏ مكان‏ ما‏ حيث‏ يخبأ‏ بالقرب‏ منهم‏ جهاز‏ تسجيل.. للحصول‏ على‏ المعلومات‏ بصورة‏ غير‏ مباشرة.. عندما‏ تتأكد‏ المخابرات‏ الصهيونية‏ أن اثنين‏ من‏ أعضاء الحركة‏، تجمعهما‏ روابط‏ تنظيمية‏، وأن‏ هناك‏ بعض‏ الشك‏ أنهما‏ نفذا‏ عمليات‏، أو على‏ علاقة‏ ما‏ بالأسلحة وأن‏ فرصة‏ السيطرة‏ عليهم‏ والحصول‏ على‏ معلومات‏ بصورة‏ مباشرة‏ من‏ خلال‏ التعذيب‏ الجسدي‏ غير‏ واردة.. ماذا‏ يمكن‏ أن يعمل‏ جهاز‏ المخابرات.. هل‏ يستسلم‏، ويغلق‏ ملف‏ القضية‏، نتيجة‏ عناد‏ وإصرار الاخوة‏، أم أنهم‏ يبحثون‏ عن‏ أسلوب ما‏ لتحقيق‏ أهدافهم؟‏ هنا‏ يتقدم‏ جهاز‏ المخابرات‏ لاستخدام‏ أسلوب الشرك.. في‏ أقبية التحقيق‏ يعمد‏ جهاز‏ المخابرات‏ الصهيوني‏ إلى عزل‏ أعضاء القضية‏ الواحدة.. عزلاً‏ كاملاً.. بحيث‏ لا تتوفر‏ لهم‏ فرصة‏ اللقاء‏، أو الاقتراب‏ من‏ بعض‏، والمجاهد‏ في‏ ظروف‏ التحقيق‏، يبدأ‏ باكتشاف‏ نقاط‏ ضعفه‏، ونقاط‏ ضعف‏ اخوته‏، ويخشى‏ أن تكتشف‏ المخابرات‏ هذه‏ النقاط‏، ‏لذلك‏ يكون‏ حريصاً‏ أن يستدل‏ على‏ اخوته‏، لتحذيرهم‏، وتذكيرهم‏ لكي‏ لا‏ يؤخذوا‏ من‏ هذه‏ النقاط‏ على‏ حين‏ غرة.
المخابرات‏ تدرك‏ انه‏ إذا ما‏ تم‏ ترتيب‏ خلوة‏ مصطنعة‏ لاثنين‏ من‏ المجاهدين‏ في‏ جو‏ غير‏ مشبوه‏ فإنهما سيتناجيان‏، وسيذكٌر‏ كل‏ مجاهد‏ أخاه بأن‏ لا يعترف‏ على‏ الأسلحة، أو العمليات أو إذا سألوه‏ عن‏ عملية‏ معينة‏ أن ينكرها.. وأن‏ ينفي‏ أي علاقة‏ مع‏‏‏ (س‏ أو ص‏‏‏)، وبعد‏ استجواب‏ روتيني‏، يتم‏ استدعاء‏ الأخ الآخر إلى المكتب‏، ويتظاهر‏ المحقق‏ بأنه‏ يحتاج‏ قهوة‏ ويحتاج‏ ملفاً‏، فيبدأ‏ بالصراخ‏ على‏ الجندي‏ أو على‏ المحقق‏، حيث‏ يتظاهرون‏ بأنهم لا يسمعون‏ صوته‏ هنا‏ يستشيط‏ غضباً‏ ويخرج‏ من‏ المكتب‏ لمحاسبتهم‏، وإحضار حاجته.. حيث‏ يخلو الجو‏ للاخوة.. وهذه‏ فرصتهما‏ التي‏ يتمنيا من‏ الله‏ أن يحققها‏ لهما.. فان‏ تحدثا‏ بأي‏ شيء‏ سيكون‏ مسجلاً‏ بجهاز‏ تسجيل‏، وبناء‏ على‏ هذه‏ المعلومات‏ سيتم‏ اعتقال‏ اخوة‏ جدد‏. والحصول‏ على‏ طرف‏ خيط‏ جديد..
وقد‏ يرتب‏ هذا‏ الشرك‏ في‏ حجرات‏ الزنازين‏، حيث‏ يوضع‏ الاخوة‏ في‏ حجرتين‏ متجاورتين‏ وبينهما‏ كوة‏ صغيرة‏، بحيث‏ يسمح‏ لهم‏ الظرف‏ عند‏ ابتعاد‏ السجان‏ من‏ الحديث‏ الطويل‏، وقد‏ يستمر‏ وجودهم‏ في‏ تلك‏ الحجرات‏ يوماً‏ أو يومين‏، وذلك‏ راجع‏ لمدى‏ استفادة‏ المحقق‏ منهم‏ من‏ خلال‏ جهاز‏ التسجيل. وقد‏ يرتب‏ هذا‏ الشرك‏ في‏ غرف‏ الإدارة حيث‏ يتم‏ استدعاء‏ كل‏ أخ على‏ حده‏، للقاء‏ الصليب‏، أو المحامي.. أو القاضي‏، وهناك‏ تسمح‏ لهم‏ الفرصة‏ أن يلتقوا‏ بعيداً‏ عن‏ أعين المخابرات‏ ولكن‏ بجوار‏ آذانهم حاسة‏ سمعهم.. وقد‏ يرتب‏ هذا‏ الشرك‏، في‏ سيارة‏ عسكرية‏، حيث‏ تحملهم‏ وهم‏ معصوبو‏ الأعين.. ويستلمهم‏ ضابط‏ عسكري‏، كل‏ أخ باسمه.. وتذهب‏ بهم‏ السيارة‏ والجنود‏ في‏ الليل‏ إلى مناطق‏ بعيدة تحت‏ ساتر‏ ترحيلهم‏ إلى سجن‏ حربي وفي‏ الطريق‏ يتم‏ تعطيل‏ السيارة‏ بصورة‏ متعمدة.. حيث‏ ينزل‏ الجنود‏، ويربطون‏ الاخوة‏ بشكل‏ قوي‏، ويحذرونهم‏ من‏ الهرب‏ وبينما‏ يذهب‏ جنود‏ لإحضار سيارة‏ جديدة‏، يقف‏ جندي‏ بعيداً‏ لحراستهم‏، أو ينزل‏ الاخوة‏، بجوار‏ غابة‏ حيث‏ يربطون‏ بشجرة‏، ويقف‏ جندي‏ من‏ بعيد‏ حارساً‏ عليهم‏، يأمرهم‏ بعدم‏ الكلام.. وكأنه‏ يستفزهم‏ للحديث‏، بحيث‏ ما‏ إن يلهو‏ عنهم‏ بشيء‏، أو يتركهم‏ لمعاينة‏ السيارة‏، أو إحضار شيء‏ ما.. يقتنص‏ الاخوة‏ غياب‏ المحقق‏، ‏وابتعاد‏ الجندي‏ للحديث‏ عن‏ العمل‏ والقضية‏ والأسلحة، والاخوة‏ الذين‏ لم‏ يعتقلوا.. ظانين‏ أنهم‏ بعيدون‏ عن‏ سمع‏ المخابرات‏، وجهاز‏ التسجيل لقد‏ مارس‏ ضباط‏ المخابرات‏ هذه‏ الحيلة‏، في‏ العديد‏ من‏ المرات‏، وكانوا‏ ينجحون‏ في‏ الحصول‏ على‏ المعلومات‏ في‏ اعتقال‏ اخوة‏ جدد‏ بناءً‏ على‏ هذه‏ المعلومات‏ ويواجه‏ هؤلاء‏ الاخوة‏ في‏ أقبية التحقيق‏ بمعلومات‏ دقيقة.. عن‏ الأسلحة المخزنة‏ عندهم‏، أو عن‏ العلميات‏ التي‏ شاركوا‏ فيها، وعن‏ دورهم‏ في‏ العمل‏ العسكري.. وقد‏ يرتب‏ هذا‏ الشرك‏ من‏ خلال‏ المحقق‏ نفسه‏ الذي‏ يمثل‏ دور‏ معتقل‏، ويرتدي‏ زي‏ السجن‏ ويضع‏ الكيس‏ على‏ رأسه‏، والقيد‏ البلاستيكي‏ في‏ يديه‏ من‏ الخلف‏، ويقف‏ بجوار‏ أحد الاخوة‏، وبعد‏ دقائق‏ يحضر‏ الأخ الثاني‏ ويتم‏ إيقافه من‏ قبل‏ الجندي‏_ كأنما‏ بالخطأ‏ -‏ بجوار‏ زميله‏، وعندما‏ يوقفه‏ يسأله‏ بصوت‏ منخفض‏ اسمك؟ فيجيب‏ الأخ احمد.. ويذهب‏ الحارس.. حيث‏ يجد‏ الأخ الأول ضالته‏، ويبدأ‏ الحديث‏ مع‏ أخيه.. لضبط‏ عملية‏ التحقيق‏، وتوجيهه‏ لعدم‏ الاقتراب‏ من‏ دوائر‏ خاصة‏ جداً‏ حيث‏ يكون‏ المحقق‏ قد‏ سمع‏ هذا‏ الحديث‏، وحصل‏ من‏ الاخوة‏ على‏ المعلومات‏ التي‏ يحتاجها.
على‏ المجاهد‏ وهو‏ يواصل‏ معركة‏ جهاده‏ في‏ أقبية التحقيق‏، ألا يغفل‏ عن‏ جوهر‏ صراعه‏، وعن‏ طبيعة‏ عدوه‏ وعن‏ الكثير‏ من‏ أشكال الشراك‏ التي‏ يمكن‏ أن تنصب‏ له‏ ولاخوته‏، وألا يخدع‏ كما‏ خُدع‏ الذين‏ من‏ قبله‏، وأن‏ يضيع‏ الفرصة‏ على‏ المحقق‏ ويفشل‏ أسلوبه، وعليه‏ أن يُحذر‏ اخوته‏ من‏ الحديث‏ والثرثرة‏، والغفلة‏ عن‏ ذاتهم.. وعليه‏ أن يذكر‏ أن غياب‏ المحقق‏ كشخص‏ لا يعني‏ غياب‏ أجهزته، وأن‏ هذه‏ اللقاءات‏ التي‏ يمكن‏ أن تحدث‏ ليست وليدة‏ بالصدفة‏، بل‏ هي‏ متعمدة‏ ومقصودة‏ لأجل الحصول‏ على‏ مزيد‏ من‏ المعلومات.. ولا‏ يسقط‏ في‏ هذا‏ الشرك‏ ألا المتهورون‏، الانفعاليون‏، الذين‏ يفكرون‏ بعاطفتهم.. فعندما‏ يلتقي‏ أخ مع‏ أخيه في‏ أي ظرف‏ من‏ هذه‏ الظروف‏ عليه‏ أن يضبط‏ نفسه‏ وأن‏ يتعامل‏ بشكل‏ طبيعي‏ كأنه يجلس‏ مع‏ غريب‏، ‏وعلى المجاهد اعتماد الإشارات في مخاطبة زميله وأن يعتمد على إشارات النظر والأفكار خاصة في مجالات العمليات والأسلحة وأن يعتمد أسلوب الحوار الذاتي ، أو الحوار مع السماء .. أو الحوار مع المجهول .. أي الأسلوب غير المباشر لنقل أفكاره لأخيه لصياغة تفكيره ، وتوجيهه إلى الأفكار وعدم الاعتراف وعدم الحديث .. (ويمكرون‏ ويمكر‏ الله‏ والله‏ خير‏ الماكرين) .
التاسع والعشرون - أسلوب الماء‏ البارد‏ :
في‏ برودة‏ الشتاء‏ القارصة‏، وخاصة‏ في‏ ساعات‏ الليل‏، يستعمل‏ المحققون‏ الماء‏ البارد‏ كأداة‏ تعذيب‏، إذ عندما‏ يصر‏ المناضل‏ على‏ الإنكار ولا يدلي‏ باعتراف يضعه‏ المحقق‏ تحت‏ الماء‏ البارد‏ لفترة‏ معينة‏ وإذا وجده‏ عنيداً‏، صلباً‏ ثابتاً.. يأمره‏ بخلع‏ ملابسه‏ ويدخله‏ تحت‏ دوش ماء‏ بارد‏ سيال‏ ويتركه‏ تحته‏ لساعات.
إن اختلاف‏ درجة‏ حرارة‏ الجسم‏ الطبيعية‏ الكبير‏ عن‏ درجة‏ حرارة‏ الماء‏ البارد‏ جداً‏، يؤدي‏ لحظة‏ وضع‏ المناضل‏ تحت‏ الماء‏ إلى سرعة‏ في‏ دقات‏ القلب‏، وصعوبة‏ في‏ التنفس‏، وتجمد‏ في‏ الأطراف وارتجاف‏ الجسد يستغل‏ المحقق‏ هذه‏ الحالة‏ لمساومة‏ المناضل‏ على‏ الاعتراف فإذا ثبت‏ على‏ موقفه‏، يبدأ‏ المحقق‏ بإحضار الماء‏ المثلج‏ من‏ الثلاجة‏ وبقطع‏ الثلج‏، فيصبها‏ على‏ الجسم‏ لكي‏ يزيد‏ من‏ حالة‏ الألم‏، ويترك‏ المناضل‏ يجالد‏ البرودة‏ لساعات‏ طويلة.
وأحياناً‏ يوقظ‏ المناضل‏ في‏ منتصف‏ الليل‏، لإزعاجه أكثر‏، وينقل‏ من‏ دفء‏ الفراش‏ في الزنزانة‏، ويمارس‏ معه‏ أسلوب التعذيب‏ بالماء‏ البارد‏، لقسوة‏ أثره في‏ هذه‏ الحالة.
وأحياناً‏ يتم‏ ترك‏ المجاهد‏ عارياً‏ في‏ مكان‏ مكشوف‏ في‏ ليالي‏ الشتاء‏ الزمهريرية‏ في‏ البرد‏ الصقيعي‏ وتحت‏ إعصار الرياح‏ اللاهبة‏ كالسياط‏، مما‏ يؤدي‏ إلى اضطرابات‏ في‏ المعدة‏، والإصابة بالرشح‏ والزكام‏ ويسبب‏ التقيؤ‏ والإسهال والسعال‏ الشديد‏ وتجمد‏ الأطراف وتصلب‏ الجسد.
إن شدة‏ إيقاع وتأثير‏ الماء‏ البارد‏ والريح‏ الصقيعية‏ على‏ الجسد‏ تكون‏ في‏ أقصاها لحظة‏ انهمار‏ زخات‏ الماء‏ الأولى أو لسع‏ الرياح‏ في‏ البداية‏، ثم‏ ما‏ يلبث‏ الجسد‏ أن يعتاد‏ إلى حد‏ ما‏ على‏ هذه الحال‏ المؤلمة وقد‏ تعرض‏ عدد‏ من‏ المناضلين‏ لهذه‏ التجربة‏ القاسية‏ ولكنهم‏ خرجوا‏ منها‏ دون‏ أن يعترفوا‏، لأنها مجرد‏ أسلوب عادي‏ ضمن‏ أساليب التعذيب، والذي‏ يستطيع‏ الصمود‏ في‏ اللحظات‏ الأولى لن‏ تؤثر‏ في‏ معنوياته‏ هذه‏ الطريقة‏ من‏ التعذيب‏، وبذلك‏ يفشل‏ المحقق‏ مرة‏ ثانية‏ وينتصر‏ المناضل‏ الذي‏ رفض‏ الاعتراف.
الثلاثون - الحرمان‏ من‏ النوم‏ والوقوف‏ المستمر‏ :
ويعتبر‏ هذا‏ الأسلوب من‏ الأساليب التي‏ ترافق‏ المجاهد‏، طوال‏ فترة‏ وجوده‏ في‏ أقبية التحقيق سوى‏ بعض‏ التسهيلات‏ التي‏ تُعطى‏ في‏ فترات‏ متقطعة‏ للذين‏ يقدمون‏ اعترافات‏ كاملة‏، ويدلون‏ بمعلومات.
 فالمجاهد‏ من‏ لحظة‏ اعتقاله‏ ودخوله‏ أقبية التحقيق‏، ‏وبدء‏ التحقيق‏ والتعذيب‏ معه‏، يتم‏ توقيفه‏ بأغلاله‏ ووجهه‏ مقابل‏ جدار.. ويبعد‏ عن‏ الجدار‏ بمقدار‏ 30 ‏سنتميتراً‏، وطالما‏ هو‏ واقف‏ فهو‏ يقظ‏ ولا ينام.. وقد‏ يستمر‏ وقوفه‏ لأيام طويلة‏، والنوم‏ مرتبط‏ بهذا‏ الوقوف.. إن الوقوف‏ المستمر‏ على‏ القدمين.. يؤدي‏ إلى إرهاق الأعصاب، وعدم‏ تحمل‏ القدمين‏ ثقل‏ الجسم.. حيث‏ يُحبس‏ الدم‏ في‏ القدمين‏ نتيجة‏ لعدم‏ الحركة‏، وهذا‏ يؤدي‏ إلى انتفاخ‏ القدمين‏، وتورمهما.. بحيث‏ أن الحذاء‏ بعد‏ أيام لا يعود‏ يتسع‏ لهما..! ‏
إن هذا‏ الإرهاق العصبي‏ للمجاهد‏ متعمد‏، وكلما‏ طال‏ أمد الوقوف‏، زادت‏ نسبة‏ الإرهاق وزاد‏ الألم بحيث‏ إذا صمد‏ المجاهد‏ في‏ الأيام الأولى رغم‏ قساوة‏ الألم.. فإنه‏ يحتاج‏ إلى شجاعة‏ أكبر‏ وصبر‏ أعمق‏ كلما‏ زادت‏ فترة‏ الوقوف.. وكما‏ يحتاج‏ الإنسان للهواء‏ لكي‏ يعيش‏ فهو‏ كذلك‏ يحتاج‏ للنوم.. إن النوم‏ ضرورة‏ من‏ ضروريات‏ الحياة لذلك‏ تستخدم‏ المخابرات‏ الصهيونية‏ في‏ معركة‏ التحقيق‏ كل‏ ما‏ تستطيع‏ من‏ أساليب لإجبار المجاهد‏ على‏ الاعتراف فيأتي‏ الحرمان‏ من‏ الجلوس‏ و‏الحرمان‏ من‏ النوم‏ ليضغطا‏ عليه‏ بقسوة‏ مطردة.. وضغط‏ السهر‏ والوقوف‏ يؤثر‏ان تأثيراً‏ سلبياً‏ داخلياً‏ على‏ أعصاب المجاهد‏، ونفسيته.. انهما‏ يؤثران‏ على‏ إرادته من‏ الداخل‏، ‏بينما‏ المحقق‏ يواصل‏ ضغطه‏ من‏ الخارج‏، ليلتقي‏ الضغط‏ الداخلي‏ والخارجي‏ حول‏ هدف‏ واحد‏، هو‏ كسر‏ إرادة المجاهد‏، وتحطيمها فإذا‏ كان المجاهد‏ قادراً‏ على‏ الصمود‏ والصبر‏ أمام ضغوط‏ المحقق‏ الخارجية‏، لأنه أمام عدو‏ واضح‏ صريح‏ مكشوف فان‏ قدرته‏ تقل‏ وهو‏ يواجه‏ ذاته‏ من‏ الداخل.. إن النوم‏ يواجهه‏ كل‏ لحظة‏، وهو‏ يتمنى‏ أن ينام ولكن‏ كيف‏ يمكن‏ أن ينام‏ وهو‏ واقف‏، وخلاياه‏ العصبية‏ أوشكت على‏ الذبول‏، بحيث‏ أن قدميه‏ أصبحتا تتخدران‏، فإذا نام‏ وهو‏ لا يستطيع‏ إرادياً‏ التغلب‏ على‏ النوم‏ سيجد‏ نفسه‏ وقد‏ سقط‏ أرضاً.. بينما‏ تنهال‏ سياط‏ الجندي‏ الحارس‏، الذي‏ يلاحقه‏ برش‏ الماء‏ البارد‏ على‏ مؤخرة‏ رقبته‏، لكي‏ يتوزع‏ الماء‏ على‏ جميع‏ حلقات‏ العمود‏ الفقري فالمطلوب‏ منه‏ أن يكون‏ يقظاً‏، وأن‏ يبقى‏ يقظاً فكيف‏ يمكن‏ أن يصمد‏ المجاهد‏ طوال‏ فترة‏ التعذيب‏ وهو‏ منهك‏ ويقظ‏ وواقف‏ على‏ قدميه..؟
إن الصبر‏ والتحمل‏ لمواجهة‏ أسلوب الحرمان‏ من‏ النوم‏ والوقوف‏ المستمر.. يحتاج‏ إلى استعداد‏ نضالي‏ وإيمان بالقضية.. فإذا انفصل‏ الصبر‏ والتحمل‏ عن‏ المضمون‏ الجهادي‏ يصبحان‏ كلمات‏ جوفاء.
إن الإيمان بقضية.. يغرس‏ في‏ قلب‏ المجاهد‏ قوة‏ روحية‏ كبيرة.. أكبر‏ من‏ قوة‏ الألم.. لذلك‏ ينتصر‏ الصبر‏ على‏ الألم.. ويغرس‏ في‏ قلبه‏ دوافع‏ قوية‏، أقوى من‏ ضغط‏ السهر‏ والوقوف‏ وضغط‏ المحقق‏ الكافر.. لذلك‏ ينتصر‏ التحمل‏ على‏ الإرهاق.. ينتصر‏ المجاهد‏ على‏ المحقق.
 يقول‏ المجاهد‏ "وديع" في‏ لحظات‏ الإرهاق القاتل‏، والسهر‏ المضني‏، ‏كان‏ الله‏ يرحمنا‏ بسنة‏ من‏ النوم‏، ‏قد‏ لا تتجاوز‏ دقائق‏، أو ثواني.. وعندما‏ نستفيق.. نجد‏ أن حيويتنا‏ وطاقاتنا‏ ردت‏ لنا‏، وكأننا‏ نمنا‏ نوماً‏ عميقاً.. نستطيع‏ بعده‏ أن نواصل‏ السهر‏ لساعات‏ وأيام..
 ويقول‏ المجاهد‏ "جمعة" استمر‏ التحقيق‏ معي‏ 45 ‏يوماً‏ ولم‏ أذق النوم‏ إلا فترات‏ قليلة‏ فقط.. وطلبوا‏ مني‏ الاعتراف‏ بإلقاء قنبلة‏، الحكم‏ عليها‏ مدى‏ الحياة‏ في‏ حالة‏ الاعتراف.. وعندما‏ كنت‏ أجد نفسي‏ على‏ حافة‏ الانهيار‏ كنت‏ أتذكر وجه‏ أطفالي الصغار.. فتصيبني‏ هزة‏ من‏ الداخل أتركهم‏ مدى‏ الحياة.. أم أصبر‏ أياماً.. وكنت‏ أتجلد بقوة‏ صمود‏ جديدة‏ تدفعني‏ للصبر‏ والتحمل‏ حتى‏ لو‏ استمر‏ الوقوف‏ والسهر‏ شهوراً.. إن دافع‏ عدم‏ ترك‏ الأطفال جعله‏ يتحمل‏ 45 ‏يوماً‏.. فكيف‏ بدافع‏ الإيمان العميق‏ بالله‏ وبالقضية اعتقل‏ الأخ حسين‏، وبدأت‏ المخابرات‏ دورة‏ تحقيق‏ عنيفة‏ معه‏ من‏ أجل‏ انتزاع‏ اعتراف‏ منه‏، ولكنه‏ كان‏ صلباً‏ كالطود‏، ولم‏ يتراجع‏ عن‏ موقفه‏ الثابت.. استخدم‏ المحققون‏ معه‏ عدة‏ أساليب من‏ أجل‏ تركيعه‏ أو دفعه‏ للاهتزاز‏ والاعتراف.. ولكنه‏ لم‏ يعترف‏، وكلما‏ نالوا‏ منه‏ بالتعذيب‏ كلما‏ زاد‏ إصراره، وثباته.. ورغم‏ تأثره‏ بعوامل‏ الضغط‏ والتعذيب‏ الخارجية‏ إلا أن روحه‏ كانت‏ تشرق‏ دوماً‏ بالصمود‏، وإرادته كانت‏ تورق‏ بالثبات..
 قرر‏ المحققون‏ أن يمارسوا‏ معه‏ أسلوب السهر‏ والحرمان‏ من‏ النوم‏، ومن‏ الجلوس‏، ‏وأن‏ يبقى‏ واقفاً.. يحرسه‏ جندي‏ وبدأوا في‏ عد‏ الأيام في‏ مفكرة‏ خاصة‏ به إن للنوم‏ كحاجة‏ بيولوجية‏ سلطاناً‏ على‏ الجسد‏ مع‏ مرور‏ الساعات‏، والأيام والليالي‏ يهاجمه‏، وهو‏ مرهق‏، متعب‏، كلما‏ كان‏ النوم‏ يحاول‏ أن يتغلب‏ عليه‏ لثوان.. كان‏ الجندي‏ يلكزه‏ ليوقظه‏ وليمنعه‏ من‏ النوم في‏ وضعية‏ الوقوف‏ لا يستطيع‏ الإنسان النوم‏ طالما‏ أعصابه مشدودة وأية سنة‏ من‏ النوم‏ إذا ما‏ سيطرت‏ على‏ الإنسان وهو‏ في‏ وضعية‏ الوقوف‏ يتأرجح‏، ويسقط‏ على‏ الأرض.. حيث‏ يستيقظ‏ مباشرة.. ويستمر‏ الصراع‏ على‏ الجسد‏ الواقف‏ بين‏ قوة‏ النوم‏، وسهر‏ الجندي‏ الرابض‏ لمنعه‏ من‏ النوم بقي الأخ حسين‏، لفترة‏ أحد عشر‏ يوماً‏ متواصلة‏ بدون‏ انقطاع‏ ممنوعاً من‏ النوم‏ وفي‏ الأيام الأخيرة.. سيطر‏ لا شعوره المرهق‏ عليه وبدأ‏ في‏ الهذيان‏، ولم‏ يعد‏ يسيطر‏ بشكل‏ طبيعي‏ على‏ نفسه‏ وبينما‏ كان‏ الضابط‏ المحقق‏ يسجل‏ في‏ مفكرته‏ اليوم‏ الحادي‏ عشر حضر‏ المدير‏ العام‏ لقسم‏ التحقيق‏ واستدعاه.. وعندما‏ جلس‏ الأخ حسين‏ على‏ الكرسي.. وارتخت‏ أعصابه، وتخلص‏ من‏ مضايقة‏ الجندي‏ سقط‏ رأسه‏ على‏ الطاولة‏ رغم‏ إرادته.. صرخ‏ عليه‏ المدير‏ وحاول‏ أن يوقظه‏، ويتحدث‏ معه‏، وفي‏ اللحظة‏ التي‏ كان‏ يرفع‏ رأسه‏، كانت‏ تخرج‏ منه‏ كلمات‏، وجمل‏ غريبة‏ غير‏ مفهومة وكان‏ رأسه‏ المثقل‏ يسقط‏ من‏ جديد.. استدعى‏ المدير‏ الضابط‏ المحقق‏، وسأله‏ كم‏ يوماً‏ لم‏ ينم‏ هذا‏ الأسير..؟ أجاب أحد عشر‏ يوماً ذهل‏ المدير‏ وقال: أحد عشر‏ يوماً.. لقد‏ جننتموه.. نحن‏ لا نريده‏ أن يجن نحن‏ نريد‏ معلومات.. وأمر فوراً‏ بإنزاله إلى الزنزانة‏ لكي‏ ينام‏ أربعة أيام متواصلة.. ليعود‏ لحالته‏ الطبيعية‏، ويستمر‏ التحقيق‏ معه.. حتى‏ يعترف.
 رغم‏ أن جانب‏ وعي‏ الأخ حسين‏ لم‏ يعد‏ قادراً‏ على‏ تحمل‏ الأرق، والإرهاق والنعاس‏ الملح‏، ولم‏ يعد‏ قادراً‏ على‏ مواجهة‏ قهر‏ النوم‏ الدافق‏ ورغم‏ الضغط‏ المتواصل‏ على‏ الإرادة لكي‏ تلين‏، وتستسلم.. إلا أن روحه‏ المشبعة‏ بالإيمان والوعي‏، والموقف‏ الرسالي‏ كان‏ يرفد‏ إرادته فيصلبها ويحولها‏ إلى فولاذ.. وأمام هذا‏ الضغط‏ المتواصل.. اهتز‏ جانب‏ الوعي‏ وكاد‏ أن ينهار‏، فاستيقظ‏ اللاوعي‏، لكي‏ يغطي‏ جانب‏ الفراغ‏ الذي‏ تركه‏ الوعي‏ في‏ محيط‏ النفس‏ مما‏ شكل‏ حالة‏ ما‏ تشبه‏ الهذيان.
 إن الإرادة تدفع‏ الوعي‏ للأمام.. كانت‏ تدفعه.. عبر‏ هدف‏ ثابت‏، وهو‏ الانتصار.. ولكن‏ الوعي‏ كواجهة‏ للمادة‏ اهتز.. وترنح‏، وكاد‏ أن يسقط‏، وبقيت‏ الإرادة لكي‏ يُثبت‏ أن الإنسان معجزة.
 لقد‏ انتصرت‏ إرادة الإنسان المسلح‏ بالإيمان.. رغم‏ اهتزاز‏ جانب‏ الوعي‏، ‏في‏ معركة‏ التحقيق‏، وتحصل‏ على‏ مكافئة‏ إجبارية من‏ أعدائه.. وقد‏ وفرت‏ الأيام الأربعة التي‏ نام‏ فيها‏ الأخ حسين‏ له‏ مجالاً‏ جديداً‏ لعودة‏ جانب‏ الوعي‏ المحكوم‏ بقوانين‏ الجسد‏ إلى طبيعته‏، ‏وواجه‏ التحقيق‏ والوقوف‏، والحرمان‏ من‏ النوم‏ من‏ جديد‏ ولكن‏ هذه‏ المرة‏ بإحساس جديد‏، مشبع‏ بروح‏ الانتصار.
الواحد والثلاثون - أسلوب الحرق‏ السياسي‏ التشويه :
إن‏ دور‏ القائد‏ أو‏ الرمز‏ في‏ التنظيم‏ دور‏ أساسي فهو‏ المركز‏ الذي‏ تتمحور‏ حوله‏ البنية‏ التنظيمية، وهو‏ الشخص‏ الأكثر‏ معرفة‏ بأسرار‏ التنظيم‏ وأفراده كما‏ أن‏ له‏ قيمة‏ معنوية‏ كبيرة حيث‏ يشكل‏ القدوة‏ لعناصر‏ التنظيم‏ الذين‏ ينظرون‏ إليه على‏ أساس أنه‏ إنسان‏ غير‏ عادي إنه‏ البطل.
لذلك‏ يهتم‏ رجال‏ الأمن الصهاينة‏ بإلقاء القبض‏ على‏ القيادات‏ التنظيمية‏، ‏ويبذلون‏ من‏ أجل‏ ذلك‏ جهداً‏ كبيراً وإذا حدث‏ وأن‏ تمكنت‏ أجهزة المخابرات‏ من‏ اعتقال‏ قائد‏ تنظيمي‏ فإنهم‏ يحاولون‏ الحصول‏ منه‏ على‏ المعلومات‏ بشتى‏ الأساليب ولكن‏ أخبث‏ أساليب يعمدون‏ إليها هي محاولة‏ حرق‏ القائد‏ سياسياً‏ أو تشويه‏ صورته، وإظهاره
بمظهر‏ الضعيف‏ الخائف‏ الذي‏ يقدم‏ لهم‏ المعلومات‏ بسهولة، ‏وينشرون‏ حوله‏ الإشاعات من‏ أجل‏ إضعاف معنويات‏ أفراد التنظيم‏ الذين‏ كانوا‏ يكنون‏ له‏ احتراماً‏ وتقديراً‏ بالغين إنهم‏ يستعملون‏ هذا‏ الأسلوب من‏ أجل‏ تحطيم‏ الثقة‏ التي‏ تجمع‏ أفراد التنظيم، ‏ومن‏ أجل‏ تشويه‏ المعاني‏ النبيلة‏ والمبادئ‏ التي‏ تجسدها‏ الرموز‏ والقيادات‏ الحركية‏ في‏ شخصيتها‏ وسلوكها، ومن‏ أجل‏ الحصول‏ على‏ معلومات‏ أكثر‏ عن‏ التنظيم. يحاول‏ جهاز‏ التحقيق‏ إظهار القائد‏ المعتقل‏ بمظهر‏ الإنسان الجبان‏ الضعيف، أو بمظهر‏ الإنسان الأناني الذي‏ تهمه‏ مصلحته، ويرتب‏ مسرحية‏ يستخدم‏ فيها‏ أعلى أساليب الخداع وقد‏ يحضر‏ المحقق‏ القائد‏ المعتقل‏ وهو‏ في‏ زي‏ مدني‏ نظيف‏ ويجلسه‏ على مقعد‏ مريح‏ وحوله‏ بعض‏ ضباط‏ المخابرات‏ وهم‏ يتبادلون‏ الأحاديث كأنهم‏ في‏ جلسة‏ ودية ومن‏ فتحة‏ صغيرة‏ في‏ الحائط‏ أو الباب‏ يحضر‏ المجاهدين‏ الآخرين المنهكين‏ من‏ التعذيب‏ ويجعلهم‏ يشاهدون‏ قائدهم‏ وهو‏ في‏ وضعية‏ تبعث‏ على‏ الشك بعدها‏ يتوجه‏ المحقق‏ في‏ وجه‏ المجاهد‏ الذي‏ يشعر‏ أنه‏ خدع: "ألم اقل‏ لك. لقد‏ اعترف‏ بكل‏ شيء. لقد‏ باعك‏ وباع‏ التنظيم‏ وضحك‏ عليك لقد‏ اعترف‏ بكل‏ شيء دون‏ أن نمسه‏ بأذى".. قد‏ يفرض‏ المحقق‏ على‏ القائد‏ الأسير أن يظهر‏ بزي‏ عسكري‏ وهو‏ يجالس‏ المحققين، وقد‏ يضع‏ أمامه صحون‏ الفاكهة‏ المختلفة‏ وزجاجات‏ العصير وفي‏ كل‏ مرة‏ يتم‏ بها‏ عرض‏ هذه‏ المسرحية‏ يستمر‏ الإعياء وتزداد‏ الضغوط‏ على‏ المجاهدين وقد‏ يعمد‏ المحقق‏ إلى وضع‏ القائد‏ في‏ سيارة‏ عسكرية‏ وهو‏ يلبس‏ الزي‏ العسكري، وتنطلق‏ به‏ السيارة‏ في‏ أزقة المخيم‏ أو القرية‏ وحول‏ منزله‏ حتى‏ يشاهده‏ جميع‏ من‏ يعرفونه‏ على‏ هذه‏ الحال من‏ أجل‏ تمرير‏ خدعة‏ كبيرة، وهي‏ إن هذا‏ القائد‏ الذي‏ كان‏ رمزاً‏ للجماهير‏ ليس‏ أكثر‏ من‏ عميل‏ في‏ جهاز‏ المخابرات.
إذا كان‏ المجاهد‏ ضعيفاً‏، وثقته‏ بقضيته‏ مهزوزة‏ فإنه‏ سرعان‏ ما‏ يهتز‏ تحت‏ شدة‏ التعذيب، ويتأثر‏ كثيراً‏ بصورة‏ القائد‏ التي‏ تهشمت‏ في‏ خياله‏ وينهار‏ ويعترف‏ تحت‏ مبرر‏ المظاهر‏ التي‏ شاهد‏ قائده‏ فيها‏ ولكن‏ على‏ القائد‏ الذي‏ يتعرض‏ لهذه‏ المحنة‏ أن يكون‏ مدركاً‏ لهذه‏ اللعبة‏ فإذا أجلسوه مع‏ المحققين‏ وأمامه أطباق الفاكهة‏ فإن‏ عليه‏ أن يقلبها‏ وأن‏ يرفض‏ الحوار‏ مع‏ المحقق‏، وإذا وضعوه‏ في‏ سيارة‏ عسكرية‏ عليه‏ أن يصرخ‏ بأعلى صوته‏ (الله‏ اكبر‏ الله‏ اكبر.. يسقط‏ الاحتلال.. تحيا‏ فلسطين) وعندها‏ سيضطر‏ الجنود‏ إلى ضربه‏ ومنعه‏ من‏ الصراخ‏ وهكذا‏ تتحول‏ محاولة‏ الحرق‏ والتشويه‏ إلى عملية‏ فضح‏ وتسفيه‏ لجهاز‏ التحقيق‏ وعلى‏ الجماهير‏ أن لا تهتز‏ من‏ سقوط‏ بعض‏ الرموز‏ أو ضعفها‏ سواء‏ كانت‏ عملية‏ سقوطهم‏ كاذبة‏ ومجرد‏ تلفيق‏ من‏ المخابرات‏ أو كانت‏ صحيحة‏ لأن‏ عظمة‏ الفكرة‏ والتضحية‏ غير‏ مرهونة‏ بأفراد معينين‏ وليست‏ عملية‏ النضال‏ مرهونة‏ بشخص‏ واحد‏ إن القائد‏ يستمد‏ قوته‏ وصدقه‏ من‏ إيمانه بقضيته‏، والقضية‏ لا تستمد‏ قوتها‏ وصدقها‏ من‏ شخصية‏ أي قائد‏ أو أي رمز (أفئن‏ مات‏ أو قتل‏ انقلبتم‏ على‏ أعقابكم..).
الاثنان والثلاثون - أسلوب التصغير‏ والتحقير‏ :
يحاول‏ المحقق‏ أن يحطم‏ نفسية‏ المجاهد، وأن‏ يغرس‏ الذلة‏ في‏ قلبه‏ وأن‏ يهز‏ قناعاته‏ بفكرته لذلك‏ يعمد‏ إلى إهانته وتحقير‏ أفكاره وإشعاره انه‏ شيء‏ بسيط‏ لا قيمة له، ‏وإن‏ المبادئ‏ التي‏ يحملها‏ ليست‏ أكثر‏ من‏ شعارات‏ غير‏ صحيحة‏ وقصص‏ ساذجة ويحاول‏ المحقق‏ أن يهين‏ المعتقل‏ بالبصق‏ في‏ الوجه‏ بشكل‏ مستمر‏، أو بحلق‏ لحيته‏ وشاربه، أو حلق‏ جزء‏ منهما‏ وإبقاء جزء‏ بشكل‏ مشوه‏ ومضحك‏، ‏وقد‏ يطلب‏ منه‏ أن يمشي‏ مقلداً‏ الكلب‏ أو أن يمشي‏ على‏ أربع وأن‏ يردد‏ عبارات‏ مهينة‏ مثل‏ (أنا حمار.. أنا خائن.. أنا كلب.. إلى آخره..) ‏ويقصد‏ من‏ وراء‏ ذلك‏ قتل‏ معاني‏ الصمود‏ والبطولة‏ في‏ النفس والذي‏ يقبل‏ الخضوع‏ مرة‏ سيخضع‏ في‏ كل‏ المرات‏، والذي‏ يتجاوب‏ مع‏ المحقق‏ في‏ هذه‏ الأمور الصغيرة‏ سيتجاوب‏ معه‏ في‏ أمور أكبر‏ وأخطر فعملية‏ التحقيق‏ عبارة‏ عن‏ جملة‏ من‏ التأثيرات‏ والإيحاءات النفسية وليست‏ عملية‏ تعذيب‏ مادي‏ لمجرد‏ الإيلام الجسدي‏ وقد‏ يلجأ‏ المحقق‏ إلى تحقير‏ وتصغير‏ المعتقدات‏ المقدسة‏ لدى‏ المعتقل‏ فمثلاً‏ يكثر‏ المحقق‏ من‏ استعمال‏ عبارات‏ ضد‏ الذات‏ الإلهية (تعالى‏ الله‏ عما‏ يقولون‏ علواً‏ كبيراً) ‏فيقول (الله‏ في‏ الدرج‏ أغلقت عليه.. إنه‏ سجين‏ مثلك) ‏والرسول‏‏ -‏ حاشاه‏ -‏ كاذب والقرآن‏ ألفه‏ محمد‏ وكله‏ كذب والحديث‏ عن‏ بني‏ إسرائيل كقوم‏ مختارين‏ مفضلين‏ على‏ العالمين، وإيراد بعض‏ الآيات الكريمة‏ التي‏ تتحدث‏ عن‏ بني‏ إسرائيل وتفسيرها‏ بشكل‏ ملتو‏ لمصلحة‏ اليهود.
إن أسلوب التحقير‏ والتصغير‏ أسلوب صغير‏ وحقير‏ ولا يؤثر‏ في‏ المجاهد‏ الصادق وعلى‏ المجاهد‏ أن يلجأ‏ إلى الرفض‏ دائماً‏، وأن‏ يمتنع‏ عن‏ التجاوب‏ مع‏ المحقق‏ في‏ إرضاء نزعته‏ المشوهة‏ إلى تشويه‏ النفس‏ وكسر‏ الكرامة‏ لدى‏ المعتقل ليس‏ على‏ المجاهد‏ أن يصبر‏ فقط وإنما عليه‏ أن يتحدى‏ السحاب، لأن‏ التحدي‏ هو‏ القاعدة‏ الأساسية لإفشال هذا‏ الأسلوب .

خاتمة‏
عبر‏ مسيرة‏ الجهاد‏ الطويلة‏ ؛‏ منذ‏ التاريخ‏ الغابر‏ حتى‏ يومنا‏ هذا‏، تقدمت‏ قوافل‏ الشهداء‏ بين‏ يدي‏ الله.
ويحدثنا‏ القرآن‏ الكريم‏ عن‏ أولئك الذين‏ صبروا‏ أمام العذاب‏ والخوف‏ على‏ إيمانهم، وكانت‏ إرادتهم أقوى من‏ الضعف‏ ولم‏ يلينوا‏ ولم‏ يستسلموا‏ فقد‏ عذب‏ أصحاب الأخدود المؤمنين‏، ويئس‏ الطغاة‏ ولم‏ ينالوا‏ ما‏ يريدون‏، من‏ رد‏ المؤمنين‏ عن‏ إيمانهم، وصعدت‏ أرواح الشهداء‏ مع‏ ترتيل‏ القرآن‏ العظيم‏: "وما‏ نقموا‏ منهم‏ إلا‏ أن يؤمنوا‏ بالله‏ العزيز‏ الحميد‏ الذي‏ له‏ ملك‏ السماوات والأرض والله‏ على‏ كل‏ شيء‏ شهيد".
ووصل‏ اليهود‏ والطغاة‏ إلى مرحلة‏ العجز‏ وهم‏ يعذبون‏ الرسل‏ الكرام‏ من‏ يحيى‏ وزكريا‏ إلى عيسى‏ عليهم‏ السلام‏، ولكن‏ رسالة‏ الأنبياء نفذت‏ إلى الناس‏ بنصر‏ الله‏، وذهب‏ الطغاة‏ إلى مصيرهم‏ المحتوم‏ وباءوا بغضب‏ الله‏ وعذاب‏ جهنم.
وتعرض‏ آل‏ ياسر‏ وسمية‏ وعمار‏ إلى عذاب‏ أبي لهب‏، ونالا‏ الشهادة‏، ونال‏ أبو لهب‏ لعنة‏ أبدية وصمه‏ بها‏ القرآن‏ الكريم ولم‏ تكن‏ عاقبة‏ الطاغية‏ يزيد‏ والحجاج‏ سوى‏ سخط‏ الناس‏ عليهم‏، وظل‏ دم‏ الحسين‏ سيد‏ الشهداء‏ كفيلاً‏ بتثبيت‏ المؤمنين‏ الرساليين‏ على‏ المحنة‏ ودليلاً‏ لهم‏ في‏ الشدائد.
 ولم‏ يستطع‏ الإنجليز إخضاع القسام‏ ولا‏ رفاقه‏ المجاهدين‏، ‏وكانت‏ شهادتهم‏ اكبر‏ انتصار‏ لقضيتهم‏، وما‏ زلنا‏ نروي‏ ظمأ‏ الطريق‏ من‏ نبع‏ عطائهم‏ الذي‏ لا ينفذ‏، ولم‏ يستطع‏ زبانية‏ موسوليني‏ أيام الاستعمار‏ الإيطالي لليبيا‏ إن يكسبوا‏ بتعذيب‏ عمر‏ المختار‏ وقتله.
ولكن‏ شهادة‏ المختار‏ كانت‏ بداية‏ النهاية‏ للاستعمار‏ الإيطالي.
وفي‏ الجزائر‏ كان‏ الجنرال‏ الفرنسي‏ بيجار‏ يحاول‏ الحصول‏ بشتى‏ أساليب التعذيب‏ من‏ العربي‏ المهيدي‏ على‏ معلومات‏ عن الثورة‏ والأسرار التنظيمية‏، ولكن‏ روح‏ المهيدي‏ رفرفت‏ في‏ سماء‏ الطمأنينة‏ والرضى‏ وانتصر‏ الجزائريون‏ بصمود‏ المهيدي‏ ورفاقه وكانت‏ شهادة‏ سيد‏ قطب‏ أعظم‏ المؤلفات‏ والدروس‏ التي‏ استلهمها‏ المجاهدون‏ من‏ بعده.
وكان‏ صمود‏ عبد‏ القادر‏ أبو الفحم‏ درساً‏ ما‏ زال‏ يتردد‏ صداه‏ في‏ قلوب‏ المجاهدين وشهادته‏ معلماً‏ للمناضلين‏، وما‏ زال‏ الدم‏ الزكي‏ للشهداء‏ البررة‏ مصباح‏ الصوري‏ وخالد‏ الشيخ‏ خليل‏، وزكريا الشوربجي ، وعماد عقل ، وعصام براهمة، وخالد شحادة ، وأنور عزيز، يقدم‏ لنا‏ عطاء‏ أكبر‏ مما‏ استطاع‏ هؤلاء‏ الشهداء‏ تقديمه‏ لامتهم‏ ووطنهم‏ وهم‏ أحياء.
لقد‏ كان‏ بإمكان‏ أولئك الشهداء‏ جميعاً‏ النجاة‏ بحياتهم‏، وتوفير‏ العذاب‏ واختيار‏ الحياة‏ السهلة‏، ولكنهم‏ لو‏ فعلوا‏ ذلك‏ لعاشوا‏ حياة‏ شقية‏ بائسة‏ لا يرضون‏ فيها‏ عن‏ أنفسهم دقيقة‏ واحدة‏، ولكانوا‏ خسروا‏ دنياهم‏ وآخرتهم‏، ولكانت‏ شعوبهم‏ من‏ بعدهم‏ خسرت‏ الدرس‏ التربوي‏ العظيم‏ ومنجزات‏ شهادتهم‏ التي‏ كانت‏ هي‏ جوهر‏ الانتصارات‏ وباعثها.
ولا‏ تحسبن‏ الذين‏ قتلوا‏ في‏ سبيل‏ الله‏ أمواتاً‏ بل‏ أحياء عند‏ ربهم‏ يرزقون فرحين‏ بما‏ آتاهم الله‏ من‏ فضله‏ ويستبشرون‏ بالذين‏ لم‏ يلحقوا‏ بهم‏ من‏ خلفهم‏ أن لا خوف عليهم‏ ولاهم‏ يحزنون. يستبشرون‏ بنعمة‏ من‏ الله‏ وفضل‏ وان‏ الله‏ لا يضيع اجر‏ المؤمنين
إن الصمود‏ والإيمان هما‏ الشرط‏ الذاتي‏ الذي‏ يحقق‏ الانتصار‏ وفي‏ التحقيق‏ تدور‏ معركة‏ بين‏ المحقق‏ وبين‏ المجاهد والذي‏ يصمد‏ فيها‏ حتى‏ النهاية‏، ويمتلك‏ إيماناً‏ قوياً‏ هو‏ الذي‏ ينتصر.
وأن‏ عملية‏ التحقيق‏ هي‏ مسرحية‏ معدة‏ بدراسة‏ ومعرفة‏ من‏ جانب‏ جهاز‏ المخابرات‏ والأمن، فإذا كان‏ المناضل‏ مدركاً‏ لأبعاد المسرحية‏، واستطاع‏ أن يدرك‏ أن كل‏ ألاعيب المحققين‏ هي‏ عملية‏ تمثيلية‏، ‏استطاع‏ أن يفلت‏ من‏ المحنة‏ دون‏ أن يحقق‏ هدف‏ المحقق وفوت‏ عليه‏ فرصة‏ بانتزاع‏ المعلومات‏ التي‏ قد‏ تفشل‏ العمل‏ الذي‏ يناضل‏ الأسير من‏ أجله‏، والتي‏ قد‏ تؤدي‏ باخوة‏ آخرين له‏ إلى محنة‏ السجن‏ والتعذيب.
ومعرفة‏ المجاهد‏ بأساليب التحقيق‏ وبطبيعة‏ الجهاز‏ الأمني للعدو‏ هو‏ الشرط‏ الموضوعي‏ للتغلب‏ على‏ العدو‏ في‏ حالة‏ الوقوع‏ في‏ الأسر وتحت‏ التعذيب.
لذلك‏ على‏ المجاهد‏ أن يعمق‏ معرفته‏ بأساليب التحقيق‏ وبطرق‏ مواجهة‏ المحقق.
وقد‏ قدمنا‏ في‏ الصفحات‏ الماضية‏ بعض‏ الإيضاحات المبسطة‏ لأساليب التحقيق‏ وطرق‏ مواجهتها‏ والتغلب‏ عليها.

 

0 التعليقات:

إرسال تعليق